السؤال
منذ ٩ سنوات توفي والدي، ثم بعده بأيام توفيت أختي للأسف، بطبيعتي عصبي إلى حدٍّ ما، وفي حالة عصبيتي قد أخطئ كثيراً في القول والفعل، لكنني أشهد الله أنني لا أُبغض من أمامي، لكن لا أعرف لماذا في لحظة الغضب أكون هكذا؟
المهم أني في فترة من فترات حياتي تعرفت على سيدة متزوجة، مع العلم أنني غير متزوج، وبدأ بيننا تعارف إلى أن وصلتُ إلى زيارتها في بيتها في عدم وجود زوجها أثناء عمله، وحدث بيننا تجاوز كبير للأسف إلى أنني كنت أتعری أمامها.
للأسف، حدث كل شيء بيننا إلا أنه لم تقم علاقة كاملة بيننا.
للأسف، بعد هذا الذنب البشع زادت عصبيتي رغم أنني أُحافظ على صلاتي، إلا أنني ارتكبت ذلك الجرم، وما زلت على تواصل معها تليفونياً.
وفي العام الماضي، وفي ليلة رمضان، حدثت مشادة كلامية بيني وبين أختي الصغرى، وانتهت بالتعدي عليها بالضرب الخفيف والشتم، وما كان منها إلا أن تركت البيت، وإلى الآن لا أحد يعلم عنها شيئاً.
ومنذ تلك اللحظة قامت الدنيا ولم تقعد، خاصمني إخوتي جميعهم، وعليه تركت البيت لعدم تحملي ذلك الخصام وتلك النظرة القاسية منهم.
الآن أعيش بمفردي تائهاً بلا سند، حتى أنني لا أستطيع أن أكمل عملي في مكان واحد لشهور معدودة ثم أترك العمل وأبحث عن غيره، ورزقني الله بعمل جميل ومريح وراتب جميل جداً، إلا أنني أغضب في العمل وتركته.
بالله عليكم، من يعرف ماذا علي أن أفعل؟
أحاول دائماً أن أعود إلى ربي وأستغفره وأحافظ على صلاتي، لكنني أشعر أن ذنب أختي يلاحقني مدى عمري، وأخاف منه حين ألقى ربي. وكذلك ربما بسبب زوج تلك المرأة، وربما هو سحر أو حسد في البيت فرق شملنا، فالبيت أصبح مهجوراً للأسف.
هل هو شؤم المعصية أم أنه حسد أو سحر؟ بالله أفيدوني، فوالله، رغم معصيتي، أخاف الله.
الرد
السائل الكريم،
نتلمس في رسالتك صدق ندمك وخوفك من الله. وفي هذا المقام نذكرك بحديث قاتل المائة نفس:
“كانَ في بَنِي إسْرائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ إنْسانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فأتَى راهِبًا فَسَأَلَهُ فقالَ له: هلْ مِن تَوْبَةٍ؟ قالَ: لا، فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ، فقالَ له رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذا وكَذا، فأدْرَكَهُ المَوْتُ، فَناءَ بصَدْرِهِ نَحْوَها، فاخْتَصَمَتْ فيه مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذابِ، فأوْحَى اللَّهُ إلى هذِه أنْ تَقَرَّبِي، وأَوْحَى اللَّهُ إلى هذِه أنْ تَباعَدِي، وقالَ: قِيسُوا ما بيْنَهُما، فَوُجِدَ إلى هذِه أقْرَبَ بشِبْرٍ، فَغُفِرَ له..” (رواه البخاري).
فلن نيئسك من رحمة الله، فهو وحده قابل التوبة، يحب التوابين ويحب المتطهرين. قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31). وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} (هود:90). كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (التحريم:8)
والآية الأخيرة هنا هي مربط الفرس؛ أن تكون توبتك نصوحة.
والتوبة النصوحة لها ثلاثة شروط إذا كانت المعصية في حق الله، وأربعة إذا كانت في حق من حقوق العباد:
1. أن يقلع عن المعصية.
2. أن يندم على فعلها.
3. أن يعزم ألا يعود إليها أبداً. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح التوبة.
4. رد المظالم (وهذا حينما تكون المظلمة في حق العباد).
وعليه، عليك التوبة النصوح من ارتكاب الحرام مع من أدارت شرفها وخانت أمانة الزوج ومارست الحرام معك. فأشد أنواع العقوبات (زنى المحصنات).
احمد الله أنه لم يرفع عنك ستره حتى الآن. فلك أن تتخيل حالك لو أن الزوج أو الأهل علموا بما وقعت فيه. فلعل الله أمهلك لتتوب. وأولى الخطوات ألا تتواصل بأي شكل من الأشكال مع هذه المرأة اللعوب، ولتقطع كل سبيل للتواصل.
اترك أرض المعصية كما فعل قاتل المائة نفس.
