يعد السفر من أهم الوسائل التي تُتيح للإنسان التعرف إلى فهم حقائق الوجود من خلال رؤية التنوع البيئي والثقافي، حيث إنّ العيش مع روتين يومي لسنواتٍ لا يسمح للعقل كثيرًا بالتفكير والنظر فيمن حوله، والأهم في عملية الترحال هي الدروس التربوية التي يتعلمها الإنسان، فضلا عن الآداب التي يلتزم بها وفقًا للشريعة الإسلامية.
ولا شك أنّ الخروج من البيئة التي يعيش فيها الإنسان، أصبح من ضرورات الحياة، سواء كان ذلك للعمل أو العلاج أو التعليم أو أداء الحج والعمرة، وقد أشار الإسلام إلى الفوائد التربوية للسفر، ونبّه إلى الآداب التي يجب الالتزام بها.
فوائد السفر التربوية
ورغم أن في السفر مشقة وتعب، فإنّ فيه فوائد تربوية عديدة من منظور الثقافة الإسلامية، ومن أبرز هذه الفوائد:
- تحسين الحالة النفسية: وهي أول قيمة تربوية يمكن رصدها من السفر والترحال، سيما بين الأطفال الصغار، حيث إن له وقع سعيد على النفسية من خلال النظر إلى الأماكن الطبيعية الخلابة التي تُحسن المزاج والمشاعر.
- تنمية الجانب الاجتماعي: وذلك من خلال الاختلاط مع الأنماط البشرية المختلفة في المطارات والفنادق والمولات والمواصلات، حيث يخرج الإنسان من المحيط الضيق المتمثل في العائلة والعمل والمؤسسات التعليمية إلى محيط أرحب وأوسع.
- تحصيل العلم والخبرات: فكل مكان في العالم له عاداته وتقاليده، وحينما يكتسبها الإنسان ويقرأ عنها يستفيد منها ويضيف خبرات ومعلومات إلى رصيده المخزون.
- ترقية المهارات الشخصية: من خلال التعرض للمواقف المختلفة التي تدفع الإنسان إلى حُسن التصرف، سيما في الأمور الطارئة.
- الاهتمام بالوقت: فالإنسان حينما يكون في الخارج يهتم أكثر بالحافظ على الوقت، فيُؤدي العبادات في وقتها، ويلتزم بأداء العمل على أكمل وجه وتحصيل العلم النافع، لتحسين الوضع الاجتماعي والمادي، وبالتالي إمكانية تأمين حياة أفضل له ولأسرته.
- تحقيق المتعة وكسر الروتين: وهي من فوائد الهجرة والخروج إلى أماكن أخرى غير التي يعيش فيها الإنسان منذ ولادته، حيث يرى الإنسان مناطق جديدة ذات بهجة ووجوه أخرى من الناس قد يألفهم ويَألفوه ويُساعدوه على الخير وتطوير الذات.
- تطوير الجانب العلمي والثقافي: فهناك دعوة صريحة وجّهها النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- للسفر من أجل العلم: “وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ” (أبو داود وأحمد).
- تربية النفس بالعبادات: ويتم ذلك من خلال رحلة الحج والعمرة، التي يقوم بها المسلم إلى الأراضي المقدسة، حيث يتبع التعاليم الدينية التي تعود عليه براحة في النفس، وإزالة الضغوط.
- تحسين الوضع الاقتصادي: فالإنسان حينما يغادر الوطن ويعمل في دولة أخرى يكون أكثر ترشيدًا في عملية الإنفاق، لتحقيق مستقبل أفضل للأسرة، وفي الوقت نفسه فإن في السّفر فوائد اقتصادية جمة، يقول الثعالبي في كتاب التمثيل والمحاضرة: “السّفر أحد أسباب المعاش التي بها قوامه ونظامه؛ لأن الله تعالى لم يجمع منافع الدنيا في أرض بل فرقها وأحوج بعضها إلى بعض”. قال تعالى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) [النساء:100].
آداب وضوابط السفر في الإسلام
ومن آدابِ السَّفرِ التي على المُسلِمِ أن يَحْرِصَ عليها:
- المبادرةُ بالتّوبة من جميعِ الذنوب والمعاصي، والخروج عن مظالمِ الناسِ.
- كتابَة الوصية وتوضيح ما على الإنسان من دين وما له عند الآخرين، وقضاء ما يمكنه من الديونِ، ويرد الودائعَ، ويوكلُ من يقضي ما لم يتمكَّن من قضائِه من ديونه.
- ينبغي أن يستعمِلَ الرِّفقَ وحُسْنَ الخُلُقِ، ويتجنَّبَ المخاصَمَة، ومزاحمةَ النَّاسِ في الطُّرقِ، وأن يصونَ لِسانَه من الشَّتْم والغِيبَة وجميعِ الألفاظِ القبيحةِ، وأن يحفَظَه من الكَذِب والغِيبة، والنَّميمَة والسُّخرِيَة، وكثرَةِ القِيلِ والقال، والإفراطِ في المزاحِ.
- بذل البِرَّ في أصحابِه، وكُفَّ الأذى والأمر بالمعروفِ، والنهي عن المنْكَر بالحِكْمَة والموعِظَة الحَسنة.
