السؤال
منذ بداية طوفان الأقصى، أصبحت القنوات الإخبارية خلفية دائمة في بيتنا لمتابعة الأحداث وليفهم أبنائي ما يحدث لإخوانهم في فلسطين، في الحقيقة انتهزتها فرصة حتى يحمل أبنائي القضية، لكني فوجئت بأنهم يستيقظون على كوابيس من مشاهد القتل والدمار، فماذا أفعل، وهل كانت متابعتهم للأخبار تصرف خاطئ مني؟!
الرد
الحمدلله الذي اصطفى هذا الجيل وأراد له أن يعود للنهج القويم..
نعم الخطب جلل، والأحداث مزلزلة، ولكن أثرها في تنشئة أبنائنا بإذن الله سيكون طيبًا عظيمًا.
يبدو أن الإنسان قد جبل على أن ينتمي لقضية يدافع عنها ويتحمس لها، نعلم كم يحاول الأهل أن يجعلوا لأبنائهم أهدافا تليق بكونهم مستخلفين في الأرض عمارا لها، إلا أن الدنيا تغلب الكبار قبل الصغار وتبعدهم عن مراد الله منهم، فجاء طوفان الأقصى يرد من ضل الطريق وتاه وسط ملذات الدنيا ومغرياتها.
وبعد أن كان اللاعب الفلاني والفنان المشهور، هم قمة رموز المجتمع، ونصب أعين الكثير، يتابع ملايين البشر خطواتهم ونجاحاتهم الوهمية ، أصبح لدينا شاغل أكبر وهم حقيقي، وقضية عقدية بالأساس، ضبطت بوصلة الكثير، فالحمدلله على المنحة في المحنة.
على إثر هذا الحدث المزلزل، قرر الكثير أن يتابع الأخبار بشراهة، ظنا منهم بأنهم بهذا التصرف يخدمون القضية، فاستغرقوا في متابعة مشاهد الدمار والقتل، تماما كما حدث في في أول ابتلاء كورونا، شغل الناس أنفسهم بمتابعة أعداد المصابين وأعداد الوفيات، فخارت عزائم البعض، وشعروا بالهلاك المحقق واهتز إيمان بعضهم وتأثر يقينهم في الله، ولو أنهم فهموا سنن الابتلاء لفازوا وغنموا، يقول الله تعالى:-{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}؛ فالابتلاء سنة كونية، يقول الله تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)} [سُورَةُ التَّوۡبَةِ].
فمعرفة المقصد من الابتلاءات يحدد الوجهة والسلوك، فلو كانت كثرة مشاهدة مناظر الدمار، هي نصرة لأهلنا في غزة فألف ألف مرحب بذلك، لكنها مع الأسف تسبب ربكة للكبار قبل الصغار، فمن لم يتهيأ إيمانيًا لهذا الحدث، يصعب عليه أن يشاهد هذا الكم الهائل من الدمار والقتل دونما أن تحدث له هزة نفسية، لذا يجب أن تقنن المتابعة بحيث نكون على دراية بما يحدث في العموم، دون دخول في مشاهد لا تتحملها النفس.
إذًا، كي نتجنب حدوث الكوابيس الناشئة عن كثرة المشاهدة علينا فعل الآتي:
- تقنين الكبار للمتابعة الشرهة للأحداث بشكل يجعلنا ندرك الواقع ولا ننفصل عنه بالكلية، وبالتالي سيقل تعرض الأبناء لتلك المشاهد، فلا نترك القنوات الإخبارية خلفية في المنزل طوال اليوم!
- لا يفضل مشاهدة تلك الأخبار قبل النوم مباشرة، فلنبدل ذلك بحكايات عن قصص البطولات والانتصارات؛ اجعلي فترة ما قبل النوم للتسرية عن نفسك وعن أطفالك، فتسلية المحزون بشيء من الدعابة والفكاهة لتخفيف حزنه من العبادات التي يُؤجر عليها الإنسان، يقول ابن حجر: “في استحباب من رأى صاحبه مهمومًا أن يحدَّثه بما يُزيل همه ويُطيّب نفسه، وقد فعلها سيدنا عمر بن الخطاب، حينما رأى الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- يومًا مهموما فقال: “لأقولنّ شيئًا يُضحك النبي ﷺ…”. هذا مقام الأمومة، نكون مهمومين وقد نحتاج إلى من يطمئننا ولكن علينا ألا نتخلى عن واجبنا نحو أبنائنا فنبعث الطمأنينة في نفوس أبنائنا.
