يُعد ذهاب الطفل للمرة الأولى إلى الحضانة بِمثابة حدثٍ كبيرٍ عند الوالدَين، خصوصًا الأم التي تشعر بالقلق والترقّب لردّة فعل الطّفل إزاء ابتعاده عنها بعض الوقت، ويتمثّل ذلك في شُعورها بالحزن جرّاء بكاء وصراخ طفلها.
أما الطّفل فيشعر بالخوف من الناس والمجهول، فقد وُلد وليس له في الكون إلا صدر أمه الحنون؛ لذلك فإنّ الحَضَانات ورياض الأطفال تمتلئ بالصراخ والبكاء، وبخاصة في أوّل أسبوع من استقبال الصغار؛ لأنّ الطفل لا يُدرك أنّ أمه ستعود قريبًا فغيابها بالنسبة له يُمثل الضياع الأبدي، لذا لا بُد من توعية الآباء والأمهات بكيفية التعامل مع الطفل في الأسبوع الأول من التحاقه بالحَضَانة.
أهمية الحضانة للطفل
لا شكّ أنّ مرحلة الحضانة مُهمّة في حياة الطفل، ففيها يبدأ علاقاته وارتباطه بالآخرين بقية عمره، كما تمهد إلى انفصال الطفل تدريجيًّا عن أمّه، وتؤهله لمرحلة المدرسة لكونها:
- تُقلل ارتباط الطفل بالأم وتعويده على الاختلاط بالآخرين فينشأ شخصًا اجتماعيًّا.
- تعود الطفل على كثير من العادات الجيدة.
- تبعد عن الطفل شبح الانطواء والعزلة، وتساعده في التغلّب على الخَجَل.
- يستطيع الطفل من خلالها تكوين صداقات وعلاقات تجعله مؤهلًا لمراحل مُقبلة ومهمة في حياته.
- ينشأ الطفل معتمدًا على نفسه قادرًا على القيام بكثيرٍ من الأمور بمفرده وذلك من خلال تعليمه ذلك.
- ينشأ الطفل مُدركًا لحقوق الآخرين ومحترمًا لها.
- تُكسب الطفل سُلوكيّات جيدة تساعد الأسرة في دورها التربوي مع الطفل.
- تُفيد الطفل بالتعرف إلى العالم الخارجي الذي يُحيط به.
- تُسهم في تكوين شخصية الطفل وتعزيز ثقته بنفسه.
- تساعد الطفل على كسر حاجز الصمت، فيبدأ بالانخراط في الحديث مع زملائه فيتعلم النُّطق والكلام بطريقة واضحة عبر الاحتكاك بهم والحديث اليومي معهم.
- مساعدة الطفل على ممارسة هواياته واكتشافها والاهتمام بها(1).
عناية الإسلام بالطفل في سنواته الأولى
إن ديننا الاسلامي الحنيف يؤكد ضرورة الاهتمام بالطفل ورعايته في مرحلة الحضانة وجميع المراحل الأخرى، وجاء بمبادئ وأسس وقوانين من أجل تربيته.
والشريعة الإسلامية برعايتها للطفل واهتمامها به قد فاقت جميع القوانين والأنظمة الوضعية قديمها وحديثها، ولبى الإسلام احتياجات الطفل الفطرية وجعل ذلك من أهم واجبات الوالدين.
وكثرة التشريعات التي أتى بها الإسلام فيما يخص الطفل اشتملت على كثير من الأحكام المتعلقة بالطفولة، ما دفع بعض علماء المسلمين إلى أن يحاولوا جمعها كما فعل صاحب كتاب “الجامع لأحكام الصغار”، والإمام بن القيم في كتابه “تحفة المودود في أحكام المولود”، فقد جمع الأخير الأحكام الخاصة بالمولود فقط.
وهذه الكثرة في الأحكام والتشريعات الخاصة بالطفل التي جاء بها الإسلام والتي تتصف بالتفرد تمنع أن يكون الإسلام قد تأثر فيها بغيره من النظم أو النظريات، حيث نظر الإسلام إلى الطفل كإنسان كامل الحقوق.
