من المشاكل التي نواجهها بين أبنائنا سواء كان ذلك في البيت أو المدرسة أو خارجهما، هي ميلهم للتشاجر والاعتداء على بعضهم البعض، والانتقام والمعاندة والمشاكسة والتحدي، والاتجاه نحو التنغيص وتعكير الجو العام، وإحداث الفتن، فهل من حلول؟
فالطفل لا يرضى عادة بالخسارة أو يقبل الهزيمة، وقد يبدأ خلاف الأطفال بمزاح ينتهي إلى شجار، وربما يؤثر ذلك على علاقة الأهل ببعضهم، ويظل الكبار في حيرة بين أمرين، حينما يحدث مثل هذا الشجار، إما التدخل وتجاهل قدرة الأطفال على حل مشاكلهم، وإما أن ندعهم يخوضون التجربة ليتعلموا من خلالها ثقافة الاختلاف.
والآباء يضجون من مشاجرات الأبناء؛ لما يحدثونه من ضوضاء وجلبة في المنزل، ولأنهم يشغلون الآباء عن أداء ما يقومون به، أو يمنعونهم من الراحة أو الاسترخاء، فيثورون على الأبناء، إلا أننا نقول للمربي لا تنزعج؛ إنها مرحلة طبيعية، إن أي أسرة لديها طفلان أو ثلاثة نجدهم دائماً في مناوشات وخلافات، يتألم الأب وتتألم الأم؛ لأن الأبناء ليسوا أصدقاء وليست علاقاتهم طيبة.
ويختلف رد فعل الآباء نحو هذا السلوك الوارد من الأبناء، فنجد أن هناك من الآباء:
- مَن يثور على الأطفال وعلى سلوكياتهم.
- ومنهم من يُعامِل الأطفال بلا مُبالاة وتدليل دون مراعاة ما يَحدث منهم فيما بعد.
- ومنهم مَن يتذبذَب في التعامل، فأحيانًا يُعاقبهم، وأحيانًا يَتركهم دون توجيه، وذلك بدون منهج في التعامل، إنما حسب مزاج الأب أو الأم، فإن كانت حالته المزاجية جيدة؛ يَعفُ عنهم، وإن كانت حالته المزاجية سيئة؛ تكن العواقب سيئة على الجميع، بما فيهم الأطفال.
- ومنهم من يعالج هذا السلوك بحِكمة وصبر باستخدام منهج عِلمي جيد وحوار بنّاء.
أسباب التشاجر بين الإخوة
ويرى الخبراء والمربون أن من أهم أسباب التشاجر بين الإخوة: الغيرة، والشعور بالنقص، والشعور باضطهاد الكبار، وانشغال الأبوين عن الأطفال.. كما إنَّ بعض الأطفال من البنين يحاولون السيطرة على البنات، والجانب الإيجابي في تنافس الأطفال أنه يعطيهم الفرصة ليتعلموا كيف يأخذون ويعطون ويتقاسمون الأشياء، وكيف يدافعون عن حقوقهم؛ فهم يتعرَّفون من خلال تلك المناوشات إمكاناتهم، ونقاط الضعف والقوة لديهم، وهم يجرِّبون نشوة الإثارة والانتصار.
لكننا يمكننا أن نضع أيدينا على أهم أسباب الشجار بينهم وهي:
أولًا: الطفل ذو النزعة العدوانية:
وهو طفل لا يضطهد إخوته فقط، بل يضطهد الأطفال الآخرين أيضًا إذا وَجد أن في استطاعته أن يفعل ذلك دون عقاب، حتى إذا عوقب فإنه لا يرتدع بل يتمادى في إيذاء الآخرين، وقد يتلذذ بذلك، وعادة ما ينشأ توتر شديد بين هذا الطفل وبين والديه ومعلميه.
ثانيًا: الطفل ذو النزعة الاستفزازية:
وهو نوع آخر من الأطفال يدفعه شعوره بالعداء إلى البحث عن المتاعب فهو بطبيعة تكوينه يعمل على استفزاز الأطفال الآخرين فيدفعهم– مرغمين– إلى اضطهاده ومبادلته العدوان بالعدوان وغالبًا ما ينتهي به الأمر إلى الظهور بمظهر الحمل الوديع أو الضحية المجني عليها.
رد فعل الآباء الحلول
تقول الدكتورة سامية عطية نبيوة: بصفة عامة هناك قواعد يجب علينا – نحن الآباءَ – أن نُحاول الالتزام بها؛ حتى يمر هذا الشجار أو الخلاف بين أطفالنا دون أن يَترك بينهم مشاعر سلبية تجاه بعضهم البعض.
