احتلّ موضوع الإيمان بالقضاء والقدر مساحة كبيرة من التفكير الإنساني على مدار التاريخ، وقامت حوله تصورات ومعتقدات كثيرة طالت جميع الديانات على اختلاف مشاربها وأطيافها في كل وقت.
وناقش الباحث محمد فتحي لولو في رسالة له للحصول على الماجستير، آثار هذا الإيمان على الجوانب التربوية، والروحية، والجسدية، والنفسية، والأخلاقية، والاجتماعية، وبيان التصور الصحيح لهذه العقيدة، وما يترتب عن عدم الأخذ بها من أضرار تربوية وآثار سلبية عند فهمها على وجه غير صحيح.
مفهوم الإيمان بالقضاء والقدر
تُعد كلمتي القضاء والقدر من الألفاظ المشتركة ذات اللفظ الواحد والمعاني الكثيرة، وعند إطلاق أحد اللفظين يراد به الآخر وعند اجتماعهما يصبح لكل منهما معنى يختص به.
ولم يظهر الخلاف في معنى الإيمان القضاء والقدر إلا بعد ظهور الفِرَق التي تأثرت بالفلسفة اليونانية وغيرها من الفلسفات الأخرى. والقضاء في اللغة مرجعه تمام الشيء وانقطاعه وكل ما أُحكم عمله، وقد ورد هذا اللفظ ومشتقاته كثيرة في القرآن الكريم ومن ضمن معانيه التي وردت: معنى الأمر والأداء والإنهاء والحكم والفراغ والإعلام والموت.
والقدر في اللغة: ما قضاه الله وحكم به من الأمور، ويطلق القدر على الحكم والقضاء وهناك معاني كثيرة لكلمة القدر منها: العلم والمقدار والتضييق.
وهكذا فرّق العلماء بين القضاء والقدر، إلاّ أن المتأمل في المعنى اللغوي يجد أن القدر هو التقدير، والقضاء هو الحكم والإيجاد، أي أنّ القدر هو ما قدّره الله في الأزل على هيئات مخصوصة، والقضاء هو إنفاذ هذه التقديرات أو إعدامها أو تغييرها.
واتفق أهل السنة على أنّ القضاء والقدر أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأنّ أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما فقد أراد هدم البناء.
الآثار التربوية للإيمان بالقضاء والقدر
أولا: الاتباع، فالمؤمن بالقدر تدفعه قدرته العقلية التي منحه الله إياها إلى الاعتقاد بأن الله خلق هذا الكون وسخّر ما فيه لخدمته، لأجل القيام بعبادته وطاعته المطلقة: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”، كل ذلك يدفعه للإيمان بأن كل ما جرى ويجري في الكون خاضع لقدرة الله سبحانه.
ومن هنا فالمؤمن بالقدر من خلال علمه بأن الله أعطاه الحرية المطلقة في التفكير، وما ترتب على ذلك من مسؤولية أمام الله في الدنيا والآخرة، لأن ذلك يدعوه إلى:
- تحرير العقل من التقليد الأعمى والانسياق وراء الآخر دون وعي أو تمييز، حتى يمكنه أن ينطلق في البحث المنهجي السليم في تحصيل المعارف والعلوم، وكسب الخبرات والتجارب.
- استثمار العقل فى الإدراك القويم، والاقتناع المنطقي، ودعم الإيمان بالحجة والدليل والبرهان، وتجنب إقحام العقل فيما لا يدركه ولا يحيط به من أمور الغيب، حتى لا يضيع جهد الإنسان ووقته سدى.
- ثانيا: عدم اتباع الظن، فالمؤمن بالقدر، تدفعه منهجيته العقلية التي هداه الله إليها إلى الانطلاق نحو البحث عن الحقائق التي توصله إلى الله سبحانه عن طريق التأمل والتدبر في آيات الله في الكون، لأنّ المنهج الإسلامي وضع للعقل مجالات بحثه، وبين له أن مجاله محدود فيما هو مشاهد أو محسوس، أما قضايا الغيب فإن لها شأنا آخر يكون فصل القول فيه للنقل.
