عندي مشكلة مع زوجي وأهله، وأنا مقيمة عند أهلي منذ شهر، زوجي معتمد على أهله ولا يتحمل المسؤولية، وبسبب ذلك يتحكمون في حياتي، ويتدخلون في كل شؤوني، ولا أشعر معهم بالخصوصية نهائيا.
أخوات زوجي سيئات الأخلاق، رغم معاملتي الحسنة لهن، ويوقعون بيني وبين أمهم ويغضّبون زوجي مني!
زوجي عنده مشكلة في الإنجاب، لا يمكنه إتمام الأمر إلا بالحقن المجهري، ولم أكتشف هذا الأمر إلا بعد الزواج، مع العلم أنه تزوج قبلي امرأتين، وحين سألته عن الإنجاب قال إن الأمر ليس فيه مشكلة عنده.
أجرينا الحقن المجهري 3 مرات، مرة سقط الجنين، ومرة مات الطفل، ومرة أخيرة لم يحدث حمل بسبب مشكلة في العينة، كل هذا وأنا متحملة وصابرة، وأقول هذا هو النصيب.
إلى أن سافرت أمهم السعودية وتركت شؤون البيت معي، بناتها اتهموني أنني أخرب البيت، وآخذ منه إلى بيت أهلي، وهذا افتراء في حقي، وأقسم أن شيئا مما قالوا لم يحدث، لكن أمهم صدقتهم واتهمتني أنني خنت الأمانة!
حزنت وبكيت كثيرًا، حينها اعتذر لي زوجي ووعدني باستئجار شقة مستقلة، لكني أعلم أنه لن يستطيع ذلك، كما أنني لن أستطيع أن أستمر معهم في البيت بعد الذي قيل في حقي من ظلم وافتراء؛ فتركت البيت، حينها قال لي زوجي: “كل واحد فينا يروح لحاله، وزي ما دخلنا بالمعروف، نخرج بالمعروف”.
ومن يومها ونحن لا نتكلم مع بعضها، وتفاجأت أنه سافر إلى السعودية للحج، ولم يفكر حتى أن يعتذر لي أو يجبر بخاطري، لا أدري صراحة كيف يذهب إلى الحج ونحن في هذا الوضع؟!
كنا نود وزوجك يتحدث عن [الانفصال بالمعروف] أن يكون قد دخل أيضًا بالمعروف، ونقصد بالمعروف هنا عدم التغرير بكم وكتمان أن لديه بعض المشاكل في الإنجاب، فقد ورد في مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: “قلت: الرجل يتزوج المرأة وهو عقيم لا يولد له؟ قال [أحمد]: أعجب إليّ إذا عرف ذا من نفسه أن يبيّن، عسى امرأته تريد الولد. قال إسحاق: كما قال، لأنه لا يسعه أن يغرّها”.
هذه واحدة مما لم يحسن فيها الزوج وقت تقدمه، ثمة معروف آخر نتحدث عنه وهو مسؤولية الزوج تجاه رسم الحدود في المعاملات بين أهله (أمه وإخوته البنات) وبينك، بحيث يحفظ لك مكانتك وسط إخوته، ويٌلزم كل واحد حده بلطف وبأدب، بحيث لا يطغى حق على حق.
يفهم بعض الأزواج البر أحيانًا بصورة خاطئة، فيقيمون أداء الزوجة طوال الوقت، ولا يراجعون أهليهم أبدًا! هذا المنهج قد يكون له بعض الوجاهة والعقلانية مع الأم، ومع ذلك نقول ليس على إطلاقه هكذا، فلا معنى أبدًا أن تتوغل سلطات أخوات الزوج ليفسدوا على الأخ وزوجته حياتهم ولا يتدخل الزوج لحل المشكلة!
خصوصًا إذا رضيت الزوجة وأقامت في نفس البيت تيسيرًا على الزوج، فوجب هنا إشعار الزوجة بأن لها مساحة خاصة تدير شئونها فيها من غير أن يتدخل أحد، وإكرامًا للزوجة وللأهل، نرى أنه من الأفضل [فصل السكن] لضبط حدود العلاقة والحفاظ على قدر طيب من الود والاشتياق، وتقليل الاحتكاك وبالتالي يقل التدخل تلقائيًا.
نذكر الزوج بقول الله تعالى: {وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجً} (الطلاق: 2).
قد يكون بحسابات الزوج الحالية من الصعب فصل حياتكم عن حياتهم، لكن نذكر كل من في نفس ظروفكم بقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم: ” ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف”، فالله يعينه إن عزم أمره بإذن الله.
ننتقل بحديثنا للأهل.. جزى الله أهل الزوجة أن يسروا على الزوج بالموافقة على هذا الوضع، والذي نرى أنه لا بد وأن يكون بشكل مؤقت، فدوام الحياة بهذا الوضع، يعكر صفو أي علاقة، فالشيطان يحرش بين القلوب وهي بعيدة، ويحرش بأسباب وبغير أسباب، وبهذا الاختيار، نهيئ له الطريق، أن حرش ولا حرج، فيقع بناتنا أسرى لمشكلات كانوا في غنىً عنها، فكثرة الخلطة تؤدي إلى حدوث المشكلات، وكثرة القيل والقال، بينما التزاور على مسافات بعيدة يجعل جميع الأطراف يشتاقون إلى بعضهم البعض، يقول المثل: (زر غبًّا تزدد حبًّا)، هذه المقولة قاربت الحقيقة كثيرًا.
فنهيب بأولياء أمور البنات أن يتقوا االله في بناتهم ويسلموهم لرجال يتقون الله فيهم، رجال مسئولون، وإن أردتم التيسير بحق فإن مراتبه وأشكاله عديدة، فاحفظوا لبناتكم أساسات الحياة الكريمة، فالسكن المنفصل حق أصيل للزوج والزوجة.
