لقد تمكّن الإمام أبو حنيفة النعمان من وَضع فكر تربوي شامل، استوعب النظرية التربوية الحديثة بكل أبعادها، رغم أنه عُرف بين العلماء فقيهًا عقائديًّا في أغلب مطارحاته، بل إنه لسعة علمه وتبحّره في العديد من العلوم، شكَّل محور اهتمام تلاميذ عصره، فتزاحموا على الجلوس بين يديه، وكانوا كلهم في شوق لحلقة أستاذهم لا يبرحونها إلا رغمًا عنهم.
وفي بحث بعنوان “الفكر التربوي في يوميات أبي حَنيفة”، لخالد سليمان الشريدة، يتناول فيه كيف أنّ هذا العالم الجليل، عاصر حضارة عربية إسلامية كانت في أوج عطائها، سيما في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، والنصف الأول من القرن الثاني الهجري، فتعددت العلوم، وضاق الوقت عند تلامذته لتحصيلها من مشاربها، فوجد أن التخصص في العلم ومرضاة الله به هو نهج مدرسة كان هو رائدها، ثم وجد أن ذلك التحصيل لا بد له من طالب متفرغ عن شؤون الدنيا.
من هو أبو حنيفة النعمان؟
أبو حنيفة هو النعمان بن ثابت، مولى تيم الله بن ثعلبة، وُلد سنة 80 هـ، 699م، ويقال إنه من أبناء فارس الذين لم يقع عليهم الرق. جاء أبوه ثابت إلى علي بن أبي طالب، وأهداه الفالوذج في يوم المهرجان “النيروز” من أعياد الفرس، فقال عليّ – رضي الله عنه-: “مَهْرِجُونَا كل يوم”.
ونشأ “النعمان” في مدينة الكوفة على عهد الحجاج بن يوسف الثقفي، وتبحر في الفقه حتى نُسب إليه أحد المذاهب المسمى بالمذهب الحنفي، وإلى جانب حياته العلمية فقد كان خزازًا يبيع الخز، والكوفة مركز ذو شأن في صناعتها وتجارتها، ما وفّر له مصدرًا ماديًّا مهمًّا في معيشته ومسيرة حياته.
وتكاد تتفق معظم الدراسات على أن وفاة أبي حَنِيفة كانت في رجب سنة 150هـ، 770م، وكان عُمره سبعين سنة، فدُفن في مقابر الخيزران، حيث مقابر الخليفة المهدي في جانبها الشرقي، ويروى في سبب وفاته أنه قد حُبِس في السجن أيامًا بعد رفضه تولي منصب قاضي القضاة، وضُرب بالسياط، ثم أُخْلِيَ سبيلُه فتوفي في حينها، وإن روى البعض بأن موته بسبب السم.
مدرسة تربوية رائدها أبو حنيفة
كان أبو حنيفة قد ربط بين مبتغى العلم لنيل رضا الله سبحانه وتعالى، وبين ما ساد فترته من علوم شتى قادته ليرسو أخيرًا في قارب الفقه، إذ كان الاعتقاد راسخًا بصلاح هذا العلم، إذ يقول: “الفقه في الدين أفضل من الفقه في العلم، إذ العلم يبنى على الدين، فالدين هو التوحيد والعلم هو الشرائع، وأفضل الفقه أن يتعلم الرجل الإيمان”.
ويرى أن الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان وهو ما سند وبنى عليه العلم، ولهذا ولشمولية علم أَبِي حَنِيفة؛ اتسع خوفه من الله تعالى القادر الخالق، فيروى عن ابن جريج قوله: “قد بلغني عن كوفيكم هذا النعمان بن ثابت أنه شديد الخوف لله تعالى…”.
ويُروى أنّ أبا حَنِيفة قد دعا إلى العلم لما فيه من صلاح الأمة وقوام الأمور، لذا يقول لإبراهيم بن أدهم: “يا إبراهيم إنك رزقت من العبادة شيئا صالحًا، فليكن العلم من بالك، فإنه رأس العبادة، وبه قوام الأمور”.
