“تعتبر التكنولوجيا من الأهمية بمكان في حياة الدعاة والمربيين لكونها تصل إلى الملايين في كـافة أنحاء العـالم، وهو ما يمكِّن الداعية من الوصول إلى الناس بسهولة وبدون تضييقات معيَّنة، ولأن الوسائل التكنولوجية اليوم تتميز بانعدام المحدودية؛ فليس لها حدود زمانية ولا مكانية ولا نوعية أو جنسية؛ ولذا فهي تتخطى كل الحواجز، أضف إلى ذلك سهولة استخدامها، فليس من الصعب التواصل بها والتعامل معها.
كما أنه من الضروري أن نوضح أنَّ الإسلام لم يحدد لنا خريطة طريق دعوية محددة نسير عليها لا يمكن أن نتجاوزها وأن نبتكر فيها أو نجدد في رحابها، بل ترك لنا مساحة كبيرة للابتكار ووضع لنا قاعدة ثابتة في السير على منهج الدين، دون إفراط ولا تفريط. قال تعالى:- {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ } [النحل: ٥٢١]، والحكمة: هي وضع الشيء المناسب في المكان والزمان والشخص المناسب.
هذه المقدمة السابقة من عادل عبد الله هندي، تبرز لنا أهمية تطويع التكنولوجيا في حياتنا لخدمة الأهداف السامية، وعلى رأسها هدفي التربية الإسلامية والدعوة إلى الله.
وفي ذات الصدد يقول الدكتور عبد القادر الشريف: “تعتمد المجتمعات الإنسانية في بقائها على التربية لأن أساليب حياتها وأنماط تفكيرها التي تكونت واستقرت بين أفرادها لا تنتقل انتقالا بيولوجيا بين الأفراد، مثل: لون العين أو الشعر أو البشرة.. وإنما تكتسبها الأجيال المتعاقبة عن طريق التعلم والمشاركة في الخبرة الاجتماعية فمهما كانت بساطة الحياة في أية جماعة إنسانية من حيث لغتها وتقدمها العلمي ومعاييرها الخلقية وأساليبها المعيشية فإن المرادفات السلوكية لكل ذلك لا تنشأ مع الأطفال بمجرد ولادتهم وإنما تنمو فيهم عن طريق المشاركة في أنواع الأنشطة التي تميز أفراد الجماعة التي ينتمون إليها.. أي عن طريق التربية.
وإذا كانت التربية ضرورة مهمة لاستمرار الجماعة على هذا النحو فإنها أكثر أهمية للجماعة كلما ارتقت في سلم التطور الثقافي وزاد نصيبها من العلم وتعقدت نظم وأساليب حياتها”.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين زادت نسبة الاعتماد على التكنولوجيا وتطورت أداته حتى أصبحت تدخل في كل مجالات الحياة ولا يستطيع أحد الاستغناء عنها، وهو ما يجعل تعلم الوسائل الحديثة من أساسيات وخصائص المربي والمعلم المسلم.
ما التكنولوجيا؟
لغويًا التكنولوجيا كلمة أعجمية يونانية، تتكون من مقطعين: الأول (تكنو = techno) والذي يعني الفن والصناعة، والمقطع الثاني (لوجيا = logia) والذي يعني علم، فهي بترجمتها الحرفة تعني: العلم الذي يُعنى بالفنون والصناعات.
لكن تغيّر استعمال الكلمة بشكل ملحوظ على مدى المئتي سنة الماضية، حيث تقدمت التراجم والدارسون بتعريفات عديدة، منها تعريف قاموس [مريام ويبستر] بأن التكنولوجيا: “التطبيق العملي للمعرفة خاصة في حقل معين” و”الإمكانية المعطاة من التطبيق العملي للمعرفة”.
وتعريف يرى أن التكنولوجيا: عملية شاملة تقوم بتطبيق العلوم والمعارف بشكل منظّم في ميادين عدّة؛ لتحقيق أغراضٍ ذات قيمة عمليّة للمجتمع. وآخر يقول: التكنولوجيا هي الاستخدام الأمثل للمعرفة العلميّة، وتطبيقاتها، وتطويعها لخدمة الإنسان ورفاهيّته.
