المؤلف: جمال عبد الرحمن
الناشر: دار طيبة الخضراء- مكة المكرمة – الطبعة السابعة 1425 / 2004.
يركز هذا الكتاب على هدي النبي- صلى الله عليه وسلم- في تربية الأطفال، وهو ما يحتاج إلى الاستهداء به كل من يقوم على عملية التربية. وقد أورد المؤلف عددًا كبيرًا من الوقفات التربوية؛ بلغت أكثر من مائة وعشرين موقفا تربويا تعليميا لنبينا- صلى الله عليه وسلم- مع الأطفال في جميع سنوات عمرهم، حتى يبلغوا ويصيروا رجالا يتحملون المسؤولية.
وجمع المؤلف من هذه الوقفات ما يناسب كل مرحلة عمرية (من البداية حتى 18 سنة). وقسَّمها على فصول الكتاب، بالإضافة إلى مرحلة الشباب. واستدل على كل “وقفة” بأحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تبيّن هديه- صلى الله عليه وسلم- في هذه المواقف. وأضاف المؤلف ما يلائمها من الشرح والتعليق والاستنتاج.
فهذا الكتاب- كما يقول مؤلفه- يحاول أن يجيب عن الأسئلة الآتية:
1- كيف ينجح الآباء في تربية أبنائهم على اختلاف ميولهم ورغباتهم، مع كثرة الفتن والعوائق في طريق التربية الصحيحة؟
2- ماذا يفعل الوالدان إذا لم يلتزم الابن أو البنت بنصح الأبوين؟
3- ماذا لو تعدى الطفل مرحلة كبيرة من طفولته وهو بعيد عن الالتزام، ولم يرض أهله عن أحواله؟
4- ماذا لو كان الطفل عنيدا أو جبانا؟
5- ما تأثير الليونة والحنان الزائدين في سلوك الطفل؟
6- كيف تتأكد أيها المربي أنك على الطريق الصحيح في تربية أبنائك؛ علميا وخلقيا واجتماعيا ونفسيا وبدنيا وعقليا، بل جنسيا؟
7- كيف تعرف أنك تمارس التربية بمنهج علمي دقيق مدروس؟
الوصف العام للكتاب
يتكون الكتاب من ستة فصول: الفصل الأول؛ يتحدث عن الطفل بدءًا من كونه في صلب أبيه حتى سن 3 سنوات. والفصل الثاني؛ يتناول الطفل من سن 4 سنوات وحتى 10 سنوات. والفصل الثالث؛ يختص بالطفل من سن 10 سنوات حتى 14 سنة، والفصل الرابع؛ يعرض الصبىّ من سن 15 إلى سن 18 سنة. والفصل الخامس؛ يفرد للعناية بالشباب بعد البلوغ (التهيئة للزواج). وفي الفصل السادس عرض لبعض وصايا لقمان في تربية الولدان.
الفصل الأول: الطفل بدءًا من كونه في صلب أبيه حتى سن 3 سنوات (وفيه 42 وقفة)
أورد المؤلف عددا من الوقفات بلغت الأربعين، يتحدث فيها عن هديه- صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع الطفل منذ كان في صلب أبيه حتى سن الثالثة، ومستشهدا بحديث النبي- صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك:
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يدعو للأبناء وهم في أصلاب آبائهم، وكذلك وهم نطفة في رحم الأم. ومن السنة أن يؤذن في الأذن اليمنى للطفل، ويحنك المولود بالتمر، ويدعى له ويبرَّك عليه. ويرشد- صلى الله عليه وسلم- الأبوين إلى تحصين أطفالهم من الآفات بالذكر، وشكر الله تعالى على موهبته. ويسم- صلى الله عليه وسلم- للمولود ميراثه بمجرد ولادته. ويأمر عليه الصلاة والسلام بإخراج الزكاة عنه بمجرد الولادة أيضا. ويرحم عليه الصلاة والسلام الطفل ولو كان ولد زنا (كما حدث مع المرأة الغامدية التي زنت). ويحتفل- صلى الله عليه وسلم- بالأطفال في صغرهم؛ فيوصي بالعقيقة عنهم، ويسميهم بأحسن الأسماء، وينهى عن تسميتهم بأسماء قبيحة وغير جائزة، ويأمر بحلق رأس الطفل يوم سابعه، وتنظيفه وإزالة الأذى عنه. وينهى عن تشويه رأس الصبي بالقزع. وكان- صلى الله عليه وسلم- يداعب الصبي الصغير بلسانه وفمه، ويكنِّي أهل الطفل باسمه، ويهتم- صلى الله عليه وسلم- بختان الطفل (سنة الفطرة)، ويجلسهم على حجره- صلى الله عليه وسلم- وعلى فخذه، ويشفق على مرضاهم، ويبكي- صلى الله عليه وسلم- على الأطفال عند موتهم، ويعزِّي فيهم أهليهم. ويخصهم بدعاء وهو يصلي عليهم،- صلى الله عليه وسلم-. ويبشرهم بالجنة إذا ماتوا صغارا، ويبشر- صلى الله عليه وسلم- بشفاعتهم لأبويهم إذا صبروا على فقدهم، ويبشِّر من حُرم الأولاد في الدنيا بهم في الآخرة.