ولنا في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة، فقد تزوج أمهات المؤمنين في حجرات منفصلة، والرسالة واضحة، نحن بشر، ولن يسلم الأمر من مواقف تفسد على الأم والزوجة العلاقة، فما يفعله الأهل بشبابهم وبناتهم بدعوى التيسير، نجده ينقلب على الجميع كما نحن الآن بصدده!
ابنتنا الكريمة: جبر الله خاطرك بقدر ما صبرت وما اتقيت الله في زوجك وأهله، وبما تغاضيت عنه من إخفائه أمر مشاكله في الإنجاب.
نتفهم حرج التحدث في الأمر، ثمة ألف طريقة ترفع عنه الحرج، فالصدق منجاة وإن رأينا أن الهلكة فيه، فكثير ممن يوضحون ظروفهم الصحية أو أي قصور لديهم، يجدون إكبارًا لهم من الأهل، واحتراما لظروفهم وذلك ببركة الصدق.
قد لا يكون زوجك عقيمًا بالتمام، لكن لديه مشكلة عافاه الله ورزقكم الذرية الصالحة، يقينًا كان سيختلف استقبالك للأمر إذا ما صرح بذلك وهو متقدم- خصوصًا أنك سألت-، ولكن قدر الله وما شاء فعل، ومع ذلك استقبلت ذلك بالصبر واحتساب الأجر، يجزيك الله خيرًا، ويخلف عليك خيرًا كثيرًا.
نذكر كل زوج أن يرحم ضعف امرأة استكانت في ظله، ورضيت بتبعات ارتباطها بزوجها- أيا كانت هذه التبعات-، فليتق الله فيها، ولا يظلمها.
لا نعلم الظروف التي سافر بها الزوج من غير وداع لك ولا جبرًا لخاطرك، لكن يتضح لنا من رسالتك، أن أمر تركك للبيت قد يكون أغضبه كثيرًا، لا نقول إنه معذور، لكنا نبحث في الأسباب حتى يتيسر لنا الحل بإذن الله، وها قد حدث الهجر وطال البعاد، فكيف ترين حالك بعيدا عن زوجك؟!
هل ما زلت تحملين له ودًا يجعلك تبدأين بالسلام (فخيرهما الذي يبدأ بالسلام)؟
هل لدى أهلك الحكمة في إعادة ترتيب الأوراق بشكل صحيح، بطلب الانفصال في بيت خاص بعيدًا عن الأهل؟!
السائلة الكريمة: قد تسمعين كلامًا ممن حولك، يوغر صدرك أكثر، ويباعد المسافات بينك وبين زوجك، فلا تنصيتي إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، [اسمعي لصوتك الداخلي] بعيًدا عن تلك الجلبة، واسألى نفسك:-
- هل ترين في زوجك مقومات تجعل هذا الزواج سعيدًا، حتى وإن بدا متعثرًا؟!
- ما الصفات الإيجابية في زوجك؟ ارصديها وحدثي نفسك بها، فإذا تجلت لك حقائق طيبة في شخصه، ووجدت فيه ما يسر حقًا، فدعك من الكبر، وإطالة الخصام، ولترسلي رسالة فيها عتاب رقيق، ومباركة بالحج، فلن يضيع خير تفعلينه سدى، فالكلمة الطيبة لها فعل السحر: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، أولى الناس بالحسن أهلونا وأزواجنا وأولي أرحامنا.
لا تدخلي معه في حديث القيل والقال، فينتصر المغرضون من أهله وينالون من استقرار زواجكم الكثير، وبدلًا من الدخول في التفاصيل، اطلبي منه أن يدعو الله وهو ملبٍ أن يرزقكم المسكن المريح، وابذلي أيضًا في دعائك بأن يقدر الله لك الخير حيث كان ويرضيكِ به، وإن لم نستخير ونحن في الرخاء، فلا نتراخى عن واجب الاستخارة والدعاء ونحن في شدة، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.
ولعل ذهابه للحج فيه مستراحٌ للجميع، يلملم كل طرف منكم نفسه ويعيد حساباته، وما أحزنك بالأمس قد يكون هو طوق نجاتك اليوم وأنت لا تدرين، ففي بعض الأحيان يحتاج الزواج أن تهدد أركانه حتى يعرف كل طرف قيمة الطرف الآخر، وحتى ينصلح المعوج، بدلًا من أن نحيا أيامنا هكذا محسوبة من أعمارنا، لا نتذوق فيها ودًا ولا سكينة كما أراد الله لنا من تشريع الزواج.
وفي الختام نذكرك ابنتنا الكريمة:
- بأن البيوت تُبنى على الصبر.
- وأن سبيل الإصلاح صعب لكنه يحمل من الخير الكثير، فاستعيني بالله يصلح لك شأنك.
- واعلمي أنك تستحقين حياة كريمة لا سلطان لأحد عليك إلا زوجك طالما يتق الله فيكِ.
- ومثل هذه المشكلات التي يدخل فيها أطراف عدة، وفيها القيل والقال لن تحل بكثرة نقل الكلام.
- ركزي على مطالب مشروعة معقولة، واسألي الله أن يرزقك الحكمة حتى إذا ما قضى لك بالعودة تكونين صاحبة حق لا محقوقة.
- تذكري أنا في الدنيا (دار ابتلاء)، فلن نستطيع صرف كل أذى نعرض له، لكنا نستطيع بحول الله وقوته تحسين الظروف التي تمنع تكراره، وهذا ما تبذلين جل جهدك فيه.
أصلح الله لك حالك وجمع بينك وبين زوجك على خير، وهدى لك أهله، وصرف عنك أذاهم، فسبحانه هو ولي ذلك والقادر عليه.