تتعدّد أنواع الضغوط وتتنوّع تصنيفاتها، فمنها المُزَلزِلة التي تُؤثر على أعدادٍ كبيرةٍ من البشر، مثل الحروب، والكوارث الطبيعية، وهناك الشخصية التي يتأثّر بها الأفراد، ونوع ثالث عام يتمثل في الاحتكاكات أو المشاحنات اليومية، وهو ذات شدة منخفضة لكنها تستمر أو تتكرر في الحياة.
وقد يتسبّب الضغط في الاحتراق النفسي والجسدي بعد حالة من الاكتئاب، وهو مرض العصر الذي يُهدد مختلف شرائح المجتمع، فيَنشر الغضب والتوتر والقلق والإحباط، وعدم القدرة على التحمل والإحساس بالاختناق.
الضغوط العامة
وتشمل الضغوط العامة؛ الحروب، وعدم استقرار النظام الاقتصادي، والتغيّر الثقافي والقيمي، والجريمة بمختلف أشكالها والظروف الخاصة بالطبقات الاجتماعية، وكذلك الكوارث، وظروف المناخ والطقس والتلوث وغيرها.
فالحرب واحدة من أهم أسباب الضغط على نفسية الإنسان، وهناك تقدير يُشير إلى نشوب مائة وخمسين حربًا منذ عام 1945 وحتى عام 1994 فقط، نتج عنها موت اثنين وعشرين مليونًا من البشر، بل هناك نحو 48 دولة تحدث فيها حروب أو نزاعات داخلية كل عام، وهي من أقسى الصدمات التي يُمكن أن يتعرض لها الناس، لما يترتب عليها من تبعات سلبية كبيرة.
الضغوط السياسية
المناخ السياسي السائد هو- أيضا- أحد مصادر الضغوط ومسبباتها، ويشمل عدم استقرار النظام الاقتصادي، والقلاقل السياسية والانقلابات، والعلاقات مع الدول الأخرى والتهديدات الخارجية، ولا يختلف اثنان على أن هذه العوامل تفرض ضغوطًا كبيرة على المجتمعات التي تحدث فيها.
والعالم الإسلامي بأسره، خصوصًا دول الربيع العربي، والأقليات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يتعرضون لضغوطٍ نفسية هائلة، والمتتبع لما تنقله وسائل الإعلام عن هذه الأقليات في آسيا وأوربا وأمريكا يستطيع أن يلحظ كم الضغط النفسي الذي يتعرض له المسلمون.
الضغوط الثقافية والاجتماعية
هناك مُتغيرات ثقافية واجتماعية تتسبب في الضغوط والاضطرابات النفسية؛ تشمل التحضّر، والكثافة السكانية، والعزلة الاجتماعية، واضطراب المعايير، وانتهاك الحيّز الشخصي والطبقة الاجتماعية والبطالة والفقر، ولا يقتصر الأمر على تلك العوامل، بل ظهرت ضغوط ثقافية جديدة متمثلة في تدفق المعلومات والمواد الإعلامية عبر الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية وشبكات الإنترنت، والكثير منها يحاول التشكيك في الثوابت الدينية والثقافية للمجتمعات الإسلامية، ويستهدف الشباب والمراهقين بوجه خاص، ويؤدي إلى اضطراب المعايير واختلال القيم، وينشر عوامل القلق والخوف على مستقبل الأمة التي تحدق بها الأخطار من كل جانب.
الكوارث الطبيعية
إن المخاطر والكوارث الطبيعية تتسبب في الضغوط والاضطرابات النفسية، والخوف والقلق، حتى لأولئك الأفراد الذين لا يشملهم الخطر، فإن الارتباط اللاحق بالضحايا يُمكن أن يكون صادمًا لهم، إضافة إلى الأمراض والأوبئة التي تنتشر بعد الكوارث، وتُؤثر جسديا ونفسيا على الملايين.
ضغط العمل
يتعرض كثير من العاملين في المؤسسات المختلفة حول العالم إلى الضغوط والقلق، خصوصًا في ظل التغير المستمر للسياسة التنظيمية وتضارب القرارات، وعدم متابعة الإنجازات التي بدأت، وتقديم الولاء للأشخاص على الولاء للمؤسسة وأهدافها، ويأتي انخفاض الدافعية، وضعف الجهاز الإداري وعدم التطوير ليكمل مسلسل الضغط والتوتر.