كما قدمت أورسولا فرانكلن في محاضرتها “العالم الحقيقي للتقنية” عام 1989 تعريفاً آخر للتكنولوجيا بأنها: “تطبيق، للطريقة التي نعمل بها الأشياء من حولنا”. وحديثا يستعمل المصطلح عادة ضمن مجال معين من التقنية، أو التقنية العليا أو إلكترونيات المستهلك، بدلاً من التعبير عن التقانة.
والذي يعنينا هنا هو تعلم الوسائل التكنولوجية التي تسهل وتساعد على الوصول للجماهير مع التأثير فيهم بالوسائل السمعية والبصرية المتنوعة.
مشاكل وخلل
مع ازياد التوغل التكنولوجي لوسائل الاتصال في العصر الحديث ازدادت الفجوة بين الآباء والأبناء، وأصبح الآباء والأمهات هم الحلقة الأضعف في التربية أمام هذه الوسائل.
يقول أويس عثمان: نجد أنَّ كثيراً من الدُّعاة في وقتنا الحالي لم يدركوا بعد ركب التطوّر السَّريع الذي يزداد يوما بعد يوم، في حين يقوم البعض الآخر بمحاولة إدراك هذا القطار السريع، الذي لا يتوقف ولا يمل من السير بسرعته الفائقة، فإمَّا أن يدركه، وإمَّا أن يقع في أخطاء، وتنحرف به طريقته عمَّا خصص له ووضع له.
فمثلاً نجد البعض ينشغل في حكم دخول التكنولوجيا، والفائدة منها، ويركّز على عيوبها، وينسى أنَّ هناك من سبقه بشكل كبير في هذا الميدان، بحيث بات يسيطر على المشاركين فيها، ويوصل رسالته المنحرفة للناس بكل أريحية، ليكسبهم ويسيطر عليهم، بل وينصب نفسه ناطقاً باسمهم وحاملاً لقضاياهم واهتماماتهم، وفي الوقت نفسه نجد بعض الدُّعاة يفضّلون تلك الوسائل القديمة دون إعطاء أدنى اهتمام لما استجد من أمور وتغير من وسائل، فيظن أنَّ الوسائل الأكثر فاعلية، هي الخطب والكلمات الشفوية، والوريقات ذات العبارات المرصوصة وغيرها.
ومن ناحية أخرى، نجد من يريد أن يدرك ما فاته من تطور فيشارك فيها بكل قوّة، ويسعى لتغيير الواقع وإصلاحه، عبر إرسال تلك الرسائل الإسلامية الرائعة، والتي قد يشوب بعضها الخلل في الأسلوب أو المضمون، مما يؤثر سلباً على نجاح رسالته وتميزها، كما أن البعض قد ينسحب من الواقع الذي يعايشه – اغتراراً بكثرة المتابعين وإشادات المعجبين- فيظن أن دعوته ناجحة افتراضياً، ومؤثرة ومغيرة للنفوس، دون اعتماد على التواصل الشخصي، والتربية والعمل المسجدي، والنصح والإرشاد، وغير ذلك من الأمور.
وبين هذا وذاك، نجد من يشارك في التكنولوجيا، لكن قد تدفعه غيرته الزائدة وحرقته على دينه ودعوته لأن يقع في الأخطاء، فمثلاً يروج لتلك المواقع التي تدعو للأفكار الهدامة أو تسيء للإسلام والمسلمين عبر التحذير منها، وكأنه يقول للناس شاهدوا واقرؤوا – من حيث لا يدري- ولذا بات لزاما استثمار “التطور الرقمي” للوصول للجماهير تذكيرًا وتوجيهًا.
مخاطر نقص ثقافة التكنولوجيا لدى المربي
إن وسائل التواصل الحديثة بكل صورها، تعتبر زاد الداعية الناجح لتحقيق التواصل مع الجمهور، وسد احتياجاته من المعلومة الدعوية الصحيحة المعتدلة، – خاصة فى ظل الأوضاع التي يعيشها العالم في هذه الأيام.
والداعية الناجح يبحث دائماً عما يحقق أكبر المكاسب الدعوية، والإنجازات والغايات، لأنه كالقطار الذي يسير بين على قضيبين لا يحيد عنهما؛ قضيب الثوابت والأركان، وقضيب التطور الذي يتماشى مع تغير الأحوال والأزمان، وفي الوقت ذاته، فإن الداعية الناجح لابد أن يلتزم بنفس الثوابت التي يطبقها في عالمه الحقيقي على عالمه الافتراضي.