وكان- صلى الله عليه وسلم- يرحم بكاء الطفل في الصلاة؛ فيخففها، ويحث أئمة المصلين على تخفيف الصلاة لأجلهم. ويناديهم بكنيتهم تكريما لهم، ويحسن النداء- صلى الله عليه وسلم- للصغار حتى من الخدم. ويحملهم في صلاته، ويأمر بتلقين الطفل كلمة التوحيد، ويقطع خطبته- صلى الله عليه وسلم- ويترك منبره ليرحم عثرتهم. ويهتم بتهذيب مظهرهم، ويشرف بنفسه- صلى الله عليه وسلم- على حلاقتهم. وكان- صلى الله عليه وسلم- يحملهم على عاتقه وعلى دابته، ويرغّب الآباء في رحمتهم. ويعانقهم ويمازحهم ويداعبهم بشتى الأساليب اللطيفة. ويهاديهم بالهدايا، ويعطيهم ويمسح على رؤوسهم، ويؤكد على الصدق معهم وعدم الكذب عليهم. ويترك للصغير فرصة يتلهى معه- صلى الله عليه وسلم-. ويتوعد من يدلهم على فعل المنكرات.
الفصل الثاني: الطفل من سن 4 سنوات وحتى 10 سنوات (وفيه 22 وقفة)
يعدد المؤلف مواقف النبي- صلى الله عليه وسلم- مع الأطفال في هذه السن، وهديه في التعامل معهم. ومن ذلك: أنه كان- صلى الله عليه وسلم- يصحبهم في الطريق واعظا ومعلما لهم على قدر عقولهم. وكان يستخدم معهم العبارات الرقيقة في محادثتهم لاستمالة قلوبهم. ويقدِّر للصغار لعبهم ولا يفرق عليه الصلاة والسلام جماعتهم وهم يلعبون، وينهى عن التفريق بين الصبيان وبين أهليهم. وكان- صلى الله عليه وسلم- يبتعد عن لومهم وعتابهم، ويرشدهم بحنان الأبوة إلى مكارم الأخلاق، ويدعو لهم. وكان عليه الصلاة والسلام ينهى الآباء عن الدعاء على أولادهم، وكان يستأذن عليه السلام فيما هو من حقوقهم، ويعلمهم حفظ الأسرار، ويأكل معهم ويوجههم ويصحح أخطاءهم أثناء الأكل، ويأمر بالعدل بينهم ذكورا وإناثا. ويفصل- صلى الله عليه وسلم- بين المتقاتلين من الأطفال، ويحرّك المنافسة فيهم ليفجّر طاقاتهم المخزونة. ويكافئ الفائزين فيهم ليشجعهم، ويواسي اليتامى ويبكي من أجلهم، ويتوعد من يعتدي على حق اليتيم. وكان- صلى الله عليه وسلم- ويأمر بكفهم عن اللعب وقت انتشار الشياطين إذا أظلم الليل، ويعوّذهم من الشياطين والعين، ويعلمهم الأذان والصلاة، ويعلمهم الجرأة الأدبية والشجاعة، ويجعلهم- صلى الله عليه وسلم- أمراء في الصلاة وفي السفر كحقٍّ لهم.
