أخي طعنني في شرفي، وقال لي “يا عاهرة”!!
وأنا متزوجة، ولم أستطع أن أسامحه، هل أنا آثمة لأني لم أتقبل تلك الكلمة ولا زلت مجروحة؟!
منعني من الذهاب إلى منزل والديّ وهما على قيد الحياة، ماذا أفعل؟!
رفع في وجهي السكين عندما ذهبت لزيارة أبي وأمي، وهما قالا: نحن معه ظالما أو مظلوما! كيف أتصرف؟!
السائلة الكريمة:
أصلح الله ما بينك وبين أخيكِ، ورزقك الحكمة والبصيرة وحسن التصرف.
التعامل مع الإساءات التي نتعرض لها، كلما غلبنا العقل في الحكم عليها وأدركنا حقنا في مشاعر الغضب؛ قللنا الخسائر الناتجة في العلاقات قدر الإمكان، وحيث إن المسيء لك أخوك من رحمك، فلا يمكن التوصية بقطع العلاقة بينك وبينه، فالرحم لهم معاملة خاصة مهما بلغت الإساءة فلا نوصي أبدًا بقطع الرحم، أما إذا أساء لك شخص في دوائر أبعد، فيمكنك اعتزاله إن كانت الإساءة بالغة أو لا تغتفر.
إذًا يختلف التعاطي مع الإساءة حسب علاقتك بالشخص، وحسب درجة الإساءة، والقرآن الكريم يعلمنا قاعدة مهمة في مقابلة الإساءة، ألا وهي (الصبر)، قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} (الأنعام: 34)، إذًا الصبر على الإيذاء جزاؤه نصر من الله، فيأتيك حقك وترد لك كرامتك بإذن الله، بل ربما يأتي طالبًا العفو والصفح.
كما علمنا القرآن الكريم طريقة أخرى للتعامل مع من يجهل علينا، قال تعالى: { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} (الفرقان: 63)، ويبدو أن أخيكِ ممن يجهل ويتعدى بالقول واليد، فاعتزاله وقت الجهالة أدعى لعدم تأجج الخلاف وتطوره، وعدم رد الإساءة بالإساءة أوجب مع مثله؛ لرأب الصدع وعدم التمادي،
فكان خلقه- صلى الله عليه وسلم- القرآن، هذه نتيجة الحلم على من يجهل علينا، نكتسبه صديقًا، يقول الإمام الشافعي- رضي الله- عنه موضحًا طريقته في التعامل مع من يجهل عليه:
يُخاطِبُني السَفيهُ بِكُلِّ قُبحٍ ***** فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيبا
يَزيدُ سَفاهَةً فَأَزيدُ حِلماً ***** كَعودٍ زادَهُ الإِحراقُ طيبا
إذًا، المصادر مجتمعة (خصوصًا القرآن والسنة)، يحثوننا على الحلم والصبر في مقابلة الجهالة، بل إن استطعتِ فأحسني إليه، كأن تقولي له: “عفا الله عما سلف، أنا أعلم أنك لم تقصد تلك الكلمة”، وذكريه بالمشترك بينكما، أنكما أبناء بطن واحدة كما يقولون، وكم أكلتم وشربتم ولعبتم معًا صغارًا، وغيره وغيره. هذه الطريقة يسميها التربويون قانون (المشترك والاعتذار)، فحينما تذكرينه بالمشترك يخفت غضبه، بل يمكنك أن تبلغيه أثناء التذكير أنكِ قد سامحتِه؛ لأنك تحملين له مواقف طيبة في ذاكرتك تجب هذا الخطأ وتغفره، فإن شرح الله صدره، يكون لكلامك هذا أطيب الأثر على النفس، وتكونين بذلك اخترت مقامَ الإحسان له، ليس لأنه يستحق؛ لكن طمعًا في أن ننال مقام إحسان الله لنا دائمًا، فسبحانه يعفو ونحن لا نستحق، ويُبقي في أيدينا النعم ونحن لا نستحق، ويعطينا فوق ما نستحق، أفلا نحسن كما أحسن الله إلينا؟!
يقول المولى عز وجل: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (القصص: 77)، كما يقول جل في علاه: {إِنَّ اللّٰهَ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوْا وَالَّذ۪ينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (النحل: 128)، كما يقول سبحانه: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} (البقرة: 195)، فهل بعد ذلك أما زلت تسألين هل آثم لعدم مسامحته؟!
نسامح رجاء عفو الله، نسامح تقربًا من الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (النحل: 90)، فقد تختارين العدل بمعاملة المثل وهذا حقك، وقد تختارين مقام الإحسان وهو أرجى لمنافع دنيوية وأخروية.
نتفهم حقك في الغضب، فالكلمة ليست هينة، وإنها إن أساءت لأحد فلمن قالها وليس لمن قيلت في حقه، ولا نبرر موقف الأهل، لكن قد نفهم أنهم اختاروا السلامة معه اتقاء شره، فصبر جميل، حافظي على الاتصال والاطمئنان عليهم، حتى تمر هذه الغمامة، وادعيهم لبيتك بديلًا عن زيارتك لهم، وأبلغيهم بأن هذا الاختيار لاتقاء شر أخيكِ؛ وحتى لا يتطور الخلاف بينكما، ولا تُدخلي الأهل في نزاع أن يختاروا بين ودك لهم وبين اتخاذ موقف صارم مع أخيك فلا تعلمي ماذا يقولون له وماذا يعملون من أجل تقليل الخلاف بينكما!
كما نذكر بضرورة التفكير في أسباب الإساءة، ونحن بصدد علاج مثل تلك المشكلات لا نقف على الموقف ذاته بقدر ما نبحث في الأسباب التي أوصلت أخوك إلى مثل هذه الإساءات، فابحثي عن مسببات تلك الإساءة من وجهة نظر أخيك، حتى نمنع تكرار حدوثها، وقد تعينك بعض النقاط الآتية في وضع يدك على أسباب الإساءة عمومًا:
- الغيرة؛ فهي سبب قوي وقصة قابيل وهابيل خير دليل على ذلك.
- سوء فهم بعض المواقف يضلل ويكبر المشكلات فإزالة اللبس أولًا بأول والتبيان في تلك الحالات أمر واجب.
- التحليل الخاطئ للمواقف ومجريات الأمور ساحة خصبة يلعب فيه الشيطان مفسدًا بين الناس، فلا تتركيه للوساوس وبيِّني ووضحي ما قد يختلط عليه فهمه.
- كما أن إحساس المسيء بعدم الأمان يجعله يتمادى في الإهانة أحيانًا، فقد يحتاج منكم إلى التهدئة والدعم، وطمأنته بأنه ذو مكانة بينكم مهما بدر منه، فذلك أدعى لأن يعود إلى رشده وصوابه.
السائلة الكريمة: لعل الله يشفي صدرك بتلك النصائح، وتعينين نفسك على التجاوز، ويعلو رباط الأخوة والرحم فوق خلافاتكم.. ندعو الله أن يصلح ذات بينكم، ولا يجعل للشيطان سبيلًا بينكم.