ثلاثةٌ لا ينظرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إليهم يومَ القيامةِ؛
العاقُّ لوالِدَيهِ، والمرأةُ المترجِّلةُ، والدَّيُّوثُ، وثلاثةٌ لا يدخُلونَ الجنَّةَ:
العاقُّ لوالِدَيهِ، والمدمِنُ على الخمرِ، والمنَّانُ بما أعطى
بهذه الكلمات المزلزلة كشف لنا النبي – صلى الله عليه وسلم –
أصنافاً من البشر محكومٌ عليها بالهلاك ثلاثة محرومون من نظر الله إليهم يوم القيامة
وثلاثة محرومون من دخول الجنة وانظر من تصدَّر هاتين القائمتين المشؤومتين: العاق لوالديه!
انظر كيف كرر النبي – صلى الله عليه وسلم – العاق لوالديه في نفس الحديث!
هذا التكرار ليس عبثاً بل تنبيهٌ صارخٌ على خطورة هذا الذنب العظيم
وتأكيدٌ على سوء عاقبته المضاعفة فالعاق محرومٌ من نظر الله،
محرومٌ من دخول الجنة يقف يوم القيامة في صفٍّ واحدٍ مع الديوث ومدمن الخمر…
ثم يكون مصيره إلى النار!
واعلمْ أخي الكريم أن الله قرن برَّ الوالدين بعبادته
{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
جعل الإحسان إليهما مقترن بمرتبة التوحيد!
قرن حقهما بحقه!
وربط برهما بطاعته!
{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}
انظر إلى دقة التعبير القرآني حتى كلمة أو ايماءة أف الصغيرة حرمها الله!
فما بالك بالسبِّ والشتم؟ ما بالك بالضرب والإهانة؟ ما بالك بالهجران والقطيعة؟
والعقوقُ له صورٌ شتّى: كأن يقول الولد لوالديه أف يؤذي بها سمعهما
أو يتباطأ في طاعتهما وتلبية احتياجاتهما، خاصة مع كبرهما وعجزهما
أو يسيء السلوك مع الناس فيجلب عليهما الأذى والعار
أو يقدّم على صحبتهما أحداً من البشر أو يجلس معهما بجسده
بينما قلبُه شاردٌ مع الأجهزة والهواتف
أو يبخل عليهما بالمال مع سعة الرزق ويقدّم عليهما الزوجةَ والولد
واحذر أشدَّ الحذر:
أن تظنَّ أن النفقةَ الماليةَ وحدَها تكفي فترسلَ لهما الأموالَ ظانًّا أنك أدَّيتَ الواجب
وهما أحوجُ إلى حضورِك وحنانِك من مالِك
أو أن تجعلَ رضا الزوجةِ أهمَّ من رضاهما
وتجعلَ مطالبَ الأطفالِ أولى من حقوقِ من كانوا سبب وجودك
أو أن تتعلَّل بانشغالِ العملِ والدراسةِ والحياة
فتنسى أن برَّ الوالدينِ فريضةٌ لا تسقطُ بالانشغال
وأن رضاهما أولى من كلِّ مشروعٍ ونجاحٍ دنيوي
أو أن تُبرِّر عقوقَك بأخطاءِ والديك في التربية
فتجعلَ خطأهما المفترض ذريعةً لذنبِك العظيم
واعلمْ أن الجزاء من جنس العمل فالعاقُّ ينظر إلى والديه بعينٍ قاسيةٍ لا ترحم والعاقُّ قاسي القلب،
جاحدُ الفضل، يُغلق قلبه عن مَن ربَّياه فيُعرِضُ اللهُ عنه ولا ينظر إليه نظرةَ رحمةٍ يوم القيامة وقبل ذلك،
يُعاقِبه اللهُ في الدنيا قبل الآخرة قال – صلى الله عليه وسلم -:
ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّلَ اللهُ تعالى لصاحبه العقوبةَ في الدنيا،مع ما يدَّخرُ له في الآخرةِ، مثلُ البغيِ وقطيعةِ الرحمِ والوالدان أعظمُ حقًّا من سائر الأرحام
وإن كنتَ قد وقعتَ في شيءٍ من العقوق فبابُ التوبة ما زال مفتوحاً
أقلِعْ فوراً عن كل سلوكٍ عاقّ واندمْ من قلبك على ما فرَّطتَ فيه
واعزمْ عزماً أكيداً على عدم العودة واجعلْ برَّ والديك أولويةَ حياتك
ثم ابدأْ بأعمالٍ صالحةٍ تُصلِحُ ما أفسدت
اطلبْ منهما السماحَ صراحةً أكثِرِ الزيارةَ والسؤالَ والرعاية
ادعُ لهما في كل صلاة تصدّقْ عنهما إن كانا متوفيَّيْن
الخيارُ لازال بين يديك الآن والقرارُ اليوم قرارُك والحسابُ غداً بين يدي الجبار