ولقد اهتم علماء الإسلام بهذا الجانب الذي اعتبروه مرحلة تشكيل شخصية وسلوك الطفل، وهو ما عبّر عنه أبو مروان عبد الملك بن حبيب السلمي برسالة لمعلم والده يقول له فيها: “فليكن أول ما تؤدب نفـسك؛ فإن عيني متعلقة بهم، وأعينهم متعلقة بك. فالحسن لهم ما استحسنت، والقبيح- عندهم – ما استقبحت، علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملُّوه”.
فعناية الإسلام بتربية الأطفال لم تنطلق من فراغ، بل هي عناية مستمدة من قيم ومبادئ الدين الإسلامي الهادفة لتكوين أمة قوية المادة والروح(2).
متى يذهب الطفل إلى الحضانة؟
اتخاذ قرار إرسال الطفل إلى الحضانة أمرًا صعبًا على الأمهات، لكنه لا بُد منه، حيث تلجأ بعض الأمهات العاملات إلى إرسال أطفالهن في سن مبكر للحضانة، وتختلف سنوات الطفل بين أم وأخرى.
وقد حاولت رزان الحوراني وضع روشتة لسن الأطفال في الحَضَانَة فقالت:
- العمر من 3 أشهر إلى سنة: إذا كنت بحاجة لإرسال طفلك في هذا العمر فتأكدي من اختيار الحَضَانَة ذات الخبرة في التعامل مع الأطفال حديثي الولادة، وأنها تلتزم بجميع معايير السلامة والصحة.
- العمر من 1 – 2 سنة: ورأى البعض أن هرمون التوتر يرتفع عند الأطفال حينما يذهبون للحضانة، وهو ما يجعلهم في حاجة للمزيد من الوقت والاهتمام عند العودة إلى المنزل لإعادة التوازن العاطفي لهم.
- العمر بين 2 – 3 سنوات: يرى كثير من النفسيين والتربويين أنه بحلول هذا العمر يكون من الجيد البدء في إرسال الطفل إلى الحَضَانَة، حيث تبدأ ظهور العلامات التي تدل على أن طفلك مستعد لأن يكون مستقلا بعض الشيء، فضولي ويزداد اهتمامه بالأطفال الآخرين والتواصل معهم، وقد يظهر طفلك بعض المخاوف بشأن الذهاب للحضانة في هذا العمر وهو طبيعي تمامًا ولا يدعو للقلق.
- العمر 3 سنوات وأكثر: إذا كان طفلك يعتمد عليك عاطفيًّا بشكل كبير فإن الانتظار بعد عامه الثالث هو الخيار الأفضل، حيث يكون أكثر فضولًا واستقلالية ويكون من السّهل عليه التكيّف مع بيئة الحَضَانَة(3).
هل للحضانة سلبيات؟
الطفل في هذا السن الصغير يحتاج إلى مزيدٍ من الحنان والشعور بالأمان وراحة الجسد، وهو ما يضع الحضانة في مرمى السلبيات (وإن كان لا بُد منها) ومنها:
- عدم نمو الطفل بشكل سليم، حيث إنه من المستحيل أن تُقدم الحَضَانَة الاهتمام الكامل للطفل مثل والدته وبالأخص أنّ الحَضَانَة تحتوي على أعداد كبيرة من الأطفال.
- يتأثر كثير من الأطفال باضطرابات في السلوك ويتحولون للعدوانية، بل وتعلم سلوكيات سيئة من بعض الأطفال.
- قلة المختصين، حيث تعاني معظم الحضانات من نقص المختصين، سواء المعلمين أو المشرفين، وهو ما يعني أن انتباه المعلم غالبًا ما يكون مقسمًا على عددٍ كبيرٍ من الأطفال، فلا يحصل الطفل على الاستفادة الكاملة.
- تعرضه للعدوى وانتقال الأمراض من الأطفال المخالطين له.
- من الممكن أن تُحدث الحَضَانَة فجوة كبيرة بين الأم وطفلها، وبخاصّة إن تُرك الطفل في الحَضَانَة لساعاتٍ طويلة(4).
