تحتاج عملية التربية مثل غيرها من الأعمال إلى إعداد وتهيئة لمختصين يعرفون كيف ومتى يواجهون المشكلات، لذا فإن مؤهلات المربي الناجح لا بُد من أن تشمل على سمات وخصائص ومقومات قد يفتقدها الكثير من الناس.
فالتربية رغم أنها مهمة، لكنها عملية صعبة تحتاج إلى مجهود وصبر، لإعداد إنسان سوي يتمتع بقيم ومعانٍ إنسانية راقية، وإذا كانت التربية كذلك، فلا يُمكن أن تتاح وتسوغ لكل إنسان؛ بل يجب لها إعداد المربي الناجحِ الذي يتمتع بمؤهلات وبصفات خاصة لذلك؛ وكلما أتقنها؛ ارتقى نجاحه في التربية بعد توفيق الله تبارك وتعالى.
من مؤهلات المربي الناجح
إنّ من مؤهلات المربي الناجح، أن يكون قادرًا على خدمة طلابه، لأنّ الانهماك في خدمة الطلاب ورعاية مصالحهم وحل مشكلاتهم وليس التسلط عليهم، هو مناط التكليف، وهو ما يفتح القلوب ويمنح القبول.
وقد حبّب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فقال: “الخلق عيال الله، أحبهم إليه أنفعهم لعياله” (صحيح مسلم)، وقال – عليه الصلاة والسلام-: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة” (البخاري ومسلم وأبو داود).
وعنه – صلى الله عليه وسلم- قال: “لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته، وأشار بإصبعه، أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين” (الحاكم). كما قال: “لا يزال الله في حاجة العبد ما دام العبد في حاجة أخيه” (الطبراني).
ومن المؤهلات التي تساعد المربي على نجاحه في مهمته، الاجتهاد في تفقد أحوال الطلاب ورعايتهم، ليكون على وعي وإدراك لما يعتريهم أو يُصيبهم في الفهم والسلوك والحركة والمعاملات، ليمكنه العلاج قبل تفاقم المشكلات، والوقاية خير من العلاج، ويستعين على هذا الأمر بالزيارة والسؤال.
ويجب أن يكون المربي قادرًا على تحقيق التكافل بين أفراد الفصل وهو منهم، فيحمل بعضهم عبء بعض ويتعهد بعضهم بعضًا بالسؤال والبر، ويبادرون إلى المساعدة ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
فن النصيحة من مؤهلات المربي
والنصيحة فن يتقنه كل مَن استفاد من مؤهلات المربي الناجح، بل هي في جوهر الدين نفسه، قال النبي – صلى الله عليه وسلم-: “الدين النصيحة، قيل لمَن يا رسول الله؟ قال: “لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” (رواه مسلم)، وهي لب عمل المربي، فوظيفته إصلاح شأن طلابه في دينهم ودنياهم، لذا فإن من أهمية النصيحة:
- رفع مستوى العمل والأفراد بتحري الأفضل دائمًا.
- وسيلة لمعرفة الذات: فنحن لا نلاحظ ما في أنفسنا أو أعمالنا من نقص أو خلل، ولكن يمكننا ذلك من خلال إخواننا لأن “المؤمن مرآة أخيه” (سنن أبي داود)، ولهذا حثّ عليها سيدنا عمر – رضي الله عنه- فقال: “رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي”.
والنصيحة لها آداب وشروط حتى لا تتحول إلى فضيحة، أو تأتي بنتيجة عكسية، خصوصًا أن النفس لا تحب من يهاجمها أو يبصرها بعيوبها، ومن الشروط:
- تحري الصدق: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : “كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وأنت له كاذب” (رواه البخاري)، ويعين على صدق النصح القرب من الطلاب ومعايشتهم وتبين الأمور واستطلاع صحة الأخبار والمقولات، فلا يجوز أن يبني النصح على الظن والشك، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث” (رواه البخاري).
- إخلاص النية لله: فلا يخالطها شيء مِن هوى النّفس أو حُب التشفي أو التحقير أو التوبيخ وما على شاكلة ذلك من مقاصد ذميمة.
- تحري الأسلوب السليم: بنصحه على انفراد لأن ذلك أوقع في نفسه وأحوط من دخول الشيطان إليه، وصدق علي بن أبى طالب حيث يقول: “النصح بين الملأ تقريع”، ولا بد من النصيحة بأدب ورفق ولين واختيار الكلمة الطيبة، فكم من كلمة لم يلق قائلها لها بالا أورثت أحقادا وعداوات.