الفصل الثالث: الطفل من سن 10 سنوات حتى 14 سنة (وفيه 33 وقفة)
يبين المؤلف كيف كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعامل الأطفال في هذه السن، فيذكر أن من هديه عليه الصلاة والسلام أنه كان يأمر أهلهم بإطعام أطفالهم وكسوتهم، مما يطعمون ويكتسون. ويدعوهم- صلى الله عليه وسلم- للنوم المبكر بعد صلاة العشاء، وكان عليه الصلاة والسلام يفرق بينهم في المضاجع من سن العاشرة، ويمنعهم من النوم على البطن، ويعودهم على غض البصر وحفظ العورة، ولم يضرب- صلى الله عليه وسلم- صبيا ولا طفلا أبدا، لكنه بيَّن أسس الضرب وقواعده. ويأمر بوقف ضرب الطفل إذا استغاث بالله [قال الطيبي: هذا إذا كان الضرب لتأديبه، وأما إذا كان حدًّا فلا، وكذا إذا استغاث مكرًا]. ويمنع- صلى الله عليه وسلم- من ضربه في الأماكن الحساسة وعند الغضب، ويَمنع تدليل الطفل وتمييعه لما له من مضرة. وكان- صلى الله عليه وسلم- يزور الأطفال في مرضهم، ويدعو لهم، ويقرأ عليهم، ويصحح- صلى الله عليه وسلم- بالحكمة مفاهيمهم وأخطاءهم، ويعاونهم ويعلمهم بنفسه ما لم يحسنوا عمله، ويدربهم على العلاج الطبيعي، وإذا عاقب- صلى الله عليه وسلم- الطفل عاقبه برفق ولطف. وكان يخالطهم- صلى الله عليه وسلم- ويحدثهم عن مخالطته الكبار وهو غلام، ويسلم عليهم وهم يلعبون، توقيرا لهم ولتعليمهم سُنة الإسلام، ويعلمهم آداب الدخول على أهليهم، ويلقنهم آداب الاستئذان، ويشجعهم على حضور الأفراح وزيارة الأقارب لأخذ التجارب، ويحثهم- صلى الله عليه وسلم- على مجالسة العلماء والتأدب معهم. ويحذرهم- صلى الله عليه وسلم- من مجالسة الأشرار، ويعلمهم أدب الكلام، ومنزلة الأخ الأكبر. ويؤدبهم- صلى الله عليه وسلم- على ألا يغيظ بعضهم بعضا وبخاصة الجار. ويحذرهم- صلى الله عليه وسلم- من تهديد بعضهم البعض بالسلاح ولو مزاحا، ويمنعهم من أن يروع بعضهم بعضا ولو مزاحا. ويخفف عنهم- صلى الله عليه وسلم- مراعاة لطاقتهم العقلية المحدودة، وينزههم عن التشبه بالإناث، و يعودهم على الاخشيشان وقوة التحمل. وأوصى صلى الله عليه بالبنات، وبيَّن منزلتهنَّ في الإسلام. ويُلحق- صلى الله عليه وسلم- الإثم بمن يضيِّع حقهم في النفقة والتعليم، ويحذرهم- صلى الله عليه وسلم- من تحقير الناس، والسخرية منهم، ويراعي شعورهم في المناسبات- صلى الله عليه وسلم-. ويَنهى عن قتل صبيان الكافرين في الحروب.