ومن هذا النهج التربوي التعليمي النموذجي رأى “النعمان” أنه يستطيع أن ينشئ العالم المسلم القدوة، ونيلُ رضا اللهِ المبتغى الأول للعالم المسلم، لذا وجب على ذلك العالم الحمد والشكر دائمًا بما يستطيع تحصيله من العلم، فيقول: “إنما أدركت العلم بالحمد والشكر، فكلما فهمت شيئًا من العلوم ووُفِّقتُ على فِقهٍ وحكمةٍ، قلت: الحمدُ لله؛ فازدادَ علمي”.
وفي سبيل مرضاة الله وجد أنّ للمرأة حظًا من التعليم، ولا يحبذ تعلمها على يد الرجل لما في ذلك من أثر في الدين، فالمرأة تعلم بنت جنسها، فيقول في هذا الصدد: “قدِمت علينا امرأة جهم بن صفوان، فأدبت نساءنا”.
وشكَّل صاحب المذهب الحنفي، محور اهتمام تلاميذ عصره، حتى كانوا يتزاحمون على الجلوس بين يديه، وكانوا كلهم في شوق لحلقة أستاذهم لا يبرحونها إلا رغمًا عنهم، فيُذكر أن أبا يوسف كان فقيرًا يتردد على أَبي حنيفة في حلقته، ويحرص على الأخذ عنه، فجاءه أبوه ويُقال أمه، فأخذه من حلقته رغمًا عنه، وتغيّب أبو يوسف عن حلقة أستاذه وشيخه، فافتقده في مجلسه، فعلم سبب انشغاله عن الدرس، فأعانه على ما يستطيع به من مواصلة درسه، ودعاه للتفرغ للتحصيل، ويقول أبو يوسف: “اختلفت إلى أبي حنيفة تسعًا وعشرين سنة ما فاتتني صلاة الغداة، وصحبت أبا حَنيفة سبعًا وعشرين سنة لا أفارقه في فطر ولا أضحى إلا من مرض”، حتى أن أبا حنيفة نفسه رفض تولي القضاء لحرصه على تفرغه.
ويروي لنا محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة 189هـ 804 م، نقلًا عن أبي حنيفة، وجوهَ الكسب التي يتخطاها الإنسان: الإجارة، والإمارة، والتجارة، والزراعة، والصناعة، ثم يفاضل بين هذه الأنواع، كل حسب درجتها وقدرها. ويحبذ “النعمان” إعطاء العلم لمن يحرص عليه، ويرغبه دون إكراه وجبر على أخذه والنهل من معينه، وهذا ما وجده في نفسه، وقد رأى فيه الشعبي هذا الولع العلمي، وتلك اليقظة الفكرية، فدعاه إلى مجالسة العلماء، فيقول “النعمان”: “لا تُحَدِّث بعِلمك من لا يشتهيه، فيؤذيه ويؤذي جليسك، ومن قطع عليك حديثك فلا تُعِده؛ فإنه قليل المحبة للأدب”.
الإخلاص في العلم وإكرام العلماء
إذا كان من طلبة العلم مَنْ يستدرجون بعضهم بعضًا، أو يستدرجون أستاذهم إلى مزالق العلم، فلا ريب أن ذلك غير مستحب حتى في أعراف أيامنا، ولا يُجدي نفعًا علميًّا، وإنما يروح للنفس ويزهو في شيطنتها، فهو ما كان كذلك في حلقات الأوائل من العلماء، فقد كانت المناقشات الروائية هي السبيل المحتذى، لذا نظر أبو حنيفة النعمان إلى هذه المسألة، فدعا إلى تدوين العلم وجعله أبوابًا مبوبةً، وكتبًا مرتبة؛ لأنه خاف على العلم من الضياع. وهذا ما تمثل به تلميذه – أبو يوسف – بأن يبيت جائعًا مقابل أن يُحَصِّل العلمَ، ويُخلص في تلقِّيه، يقول “النعمان”: “الحكايات عن العلماء ومجالستهم أحب إليّ من كثير من الفقه، لأنها آداب القوم وأخلاقهم”.
