لقد أنعم الله- عز وجل- على البشرية بالتوصل إلى مزيدٍ من وسائل النقل والمواصلات التي تسعف المضطر إلى في السفر والانتقال في أقصر مدة ممكنة، سواء بالسيارة أو القطار أو الطائرة وغيرها من النِّعم التي سهّل الله بها على الناس حياتهم وتنقلاتهم.
وقبل ابتكار الإنسان وسائل النقل المتقدمة، كانت الحيوانات- ولا تزال- تقوم بهذه المهمة، كما قال الله تعالى في محكم تنزيله: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 8)، فبهذه الآية الكريمة وضّح سبحانه نِعَمه على البشر في التنقل، ووصف أداة التنقل وقت نزول القرآن وترك البعض مجهولا لحين ظهوره.
آداب ركوب وسائل النقل والمواصلات
إنّ الالتزام بالأخلاق والآداب أثناء ركوب وسائل النقل والمواصلات، يعكس سلوك المسلم وطباعه وطريقة تعامله مع ما يعتريه في الحياة، فليس كل مَن جَلَس خلف مِقود السيارة كالآخر، فقد نجد السّريع بحذر كما نجد الطائش، بل ونشاهد الكسول والمتردد والخائف والمتأني والعاقل والخلوق والمُنفلت، والمهمل والمتقافز على الآخر وهو والمعتدي على حقه مروريًّا، إلى آخره من سلوكيات مختلفة ومتباينة، فأخلاق الإنسان تظهر في طريقة قيادته لمركبته.
والواقع الحالي يُوضح مدى التردّي الأخلاقي لكثير ممَّن يقود السيارات، وبخاصة في وطننا الإسلامي، ما ينتج عنه كثير من الحوادث أو الشجار أو التعدي على حقوق الآخرين أو عدم احترام الضعفاء المشاة أو الاستشعار أنه وحده من يمتلك الطريق.
وينسحب ما جاء في الأدب مع وسائل النقل المخلوقة على الوسائل المصنوعة، إذ الثانية من نعم الله تعالى على عباده- أيضًا- كما كانت الأولى؛ ولولا أن الله يسّر اكتشاف أسبابها وتصنيعها ما كان لها وجود، ومن هذه الآداب:
- الشكر على هذه النعمة، قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم : 7]، والشُّكْرُ هو الثناء على المُحسِن بما أولاكه من المعروف، فهو عِرْفانُ الإِحسان ونَشْرُه، ولا يكون إِلا عن يَدٍ، أي: نعمة، وقال ابن الأثير في: الشكرُ مُقابَلةُ النِّعمَة بالقَول والفِعل والنيَّة؛ فيُثْنِي على المُنْعم بلِسانه، ويُذِيب نفسَه في طاعتِه.
- الذكر والدعاء بعد شرائها: فذِكْرُ الله تعالى يُستحب عند كل عمل، وقد علمنا النبي- صلى الله عليه وسلم- أن نذكر الله تعالى على ما يستجد لنا من نعم فنشكره ونحمده عليها؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنهما- عَنْ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “إِذَا أَفَادَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ خَادِمًا أَوْ دَابَّةً فَلْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ”.
- ولما كانت وسائل النقل الحديثة مصنوعة، فيضع يده على أعلاها، ويدع بالبركة ويقول: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَخَيْرِ مَا صُنعتْ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا صُنعتْ لَهُ” (رواه النسائي في الكبرى).
- ذكر الله تعالى عند ركوبها: وهذا الأدب يجري على كل ما يُركب من دابة ووسيلة نقل حديثة؛ سواء أكانت سيارة أو قطارًا أو طائرة أو أي وسيلة نقل أخرى، والأصل في ذلك قوله تعالى: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) [الزخرف: 14، و15].
- وعلمنا النبي- صلى الله عليه وسلم- أذكارًا وأدعية عند ركوب الدابة، منها ما رواه مسلم عن ابْنَ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: “سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ”، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: “آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ”.
