ما رأي الدين في شخص تقدم ليتزوجني وهو من دولة غير دولتي لكنه مسلم ومتدين يعرف الله حقا، ولكن أهلي رفضوه لأنهم لا يعرفون أهله؟!
السائلة الكريمة،
يقول المولى عز وجل: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}؛ هذا هو الأصل، أن يتعارف الناس من أمصار شتى، ولن نجد رباطًا أثمن من رباط الزواج لمد جذور التواصل والود.
لكن ومع الأسف قيدتنا الأعراف والقبلية كثيرًا وفضل الناس الارتباط بمن يعرفون أصله وفصله عن الارتباط بمن يأتي من خارج حدود معارفهم، رغم أن الواقع يثبت نجاح زيجات لأزواج وزوجات أتوا من بلدان مختلفة وثقافات مغايرة.
“إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”، هذا الحديث يشير إلى الشرط الذي وضعه الشرع، والأساس في عملية الاختيار وهو الدين.
فإذا وثقنا في دين المتقدم، ورأينا أن مثله لا يرد، فهذا أساس متين نبحث بعده في مناسبة ظروف المتقدم ماديًا وإجتماعيًا أو عدم مناسبتها، كما علينا أن نحترم رأي الأهل وتخوفهم على ابنتهم، ونطلب منهم التروّي في الرد وعدم التسرع بالرفض، فقد نجهل المتقدم وأهله بداية، لكن ثمة طرق شتى تعرفنا بهم، فبسؤال الدوائر القريبة من المتقدم قد يجد الأهل إجابة تثلج صدورهم إذا شهد المقربون له ولأهله بالخير والصلاح.
وإذا كان ما يزعج الأهل احتمال سفركم إلى بلد الزوج يومًا ما، وبهذا تبعدين عنهم، نذكرهم بكم من بنات جاوروا الأهل في مساكنهم وفي بلادهم ولم يكن الأهل مطمئنين على بناتهم أبدًا!
قد تبدو المسافات والاغتراب شيئًا مزعجًا لدى الأهل في البداية، لكن إذا ما تحققوا أن المتقدم صاحب دين- إذا أحب ابنتهم أكرمها وإذا كرهها لم يظلمها- ضاعت حينها رهبة المسافات لدى الأهل، وباتوا مطمئنين على بناتهم أكثر ممن لو كانت تقطن بجوارهم ولكن مع زوج لا يكرمها ويهينها.
إن الزواج سكن ومودة ورحمة، فيحسن بنا ونحن نناقش الأهل أن يتم الأمر في هدوء، وأن نحترم تخوفات الأهل، وأن نهتم بخبرات من سبقونا في زيجات مشابهة فلعل لهم تجربة تفيد في مناسبة الأمر من عدمه،كما يجدر بنا أن نأخذ الأمر على مهل فلا داعي للعجلة، نسأل على مهل، نسأل أكثر من جهة، نسأل في كل ما يقلقنا، وأن تكون الاستخارة ديدنا والشورى منهجنا.
وبعد أن نأخذ بكل الأسباب اعلمي ابنتي أن الزواج نعم سكن ومودة ورحمة لكنه في نفس الوقت مليء بالتحديات، أحد هذه التحديات أهل المتقدم، فلا يعقل أن نقيم مناسبته لك من عدمها بعيدًا عن معرفتكم بأهله، فالأهل لهم وزن كبير في استكمال العلاقة وتقييم مدى مناسبة ظروف المتقدم لظروفكم، فإذا أمكن الاجتماع بأهل المتقدم على أرض الواقع يكن خيرًا، وإن استحال الأمر، فبرامج التواصل الاجتماعي تقرب المسافات كثيرًا، ليست كما المشاهدة عن كثب، لكن يمكننا تقييم الأمر بالتواصل معهم بالمتاح من وسائل، بعدها إذا حصل مزيد من الاطمئنان، أطلتم مدة الخطوبة قدر المستطاع، حتى تصير معاملات ومواقف مختلفة يتضح معها معادن الناس أكثر، وتصبح الصورة أكثر جلاءً ووضوحًا.
وأخيرًا وليس آخرًا، لا نملك بعد الاستخارة والاستشارة إلا أن ندعو الله أن يقدر لنا الخير حيث كان ويرضينا به، مع ضرورة تجنب هوى النفس؛ فإذا استخرنا وزاد تمسك الأهل بالرفض؛ نرضى، لعل الخير في عدم تمام الأمر، ويبدلك الله خيرًا منه إن شاء الله.