السؤال
أنا متزوجة في شقة وأخوات زوجي البنات متزوجات في شقق قريبة مني في نفس العمارة وحماتي في منطقة بعيدة، فكل فترة تأتي لزيارة أولادها فتمكث عندي وتأتي بناتها بأبنائهم وأعمل على خدمتهم جميعًا دون أي مساعدة منهم، كأن بيتي هو بيت العائلة لأن العرف أن الأم تمكث في بيت ابنها وليس في بيت بناتها.
وأنا لدي ثلاثة أطفال صغار، في أول الأمر كنت أحاول ألا أضايق زوجي بالكلام، الآن لم أعد أتحمل الوضع خصوصًا أن أم زوجي لا تأتي يومًا وتنصرف، من الممكن أن تظل عندنا لمدة أسبوع، أليس من حقي أن أعترض؟!
أسأل عن رأي الدين، هل أنا ملزمة بخدمتها ومن معها؟! لأني أصبحت كارهة للوضع وبسبب ذلك كثر شجاري مع زوجي حتى وصل الأمر لقطع علاقتي بهم لمدة عام، الآن والدة زوجي تقول إن المسامح كريم وزوجي يريدني أن أراضيهم وأدخلهم بيتي وأخدم أمه وأنا نفسيًا كارهة لذلك.
ما رأي الدين لأن المشكلة في سلبية زوجي مع أمه وإخوته، لا يتكلم معهم، وحين أتكلم يغضبون من كلامي وتحدث مشاكل بسبب أنهم مستبيحين بيتي وغرفة نومي وملابسي، وفي فترة وجود والدته في بيتي تنتهك أسرار بيتي، مثل ماذا طبخت؟ ماذا أرتدي؟ حتى ما يدور بيني وبين زوجي؟ كيف أنام؟ ماذا أفعل في غرفة نومي على حسب الموقف؟!
فهل أنا ملزمة بخدمة والدته طوال فترة مكثها في بيتي، أسأل عن رأي الدين؟!
الرد
أهلا بكِ ابنتنا الكريمة ضيفة على موقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية أو صفحاتنا على مواقع التواصل.
لقد كررت في رسالتك السؤال عن رأي الدين في خدمة أهل الزوج ثلاث مرات، فهل لو قلنا إنك غير ملزمة شرعا ستُحل أمورك؟!
نعم، لستِ ملزمة شرعًا بالخدمة، كما أن الرجل غير ملزم بعشرات الأشياء ويفعلها ابتغاء المودة والرحمة وأنتِ أيضًا غير ملزمة بعشرات الأشياء تفعلينها حبًا ورضًا.
من المهم أن نسأل عن الحكم الشرعي للأمور التي تستجد علينا أو نختلف فيها، لكن من المهم أيضًا أن نفهم الغايات والمقاصد الشرعية للمسائل التي نستفتي فيها، ولا نقف فقط على الحكم الشرعي بل نجاهد أن نصل إلى موائمات ترضي الرب ولا تشقي النفس.
فلو قلنا إنك غير ملزمة شرعًا بالخدمة لكنك علمتِ أن هذا مما يسعد زوجك، ويجعله راضيًا عنكِ لإكرامكِ لأهله، أفلا تجددين نيتك إكرامًا لزوجك؟! هل إذا بذلتِ حبًا لزوجك ألن يبادلكِ إكرامًا بإكرام مما يصب في مصلحة الزواج أكثر مما لو قلتِ “أنا غير ملزمة شرعًا” وأغلقتِ الأبواب في وجه زائريكِ؟!
ثمة مقياس آخر بجانب مقياس الشرع، هو مقياس العدل والفضل، فلو تعامل الزوجان بالعدل فقط، بما يعني حقوق وواجبات، لأصبحنا في محكمة، ولانتزع من الزواج مقصده ( المودة والرحمة).
إذًا، ميزان الفضل هو الميزان المعين على الأمور التي استثقلتها النفس، فيتفضل الزوج على الزوجة بأمور ليست من واجباته، كما تتفضل الزوجة على الزوج بأمور ليست من واجباتها فينعمان بود وسكينة.
قد يرتاح بالك أنكِ غير مأمورة شرعًا بخدمتهم، فهل ستتحملين جفاء الزوج عنكِ لأنك جافيتِ أهله؟! أم تستعيني بالله ألا يحملك ما لا طاقة لكِ به وتكرميهم ابتغاء وجهه وإكرامًا لزوجك، مع تعلم كيفية وضع الحدود حتى لا تُنتهك أسرار بيتك!
ابنتنا الكريمة:
نتفهم أن كثرة الزيارات بجانب أعبائك مع الصغار هو أمر ليس باليسير، ربما لا يتعبك المجهود بقدر ما يتعبك إفشاء أسرار بيتك، وعدم ارتياحك في موضع راحتك، وسبحان الله على الحكمة التي تقول (زر غِبا تزدد حبا)ؤأي زر على مسافات متباعدة حتى يشتاق إليك الأحبة.
ابنتنا الكريمة:
أشرتِ في كلامك أن ثمة قطيعة قد حدثت بالفعل وتريد أم الزوج أن تعيد المياه إلى مجاريها، فعليكِ أن تستفيدي مما حدث وتضعي شروطكِ مع زوجك في شكل وكيفية العودة، فتستطيعين وضع حدود لما يناسبك، أشركي زوجك بلطف.
