ماذا أفعل حينما أصل إلى مرحلة من عدم حبي لزوجي بسبب أفعاله السابقة السيئة، التي ولدت بداخلي الشك وعدم الثقة وعدم الإحساس بالأمان؟
السائلة الكريمة: مربط الفرس في سؤالك هو كلمة (الشك) فالشك يقتل العاطفة ومعه تختفي المودة، وبوجوده تستسيغ الزوجة فكرة الطلاق، فالشك لا يقيم للحياة الزوجية بيتًا ولا ودًا.
لا ننكر أن أخطاء الماضي تجعل المرء يعيش حالة من انعدام الثقة وانطفاء المودة، ولكن الذكي لا يجعل هذه المشاعر تطول وتسيطر عليه، فالمخطئ إذا ما أقر بخطئه فهي خطوة جيدة، بخلاف المكابر المعاند الذي ربما إذا اتهمته زوجته ببعض الأشياء انقلب عليها ووصمها بما نعتته به واشتكته، ويبدو لنا من سؤالك أن الزوج معترف بأخطائه، ويبقى أن تسامحيه، لعله يحتاج تجديد الثقة فيه بقفل الصفحة الماضية، وعدم نكأ الجراح، وكما يقول المثل (نحن أبناء اليوم)، والماضي لا ينفع معه إلا طلب المغفرة من الله، والوعد بعدم العود.
مع الأسف نجد كثيرًا من الشباب الذين نشأوا على عدم غض البصر، واستسهال المخالطة، وعدم استشعارهم مراقبة الله لهم = متناسين أن العين تزني وزناها النظر، وأن كل تهاون هم محاسبون عليه، يقول الله- تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، نجد هؤلاء الشباب قد ينضجون للأسف متأخرًا و ينصلحون بعد الزواج وبعد حدوث الكوارث.
فتجد أحدهم في فترة شبابه يفعل ما يفعل من مصاحبة واستسهال الكلام بحاجة أو غير حاجة، وغيرها من الأمور التي تسبب الغيرة والشك لاحقًا، ثم حينما يختار زوجة، يطلبها مصلية حيية لا تخاطب الرجال؛ لأنه يعرف خطورة ما كان يفعل على القلوب وعلى تدمير العلاقات باستسهال تلك المعاصي، فتدفع الزوجة ضريبة أفعال مرحلة الشباب لفترة من الوقت، حتى يتأكد للزوج خطورة ما يفعل على دينه واستقرار بيته!
والعاقل منهم من يعود إلى رشده ويخاف على بيته، ولكن ليس من تلقاء نفسه هكذا، يحتاج الأمر إلى:-
- زوجة صبورة،
- تضع الأمور في حجمها الطبيعي لا تهون ولا تهول،
- كما يحتاج الأمر إلى زوجة عاقلة تحكم عقلها وتستمع لعاطفتها ولكن لا تجعلها تقودها، خصوصا في فترة الغضب؛ لأن النتائج تكون كارثية.
- كما يحتاج الأمر إلى زوجة حنونة تدرك وتعترف بالخصال الحميدة في زوجها وتحدد وتحصر نقاط ضعفه التي ولدت لديها الشك، لا زوجة تقول والله ما رأيت منك خيرا قط!
فلا يجوز معاملة الزوج طول الوقت على خطايا الأمس، ستقعين في دائرة مفرغة، تدورين في فلك الشكوك والظنون، الذي أمرنا الشرع أن نجتنبها، يقول المولى- عز وجل: {يَا أَيًّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.
ومن تلك الدوائر المفرغة التي يتسبب فيها الشك أن يكون الزوج قد أخذ قرارًا حاسمًا بانصلاح الحال؛ ثم يجد نفس ردود الأفعال، فنعين الشيطان عليه، ويرجع إلى سابق أفعاله!