الفصل الرابع: الصبىّ من سن 15 إلى 18 سنة (فيه 27 وقفة)
في هذه السن التي يبلغ فيها الطفل الحلم، ومرحلة تحمل التكليفات الشرعية– كان مما يفعله الرسول- صلى الله عليه وسلم- مع الفتيان في هذه السن: أنه يحثهم على الاستفادة من وقت البكور، ويرشدهم- صلى الله عليه وسلم- كيف يحلّون مشكلة الفراغ، ويعلمهم حب النبي وآله وأصحابه وتلاوة القرآن، ويبين لهم منزلته- صلى الله عليه وسلم- في قلوب المؤمنين، ويكون عليه الصلاة والسلام قدوتهم في حسن العشرة ويشجع فيهم الاعتماد على النفس، والأكل من عمل أيديهم، ويجنبهم البطالة والكسل، ويثبت حقهم في طلب العلم وتعلّم القرآن. ويؤكد عليه الصلاة والسلام على اختيار المعلم الصالح. ويأمر- صلى الله عليه وسلم- البنات بالحجاب والتستر إذا بلغن. ويأمر- صلى الله عليه وسلم- الشباب بالزواج متى بلغوا وقدروا على تكاليفه. وإذا بلغوا يعلمهم الأمانة وتحمّل المسئوليات. و يستقرئ- صلى الله عليه وسلم- أفكار الشباب ليرى كيف يفكرون. ويثني عليهم- صلى الله عليه وسلم- عند نصحهم لتجد النصيحة عندهم موقعا. ويعد لهم- صلى الله عليه وسلم- عرضا عسكريا للشجاعة والإقدام. ويشاهد- صلى الله عليه وسلم- المصارعة بين الفتيان. ويجهزهم- صلى الله عليه وسلم- للغزو في سبيل الله. ولا يحرمهم- صلى الله عليه وسلم- من نيل الشهادة في سبيل الله. ويعلمهم لغة عدوهم. ويهتم- صلى الله عليه وسلم- بتعليمهم كتابة اللغة العربية. ويعلمهم- صلى الله عليه وسلم- بر الوالدين وآدابه، ويبين لهم أنهم وما لهم لآبائهم. ويودّع الحُجاج منهم بالدعاء ماشيا معهم بعض الطريق. ويربطهم- صلى الله عليه وسلم- بالله تعالى عند الشدائد وغيرها. ويوكل إليهم- صلى الله عليه وسلم- المهام العظيمة، وبالحكمة يقودهم- صلى الله عليه وسلم- إلى الطاعة والمعروف.
الفصل الخامس: العناية بالشباب بعد البلوغ (التهيئة للزواج)
يوضح المؤلف أنّ الأطفال في بداية حياتهم، وفي العشر سنين الأولى بخاصة، من عمرهم، ينشؤون على ما تلقونه وتعودوه من آبائهم. ومن نجح في تربية أبنائه في هذه الفترة العمرية على الأخلاق الفاضلة، قولا وعملا وسلوكا، فليستبشر بأنه سيصل بأولاده إلى سن البلوغ وهم على هذا السلوك الحسن.
فإذا بلغ الأطفال مرحلة البلوغ، فكيف يعامل الأبناء في الأمور الجنسية؟
ويقترح المؤلف أن الأمر يجب أن يكون بالتدريج، فالذي يكون على وشك البلوغ يُعلَّم أحكام المراهقة، وعلامات البلوغ من نزول المني.. إلخ. وما يترتب على ذلك من أحكام الغسل وأركانه، وما معنى الجنابة. وكذلك البنت، تعرّف على دماء الحيض، وأحكام الحيض والطهارة منه.
أما البالغون الذين يريدون الزواج، فلابد من تعريفهم على أمور قبل الزواج لا غنى عن معرفتها؛ كأحكام البناء، والمعاشرة الزوجية، ولقاء الزوجين خاصة أول مرة. ويبين لمن أراد الزواج من الجنسين حرمة الجماع أثناء الحيض أو النفاس، وكذلك يحرم الوطء في الدبر بأي حال من الأحوال. بهذا يكون الأبوان قد خرَّجا الأولاد من المدرسة التربوية إلى بيت الزوجية، ويكون كل فرد قادرا على أن يؤسس بيتا وأسرة مسلمة جديدة.
