العمل الأول في طريق التغيير الاجتماعي هو الذي يغير الفرد من كونه (فردا) إلى أن يصبح (شخصا) وذلك بتغيير صفاته البدائية التي تربطه بالنوع إلى نزعات اجتماعية تربطه بالمجتمع.
وتشكيل الفرد اجتماعيا هو عملية (تنحية) أي تخلي الفرد عن عدد من الانعكاسات المنافية للنزعة الاجتماعية، وعملية اكتساب لانعكاسات أكثر توافقا مع الحياة الاجتماعية، وهذه هي عملية التربية الاجتماعية.
ماهية التربية الاجتماعية
التربية الاجتماعية هي وسيلة فعالة لتغيير الإنسان وتعليمه كيف يعيش مع أقرانه، وكيف يكون معهم مجموعة القوى التي تغير شرائط الوجود نحو الأحسن دائما، وكيف يُكّونّ معهم شبكة العلاقات التي تتيح للمجتمع أن يؤدي نشاطه المشترك في التاريخ.
وهي تهدف أن يتعلم كل إنسان فن الحياة مع زملائه، وكيف يتحضر، أي كيف يعيش في مدرسة، ويدرك في الوقت ذاته الأهمية الرئيسية لشبكة العلاقات الاجتماعية في تنظيم الحياة الإنسانية، كما تهدف إلى أن يشعر الفرد بالروابط التي ينبغي أن توجد بين أفراد المجتمع، ويحاول توثيقها، وأن يدرك معنى التعاون، وأن يسهم بقدر إمكاناته مع غيره لخدمة المجتمع، ومواطنيه، وأن يحترم قيم المجتمع ويتصرف في حدودها.
وتتم هذه التربية من خلال الممارسات العملية في نشاط مشترك، وأعمال تجميعية يخرج فيها الإنسان من حدود ذاته ليشارك الآخرين في عمل حيوي تبدو نتائجه في واقع المجتمع، وتعد الأنشطة الرياضية والاجتماعية ومشروعات خدمة البيئة والرحلات والمعسكرات والمؤتمرات وغيرها، مجالات لتحقيق أهداف التربية الاجتماعية.
منهج الإسلام في التربية الاجتماعية
ويقوم منهج الإسلام في التربية الاجتماعية على دعائم، نُذكّر منها ما يلي:
الدعامة الأولى:
– تنمية حب الإنسان لأخيه الإنسان المؤمن، وتلك هي القاعدة التي ترتكز عليها الحاسة الاجتماعية في الإنسان، نلمح هذا من هدي النبي، عندما وصل إلى المدينة المنورة بعد رحلة الهجرة، إذ آخى بين المهاجرين والأنصار في الله، أخوة سجلت في وثيقة مكتوبة، نقشت في قلب كل مؤمن، حتى إن الإخوة في الله كانوا يتوارثون بمقتضى هذه الأخوة، وظل هذا التوارث ساريا، حتى نزل قول الله تبارك وتعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [ الأنفال: 75 ]. فألغى التوارث، وبقيت الأخوة في الله على ما كانت عليه من قوة ووثاقة، ولا تزال بين الواعين من المؤمنين حتى اليوم، ولقد تأكدت الأخوة بين المؤمنين بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
الدعامة الثانية:
– استجابة الإسلام لحاجات المجتمع كاستجابته لحاجات الفرد وهذه الحاجات مثل: التعاون والتكافل والتناصر و التواصي بالحق والصبر والتراحم.
– وتتعدد حاجات المجتمع، إلى غير ما حصر، كحاجته إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحاجته إلى جلب المصالح، وحاجته إلى درء المفاسد، وحاجته إلى الجهاد في سبيل الله وتجهيز الغزاة، وحاجته إلى الأمن، وحاجته إلى تأمين العيش الكريم لكل أفراده، وما لا حصر له من الحاجات.
وكل هذه الحاجات يستجيب لها الإسلام، ويطالب الناس بأن يعملوا على تحقيقها بشرط أن تكون حاجات مشروعة، تقرها شريعة الإسلام، وبشرط ألا يترتب عليها ضرر بأحد من المسلمين، بل من غير المسلمين، إن كانوا يعيشون في المجتمع المسلم، كأهل الكتاب، وبهذا يرقى المجتمع المسلم، بتعاون أفراده جميعا، على تحقيق حاجاته.
الدعامة الثالثة:
– تحديد الصفات التي يجب أن تسود المجتمع المسلم، ليحقق حاجاته، ويلبي رغباته في حدود ما أحل الله، وليعيش في ظل تلك الصفات، عيشة نقية نظيفة، ويحقق بها سعادة الدارين.
– قال الله تعالي يذكر عددا من هذه الصفات: (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [ الشورى: 36 – 43 ].
الدعامة الرابعة:
تأكيد خيرية هذا المجتمع، الذي اتصف بتلك الصفات على كل المجتمعات، وإعطاؤه القدرة على إدارة البشرية كلها نحو الحق والخير.
– قال تعالى في تأكيد هذه الخيرية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [ آل عمران: 110].
– وهي ليست خيرية عرقية أو جنسية أو قومية، كما زعمت يهود، وإنما هي خيرية تقوم على الإيمان والعمل الصالح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والالتزام بتلك الصفات، التي وردت في الآيات الكريمة.
– أي مجتمع تسود فيه هذه الصفات، فهو المجتمع الذي أكد الله له الخيرية، في تلك الآية، من أي جنس كان، أو من أي لون أو لسان.
