السلام عليكم، أحتاج إلى رأيكم ولي طلب، كيف أربي ابني؟ انفصلت عن أبيه بعد 10 سنوات زواج، أنا خائفة جدا على نفسية ابني، وكنت أظن أن الأب سيساعد في تربيته وزرع الإسلام فيه، ويكون حريصًا على تنشئته إنسانًا صالحًا مجتهدًا في دينه، لكن للأسف الآن المسؤولية كلها تقع على عاتقي.
أتمنى أن ترشدوني إلى كيفية التعامل في هذا الوضع، كيف أحرص على تربية ابني، ما السبل والطرق الأفضل لذلك؟ مع الأخذ في الاعتبار أنني إنسانة عاملة ومسئولية الابن كاملة على عاتقي مع الأسف!
السائلة الكريمة: لا نعلم كيف ينام الآباء ملء الجفون وهم يتملصون من واجباتهم!
انتهى رباط الزوجية أيها الرجال، ولم ينته رباط الأبوة، لا يدرك الآباء قيمة ما يفعلون إلا حين الكبر، يبحث أحدهم عن ابن يتكئ عليه في كبره فلا يجد، مع أن لديه ولدًا، إلا أنه فقده بالتجاهل والقسوة!
وصية رسول الله بالنساء حتى آخر عهده في الدنيا أن اتقوا الله في النساء، لماذا نُحمِّلهم ما ليس من مسئولياتهم؟! لماذا ننتقم في الأبناء، ثم نشتكي الجحود ؟! بروا أبناءكم صغارًا، يبروكم كبارًا، هدانا الله وإياكم لما يحب ربنا ويرضى.
أما أنت أيتها السائلة الكريمة، فيجزيكِ الله خيرًا، ويطيب خطواتكِ مع ولدك، ويرزقكِ بحرصكِ على دينه فتوحًا وعوضًا يتعجب منه أهل السماء والأرض، فلم تكن شكواكِ في عدم التعاون المادي من الأب كما هو متوقع وحاصل ممن في نفس ظروفك! جوهر شكواك خوفكِ على دينه، اعتقادًا منك أن أباه كان سيكون له دور، لكنه استغنى عنه بجرة قلم.
نطمئنك ونذكر من في مثل موقفك، أن حبيبنا المصطفى وُلد يتيم الأب، وكذا نبي الله موسى- من أولي العزم من الرسل- ونبي الله عيسى.. هؤلاء الأنبياء والرسل من ربّاهم؟!
الإمام البخاري، والشافعي، وغيرهم من جهابذة الرجال في مجالاتهم حتى أينشتين، كلهم نتاج تربية أم منفردة.
وجود الأب لا شك مهم جدًا، لكن غيابه لا يعني الفوت المقلق المخيف، فلا تدري أيهم أقرب للأبناء نفعًا، الحضور بلا فائدة، أو حضور منغص؟! أم غياب معه عزم، أم أنها ستفعل المستحيل لتحقيق التوازن!
أولًا: نوصيكِ باجتناب ثلاثة أمور:
- انتقال مشاعر الخوف لولدك، فأنت حصنه وملاذه وأمانه، فكوني له سدًا منيعًا وحصنَ دفاعه الأول مستعينة بالله.
- كما نوصيك بعدم الوقوع في فخ التدليل الزائد من أجل تعويض مشاعر الحرمان، الأب يعني الحزم، والأبناء بطبعهم يميلون للشخص الحازم من داخلهم، لذا مهما فعل الأب ستكون له مكانة في نفوس الأبناء، وقد بات عليك من الضروري لعب الدورين (الحزم والحنان)، وذلك بمهارة بالغة لا إفراط ولا تفريط.
- كما نوصيكِ بعدم إخفاء الحقائق عن ولدك، شاركيه بعض المشكلات حسب نضجه واستيعابه للأمور، ونتنسم فيكِ الصلاح، مما يبشر بعدم وقوعك في فخ الانتقاص من أبيه، فنحن نحكي المواقف دون إلصاق وصمٍ أو تهم، دائمًا نجعل خطًا للرجعة، حتى إذا ما تلاقت الأجساد تكون النفوس غير معبأة بالسلبيات التي تحول دون هذا اللقاء.
