أحدثت التكنولوجيا في عصرنا الحالي تغييرا ملموسا في الحياة من جميع نواحيها، وظهرت الألعاب الإلكترونية لتحتل مكانة بارزة بين الأطفال والشباب مستحوذة على عقولهم ومعظم أوقاتهم، دون انتباه لتأثيرها؛ فبالرغم من الإيجابيات التي تعود على الأطفال من اللعب إلا أن تأثيراته السلبية عديدة، لاسيما وأن معظم الألعاب الإلكترونية أُنتِجَت في دول الغرب، ومن ثمَّ فالتأثير مرتبط ببعض المخالفات العقدية.
وتمثل الألعاب الإلكترونية لبعض الآباء والأمهات وسيلة ينشغل فيها أبناؤهم ومن ثمَّ لا يسببون لهم الإزعاج. في حين أنه هناك بعض الأباء لا يستطيعون السيطرة على إدمان أبنائهم لهذه الأجهزة الإلكترونية التي تأخذ عقولهم وتُلهيهم بالساعات بل ربما تشغلهم عن دراستهم لتحولها إلى إدمان!
فضلا عن اللجوء إلى المتخصصين النفسيين لمعالجة الآثار السلبية الناتجة عن إدمان هذه الألعاب. وفي إطار ذلك تبقى جدلية النقاش دائرة حول كون الألعاب الإلكترونية سلاحا ذو حدين وكيفية التعامل معه.
الألعاب الإلكترونية.. تعريف وتصنيف
يعود تاريخ بداية الألعاب الإلكترونية إلى القرن التاسع عشر، عندما قامت شركة ماروفوكو Marufuku اليابانية، بتصنيع آلة تقوم بتوزيع ورق الكوتشينة لتُستعمل في صالات القمار، واستُخدمت الآلة في العالم الغربي، وقد تغير اسم الشركة عام 1951م إلى نينتيندو Nintendo.
ويخطئ الناس في التفريق بين الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو، فألعاب الفيديو جزء من الألعاب الإلكترونية وهي الأشهر بينها، ومن ثمَّ يعتبر الناس عادة الألعاب الإلكترونية هي نفسها ألعاب الفيديو، ولكن الألعاب الإلكترونية تشمل في العادة ألعابا مختلفة كالألعاب الصوتية ولعبة الكرة والدبابيس وغيرها.
وفي هذا السياق تتعدد التعريفات للألعاب الإلكترونية من أهمها: هي “الألعاب المتوفرة على هيئة إلكترونية”. أو هي “جميع أنواع الألعاب المتوفرة على هيئات إلكترونية، وتشمل ألعاب الحاسب، وألعاب الإنترنت، وألعاب الفيديو Playstation وألعاب الهواتف النقالة، وألعاب الأجهزة الكفية (المحمولة palm devices)”. أو هي “الانشغال الدائم بالأجهزة الترفيهية الإلكترونية بشكل يؤثر على الحياة بمختلف المجالات الأكاديمية والاجتماعية والانفعالية”.
يمكن تصنيف الألعاب الإلكترونية من حيث الهدف منها وشريحة مستثمريها لثلاثة أنواع رئيسة، هي:
- ألعاب المتعة والإثارة: وتهدف إلى التسلية وشغل الفراغ، وتتميز بكونها مثيرة وجاذبة وتشد الانتباه لاستخدامها الصور والأصوات القريبة من الواقع، ومنها: ألعاب سباق السيارات والدراجات النارية وألعاب القتال ومحاكاة المعارك والحروب وغزو الفضاء.
- ألعاب الذكاء: تعتمد هذه الألعاب على المحاكمات المنطقية في اتخاذ القرار وتتطلب إعمال الفكر. ويعد الشطرنج من أشهرها؛ وتكمن قوة هذا النوع من الألعاب في إمكانية معالجة كم هائل من الاحتمالات واختيار الحلول في وقت قصير.