وكان “النعمان” ينهى أصحابه عن المجالس المعروفة بقلة العلم وفقر الاستفادة، فيُروى أنه جاءه أصحابه وفيهم ابنه حماد وكانوا يتناظرون في الكلام، فنهاهم عن هذا المنهج، فقالوا له: “رأيناك تُناظر فيه وتنهانا عنه؟ فقال: كنا نناظر وكأن على رؤوسنا الطير؛ مخافة أن يزل صاحبنا، وأنتم تناظرون وتريدون زلة صاحبكم؛ ومن أراد أن يزل صاحبه فقد أراد أن يكفر صاحبه”.
أما تربية أبي حنيفة على إكرام العلماء، فقد بدأ بنفسه يخطو هذا الاتجاه، وذلك أن ابنه حماد كان يدرس على شيخ فأتقن الفاتحة، فوهب للأستاذ خمسمائة درهم، ويقال بل أعطاه ألف درهم، وكان إذا اكتسى ثوبًا كسا مثله الشيوخ العلماء، فيروى أنه رأى على بعض جلسائه ثيابًا باليةً رثة، فأقعده حين خرج الناس وأعطاه ألف درهم، وقال له: “فينبغي لك أن تغير حالك حتى لا يغتم بك صديقك”.
علاقته بطلابه
يقول أبو حنيفة لتلميذه: “عليك بالمداراة، والصبر والاحتمال، وحسن الخلق وسعة الصدر، وابحث عن أخبار حشمك، وتقدم في تأديبهم وتقويمهم، واستعمل في ذلك الرفق، ومن مَرِض من إخوانك فعُده بنفسك، وأفشِ السلامَ ولو على قومٍ لئام، ومتى جَمع بينك وبين غيرك مجلس وجرت المسائل وخاضوا فيها بخلاف ما عندك فلا تُبد لهم منك خلافًا، وآنسهم ومارحهم أحيانًا وحادثهم، فإنها تجلب لك المودة وتستديم مواظبة العلم”، وتتكرر أفكار أبي حنيفة في وصيته لتلميذه أبي يوسف بما يدعوه بها من حسن المجالسة واللطف في المعاملة.
اعتاد “النعمان” أن يُكرم تلاميذه، وأن يدعو أصحابه إلى بيته يوم الجمعة، فيطهو لهم الطعام فيأكلون ولا يأكل معهم لئلا يحتشموا منه، لكنه قد يشرب معهم ويقول لهم: “إنما أتفرد بنفسي عنكم”، ويرد في الأثر قصة تلميذه الفقير أبي يوسف الذي شغله العلم عن طلب المعاش فيقول له أبو حنيفة: “يا يعقوب لك عيال وأنت على هذه الحال، فلم تخبرني، أنا أكفيك وعيالك”.
حرية المناقشة في مجلس العلم
الحلقة العلمية أو مجلس العلم هي مرحلة متطورة من الدرس، تأتي بعد دراسة الكتب التي تعتمد على التلقين والسماع، أما المجلس فقد اتخذ الاقناع منهجًا في نظامه وتطور آرائه، وهذا الاقناع لا بد له من أسلوب التحليل المنطقي الواقعي، الذي اتسمت به الحلقات العلمية في تلك الحقبة من الزمن، فربما احتد النقاش في بعض الأحيان ليخرج عن العرف في منهجية الحصة الدراسية، للوصول بمثل هذا النقاش إلى مثل ذلك الإقناع، لذا اتبع أبو حنيفة في رسائله منهجية السؤال والجواب، وهذا ما نلاحظه في رسالته “العالم والمتعلم” بأكملها.
فيروى أنّ أبا حَنِيفة جلس يومًا وحوله أصحابه، يفسد كل منهم قول الآخر، حتى جاء وقت الصلاة، فقال “النعمان” لزفر بن الحارث بعد أن أوقف النقاش: “لا تطمع في رياسة بلدة فيها أبو يوسف، وقضى لأبي يوسف على زفر”، أي الرياسة العلمية في حلقاتها.
