يواجه المسلمون في أوروبا والغرب عموما العديد من التحديات التي تفرض عليهم وضع استراتيجيات وآليات للتغلب على هذه التحديات والتي تتلخص –ربما– في خطر الذوبان والانصهار في المجتمع الغربي وذوبان هويته الإسلامية، ومع ذلك يجتهدون في إقامة قواعد الإسلام من صلاة وصوم وزكاة؛ امتثالا لأوامر الله سبحانه الذي جعل إحياء شعيرة الصيام من أركان دينه، فقد ورد في الحديث القدسي قوله تعالى: [كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به]( رواه البخاري).
المسلم في الغرب
تختلف حياة المسلم في بلاد الغرب عنها في الدول الإسلامية، حيث تطرأ في المجتمعات الغربية قضايا قد لا تكون بنفس الشكل الذي تطرح على المسلم في العالم الإسلامي، ويسعى العلماء المسلمين في دول الغرب أن يقدموا الإسلام بوسطية دون تشدد، وبطريقة يفهمها العقل الغربي.
دخل الإسلام أوروبا منذ سنة 670م من خلال الفتح الإسلامي للأندلس، وزاد انتشارا بعد الفتح العثماني للقسطنطينية عام 1453م.
وفي دراسة أمريكية نشرها مركز أبحاث بيو فى العاصمة الأمريكية واشنطن، توقع تضاعف عدد المسلمين فى دول الاتحاد الأوروبى ثلاث مرات بحلول عام 2050م.
حيث أوضحت الدراسة أن تعداد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي عام 2010 يقدَّر بـ16 مليون مسلم، لكن تقديرات العامين الأخيرين أشارت إلى ارتفاع العدد إلى نحو 25 مليون نسمة (باستثناء روسيا).
وفي الأمريكتين الشمالية والجنوبية، يقدَّر عدد المسلمين بما يقرب من أربعة ملايين مسلم، موزَّعين كالآتي: 3.5 مليون شخص موجودون في القسم الشمالي، معظمهم من أصل أفريقي، والبقية يتركزون في الوسط والجنوب، وفي أستراليا، نجد أن عدد المسلمين يزيد على 300 ألف، ويوجد بها نحو خمس وخمسين جمعية إسلامية.
تحديات أمام مسلمي الغرب
يتعرض المسلمون في الغرب لكثير من العنت والاضطهاد من قبل بعض الأوروبيين من أنصار اليمين المتطرف الذين تزعجهم رؤية شرائع الإسلام كالحجاب والصلاة وغيرها من مظاهر الإسلام.
وهى الأمور التي قد تحرمه من الاستمتاع بالطاعة مثل أقرانه في البلاد الإسلامية، ويزداد الصراع كل عام كلما أقبل رمضان حول كيفية التوفيق ما بين حرية ممارسة المعتقد وبين الأعراف العامة للمجتمع. كل هذه المشاكل التي منشؤها عدم فهم الكثير من الغربيين لطبيعة الإسلام وعظمته، ولم يصلوا للحقيقة التي وصل لها “برنارد شو” حين قال: “إن رجال الدين فى القرون الوسطى، ونتيجة للجهل أو التعصب، قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة، لقد كانوا يعتبرونه عدوًا للمسيحية.. لو تولى العالم الأوربي رجل مثل محمد لشفاه من علله كافة، بل يجب أن يدعى منقذ الإنسانية.. إننى أعتقد أن الديانة المحمدية هي الديانة الوحيدة التى تجمع كل الشرائط اللازمة، وتكون موافقة لكل مرافق الحياة” (1).
ناهيك عن الأطفال الذين قد يرى المجتمع الغربي في صيامهم أداة لتعذيب الطفولة، كما رأينا مؤخرا بيانًا لاتحاد أطباء الأطفال واليافعين في ألمانيا ناشد المسلمين بأن يحرصوا على أن يتناول أطفالهم الطعام والشراب أثناء النهار لما لذلك من أهمية على صحة ونمو الطفل، ولما لذلك من تأثير على أدائهم في المدرسة(3).
