السؤال
أنا عندي مشكلة أو ممكن يكون ابتلاء من ربنا، عندي 22 سنة متزوجة من أربع سنين معايا طفل عمره ثلاثة سنوات، كانت فيه مشاكل مع جوزي وأهل جوزي الأول وتخطيتها بعد معاناة وكنت ببكي كثير، وأفضل أشتكي لربنا، صعبان عليّ حالي اللي أنا فيه وكنت عند أهلي وحامل وما حدش بيسأل عليّ وتخطيت كل الصعاب دي بفضل ربنا.
دلوقتي حمايا ساب لنا الشقه نتجوز فيها، هي في بيت أبو حمايا جد جوزي، فطردني من شقتي أنا وابني الصغير وحاولت بقالي سنة ما رضيش يدخلني خالص فرفعت قضية عشان أدخل شقتي ودخلتها، بس أنا خايفة منهم جدًا في الطلوع والنزول.
مش دي المشكلة، المشكلة إني بخاف من الناس وبخاف من كل حاجة وبخاف أرد على اللي بيؤذيني وأفضل أبكي، دايما عندي خوف ورهبة من الحياة والناس والكلام مع الناس وبخاف أخوض التجربة في أي حاجة، أنا جوايا خوف كبير ومش قادرة أبقى واثقة من نفسي، حتى ابني بخاف عليه من كل حاجة، حتى الحضانة بخاف أوديه، نفسي أعيش زي أي حد حياة نقية وجميلة ما فيش فيها خوف.
أنا تعبت من نفسي مش بقدر أتخطى أي حاجة، وكل حاجة بتخطاها بالبكاء والتعب وقلة الأكل وببقى منعزلة في الغرفة لوحدي حتى ابني الصغير بطلع عصبيتي عليه؟!
الرد
السائلة الكريمة:
نسأل الله لك حياة طيبة كما تودينها، وأن تكون هذه الحياة وفق مراد الله منا.
تكررت كلمات الخوف في رسالتك كثيرًا، مما يعني سيطرة مشاعر الخوف على معظم تصرفاتك، بالشكل الذي تسبب في عطلة في بعض جنبات حياتك، وبرغم مشاعر الضعف التي تحويها رسالتك، إلا أننا نرى بين ثنايا الضعف قوة.
فتخطي هذا الارتباك الحاصل لك في بداية حياتك الزوجية، وتمكنك من دخول بيتك بالرجوع إلى القضاء، تعد ملامح قوة بلا شك، وما أجمل أن تستمدي تلك القوة باتصالك بالقوي المتين؛ الذي ينصر المستضعفين، ويجبر كسرهم، وينتقم من الظالمين، فحسن بك أن لجأت للقضاء فما ضاع حق وراءه مطالب، والظالم يتجبر حينما يرى أن أحدًا لا يقف أمامه ويثنيه عن سوء أفعاله، فالحمد لله الذي مكنك من بيتك، وطالما كنتِ صاحبة حق فاجعلي ملاذك الآمن ربك ورب من ظلمك، فلا تخشين أحدًا إلا الله، هو ناصرك ومؤيدك.
وفي هذا المقام نهيب بالرجال أن يحفظوا لنسائهم أبسط حقوقهم في سكن آمن يأمنون فيه على أنفسهن، كما نوصيكِ بجيرانك-أهل زوجك- خيرًا، حسبة لله، فطالما قد أخذت حقك بالمعروف، فجاهدي نفسك في معاملتهم بما يرضي الله، فسبحان من قال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: 34).
السائلة الكريمة: نوضح لك في الجزء الثاني من الإجابة على سؤالك، بعض الأمور التي تخص الجزء الأكبر في مشكلتك؛ وهو التعامل مع مشاعر الخوف.
فليس الخوف دائمًا شعور مرضي، فهناك الخوف الفطري، وهو شعور يساعد الإنسان على دفع أذى محتمل، كما أشرت في رسالتك من خوفك من أهل زوجك لأنهم سبقوا وأنقصوك حقًا من حقوقك، أما خوفك من الناس؛ من مواجهتهم، ومن التعامل معهم، فهو خوف معطِّل! يصنفه علماء النفس بالرهاب الاجتماعي، وهو أحد ثلاثة أنواع رئيسية للرهاب، [الرهاب الاجتماعي/رهاب الساحات/ الرهاب النوعي].
يتسم من لديه رهاب، بالقلق الشديد، وضيق النفس أحيانًا، والتعرق بمجرد التفكير في الأمر الذي يخيفه، وارتفاع ضربات القلب وغيرها من المظاهر، تلك المظاهر تختلف في الحدة والشدة من شخص لآخر، فكلما زادت مدة القلق وزادت حدته، دلت على احتياج الشخص لمتخصص يساعده في التخلص من تلك المشاعر، ولمزيد من التوضيح نضرب لك مثالًا فيه دلالة على أن الخوف مشاعر طبيعية، ولكن زيادة حدتها ومدتها، هي من تحولها لمشاعر مرضية.
محاضر سيلقي محاضرة على جمع غفير، من الطبيعي أن يتوتر بعض الشيء وذلك قبل إلقاء المحاضرة بيوم أو يومين، لكن من غير الطبيعي أن يتوتر من قبلها بشهر، فهذه مدة طويلة تدل على أن الشخص لديه مشكلة حقيقية في الخوف، الذي قد يلجئه إلى إلغاء المحاضرة، وهذا التصرف دليل على شدة الأعراض.
نخطئ في علاج مخاوفنا حينما نواجه مشاعر الخوف بسلوك! ففي المثال السابق، تعد معالجة المحاضر لمشاعر القلق الزائد بمزيد من التدريب، أمر خاطئ، حيث ستظهر عليه علامات التوتر والقلق حينما يواجه الجمهور برغم كثرة تدربه!
لأن العلاج الصحيح يكمن في معالجة فكرة بفكرة، وليس معالجة فكرة بسلوك.
العلاج الصحيح، أن يصنع حوارًا مع نفسه، فيسأل نفسه ما لذي يخيفها؟! التلعثم عند مواجهة الجمهور؟!، ثم يبدأ في تهدئة الأفكار، بأنه الخوف أمر طبيعي، وليس الوحيد من تعرض للخوف من الجمهور، ويضع سيناريو لأسوأ شيء من الممكن أن يحدث، ثم يطمئن نفسه بأن التجربة والمواجهة هي الفيصل والحكم، وببعض المهارات وبالدعاء وحسن التوكل على الله، يهون كل صعب.
يقول سيدنا علي- رضي الله عنه: (إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ، فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ)، أي اقتحمه، اختبر مشاعرك هل هي حقيقية و هل تحتاج لمتخصص يساعدك في التخلص منها؟ أم حينما واجهت، خِفت في البداية ثم أتممت المهمة بنجاح!
إليك خطوات عملية تعينك على التخفيف من مشاعر الخوف:
- إضافة معانٍ إيجابية للمشاعر السلبية فقد ابتكر أحد المهتمين بعلم النفس، معنى جميل لترجمة الحروف المكونة لكلمة الخوف (خ/ و/ ف) ووصف كل حرف في جملة قصيرة: الخاء: الخوف الخاطئ، وتعريفه هو ما زاد في المدة والشدة كما بينا في السابق؛ الواو: الخوف الواجب، يكون من الله، فتهون المخاوف في أعيننا سعيا في بلوغ رضا الله عنا، فالخوف الحقيقي ألا نبلغ مقام رضاه عنا؛ الفاء: الخوف أمر فطري، حتى لا ننسى أننا جميعًا نخاف ولكن بمستويات مختلفة، فإذا ما كررت على مسامعك تلك المعاني لكلمة الخوف، تغيرين بذلك نظرتك لمعنى كلمة الخوف، فلا تكون كلها معان سلبية.
- استعيني بصديقة ثقة، تحكي لها مخاوفك، وأنك تحاولين التخلص منها، دعيها تشاركك تطورك في التواصل مع الناس، اسأليها: هل تحسنت عن المرات السابقة؟! فائدة الاستعانة بصديق في خطوات العلاج، أنكِ تجدين ناصحًا مخلصًا، شاهدًا معينًا على تطورك، مما يزيد من صلابتك النفسية وتطور إنجازاتك في مواجهة مخاوفك، ولننظر إلى طلب سيدنا موسى مصاحبة أخيه له حتى يتغلب على مشاعر الخوف : {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)} (القصص).
- تذكري أن كل تطور ولو كان بسيطًا يعد خطوة في طريق النجاح، كما علينا أن نتذكر أننا قد لا نستطيع التخلص من بعض المخاوف، فنسمح بوجودها والتعايش معها، شرط ألا تكون معطلة لنا.
- يعد التدريب على تمارين التنفس والاسترخاء أحد الوسائل العملية التي تساعد في التقليل من مشاعر الخوف.
- تذكري أن ترك العلاج سيؤدي إلى تطور الأمر وتعقده، وأنك كزوجة وأم عليك مسئوليات يجب أن تؤديها وأنت في أفضل حالاتك ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، فمن حسن رعايتك لابنك، الاجتهاد في طلب الشفاء.
- لا ننكر الدور الوراثي في ظهور تلك المشكلات، لكن ليس كل من لديه استعداد وراثي، تظهر عليه الأعراض، وبالرجوع إلى كثير من الحالات نجد أن هناك مواقف في الطفولة ساهمت وساعدت في تفعيل الدور الوراثي، لذا يعد الذهاب إلى متخصص أمر ضروري في حال عدم التحسن، وإذا كنا لا نستطيع تغيير الماضي، فإن بإمكاننا تغيير الحاضر، الذي سيكون يومًا ما الماضي لولدك، فانظري ماذا تودين أن يتشرب من تصرفات، اجعلي هدف شفائك ابتغاء رعايتك لولدك على الوجه الذي يرضي الله، لعل ذلك يكون دافعًا لك أكثر وأكثر لمحاولة التغيير.
- قد يتأخر البعض في الذهاب للمختصين بدعوى رفض العلاج الدوائي تجنبًا لآثاره، نعم بعض الحالات قد تحتاج للعلاج الدوائي، لكن هناك علاج لا يحتاج إلى دواء، ونتائجه جيدة جدًا وهو (العلاج المعرفي السلوكي)، يضع الطبيب لكل حالة برنامجًا مختلفًا وذلك حسب المعلومات التي يجمعها الطبيب عن الحالة. وحتى تتضح فكرة العلاج المعرفي السلوكي، نعطيك مثالًا: شخص يعاني من رهاب القطط مثلا، يبدأ المعالج في عرض رسمة قط ويتحاور مع الحالة عن مخاوفه، ثم ينتقل في جلسة أخرى مع عرض صور لقط حقيقي بديلًا عن الرسمة، ثم في المرحلة التالية يحضر أثناء الجلسة دمية على شكل قط، وحسب تطور وتحسن الحالة يستخدم المعالج قط حقيقي في وجود المختص.
هذا توضيح بسيط لتقريب الفكرة، نستطيع تلخيصه في جملة (الخوف قبل التجربة عجز)، فيجب علينا أن نقتحم مخاوفنا حتى نسمو بأنفسنا نحو مراد الله منا؛ عبادته على الوجه الذي يرضيه عنا وعمارة الأرض، فنفسنا التي بين جنبينا أولى من نبدأ بتعميرها حتى نعدها للمهمة التي من أجلها خلقت.
ألبسكِ الله ثوب العافية، ورزقك حياة آمنة مستقرة.