بقلم: الدكتور طلعت فهمي
لمّا كان المربي هو حجر الزاوية في العملية التربوية وله دوره الملموس في صناعة المناخ التربوي الصحيح وتطبيق المناهج بما يُؤدي إلى الارتقاء بالمتربّين.
ولمّا كانت الحاجة دائمًا إلى تعامل إنساني راقٍ يسهل التعامل مع المتربين يستشعر فيه المتربّون روح الأخوة الصافية والإنسانية الرفيعة.
ولمّا كانت السيرة النبوية هي المعين الصافي والمرجع الأمين للمربين، فقد رأيت أنّ ألج بابها باحثًا عن الممارسات الإنسانية الرفيعة لرسول الإنسانية جمعاء سيدنا محمد – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- من خلال أربعة محاور:
- الأول: التعارف الشامل والوثيق.
- والثاني: التواصل الجيد الفعال.
- والثالث: الإحساس بمشاعر الآخرين.
- والرابع: إشباع الاحتياجات النفسية.
لتكون عونًا للمربين في تعارفهم الشامل الوثيق مع إخوانهم بأشخاصهم وقدراتهم وإمكاناتهم ومشاعرهم وأحاسيسهم ليثمر تفاهمًا وتكافلًا.
لتكون عونًا للمربين في تواصلهم الجيد الفعال بإخوانهم في أفراحهم وأتراحهم وسائر مناحي حياتهم.
لتكون عونًا للمربين في إحساسهم بمشاعر إخوانهم أحبائهم الذين اجتمعت قلوبهم على محبة ربهم والتقوا على طاعته وتعاهدوا على نصرة شريعته.
لتكون عونًا للمربين على إشباع الاحتياجات النفسية لإخوانهم؛ فهم قلب واحد وجسد واحد وروح واحدة.
المحور الثالث: الإحساس بمشاعر الآخرين
فالنبي – صلى الله عليه وسلم- من خلال اعتماده الإحساس بمشاعر الآخرين؛ يُمكن أن نتعرف على الممارسات التالية في إدارته – صلى الله عليه وسلم- فهو:
- يبادر بالسؤال عن الغائبين من أصحابه.
- يبادر بعيادة المرضى من أصحابه.
- يشارك في المناسبات الخاصة بأصحابه.
- يشارك المسلمين همومهم، وآمالهم.
- يعمل على حل مشاكل المسلمين.
- يحسن الإصغاء، والاستماع إلى مشاكل الآخرين.
كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- رقيق الحس والشعور، يعرف ما يسعد الناس، وما يحزنهم، ويجتهد في إدخال السرور عليهم، وتفقد أحوالهم، والسؤال عن غائبهم، وعيادة مريضهم، ومشاركتهم أفراحهم، وأحزانهم، ويساهم في حل مشكلاتهم، وتيسير أمور معاشهم.
وفي الأمثلة التالية وهي غيض من فيض بيان لما نقول:
1- اهتمام النبي – صلى الله عليه وسلم- بأحوال أصحابه: حين أسلم خباب بن الأرت؛ وكان عبدًا لامرأة قاسية؛ كانت تعذبه، وتسومه سوء العذاب[1]، كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يألفه، ويأتيه، وآخى بينه وبين جبر بن عتيك [2].
حين أسلم خالد بن سعيد بن العاص؛ ضربه أبوه، وحرمه القوت؛ فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يكرمه، ويكون معه، ويحنو عليه، ويدنيه [3].
كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إذا أسلم بعضُ من لا شيء له؛ ضم الرجل والرجلين إلى الرجل؛ ينفق عليه.. فهو يهتم بمعيشة الرجل الفقير، الذي لا أهل له؛ فهو يهتم بحاجاته الأساسية، والإنسانية.
ذلك الاهتمام العظيم الذى أولاه النبي – صلى الله عليه وسلم- للمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في المدينة؛ حيث أتى المهاجرون من مكة، وقد تركوا خلفهم ديارهم، وأموالهم، ولا بُد لهم من دُور تؤويهم، ولا بُد من تلبية احتياجاتهم الإنسانية؛ من السكن، والاستقرار؛ فآخى النبي – صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، وتوفر للمهاجرين دُور يسكنونها مع إخوانهم؛ تلبي حاجاتهم الأساسية.
