إنّ سلامة الصدر ونقاء السّريرة وصفاء النّفس من الأمور الدّالة على الإيمان والطمأنينة واليقين، ومن دوافع العمل الصالح، ومن موجبات الأجر والثواب، وفتح أبواب الخير، وتمهيد الطريق إلى الجنة، ومن رَضِيَ الله عنه يرزقه هذه النعمة التي تكشف عن قلبٍ سليم يُحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه.
ولا شكّ أنّ خلوّ القلب من الحِقد والحَسد والكراهية والبغضاء، وقبول الآخرين كما هُم، من أهم أخلاق الإسلام، وهي صفة من صفات الأنبياء والصالحين التي تجعل الإنسان يعيش في سلام وطمأنينة، وتجعله محبوبًا بين الناس، وتساعده على النجاح في حياته، ومن صورها العفو عن الإساءة، والصفح عن الزلات.
مفهوم سلامة الصدر
ويمكن التعرف إلى مفهوم سلامة الصدر من خلال معرفة معنى السلامة أولا، وهي من سلم المسافر أي خلص ونجا من الآفات فهو سالم، ومعظم باب هذه المادة من الصِّحة والعافية، فالسّلامة أن يَسْلَم الإنسان من العاهة والأذى، قال أهل العلم: إن الله- جلَّ ثناؤه- هو السَّلام؛ لسلامته مما يَلْحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء والسَّلام والسَلَامة: البَرَاءة.
والصَّدر هو أعلى مُقَدَّمِ كُلِّ شيءٍ، وكلُّ ما واجَهَكَ صَدْرٌ، وصَدْرُ القَناةِ أعلاها، وصَدْرُ الأمر أوَّلُه كصَدْرُ النَّهارِ واللَّيْلِ وصَدْرُ الشِّتاءِ والصَّيفِ وما أشْبَه ذلك، وصَدْرُ الإِنسانِ الجزء الممتدُّ من أسفل العنق إلى فضاء الجوف وجمعُه: صُدورٌ، وسمِّي القلب صَدْرًا لحلوله به وفي القرآن الكريم: (قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ) [آل عمران: 29].
وفي الاصطلاح قال محمد الشوكاني: إن المراد به: “عدم الحقد والغل والبغضاء”، فسليم القلب والصَّدر هو من سَلِم وعُوِفي فؤاده من جميع أمراض القلوب وأَدْوَائها، ومن كلِّ آفة تبعده عن الله تبارك وتعالى.
وقال ابن القيم- رحمه الله- إن “سَلَامة القلب تكون من عدم إرادة الشرِّ بعد معرفته، فيَسْلَم قلبه من إرادته وقصده، لا من معرفته والعلم به، وهذا بخلاف الـبَلَه والغَفْلة، فإنَّها جهل وقلَّة معرفة، وهذا لا يُحْمد؛ إذ هو نقص، وإنَّما يَحْمد النَّاس من هو كذلك؛ لسَلَامتهم منه، والكمال أن يكون القلب عارفًا بتفاصيل الشَّرِّ، سليمًا من إرادته”.
سلامة الصدر في الإسلام
وحرص الإسلام حرصًا شديدًا على تأليف قلوب أبناء الأمة بحيث تشيع المحبة وترفرف رايات الألفة والمودة بينهم، وتزول العداوات والشحناء والبغضاء والغل والحسد والتقاطع، لذا منَّ الله على النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- بانشراح الصدر، وسلامة القلب، وطهارة النفس؛ فقال سبحانه: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح: 1-4]، وقال- جل وعلا-: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال:62، 63].
وامتن الله على المؤمنين بهذه النعمة العظيمة فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران:103].
وحتى تشيع الألفة والمودة لا بد من سلامة الصدور، وطهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد، خصوصًا أن الله تعالى قد علَّق النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88، 89].
وأخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة فقال: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ) [لأعراف:43]. (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].
وامتدح الله- سبحانه وتعالى- المؤمنين فقال: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:9، 10].
ونهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عما يُوغر الصدور ويبعث على الفرقة والشحناء، فقال- صلى الله عليه وسلم-: “لاَ تقاطعوا ولاَ تدابروا ولاَ تباغضوا ولاَ تحاسدوا وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا ولاَ يحلُّ لمسلمٍ أن يَهجرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ” (مسلم) .