وإن كان المسلم في الغرب يجد بعض العنت في صيام رمضان إلا أن الأجيال التي تربت في بلاد الإسلام قبل أن تهاجر للغرب كانت أكثر تربية وتمسكا بشرائع وشعائر دينهم من أولادهم الذين ولدوا ونشأوا في المجتمع الغربي، حيث يجدون بعض الصعوبة في إقدامهم على الصيام لضعف الوازع الديني.
أهمية المراكز الإسلامية في الغرب
تمثل المراكز الإسلامية في البلدان الغربية أحد صور التعايش وحوار الأديان بين الشعوب، يمارسون فيها شعائرهم الدينية وعاداتهم الاجتماعية والتي نتجت بسبب انتشار الجاليات الإسلامية في تلك البلدان. بعد ظهور الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر ومع هجرة المسلمين إلى العالم الغربي (أوروبا وأمريكا) في بدايات القرن العشرين ظهرت الحاجة الملحة إلى بناء المساجد لإقامة الصلوات الجامعة إضافة إلى تخصيص فضاءات في تلك المساجد لاجتماع تلك الجاليات الإسلامية أثناء مناسباتهم كالأعياد الدينية (4).
وعن أهمية هذه المراكز مثل: كير بأمريكا، والمركز الإسلامي في أمريكا بولاية ميشيغان، والمركز الإسلامي في روما وغيرها.. يوضح الدكتور أحمد عبد الهادي شاهين ذلك بقوله: من إيجابيات المساجد في أمريكا أنها تساهم في إخراج القيادات الفعالة التي تقود العمل الإسلامي، كما أن انتشار المدارس بتنوعها يخرج أجيالًا تتمسك بدينها، مثل المدارس الخاصة التي تدرس العلوم المدنية، مضافًا إليها اللغة العربية، والتربية الإسلامية، ومنها نوع آخر يسمى (charter) وهي مفتوحة لكل من يريد الالتحاق بها من الأغنياء والفقراء.
وهناك نوع ثالث يعد من أكثر المدارس انتشارًا في أمريكا (وهي مدرسة نهاية الأسبوع السبت والأحد) حيث تقوم فقط بتحفيظ القرآن الكريم، وتدرس التربية الإسلامية، وتعليم اللغة العربية، وهذا النوع لا يكاد يخلو منه مسجد من المساجد كلها، لسهول تطبيقها، ويسر تكاليفها، وهي تعد مكملة للمدارس الحكومية (5).
ويجب على المؤسسات الإسلامية في الغرب أن يكون لها دور قوي في محاولة مزج الثقافات المختلفة للمسلمين في الغرب، بعمل إفطارات مجمعة للجاليات الإسلامية المختلفة، وأيضا عمل برامج ترفيهية تقرب بين المتناقضات وتستغل هذه الفعاليات الرمضانية لتعريف الأصدقاء غير المسلمين بالعادات والتقاليد الإسلامية وأهدافها والغرض منها.
وسائل عملية
- برنامج أسري في رمضان
ينبغي على الأسرة المسلمة التي تحيي رمضان في الغرب أن يكون لها برنامج إيماني تعبدي لتعوض جوانب النقص والقصور في الأوقات الأخرى، مثلما يذكر الدكتور علاء محمد سعيد (رئيس الاتحاد الإسلامي للأئمة بإسبانيا):
- أن يكون للأسرة المسلمة التي تقضي رمضان في الغرب هدف واضح ومحدد تريد أن تصل إليه خلال هذا الشهر الكريم.
- الاهتمام بالكيف لا بالكم، وأن يشمل البرنامج الرمضاني سائر أفراد الأسرة الصغار والكبار الرجال والنساء، ويكون مناسبا للجميع.
- التأكيد على الجانب العملي في البرنامج الرمضاني بمعنى أن تمارس الأسرة البرنامج الرمضاني عمليا مع بعضها من صيام وصلاة وقراءة القرآن وصدقة ودعاء وغير ذلك.
- التركيز على البعد التربوي للبرنامج الرمضاني الذي يغرس الفضائل ويجعل الإنسان يتحلى بما يليق بالمسلم ويتخلى عما سواه.
- النفسية والتشجيع، والتحفيز لاستغلال الشهر والاستفادة منه بوسائل يحبها أفراد الأسرة وتتوافق مع المجتمع الغربي.
