وهذه العلامات لها تأثير تربوي كبير على الفرد والمجتمع، في حال ذكرها وسماعها ودراستها، فهي تزيد الإيمان في القلب وتحث الناس على المسامحة والبعد عن الشجار والخصام، والحفاظ على الأخلاق الإسلامية مع الأقارب والجيران، فتنتشر المحبة والود بين الناس.
من أشراط الساعة
وذكر القرآن الكريم، وكذلك كتب الحديث، العديد من أشراط الساعة الصغرى والكبرى، ومنها:
- الدخان: وهو من العلامات الكبرى، قال تعالى: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين* يغشى الناس هذا عذاب أليم) [الدخان: 10-11].
- الخسوفات الثلاثة: حيث جاء ذكرها في الأحاديث ضمن العلامات الكبرى، فعن حذيفة بن أسيد- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الساعة لن تقوم حتى تروا عشر آيات.. (فذكر منها) وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب” (مسلم).
- المسيح الدجال: مسيح الضلالة يفتن الناس بما يعطاه من الآيات، كإنزال المطر، وإحياء الأرض بالنبات وغيرهما من الخوارق، وسمي الدجال مسيحا، لأن إحدى عينيه ممسوحة، ولأنه يمسح الأرض في 40 يوما، والقول الأول هو الراجح، لما جاء في الحديث النبوي: “إن الدجال ممسوح العين عليها ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ” (مسلم).
- خروج يأجوج ومأجوج: خروج يأجوج ومأجوج في آخر الزمان وقد دل على ظهورهم، قول الله تعالى في سياقه لقصة ذي القرنين: (قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا* قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا* فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا* قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا) [الكهف: 94-98].
- خروج الدابة: قال تعالى: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) [النمل: 82].
- ظهور المهدي المنتظر: قال- صلى الله عليه وسلم-: “يخرُجُ في آخِرِ أُمَّتي المَهدِيُّ، يَسْقيه اللهُ الغَيْثَ، وتُخرِجُ الأرضُ نباتَها، ويُعطي المالَ صِحاحًا، وتكثُرُ الماشيةُ، وتعظُمُ الأُمَّةُ، يعيشُ سبعًا، أو ثمانيًا” (أبو داود بإسناد صحيح).
- نزول عيسى عليه السلام: قال الله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون * إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل * ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون * وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم) [الزخرف: 57-61].
- طلوع الشمس من مغربها: قال سبحانه: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون) [الأنعام: 158].
- النار التي تحشر الناس: فقد جاء في حديث حذيفة بن أسيد في ذكر أشراط الساعة الكبرى قوله- صلى الله عليه وسلم-: “وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم”.
- ذهاب الصالحين: وهو من العلامات الصغرى، حيث نجد المجتمعات والبلاد يقل فيها الصالحون ويموتون ويفنَون عن الأرض، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض -أي: أن أهل الفضل والصلاح يقبضهم الله جل وعلا، يقلُّون في الناس، يصبحون معدودين على الأصابع- قال: فيبقى فيها حثالة -يعني: أراذل الناس يبقَون- لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً- ما صفة الحثالة؟ وما صفة الأراذل؟ وما صفة هؤلاء الناس الذين يبقيهم الله في الأرض؟- قال: لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً -لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، يبقيهم الله لأنهم حثالة، أما شريطته وهم أهل الصلاح وأهل الخير، الآمرون بالمعروف فيأخذهم الله ويقبضهم” (رواه أحمد وإسناده صحيح).
- ارتفاع الأسافل: تجد أسافل الناس وأراذلهم، وأقلهم دينا يرتفعون فيملكون زمام الأمور، ويسيطرون على الناس، ويتأمَّرون عليهم، وهم في مقياس الشريعة من أراذل الناس، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “لا تذهب الدنيا حتى تصِير لِلُكَع بن لُكَع” أي: أحمق وسفيه. (رواه أحمد، وهو في صحيح الجامع).
- لبس النساء للباس غير الساتر: محتشمات وغير محتشمات، كاسيات لكنهن عاريات، عن عبد الله بن عمرو، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج، كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المسجد ، نساؤهم كاسيات عاريات، على رءوسهم كأسنمة البخت العجاف..” (رواه أحمد، والحديث صحيح).
- انتشار الزنا في الناس: قال رَسولُ الله- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: “إنَّ من أشراطِ السَّاعةِ – فذَكَرَ مِنها:- ويَظهَرَ الزِّنا” (البخاري ومسلم).
- انتشار الربا: فعَنِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: “بَين يَدَيِ السَّاعةَ يَظهَرُ الرِّبَا” (الطبراني وصححه الألباني).
دروس تربوي من معرفة أشراط الساعة
واستخرج كثير من العلماء وخبراء التربية العديد من الدروس والعبر من أشراط الساعة الصغرى والكبرى، منها:
- الاستعداد لها بالعمل الصالح، والتوبة: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “بادِرُوا بالأعْمالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، أوِ الدُّخانَ، أوِ الدَّجَّالَ، أوِ الدَّابَّةَ، أوْ خاصَّةَ أحَدِكُمْ، أوْ أمْرَ العامَّةِ” (مسلم)، فإذا استشعر العبد قُرب قيام الساعة انشغل قلبه خوفاً من ربه، ورجاء له، وتوكلاً عليه، وإنابة إليه، وصدقاً معه.