ويبدو أن أم الزوج قد شعرت بقيمة فتح بيتكم لها ولبناتها لذا تحاول الرجوع عن القطيعة، ولعلها أدركت مسببات المشاكل في السابق وبالفعل ستبدأ عهدًا جديدًا معكِ، فاتفقي مع الزوج بحب وود قبل رجوع العلاقات عن شكل الزيارات، وكيفية تنبيه الأم بعدم نقل ما يدور في بيتكم خارجه، وذلك في حدود ما يليق بحق الأم.
كذلك تستطيعين وضع حدود بعدم دخول غرفتك، ولو لزم الأمر فيمكنكِ إغلاقها بمفتاح أثناء تواجد الأهل، وتحفظي فيما تقولين أمامهم، وكوني حازمة في وضع الحدود.
تعاملي مع أطفال العائلة بأريحية أكثر في وضع الحدود، فتستطيعين تغيير عادتهم في بيت خالهم عما إذا وجهتِ حديثَكِ للكبار، سيتعلم الأطفال أن هناك حدودًا لا تنتهك تحت أي ظرف إلا بالرجوع إليكِ، وضع الحدود هو السلاح الأول في تحجيم المشكلات في العلاقات ذات الطبائع المنفتحة،
قد ينزعج البعض من وضع الحدود في بادئ الأمر- هذا الانزعاج- أفضل من أن تتجدد المشكلات مع كل انتهاك للحدود، كما نوصيك ابنتنا الكريمة ألا تضعي الزوج بين مطرقة إرضائك، وسندان أهله، فالمرأة الصالحة أذكى من أن تضع زوجها في هذا الموضع.
قد يسوء الزوج ما يسوؤك بالظبط لكنه لن يمنع أمه من بيته، لا يقول عاقل بذلك، فلا تدخليه في هذا المعترك، فإن رأى منك صبرًا وتحملًا سيحمل لك هذا المعروف، وذاك الفضل، ولربما أوتي الوسيلة وزاد عنك بطريقة لا تقطع رحمه ولا تحزن أمه، نعم لك كل الحق في أن تستثقلي أمر خدمتهم، لكن لا تظلمي زوجك بأن يقف بينك وبين أمه، فبذكاء المرأة المعروف، تستطيعين تحجيم تدخلهم والتقليل من زيارتهم، بطريقة لا تجعل أحد يخطئك.
فمرة تستقبليهم بمنتهى الإحسان، ومرة تطلبي تأجيل الزيارة لمرض الأبناء، أو لزيارتك لأهلك، فيدركون مع الوقت أن لك مشاغل، وعندك ظروف، المهم أن تكون الطريقة مهذبة، ولا تصلي لحد الصراع والاحتدام معهم أبدًا، فهم أهله، وسيظلون أهله.
كما أنه من الذكاء أن تطلبي منهم بعض المساعدة، كأن يحملوا عنك الصغير، ويساعدوك في تحضير الطعام وهم يتسامرون في أماكنهم، فاستمرارية الزيارات تحتم عليهم فعل ذلك من تلقاء أنفسهم، فإذا لم يراعوكِ فاطلبي ذلك بلطفٍ وذكاء ولا لوم عليك مطلقًا.
ابنتنا الكريمة:
برغم ما في رسالتك من التعرض للمشقة والعناء، إلا أن بها لفتة طيبة، فقد كررت كلمة (بيتي) أكثر من مرة مما يعزز شعورك بالانتماء لهذا البيت، ليس هذا فحسب، بل عدم منازعة زوجك لك في أحقية وجود أهله بدعوى أن البيت وهو حر في تحديد من يدخل وماذا يفعل فيه!
نعم البيت ملك للرجل ماديًا، لكنه ملك للمرأة معنويًا، وهذا بمنطوق الشرع حينما أشار في أكثر من موضع: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ”، أو كما قال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، إلى غيرها من الآيات التي تؤنس الزوجة بالملكية المعنوية للبيت، مما يحسن بالرجل أن ييسر لها سبل الراحة فيه وإعانتها على تجنب ما يعكر كدرها وصفوها في بيتها، غير أنا نذكرك أيضًا بتذكر ثواب صلة الرحم وبركة فتح بيتكم لأهل الزوج، فحينما يشق علينا أمرًا نحتسبه لله ونتذكر الثواب حتى لا نجعل للشيطان علينا سبيلًا.
يذكرنا الحبيب المصطفى أن صلة الرحم من دلائل الإيمان فقال- صلى الله عليه وسلم: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ).
كما يذكرنا بجزاء صلة الرحم حينما قال-: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ).
فاصبري واحتسبي واجتهدي في وضع الحدود ولكِ الجنة على عونكِ لزوجك بإكرام رحمه.
أعانكِ الله وهدى الأرحام لحسن العشرة والتراحم فيما بينهم، وتبديل المواقف والمواقع، وأن تفتح البنات بيوتهن أيضًا لاستقبال أهلهم في الحدود التي تناسب ظروف أزواجهن، فكل ما دار في فلك الأرحام من ودٍّ وتراحمٍ تعود بركته على أهل البيت عاجلًا غير آجل، فاللهم ارزق أهل زوجكِ هذا النضج وهذا الفهم، واحلل البركة على بيوت المسلمين بصلة أرحامهم.