2- حضور النبي – صلى الله عليه وسلم- عرس أحد أصحابه في بيته:
روى الإمام البخاري والإمام مسلم بسنديهما عن سهل قال: لما عرَّس أبو أسيد الساعدي دعا النبيَّ – صلى الله عليه وسلم- وأصحابَه فما صنع لهم طعامًا، ولا قربه إليهم؛ إلا امرأته؛ أم أسيد (العروس) [4] الحديث
فأنت ترى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يحضر وليمة عرس (فرح) لأحد أصحابه، في البيت، والزوجة تقوم على خدمة المدعوين؛ وقد تحرت آداب الإسلام.
روى الإمام البخاري بسنده؛ عن خالد بن ذكوان قال: قالت الرُّبَيِّعُ بنتُ مُعَوِّذٍ بنِ عَفْراءَ: دخل النبي – صلى الله عليه وسلم- غَداةَ بُنِيَ [5] عليَّ؛ فجلس على فِراشي؛ كمجلسك مِنِّي؛ وجُوَيْرِياتٌ يَضْرِبْنَ بالدُّفِّ … الحديث [6].
فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يذهب مهنئًا لعروس يوم عرسها في بيتها.
3- زيارة بيوت أصحابه – صلى الله عليه وسلم- وملاطفته لأولادهم:
روى البخاري ومسلم بسنديهما؛ عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- عنه قال: إن كان النبي – صلى الله عليه وسلم- لَيُخَالِطُنَا، وكان لي أخ يقال له أبو عُمَيْر؛ قال: احسبه فطيمًا، وكان إذا جاء قال: “يا أبا عُمَيْرٍ ما فعل النُّغَيْرُ؟” [7].
4- إجابة النبي – صلى الله عليه وسلم- دعوة من يدعوه من أصحابه: روى البخاري بسنده عن ابن مالك: أن جدته مليكة -رضي الله عنها- دعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعته له؛ فأكل منه؛ ثم قال: “قوموا! فلأصلي لكم”… فصلى لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ركعتين؛ ثم انصرف [8].
فأنت تراه – صلى الله عليه وسلم- يجيب الدعوة، ويذهب إلى بيت أحد أصحابه، ويأكل معهم، ويصلي بهم.
5- عيادة النبي – صلى الله عليه وسلم- للمرضى من الصحابة: روى الإمام البخاري بسنده عن عمر -رضي الله عنه- قال: اشتكى سعد بن عبادة -رضي الله عنه- شكوى له، فأتاه النبي – صلى الله عليه وسلم- يعوده، مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، الحديث [9].
فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يزور رجلاً مريضًا من أصحابه، ومعه اثنان من أصحابه.
روى الإمام مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- دخل على أم السائب – رضي الله عنها- فقال: “مالك يا أم السائب تزفزفين [10]! قالت: الحمى؛ لا بارك فيها؛ فقال: “لا تسبى الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم؛ كما يذهب الكير خبث الحديد” [11].
6- كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يهتم بالغائبين من أصحابه، ويبحث في كيفية تخليصهم من أيدي أعدائهم: فروى ابن هشام في سيرته: أن النبي – صلى الله عليه وسلم- وهو بالمدينة قال: “من لي بعيَّاش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص؟” وكانا محبوسين بمكة، فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة: أنا لك يا رسول الله بهما؛ فخرج إلى مكة فقدمها مستخفيًا؛ فلقي امرأة تحمل طعامًا؛ فقال لها: أين تريدين يا أمةَ الله؟ قالت: أريد هذين المحبوسين. تعنيهما؛ فتبعها حتى عرف موضعهما، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له، فلما أمسى تسور عليهما، ثم أخذ مروة [12] فوضعها تحت قيدهما، ثم ضربهما بسيفه؛ فقطعهما، فكان يقال لسيفه: ذو المروة لذلك؛ ثم حملهما على بعيره، وساق بهما؛ فعثر؛ فدميت إصْبَعُه فقال:
هل أنت إلا إصبع دميت؟ وفي سبيل الله ما لقيت[13]!
ثم قدم بهما على رسول الله – صلى الله عليه وسلم-.
فعلم النبي – صلى الله عليه وسلم- مخرجهم إليه وشأنهم، قبل أن يعلم الناس، فصلى الصبح؛ فركع في أول ركعة منهما، فلما رفع رأسه؛ دعا لهما قبل أن يسجد؛ فقال: اللهم! أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف [14].
