ابني في الثاني الثانوي وكان قبل الـ 15 عامًا طفلًا فعالًا وذا همة ويحب مساعدتنا في البيت ويحب تقديم المساعدة للآخرين، وكان الكل يحبه لهذه الصفة لكن والده الوحيد بيننا الذى لم يكن متفائلًا وكنا نستغرب من ذلك، فكان أبوه يرى أنه يفعل ذلك ليس لأن طبيعته هكذا؛ وإنما ليجتذب حب الناس وإعجابهم، ولكن بعد تلك المرحلة انقلب إلى النقيض، إلى حالة من اللامبالاة والأنانية بطريقة غير عادية؛ فلا يعبأ لأي مشكلة تحدث في البيت ولا يميل إلى مساعدتنا مثل السابق، ويمكث في غرفته الساعات الطوال عاكفًا على التليفون المحمول، لا يهتم بترتيب غرفته أو تنظيفها كما كان في السابق، يهمل صلاته وحفظ القرآن، ولا يطور نفسه ثقافيًا!
لا أدري هل سوف تستمر تلك الحالة وتلازم شخصيته طوال العمر أم أنها عرض من أعراض المراهقة وسوف تمر وتعود الأمور إلى طبيعتها؟
بداية نود أن نذكر الأهل بمعنى كلمة المراهقة،
راهق: أي قارب، وتعني أن الطفل قارب على النضوج والوصول إلى سن الرشد، فإذا ما أدركنا أن هذه المرحلة يودع فيها أبناؤنا مرحلة الطفولة ويقتربون أكثر من مرحلة الرشد؛ كنا أكثر تسامحًا وصبرًا على تصويب أخطائهم، وأكثر إدراكًا لطبيعة الانعزال وعدم المبالاة أحيانًا، وأكثر تحديدًا لما يمكننا تمريره وما لا بد أن نقف عنده ونشخصه ونعالجه.
هذه الأعراض التي لدى ابنكم ذي الخمسة عشر عاما، يشترك فيها أكثر المراهقين، ويمكننا غض الطرف عن معظمها سوى ما يخص عبادته، فمن الذكاء أن نختار معاركنا مع أبنائنا- كما يقولون-، وحري بنا أن نولي أمر دين أبنائنا الأولوية الكبرى، ثم تأتي باقي الأمور تباعًا بإذن الله، وما نبذله في توجيههم دينيًا وأخلاقيًا يعود بالنفع عليهم في باقي نواحي الشخصية وذلك بحول الله وحده.
وقد وضع المتخصصون سماتًا للشخص الذي يعاني من اللامبالاة نذكر منها ما يلي:-
- يشعر بعدم الانتماء، ومن أعراضه الانسحاب من الجلوس معكم وعدم تنظيم حجرته، ومن مظاهره أيضًا كثرة إمساكه بتليفونه المحمول، حيث يتصل من خلاله بالعالم الذي يشعر بالانتماء له، يفهمه ولا ينتقده.
- عدم الرغبة في التخطيط، لذا لا يعمل على تطوير نفسه، وتعلم شيءٍ جديدٍ.
- التقاعس عن أداء الواجبات.
- ترك المسئولية لغيره.
- رؤية الخطأ وعدم محاولة منعه.
- الميل إلى الاتكالية على الغير في معظم تصرفاته.
وبالبحث عن الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة نجد أن التربية عليها عامل كبير، ولا نرى ما رآه والدكم من أن حب ابنكم لمساعدة الغير صغيرًا لم يكن خلقًا أصيلًا فيه! فلكل شخص لغة حب يستخدمها تختلف عن لغة حب الآخر، فيما يعرف بلغات الحب الخمسة.
عادة يتعامل الشخص بما يحب أن يعامل به، فلغة حب ابنكم الواضحة، هي تقديم الخدمات، لذا كان يفعل ذلك، ويحب أيضًا أن يفعل معه ذلك.