- التركيز على ما في أيدينا- ما يمكننا فعله- شأن معالجة كل أمورنا التربوية. فكان من تبعات طوفان الأقصى أن شعر الأهل بالتقصير في توجيه أبنائهم في السابق، فأمطروهم بوابل من المعلومات عن فظائع اليهود وجرائمهم عبر العصور، وكثفوا إرسال المقاطع هنا وهناك بين أيدي أطفالهم، فكانت تلك الكوابيس نتائج طبيعية لتلك الزخات المنهمرة على أطفال كان حديثهم بالأمس القريب لا يتجاوز حلقات الكرتون وألعاب البلايستيشن إلا من رحم ربي، فالهوينى على أبنائنا ولنتدرج في إرشادهم وتوجيههم!
- تمتلئ المنتديات بكتب مصورة تحكي القصة من البداية، فيمكن طباعة مثل هذه الكتيبات واستخدامها في أنشطة موجهة.
- الاهتمام بمدارسة القرآن طوال الوقت وخصوصًا وقت الأزمات فهو الملاذ الحقيقي لكل خائف، يقول الله تعالى: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}، ونخص قصص الأنبياء بالمدارسة، قال تعالى: {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}.
- تدريب الأطفال على الذكر لقوله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّه تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، إذا خفت؛ الطمأنينة في الذكر، وقد سبق أحداثَ غزة زلزالُ تركيا وطوفانُ ليبيا، وشاهدنا مقاطع للأطفال يثبتون أنفسهم بذكر الله والصلاة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فما أجمل أن يكون هذا منهاجنا في الملمات.
- وكما أن أحداث الدمار تسببت في كوابيس لأطفالك، تخيري مشاهد مفرحة من قلب الحدث المؤلم وشاركيها أبناءك، فجزى الله الصحفيين الذين يبثون الأمل من وسط الركام.
- اصنعي حصالة عليها علم فلسطين، وصورة المسجد الأقصى، وحثي أطفالك على توفير جزء من مصروفهم وإرساله لأطفال غزة إذا ما تيسر لكم سبيلا للتبرع، فالعمل والمساهمة في فك الكرب، تجعلنا نركز على مسئولياتنا تجاه الحدث بدلًا من تركيزنا على الحدث نفسه.
- قد يحتاج الأطفال الحساسون التدخل بأكثر من وسيلة لتخفيف حالة الضغط النفسي التي تعرضوا لها فيما يسمى بالإسعافات النفسية، التي تساعدهم على الاسترخاء حين التعرض لتجارب مؤلمة.. ومن هذه الوسائل:-
- الرسم الحر: فلا نقيد الطفل بخطوط مرسومة ونطلب منه التلوين، بل نمنحه ورقا أبيضا، ونترك له حرية التعبير، يمكن مساعدته في اختيار موضوع الرسم ونترك لخياله العنان، ثم بعد الانتهاء من الرسم، نحاوره في مفردات الرسمة، ماذا قصد؟! فيساهم بذلك الرسم في التعبير عما بداخله، ثم مناقشته فيه.
- الحركة: قد لا نتحمل ضجيج الأطفال في الفترات العصيبة، فنقيد حركتهم لأننا نمر بضغط عصبي، فلا يجد الأطفال مجالًا للتنفيس، من المهم أن نفسح لهم المجال بالحركة، بل نصطحبهم للخارج، فالحركة تساهم في تخفيف الضغط الناشئ من التعرض لتلك المشاهد.
- الألعاب الحسية: كالتشكيل بالصلصال، واللعب بالرمال، فتوفير هذه الألعاب يمنح الأطفال صورًا مختلفة للتعبير، ساعديهم في أفكار للتشكيل، ستتفاجئين بكم التنفيس الذي سيحدث من خلال اللعب بمثل هذه الألعاب.
السائلة الكريمة:
نعلم أن الحدث باغت الكبار قبل الصغار، وأن الأهوال أكبر من أن يستوعبها عقل، ونعلم أن قدر الله كله خير، ولدينا يقين في نصر الله لعباده وتمكينهم في الأرض، فحينما تستقر هذه المعاني لدى الأهل، وتكون لديهم نفسٌ مطمئنة، حينها نتفهم مخاوف الأطفال، ونتخير وسائل التوجيه المناسبة بالشكل الذي يجعلنا نغتنم زخم الحدث كتمهيد رباني لجيل عليه مسؤوليات وتبعات جسام، كم اجتهدنا لنقيم أبنائنا على هذا الدرب، فمنا من وفق، ومنا من فتحت له هذه الأحداث سبيلًا لتصويب الوجهة، والذكي من اغتنم الفرصة.
نسأل الله لأهلنا النصر والثبات والتأييد، ولأبنائنا الهداية والسكينة والرشاد.