وكان “النعمان” جريئًا في النصح لدرء الخطر والخطأ العلمي عن تلاميذه، فيقول لأحدهم وقد نظره يُقَرمِط في خطه وكتابته: “لا تقرمط خطك- أي لا تقارب بين السطور والكلمات وتدمجها-؛ إن عشت تندم وإن مت تندم” يعني إذا تقدم بك السن وكبرت وضعف بصرك ندمت على ذلك النهج في الكتابة، وهكذا هو رحب الصدر بالرشد والتقويم.
مواصلة التعلم
لم تكن هناك فترة محددة يستطيع فيها التلميذ أن ينهي حياته العلمية التي اتسمت في منهجيتها بفترة أبي حَنِيفة، وحتى بعد أن يصبح أستاذًا ربما يبقى متعلمًا، فكثير من التلاميذ في هذه الحقبة أجيزوا في علم معين دون آخر، يبقون فيه طلابًا، وشيوخًا معلمين بالنسبة للعلم الأول.
أتم يوسف بن خالد السمتي الدرس والتعلم عند أبي حنيفة، ويتابع مع أبي حنيفة موصيًا إياه: “فواصلني بكتبك وعرفني حوائجك، وكن لي كابن فأني لك كأب”. وتمثل أبو حنيفة هذا النهج التربوي في نفسه، فلم يفارق حلقة أستاذه حماد بن أبي سليمان إلى أن فارق الحياة، رغم ما توفر له من سعة العلم وشمولية المعرفة، فيقول أبو حنيفة لتلميذه أبي يوسف وقد رآه معجبًا بنفسه، وانقطع عن الدرس وعجز عن بت بعض المسائل: “تزبَّبْتَ قبل أن تتحصرم- مثالٌ يُضرب لمن يظهر بين الناس قبل كماله واستعداده-، من ظن أنه يستغني عن التعلم فليبك على نفسه”. والحِصرِم: الثمر قبل أن ينضح.
وقد كان “النعمان: مواصلًا في علمه، صبورًا على تعلمه ليلًا نهارًا، فما فارق الاطلاع والبحث حتى ووري الثرى، فتمثل نهجه في تلميذه أبي يوسف الذي يقول: “مات ابن لي ولم أحضر جهازه ولا دفنه، وتركته على جيراني وأقربائي مخافة أن يفوتني من أبي حنيفة شيء لا تذهب حسرته عني”.
ويروي البغدادي عن أبي حنيفة أنه “كان مجتهدًا، يصبح نشيطًا في الحوض إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب ومن المغرب إلى العشاء. وبقي متلقيًا للعلم حتى بعد أن أصبح أستاذًا”.
أهمية الأستاذ وصلاحه
معظم العلوم التي انتشرت في هذه المرحلة، سيما العلوم الفقهية، كانت قد تجسدت بدءًا من منهجية علم الحديث، هذا العلم الذي انتقل بالرواية والمشافهة، وأثبت بالسند والمواصلة، مما تتطلب فقه الراوي كي ينتقل العلم بأمانة، ومن هنا نشأت فِرَق علمية متعددة، فالمعلم يستمد أهميته وصلاح علمه من ثقة الناس به وبعلمه، يعدلونه تارة ويجرحونه تارة أخرى، فأناس تُرك علمهم لجرح عدالتهم ونقص في أمانتهم العلمية، فقد اختار “النعمان” أستاذه حماد بعد تفكر وتأمل وقال فيه: “وجدت شيخًا وقورًا حليمًا صبورًا”. وقال: “ثبتُّ عند حماد بن سليمان فنميتُ”.
استوثق أبو حنيفة لنفسه بعلمه وصلاحه، بأن أخذ عن أوائل الصحابة، كأنس بن مالك المتوفى سنة 93هـ 711م، وعبد الله بن أبي أوفى المتوفى سنة 87هـ 705م، ووائلة بن الأسقع المتوفى سنة 85هـ 704م وغيرهم، إلى جانب شيخه الرئيس حماد، وأعطى علمه لتلامذة شهد لهم بالعلم مثلما شهد له شيوخه، فيروى أن الخليفة المنصور قال لأبي حَنِيفة: “يا نعمان عمن أخذت العلم؟ قال: عن أصحاب عمر عن عمر، وعن أصحاب علي عن علي، وعن أصحاب ابن مسعود عن ابن مسعود، فقال له: استوثقت يا أبا حنيفة”.