- كما يجب الابتعاد عن الغلظة والفظاظة التي تغلق القلوب وتصم الآذان، قال الله – عز وجل-: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [ آل عمران: 159]، ولا بُد من التواضع والتماس العذر للآخرين، والعلم بأن ما عنده يحتمل الخطأ وإن ظنه صوابًا وما عند غيره يحتمل الصواب وإن ظنه خطأ.
- تحري الموضوعية: بالدليل الشرعي والنقاش الجيد والرجوع إلى مسئوله ومن هو أعلم بالأمر منه، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [ النساء: 83].
- الصبر: فلا يتقاعس الناصح أو يثبط عزمه إذا وجد عدم استجابة من المنصوح، لأنّ الأمر يحتاج إلى وقت حتى الاقتناع والعزم والتنفيذ. وقد لا تلقى نصيحته قبولا، قال -جل وعلا-: (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف: 79] ويكون هو قد أعذر بذلك إلى الله.
وسائل عملية
وتشمل مهارات المربي الناجح وسائل عملية، لا بُد أن يستفيد منها كل من يتحمل مسؤولية التربية، فهي تؤهل المتربّين لقبول النصائح والتجاوب معها المربي أو ولي الأمر، ومنها:
- التعود على مجاملة الطلاب في المناسبات.
- دفع الطلاب لخدمة الناس في المناسبات المختلفة ليتعودوا على العطاء.
- الترتيب في الفصل لمعاونة المحتاج ودفع الأفراد للعطاء.
- في الفصل يعرض كل طالب مشكلاته ويشاركه الطلاب في دراسة حلولها في جوّ من صدق الأخوة وإخلاص التوجه إلى الله.
- عمل صندوق تكافل للفصل.
- فيما يخص النصيحة، يمكن تكليف الفصل بممارسة النصيحة بآدابها وضوابطها ومناقشة ما جرى في اجتماع تال.
سمات المربي الناجح
وإضافة إلى مهارات المربي الناجح، فهناك سمات لا بد من توافرها فيمن يتصدى للتربية وتعليم النشء المبادئ والأخلاق، ومنها:
- السمات الجسمية، فيجب على المربي أن يكون متناسقًا جسديًّا، وأكثر حيوية ونشاطًا من الطالب، وإذا كانت المدرسة تتطلب مهارات جسمية ورياضية معينة، مثل الدفاع عن النفس والقتال، فيكون المربي هو الأقوى والأكثر طولا، والأنسب وزنا، والأكثر مهارة.
- السمات العقلية المعرفية للمربين والقادة: لا بد من أن يكونوا أكثر تفوقا في الذكاء العام، على ألا يكون الفرق في متوسطات ذكاء الطلاب والمربين كبيرًا، لأنّ ذلك يُؤدي إلى عدم القدرة على التفاهم والاختلاف الواضح في الميول والقيم والاتجاهات، لذلك يُفضل أن يكون أوسع أفقا، وأبعد نظرا، وأنفذ بصيرة، وأقدر على توقع المفاجآت والاستعداد لها، وأحسن تصرفا، وأعلى في مستوى الإدراك والتفكير، وأكثر قدرة على التعبير والطاقة اللفظية، وأدق في الحكم على الأشياء، وأسرع في اتخاذ القرار، وأكثر اطلاعًا وثقافة في المجالات المختلفة، إضافة إلى تخصصه.
- السمات الانفعالية: يجب أن يتّسم المربي بالثبات الانفعالي، والنضج الانفعالي، وقوة الإرادة، والثقة في النفس، وضبط النفس.
- السمات الاجتماعية: فلا بد من أن يكون المربي أكثر تعاونا وتشجيعا لروح التعاون بين الأفراد، وأكثر قدرة على التعاون، وأكثر ميلا إلى الانبساط وروح الفكاهة والمرح، والاحتفاظ بالأفراد ومراعاة مشاعرهم، وكسب ثقتهم فيه وثقتهم في أنفسهم، وأكثر مهارة اجتماعية، وأقدر على خَلق روح معنوية عالية.
- سمات عامة، وهي تشمل: حسن المظهر، والمحافظة على الوقت، ومعرفة العمل المطلوب والإلمام به، والأمانة، وحسن السمعة، والتمتع بعادات شخصية حسنة، والتمسك بالقيم الروحية والإنسانية، والمعايير الاجتماعية والتواضع.
المصادر:
- ابن سعد: الطبقات، 3/293.
- دراسة: من مؤهلات المربي.. الإلمام بطبيعة النفس البشرية https://bit.ly/2YQD3Yy
- محمد سعيد مرسي: المربي الناجح https://bit.ly/3CfCZ2g
- طه فارس: واجبات المعلم تجاه طلابه https://bit.ly/3kJIKPT