كان من الممكن أن يُنقل النبي- صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة بالبراق، لكنه برحلة الهجرة هذه كان قدوة للمسلمين دائما في ضرورة الأخذ بكل الأسباب المتاحة لنصرة الدين.
إن دراسة الهدي النبوي أمر له أهميته لكل مسلم؛ فهو يحقق عدة أهداف، من أهمها: الاقتداء برسول اللہ ﷺ من خلال معرفة شخصيته، وأعماله وأقواله وتقريراته، وتكسب المسلم محبة الرسول ﷺ، وتنميها وتباركها، وتعرفه بحياة الصحابة الكرام، الذين جاهدوا مع رسول الله ﷺ، فتدعوه تلك الدراسة لمحبتهم، والسير على نهجهم، واتباع سبيلهم، كما أن السيرة النبوية توضح للمسلم حياة الرسول ﷺ بدقائقها، وتفاصيلها منذ ولادته، وحتى موته، مرورا بطفولته وشبابه، ودعوته وجهاده وصبره، وانتصاره على عدوه، وتظهر بوضوح أنه كان زوجا وأبا وقائدا ومحاربا، وحاكمًا، وسياسيا، وداعية وزاهدا وقاضيا، وعلى هذا فكل مسلم يجد بغيته فيها.
لـم تـكـن الـهـجـرة النبـوية الشريفـة حـدثـا عابرا في تاريخ الدعوة نحتفل به كل عـام، ولم يكن كذلك حادثا شخص يرتبط ذكره فقط بدراسة حياة صاحبه .. !!
بل كانت هذه الهجرة معلما بارزا في تاريخ هذه الـدعـوة وصاحبها عليه الصلاة والسلام، وتحولا جوهريا في مسارها، وبعثا جديدا في حياتها، وتغييرا كليا في أسلوبها.
ولهذا وغيره: كانت دراسة الهجرة النبوية دراسة للدعوة، وتكرار الدراسـة _ كل عـام، أو كل حين _ تذكـيـر بـخط سيرها، وعرض لواقعنا على أهدافها وغاياتها.
وبهذه الدراسة وتكرارها: نصحح مسارنا، ونتـذكـر أهدافنا، ونشحذ هممنا، ونفهم ديننا، ونحسن ـ بل نصوب على أساسها واقعنا، لنؤدي رسالتنا، ونرضي ربنا.
لقد ربى النبي ﷺ الجيل الأول حتى غدا خير القرون من جهة، وغدا المثال الذي يحتذى به من جهة ثانية، فحقق الله به موعوده في أحسن صورة وأكملها.
وهذا الكتاب يتناول- في أجزائه الثلاثة- تربية النبي- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه التربية الجهادية، في محاولة للوقوف على الكيفية التي تمت بها هذه التربية، والخطوط العريضة التي قامت عليها. واختار المؤلف أن يكون الأساس في البحث آيات القرآن الكريم، لا تسلسل الأحداث في السيرة، باعتبار أن الله- تعالى جل شأنه- هو الذي كان ينزل الآيات بعد كل حدث أو معركة فيعرض فيها ما يحتاجه الجيل المسلم من الأحداث لتتم التربية على ضوئه. كما أن منهج الكتاب إنما يقوم على تغذية الآيات بالحدث من السيرة، وحشد كل ما يساعد على فهم النص أو فقهه، مع متابعة أثر هذه الآيات في الصف المسلم، وكيف انتقل بها من مرحلة إلى مرحلة، ومن طور إلى طور، ثم بان كيف بنى النبي ﷺ هذه الأمة بهذا القرآن.