ويشير المؤلف إلى أنه يجب أن يتعامل الأبوان مع الأبناء في هذه السن في الأمور الجنسية بأسلوب تربوي من منظور إسلامي، بعيدا عمّا تبثه وسائل الإعلام غير المنضبطة بضوابط الشرع. وعلى الأبناء أن يبلغوا أهليهم بكل ما يجدونه غريبا عليهم في سلوك زملائهم من أشياء لم يروها من قبل أو يسمعوا عنها من آبائهم، حتى يستطيع الأبوان ضبط الأمور، وتحصين أبنائهم وإفادتهم وتبصيرهم بما ينفعهم أو يضرهم.
الفصل السادس: من وصايا لقمان في تربية الولدان
أورد المؤلف خمس وصايا للقمان الحكيم، تناسب مقام التربية الأبناء في الفصول المتقدمة من الكتاب. ثم بدأ بالتعريف بلقمان الحكيم؛ فأشار إلى أنه رجل آتاه الله الحكمة، كما أخبر الله عزوجلّ عن ذلك (وآتينا لقمان الحكمة) [لقمان:12]. منها: العلم والديانة والإصابة في القول. وحكمه كثيرة مأثورة. كان يُفتي قبل بعثة داود عليه السلام، وأدرك بعثته، وأخذ عنه العلم وترك الفتيا. وقال مجاهد: كان لقمان الحكيم عبدا حبشيا. وقيل عاش في بلاد النوبة. وقال القرطبي: قيل إنه ابن أخت أيوب أو ابن خالته.
الوصية الأول: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]. قال ابن كثير: يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه، وأحبهم إليه، بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا. ثم قال له محذرا (إن الشرك لظلم عظيم) أي هذا أعظم الظلم.
الوصية الثانية: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) [لقمان:16].
قال ابن كثير: “ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء، أو غائبة ذاهبة في أرجاء السماوات أو الأرض فإن الله يأتي بها; لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض; ولهذا قال: (إن الله لطيف خبير) أي: لطيف العلم، فلا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت وتضاءلت (خبير) بدبيب النمل في الليل البهيم”.
الوصية الثالثة: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان:17]. قال ابن كثير: “(يا بني أقم الصلاة) أي: بحدودها وفروضها وأوقاتها، (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر) أي: بحسب طاقتك وجهدك، (واصبر على ما أصابك)، علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر. وقوله: (إن ذلك من عزم الأمور) أي: إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور”. وقيل أمره بالصبر على شدائد الدنيا كالأمراض وغيرها، وألا يخرج من الجزع إلى معصية الله عز وجلّ.
الوصية الرابعة: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان: 18].
قال القرطبي:” ولا تمل خدك للناس كبرًا عليهم وإعجابا واحتقارا لهم … فالمعنى: أقبل عليهم متواضعا مؤنسا مستأنسا، وإذا حدثك أصغرهم فأصغ إليه حتى يكمل حديثه. وكذلك كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يفعل. وقوله تعالى: (ولا تمش في الأرض مرحا) أي متبخترا متكبرا. وهو النشاط والمشي فرحا في غير شغل وفي غير حاجة. وأهل هذا الخلق ملازمون للفخر والخيلاء؛ فالمرح مختال في مشيته، والفخور: هو الذي يعدد ما أعطي ولا يشكر الله تعالى؛ قاله مجاهد: وفي اللفظة الفخر بالنسب وغير ذلك”.
الوصية الخامسة: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير) [لقمان: 19]ِ
قال القرطبي: “لما نهاه عن الخلق الذميم رسم له الخلق الكريم الذي ينبغي أن يستعمله فقال: (واقصد في مشيك) أي توسط فيه. والقصد: ما بين الإسراع والبطء. ورُوي في الأثر أن: سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن. فأما ما روي عنه عليه السلام أنه كان إذا مشى أسرع، وقول عائشة في عمر رضي الله عنهما: كان إذا مشى أسرع – فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت؛ والله أعلم. وقد مدح الله سبحانه من هذه صفته حسبما تقدم بيانه في (الفرقان)”. يقصد: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا).