وإذا لم يواكب الداعية والمربي التطورات الحديثة ويعمل على الاستفادة منها دون الانزلاق في مساؤها سيجد نفسه يغرد خارج السرب ولا يسمع له وتضيق دائرته وينعدم تأثيره، ويترتب على ذلك عدة أمور، منها:
- الانعزالية والتقوقع داخل المحيط الضيق الذي يعيش فيه المربي والداعية.
- الجهل بكثير من المتغيرات وبطرق التأثير في الناس عامة وفي الشباب الذي يواكب التطور السريع خاصة.
- بُعد الشباب والناس عن الدعاة والمربين لافتقارهم إلى أدوات الجذب التي تشجعهم على متابعتهم.
- انشغال الشباب بما يعرض من فواحش ورذائل على وسائل التكنولوجيا الحديثة مقابل ضعف وسائل الدعاة التقليدية.
- عدم بلوغ الدعوة إلى غير المسلمين في البلاد الأخرى بسبب عدم تفاعل الدعاة والمربين مع الوسائل الحديثة التي يهتم بها أمثال هؤلاء.
كيف يمكن استخدام التكنولوجيا كإحدى أدوات عملية التربية؟
إن ممارسة الدعوة إلى الله تعالى من خلال التقنيات التكنولوجية، لا تحتاج من الداعية إلى كثير من الجهد أو الدورات أو الشهادات، لكن يلزمه معرفة الجوانب الأساسية التي تخدمه في هدفه الدعوي أو التربوي والوصول للجماهير، وإذا نظرنا إلى الدعاة من خلال شبكة الإنترنت، رأينا حقًا أن النتائج كانت مبهرة للغاية، فقد اهتدى على أيديهم الكثير من الناس في مشارق الأرض ومغاربها.
وفي نقاط إرشادية بسيطة، نرى أن على من يريد الوصول للجماهير معرفة هذه الأساسيات على الأقل، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
- استخدام أجهزة الكمبيوتر المنزلية أو المتنقلة بملحقاتها، مثل: لوحة المفاتيح والفأرة والأقراص الممغنطة والفلاشات وأقراص التخزين المتنقلة.
- استخدام الإنترنت ومعرفة كيفية الوصول للمواقع والصفحات المرادة عبر البحث.
- استخدام البريد الإلكتروني، وهو من أفضل الوسائل الرسمية للتواصل مع المؤسسات أو الأفراد.
- إنشاء حسابات على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة: فيسبوك، تويتر، إنستجرام، كلوب هاوس …الخ، واستخدامها بما فيها من خيارات ومزايا تساعد على الوصول للجماهير.
- يمكن كذلك استغلال المنصات الإعلامية الأخرى مثل: الإذاعة أو التلفاز.
ويمكن استخدام هذه الوسائل للإفادة في مثل:
أ- طرح الرؤى ومناقشة القضايا وتصويب الأخطاء التي يقع فيها الناس.
ب- محاورة ومناقشة الشباب فيما يخصهم ويخص دينهم وأوطانهم من قضايا تهتم بتأكيد وترسيخ الهوية الإسلامية والانتماء الوطني.
جـ- الرد على ما يثار من شبهات وتفنيدها سواء ضد الإسلام أو المسلمين أو وصف الإسلام بأوصاف ليست فيه، كما نرى هذه الأيام.
د- مواكبة الأحداث الجارية ونشر فكرته وتعليقاته على الأحداث؛ وهو ما يجعلها أكثر فعالية وواقعية.
هـ- محاربة المجموعات التي تقوم بتشويه صورة الإسلام والضغط على موقع الفيس بوك لإغلاقها، وهذا ما حدث بالفعل مرارًا وتكرارًا.
إن مسايرة المتغيرات والمستحدثات التي استجدت على الواقع ضرورة لازمة للدعاة والمربين، فالداعي إلى الله تعالى لا ينبغي له بحال من الأحوال أن ينفصل عن هذا التقدم الحادث في وسائل الدعوة، فعليه أن يستفيد من هذه التقنيات الحديثة؛ إضافة للوسائل التقليدية مثل: مؤسسة مسجد، والنادي الرياضي.