السؤال
عمري 48 سنة، ولا زلت أعاني من فوبيا علامات القيامة والخوف من الموت، اطلعت على كتاب يتحدث عن علامات القيامة وأنا في عمر 10 سنوات ومنذ ذلك الوقت وأنا أعيش في خوف تتعطل فيه حياتي بالكامل؛ دراستي، وحياتي اليومية، وصحتي.
أتمنى أن أجد عندكم المساعدة، شكرًا.
الرد
أهلا بك ضيفًا عزيزًا على موقع وصفحات المنتدى الإسلامي العالمي للتربية، نسأل الله لنا ولك أمنًا في الدنيا وأمانًا في الآخرة.
للفوبيا أسبابٌ كثيرة، منها:
- أسباب وراثية.
- التعرض لتجارب سلبية سابقة.
- وجود حالات فوبيا لدى الأقارب تعضد احتمالات تأثر الدوائر القريبة من الأهل.
- والنقطة الأهم هنا هو ما تعرضت له في سن العاشرة- القراءة في أحداث القيامة- فحينما تقرأ في أسباب الفوبيا، تجد أنه مكتوب نصًا أن الأطفال في سن العاشرة يزداد احتمال تعرضهم للإصابة بالفوبيا! وهذا مما قد يفسر مدى تأثرك بما قرأت!
لذا نهتم ككبار بمعرفة المحتوى الذي يتعرض له الصغار لتحديد مناسبته لأعمارهم من عدمه.
فطفل العاشرة ما زال يتعرف على الله من خلال النظر في خلقه، وليس من المناسب إطلاقًا أن يقرأ عن علامات القيامة بالتفصيل خصوصًا في عدم حضور الكبار، وباطلاعك حينها عرفت صور العذاب ولم تعرف معاني الرحمة، عرفت الأهوال ولم تعرف أن القيامة لا تقوم إلا على شرار القوم، عرفت المخاوف ولم يبث أحدهم الطمأنينة في قلبك.
حينما نتحدث عن أخطاء الماضي، أو مشاكل الطفولة التي ما زالت عالقة بالأذهان وممتدة الأثر؛ علينا في هذه الحالة اللجوء لمن يساعدنا، حتى لا نخطئ في حق أنفسنا مرتين؛ مرة في الطفولة بتعرضك لمحتوى غير مناسب، ومرة في الكبر بترك الفوبيا تتملكك وتعطلك عن المهام الحياتية.
السائل الكريم:
لا عذر لك الآن بترك نفسك الغالية- نفسك التي بين جنبيك- تعاني من فوبيا نشأت وتكونت في الصغر، ولم تبحث لها عن مخرج يرد لها حقيقتها(نفسًا مطمئنةً) حتى يتسنى لها القيام بما استخلفت فيه (عبادة الله).
فلا تبخل على نفسك بالذهاب لمختص، يعرف كي يتعامل بشكل مناسب مع عقد الطفولة.
ونصحح معك بعض المفاهيم التي قد تعينك على التجاوز بإذن الله:
- حينما قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرْ}؛ فهمنا هذا الاقتراب من قول الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين) أي: لا نبي بعدي، وبيني وبين القيامة أشراطها أو علاماتها (الكبرى والصغرى) فالاقتراب حدث بالفعل ببعث الرسول، فلا يشغلك متابعة العلامات الصغرى عن العمل، فقط عليك أن تتيقن أنها اقتربت والوقت والزمن في علم الله.
الأمر الآخر، أننا لم نسمع أن من أركان الإيمان، القراءة في علامات القيامة، لكننا نعلم يقينا أن من أركان الإيمان، الإيمان باليوم الآخر، ولا يكون العلم بغير عمل، فواجبنا الحقيقي العمل على أن نكون آمنين يوم القيامة، فاحذر في هذه المرحلة من القراءة في علامات الساعة وأهوال القيامة، اعمل على تحسين صلتك بالله أولًا، وأتبع ذلك بحسن الظن بالله، يقول الله تعالى: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} (القصص: 89).
قيل المقصود بالحسنة هنا قول “لا إله إلا الله”، فطالما قال المؤمن “لا إله إلا الله” ثم استقام، وعده الله بالأمن من الفزع، كما قال جل وعلا: {أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (فصلت: 40).
فاجتناب المحرمات، وكل ما يغضب الله، هو سبيل الأمان والزحزحة عن النار والفوز بالجنة، انظر إلى قول الله تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (سبأ: 37).
وهم في الغرفات آمنون، كفيلة أن تذهب عن النفس أي وحشة، وهي ثمرة التقرب لله بما أفاء علينا من مال وولد، فاجعله لله خالصًا؛ تكن في غرفات الجنة آمنًا، إذا فزع المرء من الظلام، أوقد الشموع بدلًا من أن يلعن الظلام.
فإذا فزعنا من أهوال يوم القيامة؛ بحثنا عن سبيل النجاة، وركزنا على كل ما يذكرنا برحمة الله، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إنَّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهو مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ)، فثبت الإيمان في قلبك أخي السائل أولًا قبل أن تسرف على نفسك في النظر إلى أهوال الساعة.