- فهو يبدأ بتفريغ العقل من كل المعتقدات السابقة التي لم تقم على يقين، وإنما قامت على مجرد التقليد أو الظن، ثم يأمر بالتثبت من كل أمر قبل الاعتقاد به واقتفائِه، ومن هنا فالمؤمن بالقدر لا يقبل على أي أمر مهما كان إلا بالرجوع إلى الإسلام.
ثالثا: الدعوة إلى العلم النافع، الإيمان بالقدر يدفع صاحبه إلى توجيه قواه العقلية نحو العلوم النافعة، لعلمه أن الله سبحانه خلق هذا الكون وسخر ما فيه لخدمته، وأنه بهذه القدرة العقلية أصبح مسؤولاً أمام الله عن كل عمل يقوم به، لهذا تراه يقوم بتوجيه فكره إلى العلم النافع، الذى يعود عليه وعلى مجتمعه بالخير والفائدة.
فعمليّة التفكير هي أساس التدبر، والتدبر هو أساس الاقتناع بالحجة والدليل والبرهان، والاقتناع هو أساس الإيمان الصحيح والسلامة في الدارين.
رابعًا: الدعوة إلى العمل الجاد، المؤمن بالقدر ومن خلال علمه بأن الله خلقه من أجل القيام بعبادته وأنه سبحانه أعطاه حرية العلم، وسخر كثير مما في هذا الكون لخدمته، يدفعه هذا الإيمان إلى الإقدام على العمل بكل جد ونشاط.
آثار الإيمان بالقضاء والقدر في الجانب الروحي
وآثار الإيمان بالقضاء والقدر في الجانب الروحي للإنسان عديدة، منها:
الإيمان بالقضاء والقدر يدفع المؤمن إلى إخلاص العبادة لله، فيكون الباعث له في جميع أعماله امتثالاً لأوامر الله، لعلمه المسبق بأن الله يعلم كل شيء.
والمؤمن بالقضاء والقدر لم يعد يبالي بالناس، ولا يسعى إلى إرضائهم بسخط الله، فينقَاد إلى إيثار الحق على الخلق وإلى الإخلاص في جميع أعماله، كما يشعر المؤمن بمراقبة الله له، وأنه خاضع في حركاته وسكناته لله سبحانه، فيدفَعه ذلك إلى مراقبة نفسه ومحاسبتها على ما أقدم عليه من أعمال فى كل يوم وليلة.
ويدفع هذا الإيمان صاحبه إلى التوجه الى الله بالدعاء، بعد الأخذ بالأسباب المعينة على قضاء الأعمال، لعلمه بأن قضاء الله نافذ لا يرد، كما يعلم أنّ الحياة والموت بقضاء الله وقدره، فيقدم على الجهاد في سبيل الله، فلن يقدم أو يؤخر ذلك في أجله.
ويقدم على العمل بثبات وعزم ويقين، لأنّ سعة الرزق وضيقه بقضاء الله وقدره، فيعمل على تحري الحلال وتجنب الحرام، لأنه مُوقن أنّ الأرزاق بيد الله تعالى.
وعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر تُعطي صاحبها حقيقة التّصور للحياة الدنيا، وأنه مهما طال به العمر فهو قصير، لا يلبث أن ينقضي، فيدفعه هذا إلى المحافظة على كل ساعة تمر من حياته.
وقد كان هذا الإيمان عند الصحابة، حافزًا لهم للانسياح في الأرض، سواء لنشر الدعوة أو طلب الرزق أو اكتشاف المجهول، فهو يفرض على المؤمن أن يتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، عن طريق مدافعة أقدار الله بأقداره، وهذا لا يعنى ترك العمل وترك الأخذ بالأسباب، كما يفهمه البعض.
أثر الإيمان بالقضاء والقدر على الجانب الجسمي
ويُؤثر الإيمان بالقضاء والقدر على الجانب الجسمي للإنسان على النحو التالي:
- تنظيم تناول الطعام والشراب، وعدم الخضوع للشّهوات.
