لدي ولد وبنت، الولد يكبر البنت بعامين، كانا في البداية هادئين ومتفاهمين إلا قليلًا، لكن بعد دخولهما المدرسة بدأ الأخ الأكبر يتعرّض للضرب من رفاقه، وحاولنا مع المدرسة لحل المشكلة لكن في الغالب كان الأمر غير خاضع للسيطرة، ومن وقتها والولد يتشاجر مع أخته، فأصبحا يتشاجران على كل شيء، وفي الغالب ينتهي الأمر دائمًا بضربه أخته، وهي بدورها تبكي وتتألم، والوضع مستمر ومتجدد، فما إن تنتهي مشاجرة إلا وتبدأ أخرى؛ شجار على اللعب أو على الآراء، والولد دائمًا يريد منها أن تقتنع بما يقول وتُسلّم به دون نقاش، وإلا يعتدي عليها.. لا أدرى هل يوجد حل لتلك المشكلة؟
الإجابة:
نعلم أختي السائلة أنّ رباط الأخوة هو من أوثق العُرَى، وأنه من أكثر الأمور التي إما أن تسبب للآباء اطمئنانًا في حال انصلحت علاقات الأبناء، أو قلقًا في حال كثر شجارهم وخلافهم، فلا أحد يُحب أن يرى بين أبنائه شقاقًا أو خلافًا، والمشكلات التي تَردُ إلينا بشأن علاقة الإخوة نقف أمامها باهتمام كبير.
والمشكلة في ظاهرها تبدو بسيطة بإذن الله، لكن التأخر في التعامل معها يُحدث العديد من التراكمات والمشاعر السلبية، سواء في رسم شكل العلاقة بين الابن والابنة مستقبلًا، أو تراكمات داخل الابنة تُسبّب عقدة قد تُؤدي بها إلى التمرّد والنفور من كل الذكور في حياتها لا قدر الله، من فرط التعنت وسوء المعاملة وفرض الرأي من أخيها.
ولكي لا يحدث هذا التأخر يجب أن تُنفقي وقتًا كافيًا للتفكير في سبب هذا السلوك من الابن بحيث لا تنشغلي بصخب هذه الخلافات على حساب فهم أسباب حدوثها، فقد يكون ما تفضلتِ به من ذكر لِمَا يواجهه ابنك في المدرسة سببًا وراء سلوكه مع الابنة، حيث يجدها حلقة أضعف يستطيع أن يخرج خلالها الغضب المتراكم داخله مما يواجهه في المدرسة.
وقد يكون الأمر مجرد طاقة زائدة في الابن يحتاج لتفريغها في ممارسة رياضة ما، ناهيك عن مساعدة الرياضة له في اكتساب قوة تساعده في مواجهة مشكلات المدرسة، وبخاصة إن اشترك في رياضة دفاعية.
وقد يكون الابن يعاني من الملل نتيجة كونه ولدًا وحيدًا لا يجد في المنزل من يبادله لغة البنين في اللعب، مما يدفعه لمنكافة أخته بطريقته هو، وهو ما لا تقبله هي، وربما من فرط ما يجد منك دفاعًا عنها فيشعره الأمر بالغضب والغيرة فتزداد الأمور سوءًا بدلًا من أن تتحسن. فهم كل ما فات يجعل الأمور أكثر وضوحًا وبعضها يجعلنا أكثر تفهمًا وأكثر قبولًا للابن وممارساته.
أما عمّا يمر به الابن في المدرسة فهو أمر يحتاج إلى معالجة سريعة وتصعيد، إما بالتواصل مع أولياء الأمور أو طلب دعم المعلمات، أو حتى التواصل مع الإدارة لاتخاذ اللازم، لأنّ بيئة التعلم تؤثر بشكل واضح على ظهور مشكلات، كالعنف إن لم تتم في إطار من المرح والراحة للطلاب، وإن لزم الأمر تغيير فصله أو حتى مدرسته فلا تترددي، لأن ما يحدث قد يترك في الابن أثرًا قد لا تزيله الأيام -لا قدر الله-.
لم يرد في السؤال المرحلة العمرية التي يمر بها الابن وما إذا كان في مرحلة تسمح له بمعالجة أموره في المدرسة بنفسه أم أنه لا يزال بحاجة لتدخلكم مباشرة، لكن من المفضل بشكل عام ترك المساحة له كي يعالج أموره بنفسه، دون أن يشعر بالتخلي عنه وبالطريقة التي توصل له أهميته ومقدار اهتمامكم به وحبكم له.