وحينما تصل بنفسك إلى مستوى جيد من النفس المطمئنة، ننتقل إلى الأصل فيما يجب أن يكون عليه حال المؤمن طوال الوقت، وهو التقلب بين الخوف والرجاء في علاقتك مع الله، خوف يدفعك للعمل، فاقرأ عن الجنة وعن ثواب الأعمال، وفي الوقت نفسه نخاف من التقصير في جنب الله.
متى نستجلب مقامَ الخوف إذًا؟
إذا وجد الإنسان ركونًا إلى العمل:
- يتذكر الذنوب والمعاصي، حتى يعادل الشعور بالغرور بعمله.
- النظر إلى ما يستحقه الملك بالمقارنة بما نفعل من طاعات وعبادات، فلو وزنت نعمة واحدة كنعمة البصر في كفة وأعمالنا في كفة لرجحت نعمة البصر، فلن نوفي الله حقه ما حيينا، يجب أن يتغلب علينا هذا الشعور حتى لا نركن لقليل العمل.
- التقصير في حسن أداء العمل؛ كالسرحان في الصلاة، والغفلة عن الذكر.
متى نستجلب مقام الرجاء؟
- عند التوبة الصادقة من الذنوب، نرجو من الله العفو الغفور، قبول التوب.
- عند طلبك حاجة، تذكر كم من مرات دعوت الله فأجاب، غلب الرجاء أن يقبل دعاءك، فكما أكرمك وقبل منك في السابق ترجو منه القبول الآن.
- عند أداء عمل ورد فيه نص يذكر المثوبة والأجر كبعض أذكار الصباح والمساء مثل ما جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ومسند أحمد، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: “مَن قال: بسمِ اللهِ الذي لا يَضرُ مع اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمِ. ثلاثُ مراتٍ، لم تصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُصبحَ، ومَن قالها حينَ يُصبحُ ثلاثَ مراتٍ لم تُصبْه فجأةُ بلاءٍ حتى يُمسي”.
السائل الكريم: يبقى محوران مهمان في سبيل التعافي:
المحور الأول: معرفة كيفية التعامل مع الفوبيا عمومًا، وذلك بتعلم بعض المهارات البسيطة:
- كالتدريب على تمارين النفس لتهدئة النفس وتخفيف التوتر، يمكنك البحث في الإنترنت عن كيفية أداء تدريبات النفس بشكل جيد.
- كما أن للتمارين الرياضية دور في تخفيف حدة التوتر.
- من المعلوم أن الإنكار وتجنب التعرض للمعلومات التي تسبب لك المخاوف ليس بالحل، الحل يكمن في مواجهة المخاوف، وذلك بتكنيك يسمى العلاج المعرفي السلوكي، فابحث عن متخصص يساعدك في العلاج.
كما يمكنك التجربة مع نفسك؛ بالتعرض لمحتوى لشخص ثقة يتحدث عن علامات الساعة، تعرض لدقائق من المحتوى، وراقب التغيرات التي تحدث لك، من سرعة النفس والتعرق، وارتفاع ضربات القلب، أرصد هذه المظاهر، وأعد تكرار الاستماع مع محاولة ضبط ردة الفعل في كل مرة، يقول سيدنا عليّ- رضي الله عنه: (إذا هِبْتَ شيئًا فقع فيه) أي: واجهه.
المحور الثاني: اهتم بأن تكون لك صحبة صالحة، فالصحبة الصالحة تؤنس وحشتنا في الدنيا، وتذكرنا دومًا بالله، وتهون علينا كل صعب، لن تجد هذه الصحبة إلا في الدروس والمساجد، فالزم أحدها يفتح الله لك نعيمًا من نعيم الدنيا، في لذة القرب من الله مع صحبة صالحة.
عبر عن مخاوفك لشخص ترتاح إليه من هذه الصحبة، فمشاركة الآخرين لهمومنا أمر له طيب الأثر.
في الختام أهدي لك هذه القصة، لترى النتائج المبهرة للتعامل الصادق مع المخاوف.
أحدهم اكتشف أنه لا يحب حضور الجنائز وما يستتبعها من مراسم الدفن، كان يهرب بكل الأشكال من التعرض لتلك المواقف، ساقه قدره لحضور مراسم دفن في إحدى البلاد التي تكرم الإنسان حتى آخر وقت له على وجه الأرض.
لفت انتباهه في تلك الجنازة أنه تعامل بشكل طبيعي جدًا، ولم تظهر مخاوفه، ليدرك أن مشكلته كانت في الأجواء المزعجة المصاحبة لتلك المواقف، وليس الموت أو الدفن في حد ذاته.
اجتهد هذا الرجل وبحث كثيرًا في ثقافات الجنائز في البلاد المختلفة ليرى العوائق التي يتعرض لها أهل المتوفى، وكذلك التسهيلات التي تهون حدثًا مثل ذلك على أهل المتوفى.
ترك هذا الرجل وظيفة دولية مرموقة، وأنشأ شركة في بلده للمساعدة في إجراءات الدفن، فحول بذلك مخاوفه إلى مجال عمله!
فقط نخلص النوايا في إرادتنا للوصول للنفس المطمئنة، ترشد الحيل النافعة بإذن الله.
نفهم لماذا خلقنا الله، حتى نكون على نهجه ومنهاجه ولا تعطلنا المخاوف.
نقبل أنفسنا بضعفها وقوتها، فنتحرك للأمام، نحرر أنفسنا من مخاوفها حتى تأنس بذكر الله وترجو لقاءه مقبلة لا مدبرة.