السؤال
بدأت الإجازة الصيفية وأنا في حيرة من أمري، أبنائي يمسكون الهاتف طوال الوقت، وأنا أحاول أن أجعلهم يتحركون معي في المنزل يساعدون ويرتبون، وأقنعهم بأن يمارسوا الرياضة وكأني أتكلم مع نفسي لا يستجيبون!
أحفزهم بأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ومع ذلك لم تتحسن استجابتهم للأمر، ولا يريدون الحركة ولا يتركون هواتفهم، فكيف أحفزهم على ممارسة الرياضة؟
الرد
في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-: “المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ، وفي كلٍ خيرٌ” (رواه مسلم) معانٍ مختلفة للقوة، أبرزها وغالب المقصود بها هو القوة الإيمانية، لكن لا بأس في تفسير هذه القوة بالقوة البدنية أيضًا، فالمؤمن قوي الإيمان إذا قوي بدنه يكون بالتأكيد أكثر نفعًا للإسلام والمسلمين، ولا ننسَ أن في كل خير.
حسنٌ بكِ وأنت توجهين أبنائكِ أن تكون غاياتك وأهدافك تعبّدًا لله، وإن شئتِ، حفزيهم بوصف قوة الحبيب المصطفى- عليه السلام-، فالأطفال يتشكل وعيهم بناءً على نموذج، فكيف لو كان الحبيب هو الأسوة والقدوة!الأحاديث التي تصف قوة الرسول- صلى الله عليه وسلم-، ومشيته، وسواء جسده، واعتدال خلقته، هي خير ما نقدمه لأبنائنا ليعلموا أن هذا نبيهم، وهذا دينهم.
يقول البراء بن عازب في وصف الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنه كان متوسط القامة، لا بالطويل ولا بالقصير، بل بين بين، ومن صفاته -صلى الله عليه وسلم- أنه أُعطي قوةً أكثر من الآخرين، فعن علي -رضي الله عنه- قال: “كنا إذا حمي البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يكون أحد منا أدنى إلى القوم منه” (رواه أحمد والحاكم).
ويذكر أبو هريرة -رضي الله عنه- في وصف مشية النبي فيقول: “ما رأيتُ أحدًا أسرع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كأنما تُطوى الأرض له، إنا نُجهدُ أنفسنا وهو غير مُكترث” (رواه أحمد).
ومن أمثلة قوته المادية أن الصحابة عرضت لهم صخرة أثناء حفر الخندق، فاستنجدوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخذ المعول وضربها فعادت كثيبًا.
هذه الحكايا وغيرها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته جديرة بأن تخلق وعيًا مختلفًا في أذهان أبنائنا، بالإضافة إلى أن نقدم أنفسنا لهم كقدوة في أداء الأدوار المنوطة بنا بحب، فلا نستثقل الحركة والسعي، ولا نطيل المكث أمام الأجهزة، نتنقل بين المهام بخفة ورشاقة، ولا نستسهل أداء المهام نيابة عن أبنائنا -هذا ما يشجعهم على عدم الحركة- فلا نستسلم لكسلهم وتراخيهم، قسمي المهام المنزلية بينك وبينهم، سواء كانوا بنينًا أو بناتٍ، اقبلي أداء المهمة ولو لم تكن على أكمل وجه، ثم وجهي في المرة القادمة، ولكن لا تقومي بأداء المهام عنهم أبدًا.
قد ابتلينا نحن الكبار أيضًا بقلة الحركة، وصار كل شيء يمكننا الحصول عليه من اتصال هاتفي أو إرسال رسالة، بل أصبح التعلم من خلف الشاشات متاحًا للجميع، وهذا ما لم نكن نتخيله من قبل!
أعتذر عن الخطأ. سأقوم بتصحيح النص الآن مع الالتزام بوضع تنوين الفتح على الحرف قبل الأخير.
إذاً حالنا في الحركة يحتاج إلى إعادة نظر، (فالحركة بركة) اجعليه شعارك في البيت.
أرسلي أبناءك لشراء حاجياتكم، كل حسب عمره، وذلك بدلاً من طلبها تليفونياً. قد يزمجر الأبناء في البداية، شجعيهم بمنحهم مصروفاً يشترون به حلوى وهم يجلبون الحاجات. اجعليهم يحملون الحقائب عنك بعد التبضع، ثم يقومون بتوزيع الأشياء في أماكنها.
الأمر يحتاج إلى عزيمة منك وإصرار وصبر وعدم استسلام، فحركتهم في مصلحتهم بدنياً ونفسياً. الأبحاث التي أُجريت لقياس الأثر النفسي على بقاء الأبناء بين الجدران وخلف الشاشات؛ نتائجها مخيفة.