مع الأسف يقع الأهل أحيانًا في خطأ اللوم على تصرفات الأبناء الطبيعية، دون البحث عن معناها والأسباب التي تدفعهم لفعلها، فنتلقى نتيجة لهذا اللوم، ردود فعل من الأبناء مغايرة تمامًا لما كانوا عليه، فيبتعدون كل البعد عن صفاتهم الحميدة التي لم تلق إلا نقدًا وتشكيكًا.
لذا لا نستبعد أن نظرة الوالد لسلوك الطفل الصغير البرئ، ساهمت بشكل أو آخر في نفوره تمامًا من أي شكل من أشكال المساعدة، حتى وصل إلى اللامبالاة كما تشتكون، ويرى علماء النفس مجموعة من الأسباب التي تساهم في زيادة تلك الصفات، إذا ما اعتبرنا أن شكوتكم هذه سائدة لدى معظم المراهقين، إلا أن لطرق التنشئة المختلفة عوامل تساهم في تحجيم المشكلة أو تضخيمها، ومن هذه الأسباب:-
- التساهل في التربية والتوجيه وترك الطفل بلا إرشاد.
- فرض السيطرة وتقييد الحريات.
- عدم الاستماع للطفل صغيرًا، ونقصد هنا بالاستماع الفعال، الذي نترك فيه ما بأيدينا وننصت إليهم بجميع حواسنا.
- التقلب في الإجابة على الأمر الواحد بين الإيجاب تارة والقبول تارة أخرى، فلا يعرف لم الرفض، ولم الموافقة!
- وأخيرًا، المعاملة غير العادلة مع الأبناء وكثرة المقارنات، قد تودي إلى العزلة واللامبالاة.
وقبل أن نتطرق إلى العلاج، نشير إلى أمر هام، كيف يعمل عقل المراهق؟
يتكون المخ من عدة فصوص، كل له وظيفته، الجزء المسئول عن التفكير المنطقي واتخاذ القرارات وكل ما له علاقة بالحكمة يسمى (بالفص الأمامي)، هذا الجزء لا يكتمل نموه قبل سن الخامسة والعشرين، فيعتمد المراهق على الفص الخلفي المسئول عن المشاعر أكثر من اعتماده على الفص الأمامي، لذا نعتقد خطأ أن أبناءنا قد كبروا ببلوغهم سن المراهقة!
والحاصل أن مستوى تفكيرهم ومنطقتهم للأمور لم يصل إلى ما وصلنا إليه، فنخطئ حينما نخاطبهم بالمنطق، وهم يفهمون لغة المشاعر، فالفوضى وعدم اللامبالاة، وعدم حرص ابنكم على تطوير نفسه، وغيرها من تلك المظاهر التي تحدثتم عنها، نتخيل أننا حينما نتحاور معه بالمنطق أنه سيتحمس ويقوم بالتغيير من تلقاء نفسه، هيهات الأمر ليس بسهولة نقل سرعات الحركة في السيارة هكذا، أصبح مراهقًا فنتحدث إليه بالمنطق، وهو ما زال لم يغادر مرحلة الطفولة بالكلية بعد!
ينصح التربويون الأهل بالوقوف عند مستوى نظر الطفل حين توجيه الإرشادات له، ففي تقارب مستوى النظر منافع كثيرة تيسر فهم المراد، كذلك يجب أن نقترب من مستوى إدراك المراهق العقلي، ونتحدث معهم باللغة التي يفهمونها، فماذا يفهم عقل المراهق؟!
يفهم عقل المراهق لغة الحماس، والتحفيز، يحتاج أن نحدد له مهامًا معينة، وحينما يؤديها ونعمل على تحفيزه، ينشط لأدائها في المرات القادمة من تلقاء نفسه، لا تتعجب ولا تتعجل وتتهم المراهق بأنه ما زال طفلًا، فالتحفيز قطعًا سيختلف شكله عما كان وهو صغير، فإذا رتب حجرته مثلًا، وذلك بعد إرساء مجموعة من القواعد تنظم حدود مسئولياته، فيعرف أن ترتيب غرفته مسئوليته، حتى وإن وجد من يعاون الأم بالمنزل، فإذا أدى ما عليه، نحفزه بدون اتفاق مسبق لأنه ليس طفلًا، وذلك بعمل شيء محبب له، وذلك طبقًا للغة الحب التي يفضلها ابنكم، فنصنع له مشروبًا محببًا، أو أكلة يفضلها، ونثني عليه أمام إخوته بطريقة تتناسب مع سنه، تختلف تمامًا عن حديثنا عن إنجازات الصغار.