- المحافظةُ على الصَّلواتِ الخَمْسِ في الجماعَةِ.
- ترك نفَقَة للأهلِ ولِمَن يَلْزَمُ النفقة إلى حينِ العودة.
- تكون النفَقَة طيِّبةً حَلالًا بعيدةً من الشُّبَهِ.
- تعَلَّمَ ما يُشرَعُ للمسلم في حَجِّه وعُمْرَتِه، ويتفَقَّهَ في ذلك، ويسأل عما أَشْكَلَ عليه، وأنْ يستصْحِب معه كتابًا واضحًا في أحكامِ المناسِك جامعًا لمقاصِدِها.
- طلَبُ صُحبَةِ الأخيارِ من أهْل الطَّاعةِ في السفر، والبعد عن الوحدة.
- من المستحب توديع الأهل والجيران والأصدقاء والأحباب.
- الإكثارُ مِن ذِكْرِ اللهِ، وتلاوةِ القُرآنِ، والدُّعاءِ، من ذلك دعاءُ الرُّكوبِ والسَّفَر، والتسبيح إذا هَبَط، والتكبير إذا علا مرتفعا، والتعوُّذ بكلماتِ اللهِ التَّامَّات مِن شَرِّ ما خَلَقَ، إذا نزل في مكانٍ والدُّعاء عند السَّحَر.
- الخروجُ يَومَ الخَميسِ إذا تيسَّرَ له ذلك؛ لِفِعْلِه صلَّى الله عليه وسَلَّم.
- النظر في حكم سفره بأن كان مباحا أو مندوبا أو واجبا قدم عليه وإلا فلا.
- أن يكون السفر في حدود بلاد الإسلام المحافظة، أما أن يكون إلى بقاعٍ موضوعة، ومستنقعاتٍ محمومة، وأماكن مشبوهة فلا، ما لم يكن ثَم ضرورة، مع المحافظة على شعائر الإسلام.
- الرفق بالدابة أو وسيلة المواصلات المُستخدمة، بمعرفة آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السّفر واستحباب السير والرفق بالدواب ومراعاة مصلحتها وجواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق ذلك وأمر من قصر في حقها بالقيام بحقها.
- من الآداب الخروج في الأوقات المباركة إن أمكن لتقليل المشقة التي يواجهها المسافر في المواصلات، فعن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- “عليكم بالدلجة (السير في الليل)، فإن الأرض تطوى بالليل” (أبو داود وصححه الألباني).
- الاستماع للقرآن الكريم، فهو كلامُ اللَّهِ، ووحيُهُ ونوُرهُ، الذي أحيا اللَّهُ به القُلوبَ الميتةَ، وأخرجَ العبادَ به من الظلماتِ إلى النّورِ، وعدم سماع الأغاني وآلاتُها.
- الأمر بالإمارة في السفر: فعَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ- اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ “إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ قَالَ نَافِعٌ فَقُلْنَا لِأَبِي سَلَمَةَ فَأَنْتَ أَمِيرُنَا” (رواه أبو داود والطبراني).
- دعاء الخروج من البيت: فعن أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا” (الترمذي).
- التعجل إلى الأهل إذا قضي العمل وتحريك الدابة إذا اقترب المسافر من المدينة إن كان من أهلها، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ” (البخاري وسلم).
- العناية بالوضوء: فعن عبد الله بن عمرو قال: تخلف النبي- صلى الله عليه وسلم- عنا في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته “ويل للأعقاب من النار.. مرتين أو ثلاثا” (البخاري ومسلم).
- إذا كان السّفر في أماكن تخشى مكروها فيها فعليك أن تدعو بهذا الدعاء، فعن خولة بنت حكيم- رضي الله عنهما- قالت: “سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: “من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك” (مسلم).
- الحرص على ذكر الله خلال السفر لنيل الحسنات واطمئنان القلب: (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ) [الرعد: 28].
- إذا لم يكن أهلُه معه، فمِنَ السُّنَّةِ تعجيلُ الرُّجوعِ إليهم.
- من السُّنَّةِ ألَّا يَطْرُق أهلَه ليلًا إذا قَدِمَ إلَّا إذا أخبَرَهم بذلك.
- من السُّنَّة عند القُدومِ مِنَ السَّفَر أن يأتيَ المسجِدَ القريبَ إلى مَنْزِلِه، ويُصَلِّيَ فيه ركعتينِ.
اهتم الإسلام بالمسلم في جميع مجالات حياته ومنها السفر والترحال، الذي بين فوائده التربوية وآدابه وضوابطه، فكان من أهم الفوائد التفكر في مخلوقات الله للعبرة، وقضاء حوائج العباد، السير في الأرض، والترويح عن النفس.
مصادر ومراجع:
- هدى الديحاني: فوائد السفر التربوية.
- صادق علي: سبعة فوائد للسفر.
- محمد عبد الرحمن صادق: بُشرى المُسافرين وسلوى المُغتربين.
- ابن رجب: مجموع الرسائل 2/471.
- الشيخ إبراهيم بن عثمان الفارس: 92 وسيلة دعوية، ص 14.
- محمد شامي شيبة: رسالة في أحكام وآداب السفر من القرآن والسنة الصحيحة.
- أبو منصور الثعالبي: كتاب التمثيل والمحاضرة، ص 399.