رغم تعدّد طرائق التدريس الحديثة والأبحاث التربوية العربية والأجنبية، فإنّ مهارة طرح الأسئلة لا تزال من الموضوعات التي يبحث عنها المعلمون والمربون، حتى وإن كانت هذه الطريقة قديمة، ذلك كونها أداة جيدة لإنعاش ذاكرة المتعلمين، ولجعلهم أكثر فهما، بل ولتوصيلهم إلى مستويات عالية من الاستيعاب.
وتقوم طريقة التدريس بواسطة طرح الأسئلة على الاتصال اللفظي بين المعلم والمتعلم أو المتعلمين أنفسهم، وتعتمد على ما لدى المُعلم من معلومات وأفكار يترجمها في صورة أسئلة سهلة يسألها للمتعلمين، ليجيبوا عنها من خلال خبراتهم، وتُحدد الإجابات عنها كما تكشف عن ميولهم واتجاهاتهم ومستوى تفكيرهم.
مهارة طرح الأسئلة في القرآن والسنة
وقد اكتسب الملسمون الأوائل مهارة طرح الأسئلة من القرآن الكريم، الذي استعمل طرائق تدريس مختلفة، لتوصيل العقيدة الصحيحة والمفاهيم الإنسانية للناس كافة، بل وجّه القرآن إلى الانتفاع بأسلوب السؤال وحثّ عليه ورغّب فيه، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 43].
هكذا نجد أن القرآن وجّه كفار قريش إلى سؤال علماء التوراة والإنجيل عن حقيقة إرسال الله رسلاً من البشر عندما استعظموا ذلك وأنكروا أن يرسل الله بشرًا، فكان سؤال أهل العلم والاختصاص وسيلة استخدمها القرآن لتثبيت حقيقة إيمانية، وترسيخها في النفوس، فلا يتطرق إليها الشك بعد ذلك
ولقد كان التعليم والتربية من خلال طرح السؤال من أهم الأساليب التي اتبعها النبي – صلى الله عليه وسلم- لتعليم أصحابه والأمة جميعًا، فعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مَثَلُ المسلم، حَدِّثوني ما هي؟! فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: هي النخلة، قال عبد الله: فحدَّثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إليّ من أن يكون لي كذا وكذا” (البخاري)، وفي هذا الموقف والسؤال من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فوائد كثيرة، منها:
- حُسْن تعليمه لهم، حيث ألقى عليهم المعنى والمعلومة المراد تعليمهم إياها، على هيئة سؤال ليجعلهم يفكرون لمعرفة الإجابة، فإذا عجزوا عن الإجابة كانوا أشد اشتياقا لمعرفة الجواب، وهذا يحقق فائدة اكتساب العلم، وترسيخ المعنى على أفضل وجه، بالإضافة إلى دفع الملل عن المتعلم، الذي قد يحدث إذا كان أسلوب التعليم يسير على وتيرة واحدة، إضافة إلى ما يحققه هذا أسلوب السؤال من إدخال النشاط والسرور والبهجة في نفوس المتعلمين.
- ما ينبغي أن يكون عليه سلوك المسلم الصغير مع الأكبر منه سنَّا، من أدب وتوقير وعدم إكثار من الكلام، إذا لم يترتب على عدم الكلام كتمان علم، أو تفويت مصلحة، فإن ظهرت مصلحة وفائدة لتكلم الصغير، فيجب عليه أن يراعي آداب الحديث المعروفة.
- حرص الآباء على إظهار فضل أولادهم، وبخاصة في حضرة أهل الفضل لا حرج فيه، بل هو أمر مطلوب في تربية الأبناء، لذا قال عمر- رضي الله عنه- لابنه عبد الله: “لأن تكون قلتها أحب إليَّ من كذا وكذا”.
- وقال النووي: “وفي هذا الحديث فوائد: منها استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم، ويرغبهم في الفكر والاعتناء. وفيه: ضرب الأمثال والأشباه. وفيه: توقير الكبار كما فعل ابن عمر، لكن إذا لم يعرف الكبار المسألة، فينبغي للصغير الذي يعرفها أن يقولها. وفيه: سرور الإنسان بنجابة ولده، وحسن فهمه، وقول عمر- رضي الله عنه-: “لأن تكون قلتَ هي النخلة أحب إليَّ من كذا وكذا”، أراد بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو لابنه، ويَعلم حسن فهمه ونجابته”.
- والتربية بالسؤال تتجلّى في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من أمتي مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وَسَفَك دم هذا، وضرب هذا، فيُعْطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طُرِح في النار”.
أهمية مهارة طرح الأسئلة
وتتمثل أهمية مهارة طرح الأسئلة في تمكن المعلم والمربي من استخدامها في باقي الطُّرق الأخرى المتعارف عليها في التدريس، إذ لا بُد من أن يتخللها بعض الأسئلة، كما أنّ السؤال وكيفية إثارة المتعلمين لتلقيه وفهمه والإجابة عنه مهارة هامة وفن من الفنون الجميلة في التدريس، والأسئلة عماد طريقة تدريس المعلم، سيّما إذا كان الدرس كله يتألف من الأسئلة.
والأسئلة الجيدة تحتل مكانًا بارزًا في العملية التعليمية نتيجة للوظائف التي تؤديها، وهي:
1- الكشف عن ميول المتعلمين وإثارتها وتوجيهها.