هكذا العلاج يبدأ، بفهمنا لكيفية عمل دماغ المراهق، وفهمنا للغات التي يفهمها:
- يفهم المراهق (لغة المشاعر) كما أسلفنا وبينا، فإذا أردنا أن نعينه على حفظ القرآن مثلا، نقول له (بحب صوتك في التلاوة)، (بكون سعيدة لما بتصلي بينا بالسور اللي بتحفظها)، فينطلق ويقبل على القرآن، أكثر مما لو تحدثتم معه عن فضل القرآن، وأثر حفظ القرآن على حياة الإنسان، سيستمع إلى ذلك بالتأكيد لاحقًا، لكن لا نجعل الكلام معه بالمنطق، هو مبتدأ الحديث.
- يفهم المراهق( لغة الاعتراف بالقوة)، فهي تمنحه الثقة، حينما ينجز مهمة يستخدم فيها قوته ونحفزه بالثناء على أدائه، ينطلق هرمون الدوبامين المسؤول عن السعادة، ويفرز بقوة، فيسعى المراهق لتحصيل اللذة هذه بعمل مزيد من الإنجازات المشابهة، فنخلق لديه وعيًا جديدًا بأن السعادة في العطاء.
- يفهم المراهق (لغة المسئولية) فنحدد له مهامًا معينة حسب طاقته وقدرته، ولا نتدخل في تفاصيل المسئولية، نتابع إنجازه، نحفزه ولا نحبطه.
- يفهم المراهق (لغة الاعتماد) فنكرر عليه أنه رجل ونستطيع الاعتماد عليه، ونسمي له بعض المهام التي يجيدها، حتى يحفزه ذلك على الاستمرارية وعمل المزيد، فأبناؤنا يرون أنفسهم من خلال كلماتنا وعباراتنا معهم وعنهم.
- يفهم المراهق (لغة المشاركة)، فهذا المراهق المنزوي في حجرته، إذا لم يجد من يشاركه اهتماماته، سينزوي أكثر وأكثر، فإذا كان محبًا للكرة مثلًا، وجب على الأب أن يتابع اهتمامات أبنائه، ليس لأنها الأهم والأكثر فائدة، بل لأنها بوابة للمكث معهم والحديث لفترات طويلة وخروج المراهق من شرنقته.
وبجانب ما سبق:
- لا ننس دور (القدوة) في بث روح التعاون والمثابرة وإنجاز المهام، والتواصل الجيد، فرب فعل من الأب والأم يغني عن ألف كلمة، فحدد ما الذي تريده من ابنك، وافعله أمامه، و(كرره كثيرًا)، حتى يعتاد المشهد المراد ترسيخه، فيحدث التغير المنشود بإذن الله.
- كما أن كلمة السحر في التربية (القبول)، فحينما نقبل أبناءنا بحلوهم ومرهم قبولًا حقيقيًا، يترجم بلغة الشفاة والعيون، نضمن بإذن الله مع الدعاء الدائم لهم، عودتهم إلى جميل الصفات التي لطالما ربيناهم عليها، مهما ابتعدوا عن الطريق.
- ولا ننسى بأن نذكر أن كرامة المراهق عالية جدًا، هو يرى نفسه كبيرًا، فكلمات النقد والتحقير والإحباط وشتى أشكال الإساءات، نتجنبها تمامًا حتى لا تتسبب في حدوث هوة بيننا وبينهم، نحتاج إلى بذل الكثير لمحوها، والله وحده المستعان وعليه التكلان.
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَّاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
أقر الله عيونكم بصلاح أبنائكم، اللهم رب لنا أبناءنا وأعنا على تربيتهم.