ماذا أفعل لطفلي مع أول أيامه بالحَضَانة؟
يُمثل قلق الأم عاملًا سلبيًّا ومؤثرًا في نفسية الطفل، وبخاصة إذا رآها تبكي أو متعلقة به، فيعتقد (كلما كان عمره أصغر) أنه فراق أبدي بينهما، ما يزيد من خوفه ورعبه، ولا يستطيع التأقلم على جو الحضانة ويرفض التعامل مع المعلمات أو زملائه، بل ويمثل له هذا المكان مستقبلاً ذكرى سيئة، ومن ثم على الأم أن تقوم بـ:
- البدء بالتحدث إلى أطفالها عن الحَضَانَة قبل أسبوعين مثلاً من بدايتها، وإيضاح حيثياتها لهم، وإطلاعهم على الأمور المثيرة التي سوف تكون في انتظارهم وتحصل معهم، وهذا يساعد على الحد من مشاعر القلق التي قد تنتاب الأطفال.
- على الأم الاستعداد قبل بضعة أيام من بداية الحَضَانَة بوضع برنامج جديد للنوم يضمن حصول طفلها على قسط وافٍ من الراحة كل ليلة.
- على الأم الانتباه إلى طعام طفلها، فالأطفال بحاجة إلى نظامٍ غذائي صحي ومتوازن يتضمّن تناول الكثير من الفواكه والخضر وشرب كميات كافية من المياه.
- على الأم أن تُحضّر في وقتٍ مبكر كل المعلومات والوثائق التي قد تحتاج إليها الحَضَانَة، حرصًا منها على سير الأمور، ومن ذلك تحديث السّجلات الطبية ومعلومات الاتصال في حالات الطوارئ، وتجهيز الزّي الرسمي، مع الحرص على تأمين حذاء مريح للطفل.
- تحرص الأم على عدم إظهار علامات القلق والضغط على ملامحها.
- تحرص الأم على قضاء بعض الوقت مع طفلها في أيامه الأولى، وتطمئنه وتحتضنه وتخبره بأنها ستذهب لوقت قصير ثم تعود لتأخذه، وأن تخبره بالأنشطة والأشياء التي يُمكن أن يفعلها أثناء غيابها.
- لا تتركي الطفل لفترة طويلة في الأسابيع الأولى بعد ذهابه إلى الحَضَانَة، وقللي انفصالك عنه تدريجيًّا حتى لا يشعر بغيابك عنه فجأة.
- أثناء تواجد الأم مع طفلها في الحَضَانَة لا تمسك بيده ولا تجلسه على قدمها بل تدفعه دفعًا للعب والاندماج مع بقية الأطفال وممارسة الألعاب الرياضية.
- يجب على الوالدين ألا يذكران الذهاب إلى الحَضَانَة كتهديد للطفل أو عقابه؛ لأنّ هذا ينشئ طفلاً يكره التعليم منذ الصغر، ولن تجدي أي وسيلة نفعًا بعد ذلك لترغيبه في المدرسة أو الحَضَانَة(5).
إن الذهاب إلى الحضانة ليس بالأمر السّهل سواء على الأم أو الطفل، فهي اللحظة التي يترك فيها الطفل عالمه الصغير ويذهب إلى عالم أكبر ويرى وجوهًا مختلفة غير والديه وأقاربه، لذا لا بد من احتوائه والاستعداد لهذه اللحظة لكونها فارقة في حياة الطفل.
المصادر والمراجع:
- أهمية الحضانة للأم والطفل: 13 أكتوبر 2018،
- عادل محمد صالح أبو العلا: حقوق الطفل من وجه نظر الإسلام، 2002،
- رزان الحوراني: متى يذهب الطفل الى الحضانة، 3 ديسمبر 2020،
- حنان العتوم: الحضانة وفوائدها وأضرارها على الأطفال، 13 أكتوبر 2020،
- ديانا حدارة: طفلي سنة أولى حضانة، 17 سبتمبر 2017،