(واغضض من صوتك) أي أنقص منه؛ أي لا تتكلف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه؛ فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي. والمراد بذلك كله التواضع؛ وقد قال عمر لمؤذن تكلف رفع الأذان بأكثر من طاقته: لقد خشيت أن ينشق مريطاؤك! (ما بين السرة إلى العانة). والمؤذن هو أبو محذورة سمرة بن معير.
(إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) قال القرطبي: أي أقبحها وأوحشها؛ ومنه أتانا بوجه منكر. وفي الآية دليل على تعريف قبح رفع الصوت في المخاطبة والملاحاة بقبح أصوات الحمير؛ لأنها عالية. وفي الصحيح عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا. وقد روي: أنه ما صاح حمار ولا نبح كلب إلا أن يرى شيطانا. وقال سفيان الثوري: صياح كل شيء تسبيح إلا نهيق الحمير. (أهـ). وقال ابن كثير: “وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم؛ لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “ليس لنا مثل السوء”. (أهـ).
وفي الخاتمة: يذَكِّر المؤلف المربين بأن الله عز وجل بعث فينا محمدا- صلى الله عليه وسلم- معلما ومرشدا؛ ليعلمنا الكتاب والحكمة، ويزكي ويطهر نفوسنا، ويعلمنا ما لم نكن نعلم. ولأن الله تعالى اختاره لهذه المهمة العظيمة الشريفة؛ فقد جعل فيه كل مؤهلات التعليم والتربية والتقويم والتزكية.
وانتهى المؤلف إلى أن التربية الإسلامية قد عنيت بالدراسات الدينية والخلقية والروحية أولا، ثم عنيت بالدراسات الثقافية ثانيا.
وأوضح أن أهم فرق بين التربية الإسلامية والتربية الحديثة أن الأولى كانت مثالية، هدفها الأسمى الجانب الروحي والتربية الخلقية الكاملة، والتوجيه إلى أن دراسة العلم تكون من أجل القيام بالمهمة التي خلق الله تعالى الإنسان من أجلها، وهي (الاستخلاف في الأرض)، وإرضاء الله عزوجلّ، وليس الاستعلاء والتجبر في الأرض.
أما التربية الحديثة فقد تغلبت عليها النزعة المادية والدنيوية، فأصبح الناس عبيدا لشهواتهم. وبهذا كثر الاقتتال بين الناس. بسبب حب السيطرة والاستعلاء في الأرض.
ويضيف المؤلف: ولا نبالغ إذا قلنا إن العالم اليوم في حاجة إلى التربية الإسلامية؛ تلك التربية المثالية الروحية الخلقية الدينية. تلك التربية التي أنتجت وأثمرت ذلك الجيل الفريد الذي رباه سيد ولد آدم وأفضل البشر؛ محمد- صلى الله عليه وسلم-.
من ثمرات الكتاب وفوائده
– كل مسلم يجب عليه أن يداوم على قراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليتأسى بها في كل مواقفه.
– بيان اهتمام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالأطفال والشباب، وحرصه على توجيههم، في كل المراحل العمرية؛ فهم رجال الغد.
– على المربين والأبوين خاصة أن يتأسوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في معاملته للأطفال في كل مرحلة عمرية.
– على المربين والوالدين خاصة أن يراعوا ما يناسب كل مرحلة عمرية في الأطفال، من حيث التوجيه والإرشاد.
– على المسلمين جميعا أن يثقوا في التربية الإسلامية، وأن يأخذوا بها في تربيتهم لأبنائهم، فهي التي تعصمهم من الانحراف، وتكسبهم الأخلاق الفاضلة والقيم الرفيعة، والسلوك المحمود. وتنشئهم تنشئة صحيحة. بدلا من أن يذوبوا في دوامة التربية الوافدة.
– على المربين أن يأخذوا من التربية الحديثة في توجيه الأطفال- وغيرها- ما لا يخالف مبادئ الإسلام وتوجيهاته.
– رعاية الإسلام شملت الأطفال جميعا؛ ذكرا وأنثى.
– في وصايا لقمان الحكيم دروس بليغة في تربية الأبناء. علي المربين أن يفيدوا منها، ويطبقونها مع أبنائهم.