وقال- صلى الله عليه وسلم” حاثًّا على المحبة والألفة: “والَّذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا…” (مسلم)، وعندما سُئل النبي- صلى الله عليه وسلم- أي الناس أفضل؟ قال: “أفضلُ النَّاسِ كلُّ مخمومِ القلبِ، صدوق اللِّسانِ، قالوا: صدوقُ اللِّسانِ نعرِفُه فما مخمومُ القلبِ؟ قال: التَّقيُّ النَّقيُّ، لا إثمَ فيه، ولا بغْيَ،، ولا غِلَّ، ولا حسَدَ” (رواه ابن ماجه).
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “تُعْرَضُ الأعْمالُ في كُلِّ يَومِ خَمِيسٍ واثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في ذلكَ اليَومِ، لِكُلِّ امْرِئٍ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا، إلَّا امْرَءًا كانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ، فيُقالُ: ارْكُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا، ارْكُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا” (مسلم).
وسلامة الصدر من أسباب دخول الجنة، فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنا جلوسًا مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- فقال: “كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ . قَالَ نَعَمْ قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا . فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: ( يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ ؛ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ” (رواه أحمد).
وأخرج الترمذي في جامعه من حديث أنس- رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: “يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ”. وأخرج الشيخان من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: … وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: “اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا”.. إلى غير ذلك من أدعيته.
أسباب معينة على سلامة القلب
ويمكن للمسلم أن يتحلى بخلق سلامة الصدر مع الناس جميعا من الخلال بعض الطرق التربوية، منها:
- الدعاء: فهو من أعظم الأساب لتحقيق سلامة القلب، وكان من دعاء النبي- صلى الله عليه وسلم-: “وأسألك قلبًا سليمًا”، كما أثنى الله على المؤمنين لدعائهم: (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا).
- حُسن الظن: قال عمر: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
- التماس الأعذار: فلا بد من إقالة العثرات والتغاضي عن الزلات، والتماس الأعذار للغير. يقول ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه.
- ادفع بالتي أحسن: وليس هذا من العجز، بل من القوة والكياسة قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت:34].
- البعد عن الغيبة والنميمة: ولا بد من تجنب كثرة المزاح.
- الهدية والمواساة بالمال: فإنها من دواعي المحبة.
- الإيمان بالقدر: فإنّ العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه ولم يجد في قلبه حسدا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.
- إفشاء السلام: فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” (مسلم).
- ترك كثرة السؤال وتتبع أحوال الناس: امتثالاً لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” (الترمذي).
- تذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم: فقد كان يشكر ربه على النعم التي أنعم بها حتى على غيره من الخلق حين يصبح وحين يمسي.
- الإخلاص: فعن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم” (أحمد وابن ماجه).
- رضا العبد عن ربه وامتلاء قلبه به: قال ابن القيم- رحمه الله- في الرضا: إنه يفتح للعبد باب السلامة فيجعل قلبه نقيًّا من الغش والدغل والغل، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم، كذلك وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا، وكلما كان العبد أشد رضا كان قلبه أسلم.
- قراءة القرآن وتدبره: فهو دواء لكل داء، والمحرم من لم يتداو بكتاب الله، قال تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) [فصلت: 44].
- محبة الخير للمسلمين: لقوله- صلى الله عليه وسلم- “والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” (البخاري ومسلم).
- إصلاح القلب ومداومة علاجه: قال- صلى الله عليه وسلم-: “ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” (البخاري ومسلم).
- السعي في إصلاح ذات البين: قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال: 8].
- طاعة الله والاستجابة لأمره: قال- سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون) [الأنفال: 24].
- الإقبال على كتاب الله: فقد أنزله الله شفاءً لما في الصدور، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57].
- الرضا بما قسم الله وقدر: فإن العبد إذا أيقن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بحاله، ولم يجد في قلبه حسدًا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه؛ روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “انظروا إلى مَن أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فهو أجدرُ ألا تزدروا نعمة الله عليكم”.
- تذكر الحساب والعقاب: الذي ينال من يؤذي المسلمين من جراء خبث نفسه وسوء طويته من الحقد والحسد والغيبة والنميمة والاستهزاء وغيرها.
- الصدقة: فهي تطهر القلب، وتزكي النفس، ولذلك قال الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: 103].
تذكر أن من تنفث عليه سمومك وتناله بسهامك هو أخ مسلم ليس يهوديًا ولا نصرانيًا، بل يجمعك به رابطة الإسلام، فلم توجه الأذى نحوه.