- الألعاب التربوية والتعليمية: تسهم ألعاب المتعة والذكاء في التعلم، إلا أن الألعاب التربوية والتعليمية تهدف إلى التوازن بين اللعب والمتعة، وتنقل المعلومة بطريقة مسلية. وطيف هذه الألعاب عريض جدا يغطي جُلَّ المراحل الدراسية حتى الجامعات. فهناك الألعاب البسيطة التي تعلم الطفل القراءة والكتابة وهناك الألعاب التي تهتم بالتثقيف العام والمعلومات في مجالات عدة؛ كالرياضيات والعلوم والتاريخ وغيرها.
إدمان الألعاب الإلكترونية
كشفت بعض الدراسات أن 28% من الأطفال والمراهقين يقضون بين (4-6) ساعات يوميا في اللعب باستخدام الألعاب الإلكترونية[8].
وتتعدد أسباب إدمان الألعاب الإلكترونية، والتي منها:
- الضغوطات الاجتماعية التي تحد من حرية رأي الطفل أو الشاب.
- منع الطفل أو الشاب من التعبير عن رغباته.
- الديكتاتورية في الآراء من قِبل الوالدين والبيئة الاجتماعية المحيطة.
- صعوبة تواصل الطفل أو الشاب مع المحيطين.
- ضعف التنشئة على تنمية مهارات التواصل مع الآخرين.
وهناك بعض العلامات التي تدل على إدمان الطفل للألعاب الإلكترونية:
- إهمال الأنشطة الحياتيّة وقضاء وقت طويل مع الألعاب.
- كثرة طلب المال لممارسة الألعاب مدفوعة الأجر.
- عدم وعي الطفل بإضاعة كثير من الوقت في ممارسة تلك الألعاب وإنكاره ذلك.
- الإحباط الشديد عند الخسارة.
- تمسُّك الطفل باللعبة وعدم إمكانية إقناعه بالتوقف عن اللعب.
تأثيرات الألعاب الإلكترونية
تتمثل الآثار الإيجابية للألعاب الإلكترونية في أنها:
- تعزز القدرة على تتبع مجموعة من الأجسام المتحركة في ظل وجود كائنات متحركة أخرى مماثلة في المجال البصري، كما أن بعضها يعزز الإبداع.
- تساعد الأطفال المرضى على تقليل تركيزهم على الألم، وانشغالهم باللعب مما يخفف عنهم.
- تؤدي بعض الألعاب إلى زيادة حجم مناطق معينة في الدماغ، ومنها مناطق مسؤولة عن التخطيط الاستراتيجي، والمهارات الحركية الدقيقة، والتوجيه المكاني.
- تزيد بعض الألعاب من سعة الذاكرة.
- تساعد الأطفال الذين يعانون من ضعف في القراءة على تحسين قراءتهم.
- تعد وسيلة ترفيه ممتعة ومسلية، تلبي الحاجات العاطفية والعقلية بطريقة لا يمكن أن تقوم بها أية وسيلة تقليدية أخرى.
- تعد وسيلة للتواصل والمشاركة والتفاعل الاجتماعي مع الأصدقاء والإخوة والأبناء عندما يتم اللعب في إطار جماعي.
- تنمي الذكاء عند الطفل، وتجعله يستجيب لما حوله، ويصبح تفكيره أكثر توسعًا.
- تنمي القدرة على الملاحظة الشديدة والدقيقة والاستقلالية والاعتماد على النفس.
- تنمي القدرات المعرفية والإدراكية والتخطيط والتعامل مع المواقف المتغيرة.
- تساعد على تنمية مهارات الفهم والتركيب، حل المشكلات والمرونة والتخيل، واتخاذ القرارات.
- تزيد مستوى التركيز والتدقيق والفهم، وبعض الألعاب تزيد مهارات التواصل الاجتماعي.
- تشيع البهجة والفرحة لدى الأطفال عقب تخطي مرحلة في اللعبة أو الحصول على جائزة ما.
- تزيد من التركيز العالي والحساسية للمعلومات البصريَّة، والمقدرة التحليلية.
وعلى الرغم من هذه الآثار الإيجابية إلا أن الآثار السلبية للألعاب الإلكترونية لا يمكن الاستهانة بها ولا بأعراضها، إذ يمكن أن تفاقم من الضرر النفسي لمن يمارسها، وذكرت بعض الدراسات أضرارا صحية ناجمة عن الألعاب الإلكترونية، منها ما يلي:
- ضعف البصر من جراء التركيز الدائم على الشاشة.