- الحصول على المطالب الجنسية وإشباعها حسب الأسس التي حددها الإسلام.
- اكتساب المهارات البدنية التي يتمكن الجَسد من ممارستها.
- واكتساب قواعد المحافظة على الصحة والوقاية من الأمراض.
- اكتساب قواعد النظافة والطهارة بما يحافظ على سلامة الجسد.
- المؤمن بالقدر يعلم أن جسده عرضة للأمراض ومحل للابتلاء من الله، وأنه فى حال إصابته بأحد هذه الأمراض فإن عليه الإقبال على التداوي والعلاج، لكون هذه المعالجة من قدر الله، وأن أقدار الله ترفع بأقداره.
أثر الإيمان بالقضاء والقدر على الجانب النفسي
أما أثر الإيمان بالقضاء والقدر على الجانب النفسي للإنسان، فتتمثل في هذه النقاط:
أولاً: السكينة والطمأنينة، وهي من أهم الآثار التي تظهر على الإنسان عند الإيمان بالقدر، ففي السكينة ثبات للقَلب عند هجوم المخاوف عليه، وسكونه وزوال قلقه واضطرابه والطمأنينة موجبة السكينة وأثر من آثارها.
والمؤمن بالقدر ساكن القلب، مطمئن النفس، مرتاح البال، يُوقن أنّ الخير فيما اختاره الله، وأن الخير كله بيد الله، هذا الإيمان متى استقر في القلب واطمأنت به النفس، فإنه يدفع صاحبه إلى الابتعاد كل البعد عن كل هم وقلق وضيق واضطراب.
ثانيا: الصبر والرضا، فقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة الدنيا لعبادته والقيام بالأعمال والتكاليف التي أرشده إليها، وجعل له هذه الحياة دار ابتلاء ومحن، وفطر فيه حبها والرغبة في متاعها، كارهًا الآلام والمصائب التي تحل به.
ومن هنا كان للقضاء والقدر دور بارز على حمل صاحبه على الصبر والرضا لكل ما يصيبه في حياته، فالفَرق بين الرضا والصبر، أنّ الصبر حبس النّفس وكفها عن السخط مع وجود الألم وتمني زواله، وكف الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع، والرضا يوافق الصبر في كف النفس وحبس الجوارح، ويزيد عليه عدم تمني زوال الألم، لفرح العبد بالثواب وحبه لله تعالى، وانشراح صدره بقضائه يجعله لا يتمنى زوال الألم.
وعليه فالمؤمن بالقضاء والقدر على الوجه الصحيح عند حلول المصائب فإنه:
يستحضر في ذهنه ما علمه الله- سبحانه وتعالى- من معاني القدر، وأنّ كل شيء بقضاء الله وقدره، وبهذا تهدأ نفسه ولا تنال منه المصائب، أما غيره فإنه قد ينكسر أمام المصائب وتذهب نفسه حسرات.
المؤمن يتحلى بالصبر الجميل في جميع أنواع المصائب، من غير شكوى ولا جزع ولا تذمر ولا تسخط على الأقدار.
وإذا كانت المصيبة مما يمكن دفعها كالمرض مثلًا، دفعها بأسبابها المشروعة والمقدُورة، فإن اندفعت فبها، وإن لم تندفع أعاد المحاولة.
إذا أصابت المؤمن مصيبة لا يمكن دفعها، كالموت مثلًا، صبر على ما أصابه وقال: “إن لله وإنا إليه راجعون”، فمن صبر جُوزي بالإحسان من غير حساب.
ثالثاً: العزة والكرامة، عندما خلق الله الإنسان على وجه الأرض زوّده بحاجات نفسية فطرية إذا لم تشبع هذه الحاجات بصورة صحيحة وفي وقتها المناسب، أحدثت خللًا في حياة الفرد والمجتمع بدلًا من إحداث التوازن المنشود، ومن هذه الحاجات الشعور بالعزة، ومن غير هذا الشعور تصبح الحياة بليدة لا معنى لها، بل يصبح الموت غاليًا بفقد العزة والشعور بالكرامة.