- الثبات على الدين: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “بادروا بالأعمالِ فتَنًا كقطعِ اللَّيلِ المظلمِ، يصبحُ الرَّجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا ، ويمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا يبيعُ أحدُهم دينَهُ بعرضٍ منَ الدُّنيا” (صحيح الترمذي).
- الحفاظ على العبادة حتى لو اضطربت الأمور وعمت الفوضى: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ” (مسلم)، أي في الأجر والثواب، فإذا غفل الناس، وانشغلوا، وقام هذا يعبد ربه معنى ذلك أن قلبه معمور بمحبته، والإنابة إليه.
- حفظ آيات الكف عن بأس علامات الساعة: فإذا عرف العبد أنّ من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال، حفظها وتعرف إلى معانيها، وذكر نفسه أنه مهما جاءت فتن كبار فعنده من الآيات العظام ما تتلى أمام هذه الفتن فتكف بأسها عنه.
- تعلمنا هذه الأشراط أنّ علم الله أعجز علوم البشر، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الأعراف:187].
- زيادة الإيمان في القلب: فلما يرى المسلم انطباق علامات الساعة في الواقع يزداد إيمانا، قال تعالى: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب:22].
- تحثنا على أن نكون أمناء، ونضع الأمناء في مواقع الأمانة؛ لأنه إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة.
- تحثنا على رعاية أهلنا، وزوجاتنا، وبناتنا، وأخواتنا وأمرهن بالعفاف، والستر، والحجاب، والحشمة؛ لأنه من أشراطها، نساء كاسيات، عاريات، مميلات، مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها.
- تحذرنا من الفوضى، والدخول في سفك الدماء؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: – و الَّذي نَفسِي بيدِه ، ليَأتِيَنَّ علَى النَّاسِ زمانٌ لا يَدرِي القاتِلُ في أيِّ شيءٍ قَتَلَ ، و لا يدرِي المقتولُ في أيِّ شيءٍ قُتِلَ” (مسلم).
- تحذرنا من التفاخر بالدنيا؛ قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “وإذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإبِلِ البُهْمُ (البهم: المرادُ بهم الرُّعاةُ المَجهولون الَّذين لا يُعرَفون) في البُنْيَانِ” (مسلم).
- قوة اليقين بصدق الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم-: فوقوع الأشراط والعلامات على النحو الذي جاءت به الأخبار يثبت الإيمان ويقويه، فالمسلمون في كل عصر يشاهدون وقوع أحداث مطابقة لما أخبرت به النصوص الصادقة، ولا شك أن هذا له أثر كبير في تثبيت المؤمن على إيمانه، قال تعالى واصفا حال المؤمنين: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب: 22].
- تعلمنا التماس المكسب الحلال: فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، قال: وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ الله- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: “ليَأتينَّ على النَّاسِ زَمانٌ، لا يُبالي الْمَرءُ بما أخذَ الْمالَ: أمِنْ حَلالٍ أم من حِرامٍ” (البخاري)
- تربينا على استقلالية الشخصية الإسلامية: فلا نتشبه باليهود والنصارى والكفار، لا في ملابسهم، ولا في قصاتهم، ولا في عاداتهم، ولا في أعيادهم، لأنه- صلى الله عليه وسلم- حذرنا فقال: “- لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَأْخُذَ أُمَّتي بأَخْذِ القُرُونِ قَبْلَها، شِبْرًا بشِبْرٍ وذِراعًا بذِراعٍ، فقِيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، كَفارِسَ والرُّومِ؟ فقالَ: ومَنِ النَّاسُ إلَّا أُولَئِكَ” (البخاري).
- تربينا على الرجوع إلى الأكابر من أهل العلم: لأن من علاماتها أن يلتمس العلم عند الأصاغر، أي: ليس صغار السن، وإنما أهل البدع، والذين عندهم قلة في العلم، قال- صلى الله عليه وسلم-: “سَيَكونُ في آخِرِ أُمَّتي أُناسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ ما لَمْ تَسْمَعُوا أنتُمْ ولا آباؤُكُمْ، فإيَّاكُمْ وإيَّاهُمْ” (مسلم).
- تذكرنا بصلة الرحم، وحسن الجوار، وإفشاء السلام على الجميع، لأنّ من أشراطها انتشار العقوق، وسوء الجوار، وعدم السلام إلا للمعرفة.
إنّ أشراط الساعة الصغرى والكبرى عبارة عن مجموعة أحداث وعلامات تسبق قيام الساعة، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، لتنبه المؤمنين بالتمسك بدين الله واجتناب المعاصي والفتن.
مصادر ومراجع:
- ناصر بن سعد السيف: الفوائد المختارة على أشراط الساعة.
- محمد صالح المنجد: فوائد تربوية من أشراط الساعة.
- محمد إسماعيل المقدم: فقه أشراط الساعة، ص 30.
- ابن حجر: فتح الباري 11/350.
- القرطبي: التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، ص 1217.
- المناوي: فيض القدير 3/194.
- ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله 1/612.
- البنكاني: أشراط الساعة، ص 185.