- الإصابة بتقوس الظهر والعمود الفقري.
- اضطراب الأعصاب وتوترها الدائم.
- الإيذاء النفسي للطفل لوجود مناظر مرعبة ومخيفة أثناء اللعب.
- إصابة اللاعب بنفس الحالة النفسية للشخصية الممثلة عن طريق التقمص.
- قد تؤدي إلى الإصابة بالتوحّد والمشكلات النفسية للأطفال.
- تقلل مهارات التواصل الاجتماعي لدى الأطفال.
- تؤثر على صحة الأطفال النفسية والجسدية.
- زيادة السلوك العدواني لدى الأطفال.
- تحرض على العنصرية أو التطرف.
المخالفات الشرعية التي تحتويها الألعاب الإلكترونية
يمكن القول إنه لا تكاد تخلو لعبة من مخالفات شرعية بدأً بمخالفات العقيدة والأخلاق والإباحية وانتهاءً بالموسيقى والأغاني، ويمكن تقسيم المخالفات كالتالي:
المخالفات العقدية والفكرية، حيث يُعرض في بعض الألعاب ما يلي:
- تصوير آلهة (باطلة) وكأنه نازل من السماء ذو جسم كبير وقامة عالية ولحية طويلة ونحو ذلك، تعالى الله عما يقولون ويفعلون علواً كبيراً.
- الحث على قتل المسلمين، فتجد أن المستهدف بالقتل في اللعبة ويشار إليه بأنه عدو ويجب قتله يردد الكلمات العربية ويهتف (الله أكبر) ويتكلم عن الشهادة!
- إطلاق الرصاص والقذائف على المساجد وقتل من يحتمي بها.
- تمزيق الكتب الدينية التي يظهر على بعضها جلياً اسم القرآن الكريم، أو رمي الكتب والمخطوطات العلمية والمشي عليها، وكل ذلك بتصوير دقيق ومحاكاة واضحة.
- وجود الصلبان في كثير من اللعب على غلاف الشريط وداخل المنازل وفي الشوارع وعلى الصدور، بل جُعل جمع الصليب والبحث عنه في بعض الألعاب زيادة في قوة اللاعب وطول بقائه.
- محبة الكفار والتشبه بهم وتعظيمهم والتسمي بأسمائهم، كما أن بعض الألعاب تتيح للاعب أن يضع اسمه على الشخصية التي يلعب بها أثناء اللعبة، مع التقليد في لبس السلاسل وقصات الشعر…إلخ.
- وجود الأصنام كصنم بوذا مثلاً، في عدد من الأشرطة سواءً خلفية للعبة أو منظر في الطريق أو تحفة في المنزل.
- تصوير العرب ورجال المقاومة بأنهم إرهابيون وضعاف ومتخلفون.
المخالفات الأخلاقية، وتتمثل في:
- وجود العري في أكثر مراحل اللعب.
- انتشار البارات والمراقص على جنبات الطريق منها ما هو مغلق ومنها ما هو مفتوح بل ويستطيع اللاعب أن يمارس معهن الفاحشة.
- الدعوة لتعاطي المخدرات واكتساب اللاعب القوة حين يتعاطى منها.
- إتاحة الفرصة للاعب التحكم بشكل الشخصية التي يريد أن يلعب بها رجلاً كان أو امرأة وتغيير كافة أجزاء الجسم والملابس الخارجية وحتى الملابس الداخلية للمرأة!
- ظهور صور حقيقة لنساء شبه عاريات يقمن بالرقص بين المراحل كمكافئة للاعب على إتمامه للمرحلة أو المهمة.
- لعب القمار، وإلزام اللاعب بذلك في بعض الألعاب لتخطي المراحل.
- السباب والشتائم السيئة بين الشخصيات في اللعبة أثناء اللعب سواء بالكلمات المعروفة باللغة الانجليزية أو بالكلمات العربية.
- ظهور بعض الحركات الجنسية السيئة السوقية باليد والجسم في ثنايا اللعبة.
المخالفات السلوكية، ومنها:
تتضمن هذه الألعاب عدداً من الآثار السلوكية السيئة التي أكدتها عدة دراسات متخصصة قام بها عدد من المختصين، ويتمثل ذلك فيما يلي:
- تنامي روح العنف والعداء وحب الانتقام والمشاجرات لدى اللاعب في حياته اليومية، ويظهر ذلك في ألعاب القتل بتقطيع الأجساد.