- التركيز على بعض الجوانب الهامة وتنميتها في رمضان بين أفراد الأسرة مثل: [العقيدة – العبادات – الأخلاق- الارتباط بالمساجد – الحفاظ على الهوية الإسلامية].
- قراءة فقه وأحكام الصيام في المنزل، وما يتعلق بشهر رمضان الكريم، أو الاستماع للدروس والمحاضرات التي توضح ذلك.
- توفير ما تحتاجه الأسرة في رمضان من الكتب والمصاحف والأشرطة والمطويات وغير ذلك ما يشجع ويحفز ويساعد في القيام بالعمل.
- السحور والإفطار معًا قدر الإمكان مع التذكير بالآداب والأدعية النبوية المتعلقة بذلك، مع الحرص – إن أمكن – على اصطحاب العائلة لصلاة التراويح.
- جلسة إيمانية في البيت قدر المستطاع، مع العناية بالقرآن الكريم تذكيرا أو قراءة أو استماعا.
- أن يقترح كل فرد أنه سينمي خلقًا عنده أو يعدل سلوكًا خاطئًا خلال الشهر، والتنافس المحمود في الطاعة.
- التزاور بين الأسر خلال الشهر – قدر الإمكان – ولا يقتصر الأمر على الطعام والشراب.
- الاهتمام بالتهجد قبل السحور في البيت ولو مرة أو مرتين في الأسبوع لكل أفراد الأسرة مع العناية والاهتمام بالعشر الأواخر لترقية التمسك بشعائر الإسلام وغرسها في الأبناء.
- الإهتمام بإعطاء القدوة الطيبة للمسلمين ولغير المسلمين حين يعرف المسلم أنه صائم التزاما بفرائض الله وقياما بشعائر هذا الدين وأن ذلك لا يزيده إلا قوة في الخلق وسموا ورقيا في التعامل مع الناس(6).
ويقترح الدكتور خالد حنفي (رئيس لجنة الفتوى بألمانيا) بعض الوسائل المحفزة للأولاد، ووضع برامج وأطر تحاول الأسر المسلمة في الغرب التعامل بها مع أطفالهم في هذا الشهر الكريم، ويتماشى مع ظروف ووضع المجتمع الغربي ومنها:
- رعاية سن وصحة وظروف الأولاد الدراسية في مخاطبتهم بالصيام.
- تجنب الدخول في مقارنات أولادك في الصيام مع أولاد أقاربك في وطنك الأصلي، متجاهلا التحديات التي يفرضها الواقع الأوروبي على صيام أولادك هنا.
- تزيين البيت بالزينة الرمضانية وإشراك الأولاد في إعداد تلك الزينة، وإشعارهم بفرحة رمضان وانتظار قدومه من عامٍ إلى عام (7).
أخيرا
إن حقيقة التدين الصادق هي المحاولة الدائمة لرسم صورة لمجتمع يضم أفرادا ملتزمين، يحاولون تطبيق أحكام الدين، حتى تكون تصرفاتهم هي التعبير الواضح عن دينهم، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم في الغرب في رمضان.
المصادر
- أنور محمود زناتي: زيارة جديدة للاستشراق : مع دراسة للرؤية الاستشراقية المنصفة للرسول محمد (صلى الله عليه و سلم)، مكتبة الأنجلو المصرية، 2006م، صـ215.
- أحمد علي حسن: 2050 عام فارق .. لماذا وكيف ينتشر الإسلام في الغرب؟، 6 مايو 2019، https://bit.ly/3tUoTzM
- ميسون ملحم: مسلمو أوروبا يعيشون رمضاناً ساخناً، 23 مايو 2018، https://bit.ly/3aEg4mq
- حفصة رمزي العمري وأخرون: عمارة المراكز الإسلامية في البلدان الغربية، مجلة اتحاد الجامعات العربية، العدد 2 المجلد 24، 2017م.
- أحمد شاهين: دور المراكز الإسلامية في الدعوة، https://bit.ly/3nlYt7D
- علاء محمد سعيد: رمضان في الغرب.. كيف يستفيد مسلمو أوروبا من الشهر الكريم؟ إسلام أون لاين، https://bit.ly/3sSliBh
- خالد حنفي: مسلمو أوروبا وواجبهم تجاه أولادهم في رمضان، 1 مايو 2019، https://bit.ly/3euBOSB