لقد أنزل الله تعالى كتابه العظيم على نبيه الكريم، يتضمن توجهات تربوية عن حفظ الأعراض في ظل مجتمع كان يموج بالعديد من الأمراض، فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- هدى ورحمة للعالمين، وأكرمه الله بالحكمة، وآتاه البصيرة، فكان سراجًا منيرًا للإنسانية، وهاديًا للبشرية؛ وأنعم عليه بأصحاب كرام، وزوجات عاليات في المقام، كانوا خير الأنام.
وقد حوت حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- على توجيهات ومواقف تربوية، منها وضوح الملامح البشرية في حياته، وكيفية تعامله مع زوجته في أحلك ظرف يمكن أن يمر به أي زوجين من خلال حادثة الإفك، فترك لنا نموذجًا تربويًّا رائعًا يبقي إلى يوم الدين، والذي كان سببًا في إيجاد التشريعات والعقوبات الرادعة للذين يعبثون بأعراض المسلمين، وإيجاد مسلك للوقاية من هذه الأمراض الاجتماعية، من خلال تشريعات وقائية بينت الطرق الكفيلة بحماية الفرد والمجتمع.
توجيهات تربوية في حفظ الأعراض
ومن التوجيهات التربوية في حفظ الأعراض على ضوء الهدي النبوي الشريف:
- كشف المنافقين وبيان خطرهم؛ لأنهم يسعون جاهدين في كل وقت لإثارة الفتن وإشعال نارها وإذكاء جذوتها كل ذلك من أجل هزيمة المسلمين، وإنزال النكاية بهم والقضاء على هذا الدين، ويخبرنا عنهم الله تعالى في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}، إذن فهم ليسوا فردًا أو أفرادًا، إنما هم عصبة متجمعة ذات هدف واحد. ولم يكن عبد الله بن أبي سلول وحده هو الذي أطلق الإفك وإنما هو الذي تولى معظمه، وهو يمثل عصبة اليهود والمنافقين الذين عجزوا عن حرب الإسلام علانية، فتواروا خلف ستار الإسلام ليكيدوا للإسلام خفية، وكان حديث الإفك أحد مكائدهم القاتلة، ثم خدع فيها بعض المسلمون فخاض منهم من خاض.
- التثبت قبل نقل الأخبار وإصدار الأحكام؛ فهذه الحادثة تطلق إنذارا تحذيريا من الخوض في أعراض المسلمين بغير حجة وبرهان، أو إشاعة الأخبار غير الموثقة في المجتمع، فكان من التعليمات التي وجهها الله إلى أفراد المجتمع الإسلامي ألّا يقبلوا من كل أحد قوله دون رَويّة إذا كان يرمي غيره بما لا يرونه فيه ولا يشيعوه في المجتمع.
- الصبر والاستعانة بالله على البلاء؛ فقد ضرب لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أروع مثال في الثبات والصبر هو وزوجته الطاهرة العفيفة، وأسرتها الكريمة أبو بكر الصديق وزوجته أم رومان، والصحابي الجليل صفوان بن المعطل وهو الذي رمي بخيانته لبيت النبوة دونًا عن سائر الناس، جميعهم عانوا الكثير من الألم والحزن في هذه الحادثة حتى تفطرت قلوبهم إلا أنهم واجهوها بكل صبر وثبات وقوة وإيمان وثقة بالله عز وجل لا تهزها أو تزحزحها رياح المنافقين.
- معرفة الحكمة من الابتلاء؛ إذ قدّر الله في هذه الدنيا على المؤمنين نصيبا من الابتلاء، ويطلعنا الله تعالى على سبب ابتلائه لهم، وبأنه ليس بالضروري أن يكون شرًّا أو عقابًا لذنب اقترفوه، إنه يخبرنا عن حكمة بالغة أراداها من هذا الابتلاء العظيم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، هو خير لأنه يكشف عن الكائدين للإسلام في شخص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته، ويكشف للجماعة المسلمة عن ضرورة تحريم القذف وأخذ القاذفين بالحد الذي فرضه الله.