- التهور في قيادة السيارات والحث على التمرد على الأنظمة وقطع الإشارات وكل ذلك يعتبر في اللعبة من قوة اللاعب واحترافه.
- الدعوة إلى السرقة، سواءً سرقة النقود أو السيارات وغيرها.
- دعوة إلى جميع الظواهر السيئة كالكتابة على الجدران والتحرش بالنساء وتدمير المحلات والزجاج والضرب بلا سبب.
- تنامي روح العزلة لدى الطفل وحب الانطواء لجلوسه ساعات طويلة أمام الشاشة.
مواجهة مخاطر الألعاب الإلكترونية
للأسرة والمدرسة بل والمجتمع دور كبير فيما يتيحونه من وسائل ترفيهية بأيدي أبنائنا، ويقع على عاتقهم مسؤولية التوجيه التربوي لهذه الوسائل، وتشكل الأسرة خط الدفاع الأول في حماية الأبناء، خطر الألعاب الإلكترونية، ومن أدوارها في ذلك:
- زرع القيم والمبادئ والأخلاق والدين في نفوس الأبناء بالتربية الواعية.
- على الوالدين الموازنة بين أوقات الجد واللعب.
- فحص الألعاب الإلكترونية قبل إعطائها للأبناء.
- مشاركة الأبناء اللعب لتقليل العنف.
- توجيه الأبناء نحو الألعاب المفيدة والمُنمِّيَة للذكاء.
- تحديد ساعات اللعب بحيث لا تزيد عن ساعة أو ساعتين متقطعتين غير متواصلتين.
- احتياج الأبناء إلى الحنان الحقيقي ومشاعر الأمومة والأبوة والجلسات العائلية الدافئة.
- تهيئة مكان في المنزل للأطفال للعب والمرح حتى يرتبط الأطفال بها بدلا من اللعب.
وللمدرسة كذلك دور هام يتمثل في:
- توعية الطلاب بأضرار استخدام الألعاب الإلكترونية ذات المحتوى السلبي.
- مصادرة الألعاب التي يتم ضبطها مع الطلبة أثناء الدوام المدرسي.
- الإكثار من الأنشطة المختلفة التي تستوعب طاقات الطلاب.
- تحويل المدارس إلى مراكز أنشطة ثقافية في العطلات الصيفية.
- ويأتي دور الأجهزة الرقابة في مواجهة خطر الألعاب الإلكترونية في مسؤوليات منها:
- التحري المستمر عن أداء مراكز الألعاب ومراقبة ما تقدمه من ألعاب.
- سن قوانين تمنع دخول الأطفال دون 16 عاما إلى مراكز الألعاب.
إن هذه الألعاب من إنتاج دول الغرب ربما لا تستهدف أبناء المسلمين بعينها، ولكن على المجتمع المسلم أن يأخذ بالأسباب ومحاولة تصميم ألعاب إسلامية، ووضع ضوابط لاستيراد الألعاب الإلكترونية.
المصادر والمراجع
- الألعاب الإلكترونية .. جدلية التأثير وحتمية المواجهة، د. محمد الطناحي.
- تصور مقترح لاستحداث نظام إسلامي لتصنيف برمجيات الألعاب الإلكترونية في ضوء مقاصد الشريعة المتعلقة بحفظ الضروريات الخمس، د. عبدالله بن عبدالعزيز الهدلق، جامعة الملك سعود، السعودية.
- الألعاب الإلكترونية وآثارها على الأطفال، رأفت صلاح الدين.
- تأثير الألعاب الإلكترونية على الأبناء من وجهة نظر الوالدين، د. عبير محمد الصبان وآخرون، مجلة بحوث التربية النوعية، جامعة المنصورة، عدد 62، أبريل 2021.
- 5 علامات خطرة لإدمان الأطفال الألعاب الإلكترونية، موقع العين الإخبارية، أمنية طلال، 8-7-2019
- أطفالنا وألعاب الجيمز.. المخاطر والسلبيات، طريق الإسلام، 18-02-2009.