فأنت ترى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يهتم بأمر اثنين من أصحابه، حبسهما المشركون بمكة، ولم يتمكنا من اللحاق بالمسلمين في المدينة؛ فهو يفكر فى أمرهما، وكيفية تخليصهما من حبسهما، حتى تطوع لهذه المهمة الوليد بن الوليد بن المغيرة؛ فذهب إلى مكة، وتمكن من إطلاق سراحهما، والإتيان بهما إلى المدينة المنورة.
7- كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يهتم ببيوت أصحابه ممن نالوا الشهادة ويتفقد احتياجات أولادهم بعد استشهاد آبائهم: روى ابن أبى شيبة، والإمام أحمد؛ عن أنس – رضي الله عنه- قال: أهدى أٌكَيْدر لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- جرة من مَنَّ فجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يعطى أصحابه: قطعةً قطعةً، وأعطى جابرًا قطعةً، ثم عاد فأعطاه قطعة أخرى، فقال: يا رسول الله! لقد أعطيتني؛ فقال: “هذا لبنات عبد الله” يعني: أخواته؛ لأن جابر بن عبد الله كان يقوم على رعاية أخواته، وتربيتهن، بعد استشهاد أبيه عبد الله يوم غزوة أحد؛ فلم ينس النبي – صلى الله عليه وسلم- بناتِ الرجل الذى نال الشهادة [15].
8- تألم النبي – صلى الله عليه وسلم- لألم أصحابه ورقته لهم: فهو القائل: “مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم؛ مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر، والحُمَّى” [16].
فحين وقف أبو بكر داعيًا إلى الله؛ ضربه المشركون ضربًا شديدًا؛ حتى حمله أهله في ثوب، وهم لا يَشُكُّون في موته، وحين تمكن أبو بكر في نهاية اليوم من الذهاب إلى المسلمين في دار الأرقم؛ حيث يجتمعون؛ أكبَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقبله، وأكبَّ عليه المسلمون، ورق له رسول الله – صلى الله عليه وسلم- رقةً شديدة.
9- مراعاة الآخرين: عند عودة النبي – صلى الله عليه وسلم- من غزوة أحد؛ وقد كسرت رباعيته، وشجت رأسه؛ وهو مجروح في وجهه، أراد بنو عبد الأشهل أن يتبعوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إلى بيته؛ مؤازرة، ومناصرة له، واطمئنانًا عليه، فنادى النبي – صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ وقال: “يا أبا عمرو! إن الجراح في أهل دارك فاشية، وليس منهم مجروح إلا ويأتي يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان؛ اللون لون الدم، والريح ريح المسك؛ فمن كان مجروحًا فليقر فى داره، وليداو جرحه، ولا يبلغ معي بيتي؛ عزيمة مني” فنادى فيهم سعد بن معاذ: عزيمة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ألا يتبع رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- جريحٌ من بني عبد الأشهل؛ فتخلف كل مجروح؛ فباتوا يوقدون النيران، ويداوون الجرحى [17].
فإذا برسول الله – صلى الله عليه وسلم- وهو مشجوج في جبهته؛ في أصول الشعر، وشفته السفلى، قد كُلِمَتْ من باطنها، وهو مُتَوَهِّنٌ، منكبه الأيمن وركبتاه مجحوشتان.
فأنت ترى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يرفق بأصحابه الجرحى، وينهاهم عن توصيله إلى بيته، ويعزم عليهم ألا يغادروا بيوتهم؛ مراعاة لأحوالهم.
10- كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يراعي أحوال الناس وظروفهم المادية والنفسية: فحين قدم النبي – صلى الله عليه وسلم- المدينة مهاجرًا نزل على كلثوم بن الهدم؛ وكان يخرج للناس من منزله؛ فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة [18]؛ لأنه كان عزبًا، لا أهل له هناك، وكان منزل العُزاب من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين.
فأنت تلحظ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يبيت في منزل، ويجلس للناس في الصباح في منزل آخر، لرجل من العُزاب لم يتزوج بعد؛ مراعيًا لظروف الناس، ورفعًا للحرج عن الرجل، المتزوج وامرأته.
11- كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عظيم الإحساس بمشاكل الآخرين، ويقوم في حلها، وبذل الخير لأهلها: وتلحظ في الموقفين التاليين كيف قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ليرفع الظلم عن رجلين؛ من بسطاء الناس ظلمهما رجل من كبار الناس؛ فكيف تصدى لهذه المهمة وحده:
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الملك بن أبي سفيان الثقفي وكان واعية، قال: قدم رجل من إراش [19] بإبل له؛ فابتاعها منه أبو جهل بن هشام؛ فمطله بأثمانها؛ فأقبل حتى وقف على نادي قريش، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم- جالس في ناحية المسجد، فقال: يا معشر قريش من رجل يعينني على أبي الحكم بن هشام؟ فإني غريب، وابن سبيل، وقد غلبني على حقي.
فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل، لرسول – صلى الله عليه وسلم- يهزؤون به؛ لما يعلمون ما بينه وبين رسول الله – صلى الله عليه وسلم- من العداوة – اذهب إليه فهو يعينك عليه.
فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فذكر له ذلك؛ فقام معه فلما قام معه قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ماذا يصنع! وخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حتى جاءه فضرب عليه بابه؛ فقال: من هذا؟ قال: “محمد؛ فاخرج إليَّ” فخرج إليه، وما في وجهه من رائحة؛ لقد انتقع لونه، فقال: “أعط هذا حقه” قال: نعم! لا تبرح حتى أعطيه الذي له؛ فدخل، ثم خرج إليه بحقه؛ فدفعه إليه.
فأقبل الإراشي؛ حتى وقف على ذلك المجلس؛ فقال: جزاه الله خيرًا؛ فقد – والله – أخذ لي بحقي. وجاء الرجل الذي بعثوا معه؛ فقالوا: ويحك ماذا رأيت؟ قال: رأيت عجبًا من العجب! والله! ما هو إلا أن ضرب عليه بابه؛ فخرج إليه؛ وما معه روحه؛ فقال: “أعط هذا حقه” قال: نعم! لا تبرح حتى أُخرج إليه حقه؛ فدخل؛ فخرج إليه بحقه؛ فأعطاه إياه.
ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء؛ فقالوا: ويلك مالك؟ والله ما رأينا مثل ما صنعته قط.
قال: ويحكم؛ والله! ما هو إلا ضرب على بابي؛ فسمعت صوته، فمُلِئت رعبا، ثم خرجت إليه[20].
وعن أبي حَدْرَدٍ الأسلمي – رضي الله عنه- أنه كان ليهودي عليه أربعةُ دراهمَ؛ فاستعدى عليه، فقال يا محمد! إن لي على هذا أربعةَ دراهمَ، وقد غلبني عليها، فقال: “أعطه حقه” فقال: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها، قال: “أعطه حقه” قال: والذي نفسي بيده ما أقدر عليها، وقد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر؛ فأرجو أن تغنمنا شيئا،؛ فأرجع؛ فأقضيه، قال: “أعطه حقه” قال: وكان النبي – صلى الله عليه وسلم- إذا قال ثلاثا؛ لم يُراجع؛ فخرج به ابن أبي حَدْرَدٍ إلى السوق، وعلى رأسه عِصابةٌ، وهو متزرٌ ببُردٍ، فنزع العِمامة عن رأسه؛ فاتَّزَرَ بها، ونزع البُرْدَةَ؛ فقال: اشتر مني هذه البردة، فباعها منه بأربعة الدَّراهم، فمرت عجوزٌ، فقالت: مالك يا صاحب رسول الله؟ فأخبرها؛ فقالت: ها دونك هذا! ببُرْدٍ طرحته عليه [21].
وروى محمد بن عمر الأسلمي؛ عن يزيد بن رومان، وأبو نعيم؛ عن أبي يزيد المدني، وأبي فرعة الباهلي – رضي الله عنه-: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد؛ معه رجال من أصحابه؛ إذ أقبل رجل من زبيد يقول: يا معشر قريش! كيف تدخل عليكم المادة، أو يُجلب إليكم جلب، أو يحل تاجر بساحتكم، وأنتم تظلمون من دخل عليكم؛ في حرمكم؟ يقف على الحِلَق حلقةً حلقةً، حتى انتهى إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في أصحابه.
فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ومن ظلمك؟ فذكر: أنه قد قدم بثلاثة أجمال؛ كانت خير إبله؛ فسامه أبو جهل ثلث أثمانها، ثم لم يسمه بها – لأجل أبي جهل- أحدٌ شيئًا؛ ثم قال: فأكسد عليَّ سلعتي، وظلمني.
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “وأين جمالك؟” قال: هي هذه بالحزورة. فقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وقام أصحابه؛ فنظر إلى الجمال؛ فرأى جمالا فُرْهًا؛ فساوم الزبيدي؛ حتى ألحقه برضاه، فأخذها رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فباع جملين منها بالثمن.
