أنا سيدة لديَّ بنت صغيرة، وأخوها المراهق يلعب معها كثيرا ويحتضنها ويقبلها، وأشعر بتحسس شديد حيال ذلك ولكني أخشى أن أتكلم فألفت نظره أو نظرها إلى أشياء قد تكون بعيدة عن مخيلتهما، أو أجرح شعورهما، أحيانا أتكلم مع البنت وأقول لها لا تجلسي على رجل أحد وتتركيه يقبلك ويحضنك حتى لو كان أخيك، وذات مرة كلمت الولد فغضب واستنكر طريقة تفكيري ونظرتي إلى الأمر بهذا الشكل.
السؤال: هل أنا مبالغة في تحسسي، علما أن أمي ربتنا على وجود حدود في المزاح واللعب بين الأخوة الأولاد والبنات، وكانت أيضا تضع محاذير في الاختلاط مع الأولاد من الأقارب والجيران والزملاء في المدارس، فما السن الذي يجب أن أمنع فيه ابنتي مِن تقبيل المحارم وغير المحارم والجلوس معهم؟ وكيف أربيها على الدين والحشمة والخُلُق؟
الإجابة:
السائلة الكريمة، نتفهم حرصك على دين أبنائك وحفظ الحدود والوقاية من الوقوع في المحرمات واجتناب ما يؤدي لتحريك الشهوات.
أحيانا نحكم على أمور قد تكون عادية بأنها غير مريحة ولا تجوز وذلك من منظور صورة ذهنية تشبه ممارسة العلاقة بين الكبار، وقد يكون الأمر غير مريح بالفعل وحتى نحكم عليه بذلك ستكون ثمة قرائن لا تخلو من شك، حينها قد نحتاج إلى معالج سلوكي وأنصح بوضع الأمر في حجمه وعدم تهوينه أو تهويله.
وقد تكون هذه الأحضان لطف وحب بريء خالٍ من أي معان سلبية. قد تنظر أم غيرك لشكواك بالتمني!، فتتمنى أن يكون المراهق ودودا رحيما مع إخوته، كما يبدو ولدك.
فعادة المراهقين أنهم يغلقون على أنفسهم الأبواب ويعيشون في عوالمهم بعيدا عن أعين الأهل. وفي كل الأحوال لا ينفع مع المراهق النصيحة المباشرة، فسيقابلها بالاستنكار كما فعل معك متعجبا! وقد يراه تشددا في غير محله.
ولنا هنا مع المراهق وقفة..
ومع الصغيرة وقفة..
ومعك أيها السائلة الكريمة وقفة..
أولًا: المراهق:
من المفترض أن يكون قد تعلم احترام الحدود الشخصية لنفسه وللآخرين، وهذا ما يمكننا مراجعته فيه، خصوصا إذا كانت الصغيرة لا تحب الاحتضان والتقبيل في أي وقت، فعلينا تنبيهه بلطف أن يتركها لحالها ولا يجبرها على شيء لا تحبه.
وللوقاية فإنه من الأفضل دائما ألا نترك الصغار مع الكبار وحدهم قدر المستطاع، خصوصا لو كانوا اثنين أيا كانوا ذكورا أو إناثا، أما إذا كانوا ثلاثة فمن الصعب اجتماعهم على سلوك منحرف، أو إجبار الصغير على فعل غير مقبول، فهناك طرف ثالث يقلل من فرص حدوث ذلك بإذن الله.
المراهق يحتاج إلى الاحتضان والتقبيل، وقد نغفل عن ذلك، فيأخذ احتياجاته من الصغير..
دورك كأم أن تشبعي احتياجات الكبير والصغير، ولنا في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة.
فعن عائشةَ- رضي اللَّه عنها- قَالَتْ: “قدِم ناسٌ مِن الأَعْرابِ عَلَى رسولِ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أَتُقبِّلونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قالوا: لَكِنَّا واللَّه مَا نُقَبِّلُ، فَقَالَ رسولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم: أَوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّه نَزعَ مِنْ قُلُوبِكُم الرَّحمَةَ” (متفقٌ عَلَيْهِ).
وقد تقولين لكن المراهق ليس صبيًا كما ورد في الحديث، وهذا لا ينفي حاجته لمشاعر الدفء والتقبيل والاحتضان ولو على مسافات متباعدة.
ثانيا: الصغيرة:
حينما يتم توجيه الكلام لها عن حماية حدودها الجسدية، نكتفي بالتوضيح من غير تسمية، فلا نقول لها: لا تجعلي أخاك يقبلك!
