حذّر الإسلام من قطيعة الرحم وعدّها من كبائر الذنوب، وهي تعني إنهاء العلاقة بين الأقارب، وبخاصة بين الأرحام، كالأب والأم والأخوة والأخوات والأعمام والأخوال؛ نتيجة الخلافات، أو الحسد، أو الكبر والغرور، أو التفرقة بين الأبناء أو الجهل بالعواقب، وضعف الإيمان والتقوى وغير ذلك من أسباب.
ويؤدي هذا الذنب إلى غضب الله تعالى على من يقطع رحمه، والوعيد بالعذاب الشديد في الآخرة، وفقد البركة في الدنيا، وضيق الرزق، وفقد السعادة والطمأنينة، وهي كلها عوامل تسحق النفس وتدمرها، لذا لا بد من التوبة منها، والمبادرة بالصلح، والتزام البر والإحسان بالأقارب والدعاء لهم بالخير.
أسباب قطيعة الرحم
وغلّظ الله- عز وجل- عقوبة قطيعة الرحم وهجر الأقارب، فجعل قاطع الرحم ملعون، قال سبحانه: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 32-33].
وقاطع الرحم من الفاسقين، لقول الله- جل وعلا-: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [البقرة: 26-27].
وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّل اللهُ تعالى لصاحبه العقوبةَ في الدنيا، مع ما يدِّخر له في الآخرةِ مثل البغيِ وقطيعةِ الرحمِ” (أبو داود).
بل إن أعظم العقوبات التي يعاقب بها قاطع الرحم أن يحرم من دخول الجنة، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “لا يدخل الجنة قاطع” (البخاري ومسلم).
وأسباب قطع الرحم تتمثل في الآتي:
- الجهل بعواقب القطيعة: سواء العواقب العاجلة أو الآجلة، لأن ذلك يحمل عليها ويقود إليها كما أنّ الجهل بفضائل الصلة يقصر عنها ولا يبعث إليها.
- الاشتغال بالدنيا واللهث وراء حُطامها فلا يجد هذا اللاهث وقتا يصل به قرابته ويتودد إليهم.
- نسيان الأقارب في الولائم والمناسبات: فرُبّما نسي واحدا من أقاربه، وربما كان هذا المنسي ضعيف النفس أو ممن يغلب سوء الظن فيفسر هذا النسيان بأنه تجاهل له واحتقار لشخصه فيقوده ذلك الظن إلى الهجر.
- كثرة المزاح: فإن لكثرة المزاح آثار سيئة فلربما خرجت كلمة جارحة من شخص لا يراعي مشاعر الآخرين فأصابت مقتلا من شخص شديد التأثر فأورثت لديه بغضا لهذا القائل ويحصل هذا كثيرا بين الأقارب لكثرة اجتماعاتهم.
- الطلاق بين الأقارب: وهو من الأسباب التي تنهي العلاقات وصلة الرحم بين الأقارب.
- التقارب في المساكن: يسبب غالبا خصومات بسبب الزوجات أو بسبب الأولاد فتنتقل إلى الوالدين فتحلل القطيعة.
- الحسد: وهو من الأسباب التي تجعل البعض يتجنب زيارة بعض أقاربه، خوفًا من حسده على نعمته.
- الميراث: ولا شك أنّ هذا من الأسباب التي لها نصيب كبير في قطع الصلات بين الأقارب، وبخاصة بين الأخوة والأخوات.
- ضعف التقوى: فإذا ضعفت التقوى ورق الدين لم يبال المرء بقطع ما أمر الله به أن يُوصل ولم يطمع بأجر الصلة ولم يخشَ عاقبة القطيعة.
- الكبر: فبعض الناس إذا نال منصبا رفيعا أو حاز مكانة عالية أو كان تاجرا كبيرا تكبّر على أقاربه وأنف من زيارتهم والتودد إليهم بحيث يرى أنه صاحب الحق وأنه أولى بأن يزار ويؤتى إليه.
- قلة الاهتمام بالزائرين: فالبعض إذا زارهم أقاربهم لا يبدون لهم الاهتمام ولا يفرحون بمقدمهم ولا يستقبلونهم إلا بكل تثاقل ما يقلل رغبتهم في زيارتهم.
- الشح والبخل: ومن الناس من إذا رزقه الله مالا أو جاها نجده يتهرب من أقاربه خوفا من الاستدانة منه أو يكثرون الطلبات عليه أو غير ذلك.
- العتاب الشديد: فبعض الناس إذا زاره أحد من أقاربه بعد طول انقطاع أمطر عليه وابلا من اللوم والعتاب والتقريع على تقصيره في حقه، وإبطائه في المجيء إليه، ومن هنا تحصل النّفرة من المجيء خوفًا من لومه وتقريعه وشدة عتابه.
- الشراكة بين الأقارب: فكثيرا ما يشترك بعض الأخوة أو الأقارب في مشروع أو شركة ما دون أن يتفقوا على أسس ثابتة، ودون أن تقوم الشركة على الوضوح والصراحة، بل تقوم على المجاملة، وإحسان الظن.
- الانقطاع الطويل فهناك من ينقطع عن أقاربه فترة طويلة، فيصيبه من جراء ذلك وحشة منهم، فيبدأ بالتسويف بالزيارة، فيتمادى به الأمر إلى أن ينقطع عنهم
- التكلف الزائد: فهناك من إذا زاره أحد من أقاربه تكلف لهم أكثر من اللازم، وخسر الأموال الطائلة، وأجهد نفسه في إكرامهم، وقد يكون قليل ذات اليد، ومن هنا تجد أن أقاربه يقصرون عن المجيء إليه؛ خوفا من إيقاعه في الحرج.
