أنا شاب منّ الله – عز وجل- عليّ بعمل في مؤسسة خاصة يُدر عليّ ما يكفيني أنا وأسرتي ويفيض.غير أنني أشعر بوخز شديد في ضميري جرّاء ما أراه من مدير المؤسسة التي أعمل بها، فقد شككت من خلال اقترابي منه ومن معاملاته المالية أنه يسرق صاحب المؤسسه كثيرًا هو وبعض الموظفين في المؤسسة الذين يعملون تحت إدارته المباشرة كذلك. وأصحاب المؤسسة يثقون فيه ثقة عمياء ما حدا بهم لترك أمورها المادية له يتصرف
فيها كيفما شاء. وهذا ما جعله يُوظف بعض أقاربه في المؤسسة الذين كانوا بالطبع شركاء في كل ما يفعل.
والآن أصحاب العمل لا يصدقون فيه كلمة سوء تُقال في حقه، ولم أستطع أن أنبس ببنت شفة ناهيك عن تخويفهم لي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالتلميح تارة وبالتصريح تارة أخرى، كل هذه الأسباب جعلتني أخاف أن أخبر أصحاب العمل بما آلت إليه أمور مؤسستهم، ناهيك عن جبني وخوفي الشديدين منهم وعلى راتبي الذي أتقاضاه، أنا لست من المشاركين لهم ولا أقبل على نفسي مالاً حرامًا، غير أنّ تأنيب الضمير يطاردني صباح مساء وأنا الذي أنفق على نفسي وولدي من خيرات هؤلاء الناس أصحاب هذه المؤسسة فكيف لي أن أسكت على نهب أموالهم وسرقتهم بهذه الطريقة، لكن ماذا أفعل؟
الإجابة:
الخوف بداخلنا شعور فطري لا اختيار لنا فيه، ولا عيب من كونك خائفًا، لكن الاستسلام والتمادي مع مشاعر الخوف هذا ما يكمن فيه الاختيار، والاسترسال مع الحسابات المادية والبشرية والتفكير المطول في العواقب هو ما سيرسخ داخلك هذا الخوف، تُفكر في الرزق والمال وتخشى على نفسك من الإيذاء، الذي سيقطع هذه الدائرة المفرغة هو أن تُفكر في الأمر بطريقة مختلفة ثم تتخذ القرار.
عليك أن تعي جيدًا أن سكوتك يعني شراكتك وليس كما تظن أنك غير مشارك لهم، وتخويفهم لك تلميحًا وتصريحًا ما هو إلا محاولة منهم لتوريطك معهم، يومًا ما سيعلم أصحاب العمل بعلمك ولن يكون تبرير سكوتك حينها مقبولًا هذا إن لم يظنوا أنك شريك فعلي لهم.
ضع نفسك مكان أصحاب العمل، ألن تتساءل: أليس منكم رجل رشيد؟!، ألم تكن لتتمنى لو أخبرك أو حذرك أحدهم ما دام أن الأمر معروف وملحوظ هكذا.
نخشى أنّ سكوت أهل الحق يُوهم أهل الباطل أنهم على حق. لذلك كان من أسباب لعن بني إسرائيل التي ذكرت في القرآن أنهم: (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، كانوا يسكتون عن المعاصي ولا ينكرونها على بعضهم البعض فيستمرؤون ويعتادون فعلها.
كما أنه كلما تحير المرء في أمر ما فوجد فيه نصًا قرآنيًّا أو أمرًا ربانيًّا، زالت حيرته واتضح له ما وجب فعله دونما أي تردد أو تفكير. تأمل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا). تأمل جيدًا الأمر الوارد في الآية بالشهادة لله مهما كانت عواقبها على النفس أو الأقارب، ومهما كان نفوذ وغنى أو فقر من تشهد عليه. واحذر من تغليب الهوى على الحق وتذكر اطّلاع الله عليك.
وإن كان هؤلاء المديرون ضيّعوا الأمانة فلا تضيع أنت أمانة الكلمة والشهادة وثق في مردود ذلك عليك بالخير وإن بدا لك ما تعتقد أنه شر: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
قوِّ عزيمتك وفكّر في طريقة مناسبة تُخبر بها أصحاب العمل واستشر فيها من تثق بحكمته إن رأيت أنه لا جدوى من نصح هؤلاء المدراء، وما دمت تأكدت من فعلهم وإصرارهم، دون أن تضطر للمواجهة أو لكشف شخصيتك عملًا بقول رسول الله: (لا ضرر ولا ضرار)، فليس شرطًا لفضح الباطل أو قول الحق أن يتم ذلك ولو كان فيه هلكة أو مضرة بل ابحث عن قوله بلا ضرر، ولكن لا مناص من قوله.