كما لا نلجأ للاستثناء، فلا نقول لها على سبيل المثال (ممنوع حد يقبلك إلا عمو فلان وعمو فلان)، فكثيرا ما يتعرض الصغار للإساءات الجسدية من أقرب الأقرباء ومَن هم في دائرة المعارف مع الأسف.
الأفضل أن نعلمها السلام باليد، وستجدين الصغيرة من تلقاء نفسها تتحاشى احتضان بعض الأفراد وتقبيلهم، فشجعيها على ذلك، فهي أدرى بمشاعرها.
بل عليك أن تدربيها كيف تطلب التوقف ممن يلامسها بشكل غير مريح، أو نعلمها طريقة الاستغاثة بالكبار إذا شعرت بتصرف غير مناسب.
التدريب على ذلك يحتاج إلى وقت، وإدراكها للمسة المريحة واللمسة غير المريحة يحتاج إلى متابعة منك، فلا نرغمها السلام على الكبار بالصورة التي يحبونها إذ رفضت هي ذلك، يكفي أن نعلمها إلقاء السلام والمصافحة، والتقبيل لمن تود، فبعض الأهل يقعون في حرج حينما يرفض الصغار السلام على الكبار بطريقة معينة.
ويجب الانتباه إلى أن إرغام الفتاة على السلام بطريقة يرغب فيها الكبار ولا ترغب فيها هي- كالسلام بالقبلات وغيره- يوصل إليها رسالة أن انتهاك حرمة جسدك مباحة، وقد يجعلها عرضة للإساءات الجسدية فيما بعد، لأنها لما قالت “لا” لطريقة سلام بعضهم، قوبلت بالرفض، وكأن ليس من حقها التعبير عن الضيق.
ومن المهم ونحن نربي صغيرتنا على الحياء أن نفرق بينها وبين أخيها في المضاجع كما جاء ذلك في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع).
أيضا نبدأ في تعليم الصغيرة الثقافة الجنسية، بدءا من تعريفها بأسماء أعضاء جسمها المختلفة، مرورا بمعنى ستر العورات، كما لا نتشدد ولا نتهاون في اختيار ملابسها، فمن شب على شيء شاب عليه، فلا نطلق الحبل على الغارب في الصغر، وفجأة نطلب منها عدم السلام وعدم الجلوس مع الأجانب، وستر جميع جسدها، التدرج مطلوب وعدم المبالغة سلبا أو إيجابا واجبة، وكما يقولون: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أباه.
فماذا تعودت ابنتك أن ترى في بيئتها المحيطة، الأم والخالة والعمة والجدة وغيرهم، ممّن هم في محيط الصغيرة، هم العدسة المقربة لمجتمع المرأة وما يجب في التعامل مع من حولنا وما لا يجب.
كثيرا ما يدور بذهن الصغار أسئلة، مثل: لماذا ترتدي أمي الحجاب أمام بعض الأقارب ولا ترديه أمام البعض الآخر؟
استحضار القدوة والإجابة عن مثل هذه الأسئلة يختصر الكثير.
فأن تنشأ في بيئة مشابهة لمبادئنا وما يأمر به ديننا يسهل علينا كثيرا في توجيههم وإرشادهم.
كما نبدأ في تعليمها آداب الاستئذان، كما جاء في سورة النور: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)}.
كما نعلمها في سن مبكرة أن تخفض الصوت أثناء الحديث، ولا تطيل المكث بين مجتمعات الرجال.
وكلما اشتد عودها وكبرت نوجهها ألا تخضع بالقول، أي لا ترقق الصوت أمام الرجال فيطمع الذي في قلبه مرض كما جاء في سورة الأحزاب: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}.
هذه مجموعة من الآداب والأخلاق متى رزقت بها رزقت الحياء، والحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير.
رسالتي إلى الأم..
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، دعاء أختم به رسالتي إليك أيتها الأم الفاضلة، فنحن نجتهد ونأخذ بالأسباب والله من يصنع أبناءنا، فمع كل الأخذ بالأسباب يبقى الدعاء هو السحر، فلا ننفك عنه في جميع مراحل تربيتنا لهم.
نصيحتي الثانية لك..
سؤالك يتضمن الخشية من سلوك منحرف، والتربويون يحذرون من استحضار مخاوفنا ونحن نربي، وبدلا من ذلك ينبغي التركيز على الأهداف التي نرجو تحقيقها في أبنائنا؛ فالذهن يكون في حالة أصفى وأفضل حين يركز على الأهداف لا حين يركز على المخاوف والعقبات.
والله أعلى وأعلم.. وهو الهادي إلى سواء السبيل.