وأفضل بعيرًا باعه وأعطى أرامل بني عبد المطلب ثمنه، وأبو جهل جالس فى ناحية السوق؛ لا يتكلم؛ ثم أقبل إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقال: “يا عمرو! إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي؛ فترى ما تكره” فجعل يقول: لا أعود يا محمد لا أعود يا محمد؛ فانصرف رسول الله – صلى الله عليه وسلم- [22].
المصادر:
[1] – السيرة النبوية للدكتور الصلابي (ص: 157) وعنه محنة المسلمين في العهد المكي للدكتور سليمان السويكت (ص: 95) وسير أعلام النبلاء للذهبي (2 / 479). [2] – المستدرك على الصحيحين؛ كتاب: معرفة الصحابة -رضي الله عنهم- ذكر مناقب خباب بن الأرت -رضي الله عنه- (3 / 470 – رقم: 5642). [3] – السيرة النبوية للدكتور الصلابي (ص: 160) وعنه محنة المسلمين في العهد المكي للدكتور سليمان السويكت (ص: 88). [4] – رواه البخاري؛ عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- كتاب: النكاح – باب: قيام المرأة على الرجال في العرس، وخدمتهم بالنفس (رقم: 5182) ومسلم؛ كتاب: الأشربة – باب: إباحة النبيذ الذي لم يشتد، ولم يصر مسكرًا (رقم: 5233). [5] – البناء هو الدخول بالزوجة (الزفاف). [6] – رواه البخاري؛ عن الربيع بنت معوذ -رضي الله عنها- كتاب: المغازي – باب: بعد باب: شهود الملائكة بدرا (رقم: 4001) وأبو داود؛ كتاب: الأدب – باب: في الغناء (رقم: 4922) والترمذي؛ كتاب: النكاح – باب: ما جاء في إعلان النكاح (رقم: 1090) وابن حبان؛ كتاب: الحظر والإباحة – باب: اللعب واللهو (رقم: 5878). [7] : رواه عن أنس -رضي الله عنه- الستة إلا النسائي؛ فرواه البخاري؛ كتاب: الأدب – باب: الانبساط إلى الناس، وباب: الكنية للصبي، وقبل أن يولد للرجل (رقما: 6129، 6203) ومسلم؛ كتاب: الآداب – باب: جواز تكنية من لم يولد له، وتكنية الصغير (رقم: 5622) وأبو داود؛ كتاب: الأدب – باب: في الرجل يتكنى وليس له ولد (رقم: 4969) والترمذي: كتاب: الصلاة – باب: ما جاء في الصلاة على البسط (رقم: 333) وابن ماجه؛ كتاب: الأدب – باب: المزاح (رقم: 3720) كما رواه عبد الرزاق (5 / 232، 233 – رقم: 9991 : 9994) وأحمد (18 / 185 – رقم: 12137) ابن حبان؛ كتاب: العلم – باب: الزجر عن كِتْبة المرء السنن مخافة أن يتكل عليها دون الحفظ لها (رقم: 109).والنُّغَيْر: تصغير النُّغَر؛ وهو: البُلْبُلُ، وفِراخُ العَصافير، وضَرْبٌ من الحُمَّرِ، أو ذُكُورها، والجمع: نِغْران. القاموس المحيط للفيروز آبادي؛ مادة (نَغَرَ). وذكر الحديث. وفي سنن ابن ماجه: قال وكيع: يعني طيرا كان يلعب به.