أسباب الضغط النفسي على الفرد
رغم أن الفرد في كثير من الأحيان هو ضحية الضغوط والقلق والتوتر الخارجي، فقد يكون مساهمًا فيه بحكم استعداداته البيولوجية أو سماته وخصاله الشخصية وقدراته العقلية وتنشئته الاجتماعية، وتضم هذه المجموعة المسببات الآتية:
- التشوهات والمظهر الجسمي غير المناسب، الذي يتسبب في معاناة نفسية قد تعوق عن ممارسة الحياة الطبيعية.
- الضغط المعرفي: ويشمل الطموحات والأهداف غير الواقعية، وهي لا تتناسب مع قدرات الفرد وطاقاته وما ينتج عن ذلك من إحباط وشعور بالفشل، ونقص القدرة على ضبط النفس، وفي الحديث الشريف: “ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ” (رواه البخاري).
- الضغط الوجداني والانفعالي: ويضم الخوف التوتر وعدم الثقة في النفس، والقلق على الرزق يقول صلى الله عليه وسلم: “لو توكلتم على اللهِ حقَّ توكُّلِه لرزقكم كما تُرْزَقُ الطيرُ تَغْدُوا خِماصًا وتَرُوحُ بِطانًا” (رواه الترمذي).
- العادات السلوكية الضارة: وهي أحد أسباب الضغط رغم أنها في بعض الأحيان من مصادرها ومنها الإسراف في الأكل والشرب، والتدخين وتعاطي المخدرات.
- الضغط المرتبط بالاستعدادات الفردية: ويشمل عدم إشباع الحاجات الداخلية والدوافع الاجتماعية، ونقص الصلابة النفسية.
- الضغط الأسري والاجتماعي: ويشمل الصراع بين مشكلات البيت والعمل، وبخاصة في حالة عمل الزوجين، نتيجة للحاجة والظروف الاقتصادية الضاغطة.
- ضغط العمل: وتنطوي بعض الأعمال على مصادر للضغط، منها المسؤولية داخل نظام العمل عن الأفراد والأموال أو المعدات، واتخاذ القرارات المهمة، والشعور بعدم الرضا عن العمل، لعدم وضوح الأهداف، وقلة فرص التدريب وغيرها.
التربية الإسلامية علاج للضغوط النفسية
تُؤكد بعض التّقارير أنّ نحو ثلث سكان العالم أصيبوا بالتوتُّر والإحباط من المستقبل، وأن استمرار هذه المشاعر يُؤدي إلى كثيرٍ من الأمراض النفسية، حيث يُعد الاكتئاب ثاني مرض مُعطِّل عن العمل عالميًّا، ورغم محاولات العلم الحديث في السيطرة على هذه مثل الأمراض، فإن مسبباتها تزداد يومًا بعد يوم لتفشل خطط العلاج وتحقيق الراحة النفسية للجميع.
لكنّ الله- عز وجل- منّ على المسلمين بقواعد لو اتبعوها في أي زمان لنجوا من براثن أمراض العصر الفتاكة، وحقّقوا لأنفسهم الغاية الكبرى وهي “راحة البال”، ومن أهمها:
- الإيمان بالقضاء والقدر وما يبعثه من الطمأنينة وراحة في النفس والبدن.
- إدارة الوقت وتنظيمه، فلكل وقت مهام وعبادات تُجدِّد الإيمان والنشاط وتبعث اليقين.
- نماذج للقدوة في إدارة الأزمات، والتعامل مع الضغط والقلق والتوتر في المواقف الصعبة.
- وضوح الهدف، يقول تعالى: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ [النجم: 42]، فالإنسان الذي لديه هدف واضح، حتمًا سيَشعر بأن لحياته معنًى.
- الصبر، فالدنيا بالنسبة للمسلم مجرد ممرٌّ يعج بالابتلاءات، والإنسان دائمًا بين نعمة يشكر عليها ومصيبة يصبر عليها .
- قَبول الذَّات، والاستعانة بالله في كل الأمور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجِز” (رواه مسلم).
- إتقان العمل، قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقنه”، وهذا سبب كبير للنجاح الذي يُؤدي إلى استقرار النفس وراحة البال.
المصادر
- جمعة سيد يوسف: التوافق النفسي.
- جمعة سيد سيف: إدارة الضغوط النفسية.
- حامد عبد السلام زهران: الصحة النفسية والعلاج النفسي.
- عبد الرحمن بن أحمد: ضغوط العمل: مصادرها ونتائجها وكيفية إدارتها.
- عبد الرحمن سليمان الطريري: الضغط النفسي، مفهومه، تشخيصه، طرق علاجه ومقاومته.
- مصطفى محمود: علم نفس قرآني جديد.
- خالد بن محمد الشهري، مقال: الإسلام والسلامة النفسية