عندي مشكلة تتعلق بالأمانة، والأمانة التي أريد أن أستشيرك فيها ليست أمانة الأموال، إنما أمانة الأعراض فابني الأكبر يريد الزواج ويبحث عن فتاة طيبة صالحة من أسرة كريمة وهذا بالطبع خير ما يبحث عنه الإنسان، لكن ابني هذا نفسه من الشباب التافهين الذين لا أستطيع تزكيتهم عند أحد ولا أرضى بمثله لابنتي إن تقدم إليها.
وكلما هممت أن أكلم أحدا في شأنه أخجل منه ومن تصرفاته، وأخاف منه على بنات الناس فأتراجع، غير أنني سرعان ما أخاف عليه هو من الفتن فأرجع في رأيي وأعاود التفكير في البحث له عن عروس صالحة. وأنا الآن في حيرة من أمري! هل أبحث له عن زوجة لا أضمن لها الاستقرار والسعادة معه، أم أتركه وشأنه حتى وإن اختار من تكون على شاكلته من البنات. أرجو أن تفيدني ماذا أفعل؟
الإجابة:
القلق الذي بداخلك لا يخصك وحدك، بل هو قلق عام عندما يتعلق الأمر بالتوفيق بين شخصين للزواج، يُؤثر فيه الخلافات المعتادة في الحياة الزوجية التي أساسها الاختلاف الطبيعي بين الزوجين ويؤثر فيه – أيضًا- موروثات اجتماعية تحض على السير في الجنائز وعدم السير في الزيجات! وفي حالتك يزداد الأمر بسبب اطلاعك على مثالب شخصية ابنك ونواقصها. ونتاج كل هذا عزوف عن السعي في أمر خير وعفة كالزواج في زمن انتشار الفتن وهذا لا يصح بحال.
ورغم رؤيتك السلبية لابنك فإننا نرى بوادر خير أولها هو سعي ابنك للزواج والارتباط بفتاة طيبة صالحة وغيره من الشباب يعزف عن الفكرة تمامًا تهربًا من المسؤولية وبعضهم يكتفي بعلاقات لا يرضاها الله.
وثاني بوادر الخير أنه يسمح لأهله بأن يرشحوا له ويساعدوه، وغيره من الشباب يختار هو – ولا عيب في ذلك- لكن العيب أحيانًا يكون في فرض اختيار غير مناسب على العائلة لا يضع معه أي اعتبار للعائلة، ولو كان الأمر كذلك من ابنك لما رضيت أيضًا بذلك.
ولتحذري من أن يكون دأبك هو النظر للابن بغير عين الرضا، أو التعامل معه بمثالية زائدة، فيؤثر هذا على حكمك لأهليته للزواج، لذلك استعيني بآراء أكثر المقربين منه ومنهم أبيه بالطبع لتتأكدي أنك لا تظلمينه.
ثم فرّقي بين ما ينقصه ويقيم بيت وما ينقصه ولا يقيم بيت، فما لا يقيم بيت مثلًا هو ميوعته وعدم الحرص على الحفاظ على أهل بيته، عدم تحمله المسئولية وعدم سعيه لكسب المال، عدم الوفاء بالتزاماته، أن يكون لا قدر الله مرتكبًا للمحرمات، بالتالي فعليك أن تكوني أكثر تحديدًا في تقييم شخصيته.
ثم عليك أن تدعميه في هذه النواقص التي ترينها، إما بصورة مباشرة كأن يلتحق بدورات تدريبية مؤهلة أو يسمع لنصيحة شاب حكيم سبقه في التجربة، أو النقاش معه بلطف واحترام وتنبيهه لاحتمالية حدوث مشكلات بسبب هذه الصفات فيه. والأهم هو أن يكون البيت وتعاملك مع زوجك وتعامل زوجك معك نموذجًا يحتذى أمامه. لأنه الأقرب لتطبيقه عندما يتعلق الأمر بتجربته الشخصية.
اطلبي من أبيه التقرب منه ومصاحبته ودوام نصحه، ونتمنى عليك ألا تكون بعض الكلمات الواردة في الرسالة تقال للابن في وجهه مباشرة، فلا يقال له مثلًا (أنت تافه ولا نقبل بمثلك لابنتنا) لأن هكذا نصدر له صورته عن نفسه وهكذا ندعم تصرفه بعدم مسئولية عند زواجه، بل علينا أن نخبره بدلًا من ذلك بفخرنا به وببلوغه هذا السن ونعبر عن فرحتنا بقرب استقلاله، ونكون داعمين له في كل خطوة، نعرفه العادات فيها ونحذره من الوقوع مما قد وقع فيه غيره. وهكذا هو تحقيق قول الله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}.
وإن لم يكن الأهل هم الداعمون والناصحون لأبنائهم فلمن يتركونهم إذًا؟ وهل سيرضينا بعد نتاج تركهم؟ إذا كان رسول الله قد قال في الحديث: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) فما بالنا بحاجة الابن للزواج والعفاف؟ فمن باب أولى: (خيركم خيركم لأهله).
وعلى كلٍّ نحن مطالبون بالأخذ بالأسباب وليس علينا ضمان النتائج، ولن يمنع حرصنا في الاختيار من وقوع مشكلات، ومهما كانت ملائمة الطرفين لبعضهما فلابد من حدوث خلافات زوجية، تكون مفيدة لفهم بعضهما والتوصل لأنسب طريقة للتعامل ونضج علاقتهما، ومهما بلغ نضج طرفي العلاقة الزوجية الحديثة فإنه لا يكتب لها النضج كعلاقة ثنائية إلا بمرور الوقت وزيادة وعي طرفيها ومرورهما بالكثير من الاختبارات. وكثير من الشباب يصلحه الزواج ويغير طريقته في النظر للأمور.
ومن الأخذ بالأسباب أن نبحث عن التكافؤ قدر المستطاع، وليس التماثل أو التطابق، فإن نجاح البيوت في أن يكمل كل طرف الآخر، لكن دونما تكون الفجوة واسعة في الاهتمامات ومستوى الالتزام. فيجب مما لا شك فيه أن نبحث عن فتاة صالحة لأننا مأمورون بذلك بموجب حديث رسول الله: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) وأيضًا التدقيق في البيت الذي نختار منه هو من الأخذ بالأسباب، ولهم هم أن يسألوا عن الابن ويدققوا ثم يقرروا، وخوضه لهذه التجربة في حد ذاته مفيد لفهمه طبيعة الوضع حتى وإن قوبل بالرفض.