اذهب إلى الحلال بأقل الإمكانيات، فهو خير لك ألف مرة من أن يسول لك الشيطان فعل الحرام، أو صم كما أمر الشرع. فعن عبدالله بن مسعود قال: قال لنا رسول الله ﷺ: “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء.” (متفق عليه).
من أراد الحلال يسر الله له الطريق وأكرمه بمن تناسبه، ومن ابتغى الحرام طريقًا، فالتعاسة لن تفارقه.
وإذا ما أنعم الله عليك بالتوبة، فكن على يقين بأنه سبحانه هو العفو. فاصرف المعصية هذه وراء ظهرك، وانتبه لما جد في حياتك من هروب أختك، وافعل كل ما بوسعك لردها، فهو خير لك ألف مرة من أن تسأل هل هذا بسبب سحر أو حسد.
أخي الكريم، الحسد والسحر مذكوران في القرآن، ولكن ألم تكن هناك مقدمات من صراخك وضربك لأختك أدت إلى هذا الوضع؟
تب إلى الله من غضبك وانفعالك، واستغفر الله على هذا الحال؛ فالغضب من الشيطان.
كيف وقد ذقت مرارة نتيجته في هروب أختك من البيت – غفر الله لك؟
ابتهل إلى الله بالدعاء، وقم بين يديه حتى ينفرج الكرب.
لا تتوانَ في إرسال الرسائل لها من خلال كل فرد تظن أنها عنده.
تحدث على جميع المنصات الممكنة، وضع مواصفاتها، لعل بعضهم يساعدك في الوصول إليها.
ضع يدك في يد إخوتك حتى تنزاح تلك الغمة، فإن رأوا منك تغيرًا صادقًا، عفوا عنك، وشعروا بما أنت فيه من ندم، وعاونوك بدلًا من إلقاء التهم عليك.
نعم، الشدة وعدم الإحساس بالأمان تجعل البعض يفضل الهرب للمجهول عن توقع الضربات من أقرب الناس!
الكرب، يا أخي، عظيم. ادع الله أن يحفظها ويردها لكم، وعاهد الله على عدم الغضب مرة أخرى بهذه الصورة.
الحمد لله أنك محافظ على الصلاة، فاستمسك بها أكثر وأدِّها بحق حتى تجد أثرها من حلاوة في النفس ومن الهدوء والسكينة.
اسلك كل سبيل للتخلص من تلك العصبية المدمرة.
ففي هدي الحبيب المصطفى ﷺ ما يعينك على ذلك، فعن أبي هريرة أن رجلًا قال للنبي ﷺ: “أوصني”، قال: “لا تَغْضَبْ”، فردد مرارًا، قال: “لا تَغْضَبْ” (رواه البخاري).
كما قال ﷺ: “ليس الشديد بالصرعة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.” (رواه البخاري ومسلم).
يقول أحدهم: كنت أعاني من العصبية الشديدة، فكان يكفيني أن أتذكر هذين الحديثين، وبمجرد أن أدخل في حالة العصبية، أرتدع.
العلاج من أي مشكلة له عدة سبل:
1. العلاج المعرفي: بأن تعرف عن مشكلتك، وما الحلول لتجنبها، وما مخاطر عدم العلاج.
2. العلاج السلوكي: كأن تتبع بعض النصائح. لدينا في الهدي النبوي ما يعين على التصرف حيال الغضب، فالوضوء، وتغيير الهيئة التي أنت عليها، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، هي من أفضل السبل.
3. العلاج النفسي: باستشارة طبيب أو أخصائي نفسي، فيعينك على فهم شخصيتك أكثر، ويزيل الرواسب العالقة من الطفولة التي تجعلك تتصرف بخشونة وعدم ضبط للنفس.
كما يتحدث المتخصصون عن تدريبات أو تمارين للاسترخاء، ابحث واقرأ عنها، فهي مفيدة أيضًا للتخلص من العصبية.
نشير إليها بإيجاز، وهي تنقسم إلى قسمين:
1. تمارين التنفس: تتنفس فيها بشكل عميق، وتحبس النفس لبضع ثوانٍ، ثم تخرجه بهدوء في وقت أطول من الوقت الذي حبست فيه النفس. كرر هذا التمرين كلما استطعت.
2. تمارين القبض والبسط: لعضلات الجسم جميعها بالتدريج، كعضلات (الوجه، والرقبة، والكتفين، واليد، والقدم). ابحث عن شرح لها ومارسها، فهي تفيدك في التهدئة العامة، وبالتالي ضبط تصرفاتك مهما تعرضت لضغوط.
نرجو من الله أن تنتفع بما قدمنا، وأن تبشرنا بعودة أختك، فلذة كبدك، وأن تري الله من نفسك صدقًا وخيرًا، فيؤتك خيرًا، فسبحانه هو ولي ذلك والقادر عليه.