وهنا نؤكد أهمية احتواء الابن والتعبير له عن حبكم، فكلما شعر بالاحتواء والحب، نحيي هذا بسلوكه إلى المسالمة والرفق. كذلك اصنعي لحظات طيبة تجمعه بأخته واحرصي على أن يتهادا؛ فللهدية أثرها في إرساء الحب وتحسين علاقتهما، كما قال المصطفى- صلوات الله وعليه-: “تهادوا تحابوا”.
واجعلي تدخلك بينهما محسوبًا وموزونًا لئلا يشعر طرف منهما بجنوحك أو دفاعك عن الآخر فيزيد هذه سلوكه سوءًا، ودائمًا تحدثي بلسان كل منهما بشكل إيجابي عن الآخر، ولا تذكري أحدهما للآخر إلى بكل خير. كأن توصلي له مشاعر قلق أخته عليه عند تأخره، وتخبريها بحبه لها، الفتي انتباههما إلى حرصهما على بعض وحبهما الخير لبعضهما، دون أن يتم الأمر بصورة مباشرة منفرة أو فيها تركيز على أن العلاقة بينهما تتسم بالسوء.
قدمي لهما قصة سيدنا موسى- عليه السلام- وأخيه هارون كنموذج لأخوّة تحتذى، وكيف أنهما أكملا بعضهما البعض فموسى- عليه السلام- برغم قوة بنيانه كان في لسانه عثرة فاستقوى بأخيه: (وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِى فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَٰرُونَ) (الشعراء: 13)، وكيف يكون الأخ لأخيه سندًا وعضدًا (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)) (طه).
اجعلي ابنتك تحمل هموم أخيها واجعليه يحمل همومها، ذكريه أن أخته لديها امتحان قريب ليدعو لها، وذكريها أن أخاها واجه مشكلة ما في المدرسة واجعليها تتفقده، بل وحمّليهما بعض المسؤوليات التي تخص بعضهما، كأن تعد له أحيانًا الطعام واجعليه يقوم بتوصيلها لأماكن دروسها، فهذا من شأنه التقريب بينهما.
في النهاية نتمنى أن يكون الضرب أسلوبًا غير متبع بأي حال في البيت، وليكن شعارًا مرفوعًا بعدم استخدام الأيدي إلا في الخير، مع التحذير أن تعدي ذلك خط أحمر، يجب التعامل معه بحزم، فالجدال والاختلاف طبيعي لكن معالجته بالضرب هو ما لن يتم التسامح معه إطلاقًا.
اطلبي من ابنك وابنتك أن يسعى كل منهما لترك ذكريات طيبة دائمة، إذ إنهم يعيشون معًا بشكل مؤقت وإن طال إلا أنهما يومًا ما سيفترقان لسفر أو زواج، ولن تبقى إلا الذكريات بحلوها ومرها فليحرصا على جعلها ذكريات طيبة.
وبمناسبة الزواج يحتاج الابن الغالي أن يتعلم كيف يجب أن تعامل النساء برقة ولطف، وليعلم وصف النبي لهن (بالقوارير)، وليقتدِ به- صلى الله عليه وسلم- في معاملته زوجاته وبناته.
وليكن أبوه قدوة في معاملة أمه وابنته. ولتنصح الابنة كذلك باحترام أخيها وتقدير كونه رجلًا، ويلفت انتباه كليهما لهذا في مواقف الود وليس أثناء حصول خلاف حتى يقع الكلام لديهما موضع القبول.
واعلمي- أختي السائلة- مع كل هذا أن الوقت كفيل بإصلاح علاقتهما، فمن المعهود أن الأخت تكون حبيبة أخيها ومستشارته ومحاميته أحيانًا، يدركان هذا عندما يكبران قليلًا وفي حال أحسن الأهل إدارة خلافاتهما ولم يكونا سببًا في زيادتها.
وفي النهاية نوصيكِ بأن تلزمي الدعاء الذي وَرَدَ في كتاب الله: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) لعل الله يقر به عينك، وينصلح به حالهم، والله المستعان من قبل ومن بعد.