قضايا كثيرةٌ يُناقشها الأطباء والمختصون في مجال تربية الصّغار، وعلى رأسها أطفالنا والتكنولوجيا الحديثة المُتمثلة في الهواتف المحمولة، والتلفزيون، وألعاب الفيديو، وجميع الأجهزة الذكية التي يستخدمها الطفل في الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، واللعب، ومشاهدة مقاطع الفيديو المختلفة.
وهذه الحياة تختلف كُليّة عن التي عاشها الأطفال في الماضي، فكانت حركاتهم خارج أبواب المنازل، وبين أحضان الطبيعة في رحلات عائلية أسبوعية تجمع الأقارب من الفئات العمرية المختلفة، حيث كان الجميع يشترك في ألعاب تعتمد على تحريك الجسد، وليس الخمول أمام الشاشات بالساعات.
أطفالنا والتكنولوجيا الحديثة
رغم الجوانب المشرقة في استعمال الأطفال لوسائل التعليم واللعب الحديثة، فإن قضية أطفالنا والتكنولوجيا ستظل تُسيطر على تفكير الآباء والأطباء النفسيين والاجتماعيين على مدى السنوات المقبلة، خصوصًا بعد ظهور طوفان من الألعاب والتطبيقات التي تمثل كثيرًا من الخطورة على النشء الصغير، فلا بُد من متابعة سريعة ولحظية للأطفال وتوجيههم إلى الاستفادة من الممكن وترك كل ما يضر.
وترى الدكتورة آندي حجازي، الكاتبة التربوية الأردنية، أنّ التكنولوجيا سلاح ذو حدّين، فيها الغث وفيها السمين، وفي خضم كل هذا، أين نجد أطفالنا اليوم؟ إذا بحثتم عن أطفالنا فلن تجدوهم إلا بين أربعة جدران، يقبعون في مشهد من تلك المشاهد التي قدمتها التكنولوجيا الترفيهية للطفل وهي:
- الهاتف المحمول: وهو جهاز صغير ينقله الطفل معه أينما حلّ أو ارتحل، بل حتى لو غادر مقعده لثوانٍ معدودة تجده بين يديه لا يفارقه، وقد يُؤخره ذلك عن صلاته وأعماله المدرسية، وزيارات أقاربه واللعب مع رفاقه، فيعيش داخل قوقعة بعيدًا عن التفاعلات الاجتماعية الحقيقية، إلا إذ سيطر الآباء والمربون على ذلك بتنظيم الوقت ومشاهدة المفيد.
- ألعاب الفيديو: فرغم أنها تُقدم التسلية والمرح والمتعة والفائدة لأبنائنا، فهي تستغرق من وقتهم الكثير، حيث تجد الطفل شديد الاهتمام بها، وفي حالة انشغال تام، منجذب بكل حواسه، ويده لا تكاد ترتفع عن آلة التحكم، وعيناه لا تفارقان الشاشة، بل لا ترمش لمدة طويلة مخافة الخسارة في اللعب، وهذا بلا شك إدمان كبير، وحثّ على العنف بأشكاله المختلفة، حيث كشفت أبحاث عن أن 22 ألف لعبة فيديو من أصل 30 ألف لعبة تُقدم العنف.
- التلفزيون: وهو يُشكل خطورة كبيرة في عالمنا المعاصر، بعد انتشار المحطات الفضائية التي تُقدم البرامج والمسلسلات والرسوم المتحركة للأطفال والمراهقين بصورة لا تتوافق مع ثقافتنا وحضارتنا وقيمنا ولغتنا.
- الكمبيوتر: وخطورته تكمن في التحكم الكبير فيما يرغب الطفل بعرضه ومشاهدته في الوقت الذي يُريده، وهو إن كان مُفيدًا في التعلم واللعب وتنمية المهارات والدراسة والتحصيل العلمي، يعد – أيضًا- معول هدم للقيم والعادات والأخلاق التي تربّى عليها الفرد المسلم والمجتمع.
وتبثُّ هذه الوسائل التكنولوجية – إن لم ينتبه إليها الآباء والمربون- مشاهد العنف والقتل وارتكاب الجرائم، والأفكار الجنسية، إضافة إلى دورها في تشويه عقيدة أبنائنا بأمور تتضمن الشرك والضلال وعبادة غير الله تعالى، وتشويه الحقائق والخيال، وتشويه المخلوقات الجميلة التي خلقها الله تعالى بأحسن صورة، فيجعل لها أشكالا قبيحة، بجانب تشجيع السحر والشعوذة بطرق محببة، مثل أفلام هاري بوتر.
مهارات ضائعة
ومع انتشار التكنولوجيا الحديثة، واندماج معظم الأطفال معها؛ لعبًا، ومشاهدةً، وتفاعلًا، يزداد الاهتمام بمعرفة كل ما يتعلق بقضية الأطفال والتكنولوجيا الحديثة، خصوصًا بعد ما ضاعت مهارات مهمة كانت تُشكل وجدان الصغار وتدفعهم للحركة في المجتمع والاستفادة منه وإفادته، وهي على النحو التالي:
- القدرة على التحدث مع الآخرين، فقد خسر الأطفال هذه المهارة بصورة واضحة، في ظل التصاقهم بالشاشات الذكية.
- القدرة على التفكير والتواصل الفوري، لأن أغلب مواقف التواصل أصبحت من وراء حجاب، عبر الرسائل الصوتية والمرئية التي لا يحدث معها تفاعل وتبادل للعواطف والمشاعر الحقيقية.
- التواصل وقراءة السلوكيات غير اللفظية، فعندما نتواصل بشكل أساسي عبر رسالة نصية أو بريد إلكتروني، فإننا نفقد القدرة على التعرف إلى السلوكيات غير اللفظية.