والعزة عند المسلم مرتبطة بالقضاء والقدر، التي تدفع المؤمن إلى اليقين بأن الأرزاق والآجال بيد الله، وأن الناس لا يملكون من أمرهم شيء، لأنها متعلقة بمشيئة الله.
رابعًا: الشجاعة والإقدام، فالمؤمن بقضاء الله وقدره شجاع لا يجبن، إذ هو يعتقد أنه لا يقع له من يُسر أو عُسر أو غنى أو فقر أو حياة أو موت، إلا ما كتبه الله- سبحانه وتعالى- عليه، فيقوم بعمله في الحياة خير قيام، لا يرهب إلاّ الله ولا يرجو إلا رحمته.
أثر الإيمان بالقضاء والقدر في الجانب الأخلاقي
وتمتد آثار الإيمان بالقضاء والقدر إلى الجانب الأخلاقي للإنسان فتُؤثر فيه تأثيرًا كبيرًا، وذلك على النحو التالي:
- المؤمن بقضاء الله يبتعد عن رذيلة الحسد التي تُوغر الصدور، وتبعث على الشرور، لأنه يعلم أنّ حسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، سخط على قدر الله، وتطلّع إلى ما لا يمكن الحصول عليه مما قُدر لغيره.
- المؤمن يبتعد عن الكبر، ولا يرى نفسه فوق غيره، ويعلم أن الله- سبحانه وتعالى- إذا منحه ما يميزه عن غيره من أقرانه، فعليه أن يحمد الله على ذلك، وأن يعلم أنه بذلك العطاء ليس أفضل من أخيه المسلم، بل إنّ ميزان الله في المفاضلة مرجعه للتقوى.
- المؤمن ينبذ البخل، ويعتقد أن المالك والمتصرف فى هذا الكون هو الله سبحانه، والإنسان مستخلف في هذا المال إلى أجل مسمى، وهذه الحقيقة تشعر أن الإنسان ليس مطلق التصرف فيما بين يديه من مال، بل هو مرهون بأوامر المالك الحقيقي وهو الله.
أثر الإيمان بالقضاء والقدر على الجانب الاجتماعي
وفي الجانب الاجتماعي، يؤثر الإيمان بالقضاء والقدر على حياة الإنسان، كالتالي:
- السلوك المستقيم مع الآخرين: فالإنسان اجتماعي بطبعه، ولا بد له من علاقات وتصرفات مع الآخرين، والمؤمن بقضاء الله وقدره يعلم أن النفع والضر بيد الله، وأن الأفراد ما هم إلا أسباب لوصول هذا النفع أو الضر إليه، فهذا الاعتقاد يورث سلوك المسلم المستقيم القائم على الصدق والوضوح، فيؤدي هذا السلوك إلى قوة ترابط ولحمة المجتمع المسلم.
- التكافل الاجتماعي: الفرد لا يحيى بمعزل عن الآخرين، ولا تستقيم حياته إلا داخل جماعة يرتبط أفرادها بروابط ومصالح وأهداف مشتركة، تجعلهم يتضافرون كل حسب قدرته واستطاعته على تحقيقها، مع حرصهم على حماية كيان جماعتهم، وصون تماسكهم، لأن في تقويضها واضمحلالها، ذهاب ريحهم وضياع ودمار حياتهم.
الآثار السلبية للفهم الخاطئ للقضاء والقدر
ورغم الآثار الإيجابية الكبيرة التي يحدثها الإيمان بالقضاء والقدر على الإنسان فإن الفهم الخاطئ له يؤدي إلى آثار سلبية، منها:
- ظهور تيارات فكرية متصارعة، كان لها الدور الرئيسي فى إيجاد الفرقة والنزاع داخل المجتمع المسلم.
- نتج عنه هدر كثير من الطاقات والجهود، كان من الأولى أن تبذل فى وجوه أخرى تهم الإسلام والمسلمين.
- الخطأ في حق الله سبحانه وتعالى، فقد كان من لوازم قول بعضهم تعطيل صفات الله تعالى، زاعمين بذلك تنزيهه.