الدعامة الخامسة:
وعد الله للأمة الإسلامية الوسط، التي تحققت فيها تلك الصفات، بأن يستخلفها على الناس في الأرض، ولأن يمكّن لها دينها الذي ارتضى لها، وأن يبدلها من بعد خوفها أمنا، قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [ النور: 55 – 56 ].
منافذ وطرق التعامل مع الآخر
وفي مجال التربية الاجتماعية تكون منافذ وطرق التعامل مع الآخر، وفق الآتي:
أ- إلزام كل شخص بالأخلاق الاجتماعية الآتية:
- المؤاخاة: ويقصد بها أن يلتزم الشخص بالحد الأدنى للحب تجاهه إخوانه وهو سلامة الصدر، وأن يعمل لإيثارهم على نفسه، والأخوة من الإيمان يجب أن يلتزم بها الفرد: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10]. ولتحقيق المؤاخاة (عمليا) يلتزم كل فرد بأن يعرف إخوانه معرفة تامة، ويعرف نفسه لهم كذلك وأن يؤدي حقوق أخوتهم كاملة في الحب والمعاونة، والإيثار. فالمؤاخاة وسيلة تعاون بين فردين أو مجموعة في سبيل الصعود إلى مستوى عقلي رفيع، ومستوى خلقي متين، ومستوى من العبادة يسمو إلى النجاة من عذاب الله وليست وسيلة لإضاعة الوقت أو التهوين من جدية المسئوليات.
- التفاهم التام: أي أن تقوم العلاقة بين الأفراد والمجموعات على الثقة المتبادلة، وعلى التناصح في إطار الحب والاحترام المتبادل، وأن تعالج المشكلات التي تطرأ في نفس الإطار.
- التكافل التام: بأن يتعهد الأفراد بعضهم بعضا بالمساعدة والقيام بحق التكافل.
ب- الممارسات المشتركة: وحتى يتحقق هذا الهدف يحتاج إلى ممارسات عملية مشتركة كثيرة تنمي هذه الأخلاق الاجتماعية، ومنها:
- المدارسات المشتركة.
- الرحلات المشتركة بأنواعها وأنشطة فرق الرحلات والجوالة بهدف تحقيق الترابط.
- الاشتراك في رهوط الجوالة، وما تقوم به من معسكرات ورحلات، وتدريبات والمشاركة في الألعاب الرياضية في الأندية العامة، والاشتراك في أنشطة خدمة البيئة التي تقوم بها الجوالة.
- الاشتراك في شركات اقتصادية مساهمة، لتحقيق التكافل من خلال عمل اقتصادي مشترك.
- التزام الأفراد بالمجاملات الطارئة مثل عيادة المريض، وتفقد الغائب، ومواساة المحتاج.. إلخ.
- الاشتراك في الأناشيد الجماعية في المخيمات والرحلات… إلخ.
- الالتزام بمظاهر النشاط الجماعي ، ومنها:
- يوم التعارف: وهو حفل شهري يجتمع فيه (الطلاب) للتعارف من أجل زيادة أواصر الأخوة بينهم.
- يوم العيادة: يقوم الأفراد – مرة كل أسبوع – بزيارة المرضى توطيدًا للألفة وإدخالًا للسرور.
وهذه الممارسات المشتركة ثبت أنها وسائل فعالة في تحقيق التماسك الاجتماعي، وبث روح التضامن بين الأفراد، وتخرج الفرد من حدود ذاته لتدخله في زمرة اجتماعية، وهذا شرط ضروري لأي نشاط حضاري مشترك.
ج- تأكيد العرف الإسلامي في المجتمع، ووسائل تحقيق هذا الهدف هي:
- تحقق الفرد وزوجته وأولاده بمبادئ الإسلام، والمحافظة عليها في مناشط الحياة الأسرية، بهدف طبع البيت بالطابع الإسلامي.
- قيام الفرد بالعمل على إرشاد المجتمع، وتغيير العرف السائد فيه، ليتجه وجهة إسلامية.
- أن يعمل الفرد- ما استطاع- على إحياء العادات الإسلامية، وإماتة العادات (الأعجمية) في كل مظاهر الحياة، وأن يحافظ على الآداب الاجتماعية الإسلامية مثل توقير الكبير، والاستئذان والانصراف… إلخ.
- الالتزام بإطلاق أسماء إسلامية على المشروعات التي يتم إنشاؤها، سواء التعليمية والتربوية أو الاقتصادية أو الصحفية.. وغيرها، وكذلك تسمية أقسام الجوالة بأسماء إسلامية، فبدلا من فريق الذئاب، وفريق الثعلب، وفريق النمور.. إلخ تسمى: قسم سيد الشهداء حمزة – فريق سيدنا علي.. إلخ تأكيدا لاختيار مثلهم العليا من رموز الشجاعة الفدائية.
إن التربية الاجتماعية تساعد على التحكّم في الانفعالات، وبناء مفهوم الضمير والحس الاجتماعي والمسؤولية، ويتحقق هذا الهدف بالتفاعل المباشر مع المؤسسات والأفراد داخل المجتمع، وتعلّم هذه التربية الأفراد كيفية الاستعداد لأداء أدوار اجتماعية معينة كالأدوار المهنية، والدور داخل الأسرة والمدرسة، وتنمية المصادر المعرفية والقيمية للفرد، وتحديد ما هو مهم وقيّم في ثقافة مجتمعهم.
المصادر والمراجع:
- مجلة الشباب: التربية الاجتماعية.
- الدكتور محمد الطيطي: التربية الاجتماعية وطرق تدريسها.
- كمال عبد المنعم: التربية الاجتماعية للأبناء.
- ملتقى الخطباء: التربية الاجتماعية.
- محمد فال يحيى: “التربية الاجتماعية “هي الحل.