الدفاع عن عرض المسلم وقضايا القذف
وفي مجال حفظ الأعراض يبن الله لنا الله تعالى قانون المجتمع المسلم في مثل هذه المواقف الأليمة وما ينبغي عليه اتباعه من سلوك، إذ الدفاع عن عرض المسلم واجب في حال تعرض الى ما يسيء له أو قيل عنه، قال تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}.
كان أول من فعلها أسامة حيث سأله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ذلك فقال: “أهلُك ولا نعلم إلا خيرًا”، ثم كان قدوتنا فيما فعله النبي- صلى الله عليه وسلم- رغم حرج موقفه إلا أنه ما وقف متفرجًا أمام من نال من عرضه، فقام يذب عن أهله وعن المؤمنين وذكر قائلًا: “يا معشر المسلمين: من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما يدخل على أهلي إلا معي”.
وقد حركت هذه القضية جانبا مهما في الحياة البشرية، وكانت سببًا في وضع قواعد عظيمة في القانون الإسلامي وأحكامه في الحياة الاجتماعية، بحيث إذا عمل بها المسلمون سلم مجتمعهم من نشوء المنكرات والفواحش، ومن هذه القواعد والخطوات التي وردت في المنهج القرآني:
- الخطوة الأولى: خطوة الدليل الوجداني، قال تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (النور: 12).
- الخطوة الثانية: هي طلب الدليل الخارجي والبرهان الواقعي، قال تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (النور: 13).
- الخطوة الثالثة: تطبيق حد القذف، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 4) وهكذا طبقها الرسول- صلى الله عليه وسلم- فور نزول آيات البراءة.
الوعي بالحملات المغرضة
ومن أجل حفظ الأعراض لا بد من الوعي بالحملات المغرض، إذ تعمل تلك الحملات على الطعن في الإسلام بحرابهم ورمي القرآن الكريم وتحريفه والتعدي على شخصية الرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وزوجاته الطاهرات وصحابه الكرام، والطعن في العلماء أو الدعاة أو المتمسكين بالدين، بتلفيق التهم ضدهم ورميهم في أعراضهم وفي أنفسهم، وإحيائهم قضية الإفك وإطلاق سهامهم للنيل من زوجة الرسول- صلى الله عليه وسلم-، كل هذا بهدف القضاء على الدين الإسلامي.
والولاء والبراء ركن من أركان العقيدة، وشرط من شروط الإيمان، تغافل عنه كثير من الناس، وأهمله البعض، فاختلطت الأمور، وكثر المفرطون، إن معنى الولاء: هو حب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم؛ أما البراء: هو بغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين.
إن الإسلام قد وضع قواعد وتوجيهات الغرض منها حفظ الأعراض وحمايتها، لأنها إحدى الضرورات الخمس لحياة الإنسان، وهي: الدين، والعقل، والنفس، والمال، والعِرْض، وتكريمًا للمسلم جاءت شريعة الإسلام لتحفظ له هذه الضرورات، وتضع كل الضمانات لحمايتها من النقائص والعيوب.
والناظرُ في القرآن الكريم والسنَّة النبوية المطهَّرة يرى قدر الاهتمام الذي منحه الإسلام للعِرْض؛ فقد جاءت آيات قرآنية كثيرة وأحاديثُ نبوية شريفة تحض على حمايته وحفظه، ووضع الضمانات التي تحفظ للإنسان شرَفه، لذا جدير بنا أن نتمسّك بالإسلام قولاً وعملاً، وعبادة وخُلقًا، وعقيدةً وشريعة، سيما أن واقعَ المجتمعاتِ غيرِ الإسلامية تستباحُ فيه الأعراضُ، ويُنتهك فيه الشرف، وتَشيع فيه الفواحشُ والمنكَرات.
المصادر والمراجع:
- حماية الأعراض في الإسلام.
- مفهوم العرض والشرف.
- منهج الإسلام في المحافظة على الأعراض.
- التوجهات التربوية لحفظ الأعراض في الإسلام، للباحثة منال صالح عبد رب النبي السليماني.