لنا ولد صغير وهبنا الله – عز وجل- إيّاه، آية في الذكاء رغم أنّ عُمره لا يتجاوز السنوات الثلاث، إلا أننا نقول عند كل تصرف منه: “ما شاء الله لا قوة إلا بالله” فهو سابق سنه كما يقول عنه أقاربنا.
هذا الطفل البريء نكاد نجني عليه أنا وأبوه جناية كبيرة، فنحن تقريبًا لا نتوقف عن ضربه لأية حركة يحدثها وما أكثر حركاته، وبالأخص والده، فهو دائم الضرب له والصراخ عليه، حتى أصبح الولد شديد الاضطراب والخوف، وبخاصة عندما يفعل بعض فعلاته العفوية في وجود أبيه، فهو سرعان ما يختبئ خلفي ويحتمي بي في حالة رهيبة من الفزع تسفر أحيانًا عن تبوله على نفسه في ملابسه وهو الذي لم يكن ليفعلها في فراشه قبل ذلك بكثير.
والمشكلة أنّ زوجي الذي يندم على ضربه عندما يهدأ يعود لطبعه بعد فترة قصيرة فيمارس هوايته في ضربه المبرح الذي أوصل ولدنا إلي ما ذكرت لك.
أمّا أنا فكثيرًا ما أتألم لحال الولد، خصوصًا عند ضربنا له، لكنني لعصبيتي الشديدة أعود فأضربه على صغير التصرفات وكبيرها، وأنا الآن أشعر بالقلق الشديد على ولدي، والخوف منا عليه وقد بلغ به الأمر إلى ما ذكرته في ثنايا الرسالة، فماذا أفعل؟
الإجابة:
لا عُذر لكما أمام الله، هكذا أحب أن أبدأ ردّي على هذه الرسالة، أين نحن من هدي رسول الله الذي بُعث رحمة للعالمين؟! مَن كان يصطحبه غلامٌ فيسير معه وهو لا يعلم إلى أين الوجهة؟، من كان يجلس فوق ظهره الشريف حفيداه في أثناء سجوده فيتركهما يلهوان ثمّ يرفعهما برفق إذا قام؟، مَن تأخر عليه خادمه أنس بن مالك ثمّ لقاه في السوق فقال برفق وهو يضحك: “يا أنيس اذهب حيث أمرتك” بلا توبيخ ولا زجر أو ضرب؟، مَن أخبره أعرابي أنّ له عشرة من الأبناء لم يقبل أحدهم قط فقال – صلى الله عليه وسلم-: “من لا يرحم لا يرحم”.
هل هذا يعني أن بعض الآباء قد استغنوا عن رحمة الله بهم؟!، بل ورحمة أبنائهم بهم أيضا، فمن قسى على أبنائه صغارا قسوا عليه كبارا، تأمل قول الله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. هل هذا لظن بعض الآباء أنّ أطفالهم لن يقدروا عليهم؟! والله لو رأينا هذا يتم مع قِط على الطريق لتدفق الدم في عروقنا، فكيف هذا بفلذات أكبادنا؟!
بعض أنواع العقاب كالضرب مكسبها الوحيد هي أنها تأتي بنتيجة فورية، فيظن المُربّي حينها أنه قد نجح في منع السلوك السلبي لابنه أو في توجيهه لفعل شيء ما، لكنه لا يدرك ماذا تفعل طريقته هذه على المدى البعيد من غضب لدى الأبناء وعنف ورغبة في الانتقام أو انسحاب وضعف كفاءة ناهيك عن الآثار الأقرب التي ورد ذكرها في السؤال.
في حين أنه من المفترض أن يتعامل كل مُربٍ مع خطأ ابنه – بافتراض أنه يجوز لنا أن نتكلم عن سلوكيات خاطئة لطفل يبلغ من العمر 3 سنوات يجب عليه أن يلهو ويكتشف الحياة فقط!- لكن في العموم فإنّ كل خطأ هو فرصة ذهبية للمربي يُدرك من خلالها المهارة التي تنقص ابنه وما الذي يجب أن يتعلمه كي لا يتكرر التصرف نفسه، هذا نهج مَن يُريد التربية ويفهم معنى الغرس، أمّا مَن يُريد نتائج فورية ويُريد أن يسلك أقصر الطرق فعليه أن يسكت صوت عقله ويعمل يديه فقط وله ما أراد.
عادة لا يلجأ للضرب إلا الآباء الذين يعانون من الإفلاس التربوي، قليلة حيلهم، فقيرة وسائلهم التربوية، وبالتالي فكلما ازداد وعي الآباء التربوي وكانوا أكثر حرصًا على أن يكون لهم زاد تربوي بطريقة أو أخرى كلما قَلّ اعتمادهم على الضرب وما شابهه من وسائل، فهناك كثير من البدائل تُدّرس لتقويم سلوك الطفل بشكل إيجابي، فيه تواصل جيد وهدوء ونقاش واتفاقات وقواعد وتحمل عواقب وغيرها من الوسائل.
وكذلك يلجأ له أولئك الذين لا يملكون لأبنائهم طموحًا ولا يسيرون معهم وَفق أهداف، ليس لديهم رؤية لشخصياتهم ولا يشغل بالهم كيف سيصبحون في المستقبل، وهنا ننصح هؤلاء الآباء بأن يأخذوا وقتًا كافيًا للتفكير والتفكر في رؤيتهم لأولادهم ومَن ثمّ ينظرون دائمًا في طريقة تعاملهم معهم هل تخدم أهدافهم وتلبي طموحاتهم أم لا.
وقد يكون لا هذا ولا ذاك غير أنّ هذا هو طبعهم وهذا دأبهم يطلقون العنان لانفعالاتهم فلا يستطيعون السيطرة على أنفسهم ولا يُقدّرون مع مَن وكيف يخرجونها، ولهؤلاء نقول إنه من أكبر مسببات تغيير الشخصية وتحسينها هو أن يرزقك الله ابنا، فمن أكثر ما يجب أن يعلمنا الصبر هو مهام الأبوة والأمومة، عملية التربية هي النبتة التي تصبر على سقيها حتى ترى ثمارها بعد حين، تقتني نبتة يقول لك المختص إنها لن تثمر إلا بعد عشر سنوات على سبيل المثال، هل تأتي بفأسك وتنقض على سيقانها بعد عام لأنها لم تثمر!، ناهيك عن خطورة كون الآباء قدوة لأبنائهم وعدم اجتهادهم في تغيير شخصياتهم وتهدئة انفعالاتهم يعني استمرار هذا الداء في نسلهم، سيكبر أبناؤهم وهم يظنون أنه هكذا يجب أن تحل المشكلات بالعنف والصراخ والضرب!
الأسوأ على الإطلاق أن يُقرر بعض الآباء تصفية حساباتهم القديمة مع آبائهم لكن مع أبنائهم، يدفع أبناؤهم ضريبة مشكلات وعُقَد الصّغر، ولو علمنا بحجم المسؤولية والأمانة التي في أعناقنا ما وافقنا على أن نقبل المسئولية قبل أن نكون مؤهلين لها ولو تطلب الأمر اللجوء لمختصين ومعالجين.