- نسيان الأقارب في الولائم والمناسبات: فقد يكون عند أحد أفراد الأسرة وليمة أو مناسبة ما، فيقوم بدعوة أقاربه إما مشافهة، أو عبر رقاع الدعوة، أو عبر الهاتف، وربما نسي واحدا من أقاربه، وربما كان هذا المنسي ضعيف النفس، أو ممن يغلب سوء الظن، فيفسر هذا النسيان بأنه تجاهل له، واحتقار لشخصه، فيقوده ذلك الظن إلى الصرم والهجر.
- سوء الخلق من بعض الزوجات: فبعض الناس يبتلى بزوجة سيئة الخلق، لا تحتمل أحدا من الناس، ولا تريد أن يشاركها في زوجها أحد من أقاربه أو غيرهم، فلا تزال به تنفره من أقاربه، وتثنيه عن زيارتهم وصلتهم، وتقعد في سبيله إذا أراد استضافتهم، فإذا استضافهم أو زاروه لم تظهر الفرح والبشر بهم.
مظاهر قطيعة الرحم
وتتعد مظاهر قطيعة الرحم وهجر الأقارب، ومن أبرزها ما يلي:
- الإهمال والتجاهل: وعدم دفع الضرر والأذى عنهم، أو العطف عليهم والرفق بهم، أو مساعدتهم بالمال والصدقة عند الحاجة.
- الإساءة بالقول أو الفعل: وتقديم الغريب عليهم، وعدم مشاركتهم بأفراحهم وأحزانهم.
- المعاملة بالمثل: وعدم وصل الأقارب والأرحام إلا إذا وصلوا الشخص.
- التقليل من شأن وأهمية العالِم أو المؤثِّر في العائلة، وعدم الاكتراث له، وإنكار فضله وأثره الطيب عند تقديمه للنُّصح والإرشاد لأقاربه.
- إثارة الفتن، وبثّ روح البغضاء والمشاحنة بين الأقارب بهدف التفريق ونشر الكراهية بينهم.
- ترك الإحسان إليهم.
- عدم تقديم الموعظة الحسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للأقارب ذوي الرحم، والتغافل عن دعوتهم، وهذا الفعل يُنافي منهج الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الدعوة، حيث قال الله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء: 214].
- عدم مشاركتهم في أفراحهم، ولا مواساتهم في أتراحهم، ولا التصدق على فقيرهم.
- تحزيب الأقارب، وتفريق شملهم، وتأليب بعضهم على بعض.
سبل العلاج
أما علاج قطيعة الرحم وهجر الأقارب، فيكون من خلال الآتي:
- التفكر في الآثار المترتبة على الصلة: لأن معرفة ثمرات الأشياء وحُسن عواقبها من أكبر الدواعي إلى فعلها والسعي إليها.
- النظر في عواقب القطيعة: بتأمل ما تجلبه من همّ وغمّ وحسرة وندامة وغير ذلك، فهذا مما يُعين على اجتنابها والبعد عنها.
- الاستعانة بالله: وذلك بسؤال التوفيق والإعانة على صلة الأقارب.
- مقابلة إساءة الأقارب بالإحسان: فهذا مما يبقي على الود ويهوّن على الإنسان مايلقاه من إساءة أقاربه.
- قبول أعذارهم إذا أخطأوا واعتذروا، والصفح عنهم ونسيان معايبهم حتى ولو لم يعتذروا: فهذا ممّا يدل على كرم النّفس وعُلوّ الهمة.
- ترك المنّة عليهم والبعد عن مطالبتهم بالمثل.
- تجنب الشدة في العتاب وتحمل عتاب الأقارب وحمله على أحسن المحامل.
- الاعتدال في المزاح مع الأقارب مع مراعاة أحوالهم وتجنب المزاح مع مَن لا يتحمله.
- المبادرة بالهدية إن حصل خلاف: فالهدية تجلب المودة، وتكذب سوء الظن.
- الحرص التام على تذكر الأقارب في المناسبات والولائم والاجتماعات الدورية سواء كانت شهرية أو سنوية أو غير ذلك.
- تفعيل صندوق القرابة: وهو الذي تجمع فيه تبرعات الأقارب واشتراكاتهم، ويشرف عليه بعض الأفراد، فإذا ما احتاج أحد من الأسرة مالاً لزواج أو نازلة أو غير ذلك بادروا إلى دراسة حاله وساعدوه، فهذا مما يُولّد المحبة وينمي المودة.
- التغاضي والتغافل: فهو من أخلاق الأكابر وهو مما يُعين على استبقاء المودّه وعلى وأد العداوة.
إن من الضروري أن يحرص المسلم على اجتناب قطيعة الرحم وهجر الأقارب، وأن يداوم على الصلة والتودّد للأرحام امتثالاً لأمر الله تعالى وتأسيًا بالنبي- صلى الله عليه وسلم.
مصادر ومراجع:
- محمد العثيمين: حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة، ص 12.
- عبد الرحمن الميداني: الأخلاق الإسلامية 2/34.
- الإمام الطرطوشي: بر الوالدين ص 171.
- ابن قتيبة: عيون الأخبار 3/88.
- الغزالي: إحياء علوم الدين 2/216.
- إسلام ويب: قطيعة الرحم.
- ابن باز والألباني: لا يدخل الجنة قاطع رحم.