2- تنمية اتجاه المتعلمين نحو حب العلم والرغبة في الاستزادة منه.
3- الكشف عن مدى فهم المتعلمين وصحة معلوماتهم وأفكارهم، وتعويدهم على التفكير السليم.
4- تنمية روح التعاون بين المعلم والمتعلمين، وتوفير الأساس لهم للحكم على النتائج التي توصلوا إليها، ومدى فاعلية أسلوب التدريس والتعليم.
5- تحقيق الفهم الصحيح، وضمان صحة معلومات المتعلمين وأفكارهم ودقتها ووضوحها.
أما عن أنواع الأسئلة، فهي اثنين:
- الأسئلة الاستكشافية أو التوليدية: وتهدف إلى استدراج المتعلمين بواسطة الأسئلة إلى اكتشاف المعلومات والحقائق بأنفسهم، ويمكن الاستفادة من هذه الطريقة في تحويل بعض الدروس إلى محاورات ينزل فيها المعلم إلى مستوى المتعلمين تاركا لهم الحرية في إبداء آرائهم.
- الأسئلة الاختبارية: وتهدف إلى اختبار مدى استيعاب المتعلمين لشرح المعلم، وللمعلومات والدروس السابقة.
شروط استخدام طرح السؤال في التعلم
لكن مهارة طرح الأسئلة على المتعلمين، تحتاج إلى تحقيق بعض الشروط، منها ما يلي:
- ألا تأخذ كل زمن الحصة بدعوى مشاركة جميع المتعلمين.
- ألا يُسئل المتعلم في معارف جديدة لم يسبق له معرفتها أو مطالعة مصادرها.
- أن يهتم المعلم بالصياغة الجيدة التي لا تحتمل إجابات متعددة.
- أن يراعي المعلم إشراك أكبر عدد من المتعلمين، ويركز على أصحاب القدرات الضعيفة في الأسئلة السهلة.
- التنويع بين أسئلة التذكر والأسئلة المثيرة للتفكير.
- الانتباه لضرورة التعزيز، والإيماء للمتعلم بالجلوس.
- يراعي البعد عن الأسئلة البديهية، وكذا الأسئلة المبدوءة بـ”هل” إلا لهدف واضح.
- ينبغي أن يتقن المعلم ثلاث مهاراته: صياغة الأسئلة وطرح الأسئلة، وتلقي الإجابات.
إيجابيات وسلبيات التدريس بطرح الأسئلة
وتشتمل مهارة طرح الأسئلة للتعلم على العديد من الإيجابيات والسلبيات يمكن أن نذكر أبرزها في النقاط التالية:
1- يستطيع المعلم أن يتعرف إلى كثير من الأمور التي تدور في أذهان المتعلمين، وذلك من خلال إجاباتهم عن أسئلته.
2- يمكن للمعلم أن يكتشف ما إذا كان المتعلمون يدركون شيئا من المعلومات والحقائق حول موضوع الدرس أم لا.
3- يستطيع المعلم من خلال طريقة الأسئلة أن ينمي في المتعلمين القدرة على التفكير.
4- يستطيع المعلم من خلال طريقة الأسئلة أن يستثير الدافعية في التعلم عند طلابه.
5- يمكن للمعلم أن يجعل المتعلمين ينظمون أفكارهم، وذلك إذا اتبع أسلوبا تربويا سليما في إلقاء الأسئلة.
6- تفيد المعلم عند مراجعة الدروس، لمعرفة مدى تحقق من أهداف.
7- يتمكن المتعلم من خلالها من مهارة التدريب على التعبير عن ذاته.
8- تساعد المدرس على تشخيص نقاط القوة والضعف في المتعلمين.
9- تركز على جعل المتعلم يستعمل فكره ،لا مجرد ذاكرته.
أما السلبيات فهي كالتالي:
1- إذا لم ينتبه المعلم إلى عنصر الوقت، فقد ينتهي الوقت قبل أن ينتهي مما خطط لإنجازه.
2- قد يتورط بعض المعلمين في الضغط على بعض المتعلمين بالأسئلة الثقيلة، ما قد ينفرهم من الدرس.
3- بعض المتعلمين قد يبادرون المعلم بالعديد من الأسئلة بحيث يصرفونه عن توجيه الأسئلة إليهم، ومن ثم لا يعرف مستواهم الحقيقي.
4- إذا انشغل المعلم بالإجابة عن أسئلة المتعلمين، فإن ذلك قد يجره بعيدا عن بعض نقاط الدرس الأساسية .
ختامًا
وفي ضوء ما تقدم يتبين أن طريقة التدريس بواسطة طرح السؤال تأخذ حيزا واسعًا في العملية التعليمية التربوية، وتشكل همزة وصل مباشرة بين طرفي العملية التعليمية- المعلم والمتعلم-، كما تعد من الطرائق التي تُسهم مساهمة فعالة في إيصال الأفكار وبأقل جهد ممكن إذا ما رُوعيت الأصول والضوابط المعتمدة في استخدامها.
المصادر المراجع:
- التعليم النبوي بالسؤال.
- محمد عبد القادر أحمد: طرق التدريس العامة.
- التدريس طرائق واستراتيجيات: مركز نون.