- ألا يستخدمها في معصية الله تعالى: وهذا أدب مهم في استخدام النعم، فالنعمة مَن شكرها ألا تستخدم في معصية الله تعالى عز وجل، وإلا انقلبت على صاحبها نقمة، فيجب ألا نسرف في شرائها أو تزيينها، لقول الله تعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام: 141]، ولا بد من ألا نفتخر بها على عباد الله تعالى الذي يقول (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان: 18]، ولا نستخدم آلاتها من شاشة أو مذياع ومسجل ونحوه في ما لا يحل للمسلم أن يسمعه أو يراه.
- التحلي بآداب الطريق: وهذا ما تميز به الإسلام أن جعل حقًّا للطريق، يلتزمه مَن جلس عليه أو وقف أو سار به على قدميه أو على وسيلة ركوب أيًّا كانت، والأصل في ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ”؛ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: “فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ”؛ قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: “غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ”.
- الحرص على النفس والغير: وهو أحد الكليات التي جاء بها الشرع (حفظ النفس)، ويكون ذلك بالتزام قواعد السلامة والمرور، ولا يتهور الإنسان في قيادته، ويحرص على غيره حرصه على نفسه.
أخلاق عامة في الطريق ووسائل النقل
وأخلاق الطرق ووسائل النقل يُمكن أن نشير إليها إجمالا في عدد من النقاط المهمة، استنادًا إلى المنهج الإسلامي الذي كفل للطريق حقوقه وشدد على الجميع احترامها ومنها ما يلي:
1- احترام المارة على هذا الطريق والسائرين عليه.
2- السير بسكينة وهدوء، وتواضع وحكمة.
3- إماطة الأذى عن هذا الطريق قدر الإمكان.
4- حفظ البصر واليقظة أثناء القيادة، لأنّ نظرة ذات اليمين أو ذات الشمال قد تكلفك الكثير.
5- إفشاء السلام على مَن عرفت ومَن لم تعرف، وإرشاد الحائر أو التائه.
6- احترام أنظمة السير التي تراعي جميع المصالح.
7- مساعدة مَن يحتاج إلى مساعدة أو نجدته أو إغاثته.
8- على السائق تفقد سيارته قبل السير بها لسلامته وسلامة الآخرين، كما عليه النظر أسفلها فلربما حيوان ينام تحتها.
9- إفساح الطريق لسيارات الإسعاف أو النجدة، أو المضطر.
10- عدم مضايقة المارة بالقول أو الفعل والتواضع للناس.
11- الصبر على أذى الناس وإبداء العذر لهم عند زلاتهم، وبخاصة عن وقوع بعض الحوادث غير المقصودة وضبط الأعصاب.
12- الابتسامة كنز من كنوز الحياة السعيدة، فلا تبخل بها على إخوانك على الطريق، كما قال صلى الله عليه وسلم: (وتبسمُّك في وجه أخيك صدقه).
13- عدم التجمُّع أو التجمهر عند وقوع الحوادث وذلك لما يسببه من إرباك للجهات المعنية.
14- قراءة الأذكار الواردة عند شراء السيارة أو عند ركوبها.
15- عدم رمي النفايات أو أعقاب السجائر من شبابيك السيارة.
16- البعد عن الانشغال بشيء يلهي السائق عن القيادة؛ ككثرة استعمال الجوال، وصوت المسجل المرتفع، والمزاح بين السائق والراكب أو بينه وبين سائق آخر.
17- البعد عن ترويع الناس بإسراع السيارة أو صوت منبهها، أو إيقافها وقوفًا مباغتًا بجوار إنسان من أجل إفزاعه.
أخيرًا
فإن أخلاق الطريق ووسائل النقل والمواصلات، ليست مقصورة على فرد فرد بعينه، فيجب على الجميع التحلي بها، واحترام الآخرين سواء أثناء السّير أو التوقّف أو في الشارع، وهذا دليل على أنّ شريعة الإسلام عادلة، وهي بأحكامها وآدابها تامة شاملة.
لقد حفظت الشريعة حقوق الناس خاصها وعامها، وراعت حاجاتهم، وعُنيت بمصالحهم، وذكرتْ من النصوص التفصيلية ما تناول أشياءَ كثيرة، ومن النصوص الإجمالية ما يُرجَع إلى عمومها عند تجدد أحوال الحياة الإنسانية، وتطور ألوان المعايش البشرية، وفتحت المجال للإنسان ليُعمل عقلَه في سَنِّ الوسائل الإدارية التي تنظم حياته وفق مراد الله.