نماذج تربوية
وحفلت كتب التاريخ والسير نماذج تربوية ومواقف عن سلامة الصدر وحب الخير للغير، فعن عائشة- رضي الله عنها-، أنها قالت للنبي- صلى الله عليه وسلم-: “هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ قالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا”.
وعن عائِذِ بنِ عَمرٍو: “أنَّ أبا سُفيانَ أتى على سَلمانَ وصُهَيبٍ وبِلالٍ في نَفَرٍ، فقالوا: واللهِ ما أخَذَت سُيوفُ اللهِ مِن عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأخَذَها! قال: فقال أبو بكرٍ: أتقولون هذا لشَيخِ قُرَيشٍ وسَيِّدِهم؟ فأتى النَّبيَّ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فأخبره، فقال: يا أبا بكرٍ، لعلَّك أغضَبْتَهم! لئنْ كُنتَ أغضَبْتَهم لقد أغضَبْتَ رَبَّك! فأتاهم أبو بكرٍ فقال: يا إخوَتاه، أغضَبْتُكم؟ قالوا: لا، يغفِرُ اللهُ لك يا أخي” (مسلم).
وعن عمران بن طلحة بن عبيد الله، أنه دخل على علي- رضي الله عنه- بعد وقعة الجمل، وأبوه كان ممن في صف أهل الشام، فرحب به علي- رضي الله عنه- وأدناه، وقال إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله فيهم: {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47].
وأمر أن ترد ضيعة أبيه (مزرعة)، وقال: ما أخذناها هذه المدة إلا من أجل أن نحفظها؛ لئلا تنتهك، وأمر بأن يعطى ما يكافئ غلتها عبر تلك السنين.
وجاء رجل وشتم ابن عباس- رضي الله عنهما- فقال ابن عباس: “إني لآتي على الآية من كتاب الله تعالى فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم ، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به ولعلي لا أقاضي إليه أبدا ، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح به وما لي به من سائمة”.
ولما فتح المعتصم عمورية، وكان قد جلد الإمام أحمد وحبسه وآذاه، قال الإمام أحمد: هو في حل من ضربي، وقال: كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعًا، وقد جعلت أبا إسحاق في حل -يعني المعتصم- ورأيت الله يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} [النور:22]. وقد أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- أبا بكر- رضي الله عنه- بالعفو في قصة مسطح، ثم قال الإمام أحمد: “وما ينفعك أن يعذب الله أخاك في سبيلك؟”.
وقال شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ في إحدى رسائِلِه لبعضِ أصحابِه، وذلك بعدَ خُروجِه من السِّجنِ: “وقد أظهَر اللهُ من نورِ الحقِّ وبرهانِه ما ردَّ به إفكَ الكاذِبِ وبُهتانَه، فلا أحِبُّ أن ينتصِرَ من أحدٍ بسَبَبِ كَذِبِه عَلَيَّ، أو ظُلمِه وعدوانِه؛ فإنِّي قد أحلَلْتُ كُلَّ مسلمٍ، وأنا أحِبُّ الخيرَ لكُلِّ المُسلِمين، وأريدُ بكُلِّ مؤمنٍ من الخيرِ ما أحِبُّه لنفسي، والذين كذَبوا وظلَموا فهم في حِلٍّ من جِهتي، وأمَّا ما يتعَلَّقُ بحقوقِ اللهِ، فإن تابوا تاب اللهُ عليهم، وإلَّا فحُكمُ اللهِ نافِذٌ فيهم”.
إنّ سلامة الصدر نعمة من النعم التي توهب لأهل الجنة حينما يدخلونها، وهي راحة في الدنيا وغنيمة في الآخرة، والصدور السليمة، والقلوب السليمة، والنفوس الزكية هي التي امتلأت بالتقوى والإيمان؛ ففاضت بالخير والإحسان، وانطبع صاحبها بكل خلق جميل، وانطوت سريرته على الصفاء والنقاء وحب الخير للآخرين، فهو من نفسه في راحة، والناس منه في سلامة.
مصادر ومراجع:
- ابن فارس: مقاييس اللغة 3/90.
- ابن سيده: المحكم والمحيط الأعظم 8/282.
- المعجم الوسيط 1/590.
- الشوكاني: في السلوك الإسلامي القويم، ص 121.
- عبد الملك القاسم: سلامة الصدر.
- ابن سعد البغدادي: الطبقات الكبرى 3/169.
- الطبراني: المعجم الكبير 10/266.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء 11/258.
- ابن تيمية: مجموع الفتاوى 28/55.