ويروى أنه أخذ علم القراءات عن الإمام عاصم بن أبي النجود، أحد القراء السبعة وغيره، في الوقت الذي ناظر فيه وقاس برأيه في هذه الأصول وتلك الآثار السالفة، فيوصي “النعمان” تلميذه قائلًا: “فإن سئلت عنها – أي المسألة- أخبرت بما يعرفه القوم، ثم تقول فيها قولًا آخر، وهو كذا وكذا، والحجة له كذا، فإن سمعوه منك عرفوا منزلتك ومقدارك”.
وكان يُدلي بشهادته بجرح وتعديل بعض الشيوخ، كي يكون تلامذته وأصحابه على بينة من أمرهم، فكان ينهى أصحابه عن إتيان جابر الجعفي ويقول: “جابر الجعفي أفسد نفسه بالهوى”، وفي النقيض شهد لسفيان بن عيينة بحديثه وعلمه، وشهد لغيره بصلاحه وتقواه.
وعلى العالم أن يمتاز بضبط النفس عندما يهاجَم بألفاظ جارحة وأساليب فظة، فيروي المكي أن مجلسًا ضمّ أبا حنيفة، فجاء رجل وأخذ يشتم الشيخ الإمام فلم يأبه به، حتى دخل داره، فتبعه ذلك الرجل إلى أن وصل بابه، فالتفت إليه “النعمان: قائلًا: “هذه داري أريد الدخول، فإن كنت مُسْتَتِمٌّ باقي كلامك، فأتمه حتى لا يبقى شيء مما عندك تخاف عليه الفوت، فاستحى الرجل وقال: اجعلني في حِل، فقال “النعمان”: أنت في حِل”.
علم أبي حنيفة وفقهه
يرى أبو حنيفة أن على الأستاذ أن يُحيط بالعلم المتخصص به وتفاصيله، وألا يخوض في المسائل التي ليست من اختصاصه، وأنه لا بُد وأن يبنى على الأصول العلمية التي لديه لسد بعض الثغرات، وذلك بما يتطلب من الاجتهاد النابع من فكر منير، وأصل متين، وثقافة شمولية رفيعة، يروي أبو يوسف قوله: “سألت أبا حنيفة عن اليهودي والنصراني يموت له الولد، كيف يعزى؟ قال: يقول: إن الله كتب الموت على خلقه، نسأل الله أن يجعله خير غائب يُنتظر، وإنا إليه راجعون”، وهذا ما ينبئ عن سعة ثقافة وعلم كشفه بالسؤال والجواب ومسائل كثرت بشموليتها ودقتها.
لقد ورث “النعمان” المجلس عن شيخه حماد، وظهر منه ما لم يكن من بعض الشيوخ، حيث الفهم الدقيق والدليل الواضح، فيقول: “مثل من طَلبَ الحديث ولا يتفقه، مثل الصيدلاني يجمع الأدوية ولا يدري لأي داء هي، حتى يجيء الطبيب، هكذا طالب الحديث، لا يعرف وجه حديثه حتى يجئ الفقيه”.
ومصادر المعرفة عند أبي حنيفة، هي: الكتاب، والخبر المجتمع عليه، والاجتهاد “القياس”، والإجماع، وإن كان الاجتهاد أعم من القياس في فكره ومبادئه، ويروى أنه إذا ثبت عنده الخبر؛ لم يعد لغيره، فيقول: “إذا جاءنا الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، أخذنا به، وإذا جاءنا عن الصحابة تخيرنا، وإذا جاءنا عن التابعين زاحمناهم”.
المصادر:
- الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، 13/327.
- ابن كثير: البداية والنهاية، 10/ 137.
- السخاوي: الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ أهل التاريخ، ص20.
- ابن حمدون: التذكرة الحمدونية، 1/202.