نعم، يحتاج الزوج أن يبذل الكثير لتجديد الثقة ورأب الصدع وملء خزانة الحب بتصرفات وأفعال جديدة، قد يفهم بعض الرجال ذلك دون حاجة من الزوجات للتلميح، وقد يحتاج بعضهم إلى التصريح، فأكثر الرجال لم يتربوا على احتضان الزوجات بالكلمات الطيبة والتصرفات التي تأسر القلوب عند الغضب.
يحتاج هذا النوع من الرجال أن نبين ونوضح لهم حاجتنا بمنتهى الود والاحترام والصراحة فهؤلاء لا يفهمون التلميح مطلقًا، اطلبي من زوجك موعدًا للحديث معًا، واختاري الأنسب لظروفكم، في البيت أو خارجه، قد يكون الخروج في أجواء مختلفة أمرٌ يعين على تجديد الروح والدماء، فيسهل مع تلك اللحظات التجاوز والصفح.
اكتبي قبل هذه الجلسة، مميزات زوجك التي تجعلك تستمرين في العلاقة، واكتبي أيضًا السلبيات التي تعد خطا أحمرًا بالنسبة لك، وقوليها برفق، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
ومن باب الاستبصار بعيوب النفس أيضًا، قومي برصد وتسجيل عيوبك، فكما أن لزوجك هنات، فلابد أنه صبر على شيء ما وإن لم تكن أخطاء تقع في دائرة الشك، مثل التي وقع فيها زوجك، فلا بد من وجود بعض العيوب أو التقصير، فاكتبي ذلك أيضًا، فهذا الإقرار منك بمميزاته وعيوبه وعيوبك، يساعدك على وزن الأمور بشكل جيد، والتقليل من حدة الغضب الذي يحدث وقت المواجهة.
قد يحتاج الزوج أيضا إلى أن نعينه بإبعاده عن مسببات الأخطاء، فلا نسهل الاختلاط ونيسره له ثم نشتكي أفعاله، بعض النساء يقعن في ذلك كثيرًا، لا حدود شرعية ولا عرفية ثم نسمع المصائب!
وإذا كانت أخطاؤه هذه بعيدة عنك تمامًا وليست هناك أي عامل من عوامل تيسير هذه الأخطاء؛ فلا بد أن نذكره بالله، ونشجعه على الارتباط بالدروس في المساجد، والتعرف على الصحبة الصالحة، التي تذكره بالخير وتعينه عليه، فالدوائر التي تحيط بالشخص عليها عوامل كبيرة في صلاحه أو فساده.
كما أن التعامل مع الزوج على أنه يمر بأزمة ويحتاج إلى من يعينه، سيجعلك تنظرين إلى الأمر برمته نظرة مختلفة، المهم أن تجدي لديه المميزات التي تدفعك لاحتمال الوضع وإصلاحه.
كما نوصيك بالتعامل معه باحترام، فبعض الزوجات تنسى وقت الخلاف مع الزوج أنها ما زالت زوجة وتمتنع عن أداء واجباتها الزوجية أو تنظر للزوج نظرات فيها انتقاص وعدم احترام طوال الوقت، وهذا لا يساعد أبدًا في بناء أواصر الحب والاحترام بين الزوجين، فلا ننس أن رباط الزوجية ما زال قائمًا وهناك حقوق وواجبات سنسأل عليها.
كما نذكر بضرورة عدم إدخال الأهل إلا إذا سدت الأبواب، فاللجوء إلى استشاري علاقات أسرية قد يكون حلًا مناسبًا إذا تأزم الأمر ولم تصلي لحلول، فيحدث كثيرًا أن ينصلح الحال بين الزوجين، ويبقى الأهل متذكرين متألمين لبناتهم ويجدون صعوبة حقيقية للتجاوز.
ولا ننس أبدًا أن هناك سحرًا في الدعاء؛ فالزمي الدعاء أن يصلح الله ما بينك وبين زوجك: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ…}.
أقر الله عينك بما يسعدكِ ويرضيكِ، وغفر لزوجك زلاته وهناته، وأنعم على قلبك بالسكينة والهدوء والاطمئنان والأمان.