[8] – رواه البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- كتاب: الصلاة – باب: الصلاة على الحصير (رقم: 380) وأبو داود؛ كتاب: الصلاة – باب: إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون (رقم: 612) والترمذي؛ كتاب: أبواب الصلاة عن رسول الله ﷺ باب: في الرجل يصلي، ومعه الرجال والنساء (رقم: 234) وقال: حديث أنس حديث حسن صحيح. [9] – رواه البخاري؛ عن عمر -رضي الله عنه- كتاب: الجنائز – باب: البكاء عند المريض (رقم: 1304). [10] – تُزْفزِفِين: بالضم: تُرْعَدين، وبالفتح: تَرْتَعِدين، ويُروى بالراء؛ القاموس المحيط؛ مادة: (زَفَّ) وذكر الحديث. [11] – رواه مسلم؛ عن جابر -رضي الله عنه- كتاب: البر والصلة والآداب – باب: ثواب المسلم؛ فيما يصيبه من مرض، أو حزن، أو نحو ذلك؛ حتى الشوكة يشاكها (رقم: 6570). [12] – المروة: حجارة بيضاء براقة، توري النار؛ وتؤخذ من جبل بمكة يسمى مروة؛ القاموس المحيط؛ مادة: (مَرْو). [13] – والبيت قاله الرسول ﷺ لما دميت إصبعه من حجر في بعض المشاهد؛ رواه البخاري؛ عن جندب بن سفيان -رضي الله عنه- كتاب: الجهاد والسير – باب: من ينكب في سبيل الله (رقم: 2802) وكتاب: الأدب – باب: ما يجوز من الشعر والرجز والحُداء وما يكره منه (رقم: 6146) [14] – رواه ابن أبي شيبة؛ عن أبي هريرة كتاب: الصلاة – باب: في تسمية الرجال في القنوت (5 / 40 – رقم: 7119) وعن محمد بن يحي بن حَبَّان (5 / 43 – رقم: 7124) وعبد الرزاق في مصنفه؛ عن أبي هريرة، وعبد الملك بن أبي بكر -رضي الله عنه- كتاب: الصلاة – باب: الرجل يدعو ويسمي في دعائه (2 / 446، 447 – رقما: 4028، 4031).ورواه أحمد؛ عن أبي هريرة (12 / 202، 431– رقما: 7260، 7465، وانظر أرقام: 7339، 9413 ، 10072، 10521، 10754) وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، والبخاري؛ كتاب: الأدب – باب: تسمية الوليد (رقم: 6200) وكتاب: التفسير – باب: {ليس لك من الأمر شيء} (رقم: 4560) ومسلم؛ كتاب: المساجد – باب: استحباب القنوت في جميع الصلوات إذا نزلت نازلة … (أرقام: 1540 : 1543) والنسائي؛ كتاب: التطبيق – باب: القنوت في صلاة الصبح (2 / 201 – رقم: 1073، 1074) طبعة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وابن ماجه؛ كتاب: إقامة الصلوات – باب: ما جاء في القنوت في صلاة الفجر (رقم: 1244) وابن خزيمة؛ كتاب: الصلاة؛ جماع أبواب الأذان والإقامة – باب: القنوت بعد رفع الرأس من الركوع للأمر يحدث … (رقم: 615) والدارمي؛ كتاب: الصلاة – باب: القنوت بعد الركوع (1 / 453 – رقم: 1595) والبيهقي في السنن الكبرى؛ كتاب الصلاة – باب: القنوت في الصلوات عند نزول نازلة (2 / 281 – أرقام: 3084 : 3089).
[15] – رواه وابن أبي شيبة؛ عن أنس -رضي الله عنه- كتاب الجهاد – باب: قبول هدايا المشركين (أرقام: 34126 : 34128) دون الشطر الثاني من الحديث، وأحمد (19 / 256 رقم: 12224) وقال الأرنؤوط: إسناده ضعيف، ورواه البزار مختصرا على الشطر الأول دون توزيعها؛ وذكر أن الملك ” ذي يزن ” وليس ” الأكيدر ” (2 / 394 – رقم: 1936) كما في كشف الأسرار عن زوائد البزار على الكتب الستة للهيثمي. [16] – رواه أحمد؛ عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- (30 / 323 – رقم: 18373، 30 / 330 – رقم: 18380) وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، ومسلم؛ كتاب: البر والصلة والآداب–باب: تراحم المؤمنين، وتعاطفهم، وتعاضدهم (رقم: 6586) ورواه عدد من الأئمة بألفاظ مقاربة. [17] – سبل الهدى والرشاد (4 / 229) ونسبه إلى ابن أبي حاتم عن عكرمة مرسلا؛ ولم أجده في مظانه من الجرح والتعديل، والعلل. [18] – السيرة النبوية لابن هشام (1 / 493). [19] – واسمه: كهلة الأصغر بن عصام بن كهلة الأكبر بن وهب بن ذئبان بن سيلان بن مودِّع بن عبد الله؛ كما في عيون الأثر لابن سيد الناس (1 / 204). [20] – السيرة النبوية لابن هشام لأبي محمد بن عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (1 / 389، 390). [21] – رواه أحمد (24 / 241، 242 – رقم: 15489) وقال الأرنؤوط: إسناده ضعيف لانقطاع فيه؛ وجعله الهيثمي في مجمع الزوائد مرسلا صحيحا (4 / 129، 130). [22] عيون الأثر (1 / 205).