المشكلة تتفاقم حينما ننقل الأبناء من مستوى عالٍ من الاعتمادية وقلّة الحركة، إلى مستوى هائل من المشاركة في المهام المنزلية وشراء الطلبات والاشتراك في ألعاب رياضية. بل إن بعض الأمهات تشترك لأبنائها في أكثر من لعبة من غير أن تخيرهم وكأنها تنتقم من طول مكثهم وقلّة حركتهم.
المحصلة أن الأم لن تستطيع الاستمرار على هذا النحو ولن يطاوعها الأبناء، فركزي في الخطوات الآتية:
- كوني قدوة لهم.
- قللي وقت الهاتف تدريجياً، واختاري ساعتين في وسط اليوم بلا هاتف، سيقوم الأطفال من تلقاء أنفسهم بملء هذا الوقت بالحركة. وما أجمل أن تطبقي هذا النظام عليكِ أيضاً، هذا سيقلل الجدال بينك وبينهم.
- ضعي برنامجاً يتضمن أنشطة مختلفة يومية.
- ابدئي بالرياضة التي يفضلونها وبالوقت الذي يطيقونه ولا داعي للضغط عليهم أبداً. اسمحي لهم بالبكاء لأنهم لا يريدون الذهاب للتمرين، وناقشيهم في أسباب الممانعة وتعاطفي معهم وتفهمي أسبابهم وأوجدي لهم حلولاً بديلة، عن جابر بن عبد الله قال: “شكا ناسٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المشيَ، فدعا بهم فقال: عليكم بالنَّسَلانِ فنسَلْنا فوجدناه أخفَّ علينا” (رواه مسلم) والنسلان هو الإسراع في المشي.
هذا الحديث يعلمنا كيف نواجه شكاوى الأطفال أثناء ممارسة الرياضة، لما اشتكى بعض الصحابة تعبهم من السير، اقترح عليهم الحبيب متابعة الخطى (النسلان)، فوجدوه أخفّ عليهم وأسرع في السير وذهب عنهم التعب، فهل نستطيع التأسي بالحبيب ونرفق بالأبناء ونتفهمهم ونقترح عليهم البدائل ولا نصمهم بالدلع حتى يقبلوا على ما فيه النفع والخير لهم؟
- اجعلي وقت الرياضة وقتاً ممتعاً، ولن يكون كذلك وقائمة المهام لديك متخمة، فقليل دائم خير من كثير منقطع.
- حددي هدفك من الرياضة، هل هي مجرد شغل للوقت؟ أم بناء للجسم؟ أم هي للترقي في المنافسات والمسابقات؟ فكل هدف له ما يناسبه من اختيارات، فلا بد من وضوح للهدف.
- ابذلي وقتاً لتكوين عادة رياضية جديدة، كضبط التلفاز على قناة يوتيوب للتمارين الرياضية، هيئي الأجواء لهم وركزي على تثبيت الوقت حتى تصنعي لهم، _ويا حبذا لكِ أيضاً_ عادة جديدة.
وحتى نكون عادة، نحتاج لمعرفة فوائد ممارسة الرياضة، فشاركي أطفالك مشاهدة مقاطع توضح أهمية الرياضة، نوجز لكِ بعضاً منها:
- بناء العضلات وشد الجسم وتدعم تشكل العظام ومرونة المفاصل.
- تحسن الحالة المزاجية، بتقليل الضغط.
- تساعد في تحسين النوم.
- إفراز هرمون السعادة أثناء التدريب.
- تحسن هرمونات الجسم، فتتفتح الخلايا لاستقبال الأنسولين، الرياضيون لا يعرفون كثيراً من الأمراض كالسكري وضغط الدم والقلب.
- تفرز أثناء الرياضة مادة BDNF تساعد على تحسين الذاكرة وإطالة أمدها، فالمذاكرة في الساعتين التي تلي ممارسة الرياضة يكون المخ في قمة نشاطه نتيجة لإفراز تلك المادة.
- ممارسة الرياضة لها أيضاً تأثير على خلايا المخ فتصبح أقوى مما يؤخر حدوث الخرف في الكبر، فالعقل السليم في الجسم السليم.
- جانب تربوي مهم في تعلم الرياضة، وهو إعطاء ثقة للطفل، وتعلم إدارة الغضب، وتحارب التنمر، فبمجرد أن يعرف الزملاء أن الطفل يمارس رياضة قتالية، يتجنبون إيذائه.
إذاً من أهم خطوات تحفيز أبنائنا على الرياضة، تشكيل وعي مختلف، ودراسة سيرة الصحابة المليئة بالبطولات والقدوات التي تحمس وتحفز على تنشئة مسلم قوي، وأن نكون قدوة لهم، ونلتزم الصبر ونحتسب الأجر على كم المرات التي حاولنا فيها ولم نصل، فكوني على يقين أن من غرس حصد ولو بعد حين ومن داوم الطرق على الباب فُتح، فالأطفال بحاجة إلى سياسة النفس الطويل، والله وحده المستعان وعليه التكلان.