ثانيًا: نوصيكِ بالحرص على ثلاثة أمورٍ أخرى:
- الحفاظ على نفسيته، بعدم إقحامه في تفاصيل المشكلات، ومراعاة أن لديه مشاعر حزن كالتي عندك، فعلميه أن يعبر معك بالكلام أو الرسم أو الكتابة حتى لا تتحول مشاعر الحزن إلى اكتئاب أو قلق لا قدر الله. كما أن حرصك على نفسيتك من حرصك على نفسية ولدك، ويكون ذلك بتخفيف الأعباء عنك بتقبل مشاركة الأهل إن عرضوا، والانشغال على حالك، وصلتك بالله دائمًا بحضور حلقات أو دروس عبر الإنترنت أو في المسجد حسب المتاح مع ظروف عملك، مما يحدث التوازن لديك أيضًا فتستطيعين امتصاص التقلبات المزاجية لدى ولدك.
- كذلك من الأشياء المهمة للحفاظ على نفسية ابنك، عمل روتين للمنزل بتحديد أوقات النوم والاستيقاظ والخروج والمذاكرة، فيصبح للحياة شكلًا ووتيرةً لا تجعله يشعر بأنه معلق في الهواء بلا غاية أو هدف، فيبدأ هو يصنع غايات أو أهداف ليست وفق مصلحته، فالفراغ قاتل ومدمر بلا شك.
- من المهم والضروري إيجاد ما يعرف بالأب البديل، سواء كان هذا الشخص خالًا أو جدًا أو شيخًا أو معلمًا أو مدربًا، فلا بد ألا تخلو ساحة معارفه من رجال، وحيث أنك حريصة على دينه، فمصاحبة شيخ فاضل خير عوض بإذن الله.
وإن تعذر حضوره للمنزل أو المسجد، فبرامج كالزووم والماسنجر وغيرها صنعت بدائل فارقة ومؤثرة، يقولون (أخلصوا النوايا ترشدوا الحيل)، ونحسبك صادقة في تنشئة ولدك على طيب الخصال، يرزقك الله بالبدائل النافعة معه والمؤثرة.
ثالثًا وأخيرًا: نلفت انتباهكِ إلى أن تربية ولد يعني عنفوان وقوة وطاقة، يجب استثمارها في رياضة نافعة، وتدريب على العمل البسيط في الصيف مع معارف أو أقارب حسب سنه، ومشاركته في شراء الطلبات وحملها وتوزيعها معك، فأنت تربين رجلًا، نذكرك بعدم الوقوع في فخ التدليل عوضًا عن الحرمان، أبناؤنا لديهم طاقات معطلة، فلا تألي جهدًا في شغل وقته بالمفيد كحفظ القرآن، وقراءة الكتب المفيدة، وتعليمه مهارات مختلفة- كالنجارة والكهرباء وتصليح الأجهزة- تعود عليه بالنفع المادي ويشغل وقته بالمفيد النافع.
لخص المهتمون بالتربية صفات الفرد المسلم في عشرة أمور، وهي أن يكون:
- سليم العقيدة،
- صحيح العبادة،
- مجاهدًا لنفسه،
- حريصًا على وقته،
- منظمًا في شئونه،
- نافعًا لغيره،
- قوي الجسم،
- متين الخلق،
- مثقف الفكر،
- قادرًا على الكسب.
فكل ما تجدينه من وسائل تدعم تلك الصفات العشر، أقبلي عليها مستعينة بالله، يفتح لك مغاليق القلوب والأبواب، أقر الله عينك بصلاح ولدك وأعانك، وأخلفكِ خيرًا، وهدى أباه لما عليه من واجبات يسأله الله عنها، فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته.