أنا زوجة ملتزمة وأم لعدة أولاد وأعيش في خير وستر وعافية والحمد لله. لكنني أشعر أنني كزوجة ينقصني بعض ما منّ الله – عز وجل- به على غيري، ومنها أن زوجي يكبرني بفارق عمري ليس بالقليل، نعم هو لا يحوجني أنا ولا أولادي لأي شيء في الدنيا، بل دائمًا ما يغمرنا بعطفه وحنانه، حتى أشعر وكأنني ابنته من فرط إشعاره لي بذلك، لكن لا أدري هل هذا مدخل من مداخل الشيطان، أم هي طبيعة الإنسان يُفكر دائمًا فيما ينقصه.
قد لا يكون هذا أو ذاك، لكنني لا أخفي عليك، بدأت أنشغل بهذا الأمر كثيرًا، سيّما وأنا أرى زوجي يكبر وأنا ما أزال في ريعان الشباب.
وعلى الرغم مما أذكره لك إلا إنني أحب زوجي كثيرًا وأحببه إلى أبنائنا وأخاف عليه من أي مكروه، لكن عقلي ما يزال يفكر في أن هناك نقصًا ما يعتري حياتي. فماذا أفعل؟!
الإجابة:
منشأ هذا الشعور لديك أمر من اثنين، إما أنه هاجس لا أساس له ومنغص وباب للشيطان يصول منه ويجول، وإما أنه بالفعل ينقصك أمور ما مثلك مثل حال كل الناس.
أما عن كونه مجرد تفكير على غير أساس أو حاجة حقيقة، فذلك هو دأب البعض في النظر إلى نصف الكوب الفارغ، هو أسلوب حياة ونمط تفكير، البعض يستطيع أن يكتفي بما رُزق وما وهب ويرى أنه قد ملك كل شيء، والبعض لا يفتأ يذكر ما فاته وما لم يدركه، وأنّى لهذا النوع أن تهدأ نفسه أو يطيب خاطره، هذا يغذي سلوكه السخط، والشيطان واحدة من غاياته أن يحزن الذين آمنوا كما جاء في سورة المجادلة: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ) ونقيض هذا الحال هو الرضا الذي وصفه ابن القيم بأنه “جنة الدنيا ومستراح العابدين”، وقد قال – صلى الله عليه وسلم- “ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس”.
وقد اعتبر سيدنا علي بن أبي طالب القناعة والرضا بما قسمه الله شكل من أشكال التقوى، حين عرف التقوى في جزء منها بأنها “القناعة بالقليل”. وليت ما تصفين به زوجك يناسبه وصف القليل بل هو نعمة كبيرة أن تستشعري حنانه وعطفه، والقناعة من التقوى لأن من يتقي الله؛ يخف من كفران النعم وعدم إيفاء حق شكرها.
أنت تنظرين لمن أنعم الله عليهم بأمور تنقصك وذات الأشخاص قد يكونون بحاجة لأمور لديك تنقصهم، وربما ما ينقصك لديهم إذا رزقت به أفسدك، لذا فقد ورد في دعاء رسول الله: “اللهم رضني بقضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت”. ثقي أن المشكلة ليست في غياب أمر ما ينقصك، لكن في بعض الأفكار لديك وما تقنعين به نفسك، ستدركين هذا إذا حصلت على ما تريدين لأنك ستفاجئين أنّ قائمة النواقص لا تتناقص بل يجرى استبدالها بنواقص أخرى ستكتشفين أنها تنقصك. العيب هو في دوام الافتقاد وعدم محاولة تغيير السلوك والمشاعر وطريقة التفكير تجاه هذا.
أمّا أن تكون هناك أمور تنقصك فعلًا، لكنها مما تملكين تغييره وتحسّنين به سير حياتك وتطورين به شخصيتك، كأن ينقصك التوازن في إدارة أمور الحياة أو القرب من الله أو تعلم أمور دينك أو تعلم مهارة جديدة أو توسيع دوائرك الاجتماعية، فهذا مفيد تحديده والعمل على إضافته لحياتك ولا تكتفي بالقول: “أن هناك نقصًا ما يعتري حياتي”. لكن أن تضخمي داخلك ما ينقصك في زوجك فهذا ليس محمودًا البتة، وعواقبه ليست طيبة، وهو مما لا تملكين فيه صنعًا، أنت تملكين نفسك ولا تملكين غيرك.
ومع ذلك يمكن أن تضيفي مع زوجك بعض التحسينات في علاقتكما – رغم أن مسألة فارق السن هذه ليست شيئًا طارئًا- لكن كونه صاحب ود وعطف كما تقولين قد يعينك في تحقيق ما تتمني لعلاقتكما، اقترحي عليه ما يسعدك، دون أن يغرك شبابك ودون أن تتركي العنان لمسألة فارق السن لتنغص عليك عيشك، لا تأبهي كثيرًا بما من الله به على غيرك واعلمي أن كلًا مختبر في حياته بما أعطي أو سلب، فليحرص كل واحد على إجابة أسئلته هو دون النظر لغيره.
ونذكرك بما قاله ابن القيم عن سمات تميز قلوب الناس عامة من شعور بالحاجة والنقص والوحشة وقد قدم علاجها في مقولته الشهيرة: “إن في القلب شعث: لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة: لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن: لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات: لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد: لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب، وفيه فاقة: لا يسدها إلا محبته ودوام ذكره والإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا”.
1 comments
فيه نساء تتمنى ما انت فيه من الخير والراحة والسعادة..انت ينقصك شيء غيرك يتمناه ..كان تعيشي في خيمة او في بيت صغير وفقر وحرمان..احمدي الله وانظري الى من هم دونك ..