ومن أهم ما يعين الأبوين على احتواء الشجار والخصومات بين الأبناء عدة أمور، منها:
- نُعطي أبناءنا الفرصة لكي يَختلفوا ويُعبِّروا عن غضبهم ولو قليلاً؛ لأن القواعد الصارمة ستَجعلهم يُخرِجون ما بداخلهم بطرُق أخرى.
ولذا يجب علينا أن نلاحظ متى تزيد مشاجرات الأطفال، فكثيرا ما نسمع بعض الأمهات يشكين بأسى: لا يحلوا لهم الشجار إلا وأنا مشغولة جدا، وبذلك وضعت الأم يدها على المشكلة الحقيقي، فبينما تنشغلين في الأعمال المنزلية، أو الذهاب إلى عملك، أو الذهاب للتسوق، تتعالى أصواتهم: أخذ لعبتي، ضربني، قال لي: أنت غبي.. لا بد أن لكل هذه العبارات معانيًا مألوفة لديك.
- يجب أن نتدخَّل في الوقت المناسب إذا شَعرنا أن أحد الأبناء سيُصاب بأذى، فلا نسمح أن يأخذ الشجار شكلاً للإيذاء الجسدي بين الأطفال، فإذا حدَث ذلك يجب أن نستخدام قليلاً من الصرامة، ومُطالبتهم بالتوقف فورًا عن الشجار.
- يجب أن نكون على الحياد عند نقاش أسباب الشجار أو الخلاف؛ حتى لا نولد لدَيهم مشاعر الكراهية والشُّعور بالظلم.
- نُعلم أبناءنا أسلوب التفاوض، فإن اختلفوا على شيء نأخذه منهم ونُخبرهم أنه يُمكنهم استرجاعه بعد أن يصلوا إلى حلٍّ أو اتِّفاق.
- لا نُحاول الانحياز إلى أحد الأبناء دون الآخَر.
- القدوة في التعامل أمام الأبناء، فلا يرفع الأب صوته أو يده على الأم والعكس، وأن يبتعدا عن السباب والشتام والخصام أمام الأولاد.
- اغمر أبناءك واعدل بينهم في ذلك، فلا تُقبّل الصغير بينما الكبير ينتظر منك قبلة أخرى!
- علّم أبناءك على أن يلتزم كل واحد منهم حدود ما يخصّه، فلا يعتدي على مقتنيات غيره، عادة يتعاطف الأباء مع الصغير حين يعتدي على ممتلكات الكبير.. ويحاولون إقناع الكبير بالرضا، هذا الأمر وإن كان وجد رضا مؤقت عند الكبير لكنه يولّد في النفس أثر الشعور بالانهزامية والعدوانية.
- – علّم الصغير كيف يحترم الكبير في تقديمه عند الأكل أو الشراب، وفي المقابل علّم الكبير كيف يرحم الصغير بالمساعدة والعطف والبذل. ولا نُقارن بين أبنائنا بعبارات قاسية مثل: “أخوك أو أختك أفضل منك”؛ لأن ذلك من شأنه أن يولِّد بينهم مشاعر الغيظ والكراهية.
- لا نَترُك أبناءنا للفراغ الذي يُصيبهم بالملل.
- تهيئة المناخ المناسب لكي ينفس الطفل عن مشاعره المكبوتة عن طريق ممارسة هواياته المفضلة في اللعب والنشاط الذهني.
وبصفة عامة يجب علينا – نحن الآباء – أن نُشبع حاجات أطفالنا المختلفة، مثل: حاجات الحب والتقدير والاهتمام بهم؛ فإن ذلك من شأنه أن يُشعر الطفل أنه مقبول داخل الأسرة، وبالتالي يكون على علاقة جيدة بجميع أفراد أسرته، فتربية الأبناء متعة لا يجد لذتها إلا من استعذب صراخها وبكاءها.
- حقيقة ضرورية
الشجار بين الإخوة هو أحد أشكال الإزعاج الأكثر شيوعاً في الأسرة، إلا أن التشاحن يمثل في الواقع مرحلة طبيعية من النمو، فأطفال السنتين يضربون ويدفعون ويخطفون الأشياء، بينما يستعمل الأطفال الكبار أسلوب الإغاظة، فهم يسيئون لبعضهم من وقت لآخر عن طريق اللغة.