- القدرة على التركيز مع الآخرين، وهي مهارة تضيع عندما ننفق الكثير من الوقت على هواتفنا.
- الكشف عن حقيقة ما نشعر به، يخسرها – أيضًا- الأطفال في ظل الاختباء وراء عالم الكلمات والرموز التعبيرية، ما جعل التواصل وجهًا لوجه صعبًا للغاية.
- التفاعل وجهًا لوجه، فالتكنُولوجيا لا تسمح بالنظر إلى شخص ما في عينيه، والبكاء على كتفه والضحك معه أو الحصول على عناقٍ مطمئن أو منْحه.
- القدرة والرغبة على الاستماع: وهي من المهارات المهمة التي يفقدها الطفل في الوقت الذي انشغل فيه بالاستماع إلى الموسيقى والعروض والألعاب.
- القدرة على إقامة الحجج، وتغيب هذه المهارة مع اعتياد الطفل على التواصل المُختصر، والأفكار السريعة المبعثرة والمشوشة.
الإدمان التكنولوجي
وعلى الآباء والمربّين، الذين يهتمون بقضية أطفالنا والتكنولوجيا الحديثة، مُراقبة الصغار الذين يستخدمون التكنولوجيا الحديثة باستمرارٍ، خصوصًا إذا ما ظهرت عليهم علامات وأعراض الإدمان التكنولوجي التي تتمثل في النقاط التالية:
- التعلق بالأجهزة الإلكترونية.
- عدم رغبة الطفل في اللعب مع الأطفال الآخرين.
- خلق حجج وأعذار طوال الوقت.
- البحث عن مصدر أموال للعب في أندية ألعاب الفيديو.
- عدم رغبة الطفل في الخروج للأماكن المفتوحة.
- تمسك الطفل بالبقاء في أماكن ألعاب الفيديو.
- تغير طباع الطفل بالعناد والتشنجات والتوتر.
- التحايل والكذب أحيانًا للتخلص من تساؤلات الأم والأب.
- فقدان الشهية ونقصان الوزن.
- العصبية والإفراط فى تبرير المواقف.
- فقدان التركيز في كثير من الأوقات.
- الإهمال الدراسي الواضح.
أطفالنا والتكنولوجيا.. نصائح تربوية
وفي سياق تناول قضية أطفالنا والتكنولوجيا الحديثة، فإنه في حالة الكشف عن بعض أعراض الإدمان التكنولوجي ظاهرة في الصغار، لا بُد من اتباع هذه النصائح التربوية:
- إخراج التلفاز من غرف نوم الأطفال، وتحديد ساعات لمشاهدته.
- مُراقبة ما يُشاهده الأبناء من أفلام وفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
- الجلوس مع الأبناء فترات أطول ومحاورتهم وأخذ آرائهم، وإشراكهم في أعمال البيت ومسؤولياته.
- اللعب بالكرة مع الأبناء، وتشجيع ممارسة الهوايات، مثل: الرسم، والتطريز، وفنون الرياضة.
- سرد القصص الهادفة وذات الاعتزاز بأبطالنا وعلمائنا وعظماء تاريخنا.
- تحديد ساعات اللعب المسموحة بوضع جدول ساعات مناسب للطفل ولكن الأهم أن يجرى الالتزام به لعلاج إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونية.
- تعويد الأبناء على المراقبة الذاتية وربط أفعالهم دوما بالله تعالى وأنه يرانا وهو الشاهد على أفعالنا.
- اصطحاب الأبناء إلى الحدائق العامة والبساتين والمعارض الفنية والمتاحف، وزيارات الأقارب.
- تشجيع ممارسة أنواع الرياضة بما يتناسب مع ميولهم.
- التحدث مع الطفل بشكل واضح حول أضرار الألعاب الإلكترونية وممارستها بشكل مفرط.
- تنظيم برنامج للعب، حتى لا يُدمن الطفل لعبة مُحددة، فلا يتمكن من تمرير يوم دون قضاء الوقت في لعبها، ويكون البرنامج بإشراف تام من ولي الأمر، ويجب أن تختار الألعاب الآمنة التعليمية الهادفة، ومن ثمّ تحديد الوقت الذي سيقضيه في لعب كل واحدة منها، إضافة إلى تغييرها وتجديدها.
- تجنب الحرمان التام، ولا نُشعر الطفل بأنّ إبعاده عن لعبته المفضلة هو عقاب، بل نُخبره بأنه يُمكنه أن يلعبها دون أن يفرط في قضاء الوقت.
- تسليط الضوء على الأضرار الجسدية والنفسية التي يسببها إدمان التكنولوجيا.
ويقول الكاتب صلاح متولي “لقد ساهم هذا العالم الخاص أكثر في إبعادنا عن أسرنا حتى الموجودين معنا في المنزل، وقد تأثرت حياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية بالإنترنت إلى أن أصبح التطور التكنولوجي يُؤثر سلبًا على المجتمع، وخصوصًا على الحياة الأسرية وصلة الأرحام.
وأضاف: فلو استغلت على الوجه الصحيح ما فقدنا بعضًا من هويتنا ولا نسينا أو تناسينا ما أوجب عليه العرف الإسلامي من إحياء صلة الرحم، وهنا يمكن القول إن أهم ما يجب أن يضعه الإنسان بصفة عامة نصب عينيه – هو محاولة الحفاظ على ما توارثه عبر أجيال مضت من دينه وقيمه والاستغلال الجيد والأمثل للعولمة، لا بإساءة تدبيرها واستخدامها.
المصادر:
- التكنولوجيا وعلاقتها بصلة الأرحام
- هل ابنك مدمن؟ إذن إليك كل ما يخص علاج إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونية
- تأثير القنوات الفضائية على الطفل والمجتمع!!