- أدت بعض الأفكار الخاطئة إلى انتشار مفاهيم وسلوكيات تتعارض مع روح الإسلام، منها ترك العمل والتواكل وتعطيل الطاقات، بل أدت ببعضهم إلى ترك الطاعات والعبادات.
- كما أدت هذه الأفكار فى بعض العصور الإسلامية إلى الرضا بالذل والهوان والتسليم للأعداء، باستباحة الدماء وأعراض المسلمين.
- أدت هذه الأفكار إلى فتح الباب على مصراعيه لأعداء الإسلام من المستشرقين للتشكيك والطعن فى عقيدة المسلمين ودينهم، وإرجاع سبب تخلفهم فى جميع المجالات إلى ما يحملونه من معتقدات.
- كما أدت هذه المعتقدات إلى عودة الخرافات وانتشار الشعوذة والسحر والكهانة التي كانت سائدة قبل الإسلام، بسبب الجهل بأمور العقيدة والدين.
طرق تعميق الإيمان بقضاء الله وقدره
ويُمكن تعميق الإيمان بالقضاء والقدر من خلال وصايا نبوية لتدريب النّفس على هذه العقيدة، حيث كان النبي- صلى الله عليه وسلم- مربيًا ومزكيًا لنفوس أصحابه، وهي المُهمّة التي شرفه الله سبحانه بها، وتتجلى هذه التزكية، من خلال الوصايا الثلاث التي تُعد بحق نماذج العلاج النبوي لأمراض النفوس وتدريبها عمليًّا على التسليم لقضاء الله وقدره والرضا به، وهي:
- الوصية الأولى: قوة الإيمان ومجاهدة النفس، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ”.
- الوصية الثانية: دعاء الاستخارة، فعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، يقول: إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُل: اللهمَّ إني أستخيرُك بعِلمك، وأستقْدِرُكَ بقُدرتِك، وأسألُك من فَضلِك؛ فإنَّك تَقدِرُ ولا أَقدِرُ، وتَعلمُ ولا أَعلمُ، وأنت علَّامُ الغيوب، اللهمَّ فإنْ كنتَ تَعلَمُ هذا الأمْرَ- ثم تُسمِّيه بعَينِه- خيرًا لي في عاجلِ أمْري وآجلِه- قال: أو في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمري- فاقْدُرْه لي، ويَسِّره لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهمَّ وإنْ كنتَ تعلمُ أنَّه شرٌّ لي في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمْري- أو قال: في عاجِلِ أمْري وآجِلِه- فاصْرِفني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيثُ كانَ ثمَّ رضِّني به”.
وهذه الوصية النبوية تُعد تدريبًا عمليًّا على توطين النفس ورضاها بقضاء الله وقدره، اعتقادًا بأن ذلك هو الأصلح، والأنفع للعبد، فإذا همَّ المسلم بأمر من الأمور المباحة، من سفر أو زواج، أو تجارة أو غير ذلك فعليه أن يبادر إلى العمل بهذه الوصية النبوية، فيدعو بدعاء الاستخارة متذللاً أمام ربه، متواضعاً بين يديه، مستسلمًا لأمره، راضيًا بحكمه.
- الوصية الثالثة: الرضا بالابتلاء، لقول الله تعالى: “وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”، وما يصيب الإنسان إن كان يسره فهو نعمة، وإن يسوؤه فهو نعمة، لأنه يكفر خطاياه، ويثاب عليه بالصبر.
أخيرًا
فإنّ الإيمان بالقضاء والقدر هو مفتاح حماية الفرد والمجتمع في الجوانب التربوية والأخلاقية والروحية والنفسية والاجتماعية، وغيرها. وعلى النقيض فإن الفهم الخاطئ للقضاء والقدر يُولد آثارًا سلبية أبرزها انتشار المفاهيم والسلوكيات التي تتعارض مع روح الإسلام، ومنها ترك العمل والتواكل وتعطيل الطاقات، وترك الطاعات والعبادات في بعض الأحيان.