الاستشارة
أنا متزوجة منذ خمس سنوات، زوجي للأسف عديم المسؤولية، يحب جلسة البيت أكثر من نفسه وفي نفس الوقت يحب أن يصرف المال من غير تعب، شخص أناني جدا!
والده يحصل على معاش ممتاز، ويساعدنا في كل المصاريف تقريبا (أكل وشرب وغاز ومياه وكهرباء) ربنا يكرمه، هو كبير في السن وحاليا ترك لي المعاش، وأنا الذي أقضي طلباتهم وطلبات بيتي كذلك، بالإضافة إلى أن لدي توأم.
زوجي يريد أن يجلس في البيت ويصرف من معاش والده الذي لا يكفي إلا الأكل والشرب بالكاد، تكلمت كثيرًا وتطور الأمر للضرب في بعض الأحيان، لا أعرف ماذا أفعل معه حتى يحب المسؤولية، ويصرف علينا، حتى الأولاد لم يذهبوا للحضانة بسببه، تعبت وأشعر بالنقص، وصل بنا الحال أننا نبيع شقتنا التمليك ونعيش مع والده ووالدته في إيجار قديم، وغيرنا العقد باسمنا وفلوس الشقة أودعناهم في البنك والأرباح نشتري بها احتياجاتي أنا والأطفال.
المبلغ بسيط الحمد الله، لكن ينقصني شعور أن معي رجلا حقيقي يحمل عني المسئولية وينفق علي، بدلا من أن يمد يده لأخذ المال لشراء السجاير وأشياء أخرى.
نفسيتي أصبحت سيئة جدًا بالإضافة لكونه غير مسئول، فهو بخيل في مشاعره وأناني جدًا، يبحث عن نفسه وفقط، وبرغم كل هذا فهو يحب أولاده كثيرًا ومتعلق بهم وهم أيضًا متعلقون به، لكنه لا يتعب لأجلهم، هو لديه عمل لكنه لا يذهب فبالتالي يتقاضى آخر الشهر مرتبًا زهيدًا جدًا لا يكفي حاجته ويأتي لطلب المال مني ونظل في عراك دائم! أنا تعبت جدًا وحزينة أن ليس معي رجل.
الرد
السائلة الكريمة:
هدى الله لك زوجك وأخلفك في مشاعرك وضيق ذات اليد خيرًا، نتفهم جدًا حزنك وغضبك وحيرتك، هدى الله قلبك لما فيه الخير لأمر دينك ودنياك.
بدايةً.. الزواج مسئولية وشراكة، فلا نعرف على أي أساس اخترتِ زوجك؟!
ماذا رأيتِ فيه من مميزات؟ وهل اختفت كلها بالكلية؟!
هل لم تظهر عليه صفة الكسل وقلة تحمل المسئولية قبل الزواج، أم أن شيئًا جد في حياتكم بعد الزواج أوصله لهذا الحال؟!
فالشخص غير المسئول تظهر صفاته جلية واضحة، وإن قلّت خبرتك في الحياة قبل الزواج، فلا يصعب على الأهل اكتشاف تلك المشكلة.
نسأل هذا السؤال من أجل الوقوف على أسباب اتكالية الزوج وعدم سعيه على مسئولياته، فإن كان الأمر يرجع إلى خلل في تنشئته نتيجة تدليل مفرط، أو والدة متسلطة، أو غيرها من أسباب أدت جميعها في النهاية لتنشئة شخص غير مسئول، أم كان زوجك شخصًا مسئولًا وحدثت له ظروف تسببت في انتكاسته لهذا الحد؟! الإجابة على هذا السؤال هو مفتاح حل مشكلتك.
قد يكون الزوج تعرض لإحباط شديد في مجال عمله، أو وقع في مشكلة أكبر من أن يواجهها، ففقد الثقة في نفسه، ودخل في دائرة من الإحباط والاكتئاب، أنت من تستطيعين الإجابة على هذا السؤال، وفي كل الأحوال هذه النوعية من المشكلات ليس لها إلا طريقين للحل.. الصبر مع محاولة الإصلاح، أو الطلاق.
ولكن قبل أن تختاري طريق الطلاق، عليك أن تفكري هل الطلاق سيحل المشكلة أم يعقدها، بعض الحالات يكون الطلاق حلًا مع استحالة العشرة، خصوصًا إذا كان أهل الزوجة داعمين لموقفها متفهمين ومقدرين تبعات القرار، أو أن الزوجة لديها عمل أو تقدر على العمل حتى لا تخرج من مشكلة وتدخل في مشكلات أخرى.
من الأمور التي نرى أنها تعقد فكرة الطلاق في حالتك، عدم وجود شقة ملك تكونين فيها حاضنة، ويبدو أن أهل الزوج يئسوا من إيجاد حلول أفضل من ترك المعاش لك، وضم سكنكم إلى سكنهم والعيش تحت سقف واحد، في محاولات منهم طيبة- منقوصة بالطبع- وذلك لإيجاد حلولٍ عملية، لكنها في الحقيقة محاولات غير كافية.
فإما الزوج غير فاقد للأهلية، فهو مطالب شرعًا بالإنفاق عليك وعلى أبنائه لقول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء: 34)، وقوله: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} (الطلاق: 7)، بل عليه أن يحمل هم أهله الكبار بدلًا من أن يحملوا هم همه- هداه الله.
وإما الزوج فاقد للأهلية، فبقائك معه بدعوى تعلق الأولاد به، هو بقاء مهلك لك ولروحك، وقد تكون تبعاته على الأطفال المتعلق بهم تبعات مزعجة بالفعل.
قد يحتاج الزوج وأهله إلى الاستماع من الأهل ومنك على منح الزوج فرصة للإصلاح وإلا تفريق بإحسان يخلفك الله خيرًا منه، كوني على يقين في ذلك، إن غلقت أبواب انصلاح الأحوال في وجهك.
ابنتنا الكريمة:
الزواج مبني على أساس الود والرحمة والسكينة وما تشتكين منه أمر يزلزل أركان أي بيت، فإن رأيت ودًا من زوجك يومًا ما، فذكريه بتلك الأيام الخوالي، واسأليه بلطف عن أسباب تبدل أحواله، فلا نيأس من محاولة الإصلاح بالصبر وبالدعاء فكم من بيوت تصدعت وأوشكت أن تنهار على رؤوس ساكنيها ولكن باللجوء إلى الله تحسنت أحوالهم كثيرًا.
وبالرغم من سوء ما تعانين منه، وشفقتنا من تجرعك آلام الحرمان إلا أن حلول أهل الزوج تهدئ من حدة الخلاف بعض الشيء، لكنها كالمسكنات ابنتنا الكريمة، أطال الله عمر أهل الزوج، فماذا أنت فاعلة إذا قضى الله ما يقضي به على البشر، وانقطع المعاش بوفاتهم؟!
هذه حلول إذًا مؤقتة، والعبرة في استمرار زواجك انصلاح حال الزوج وأخذه خطوات عملية للتغيير، وذلك من خلال:
- جلسة هادئة للمصارحة.
- اعرضي عليه التحدث لمختص إذا رأيت أن لديه مشاعر عجز وإحباط وفقدان ثقة، هذا العرض يحتاج إلى حكمة واختيار ذكي لمفردات حديثك معه وتذكر أننا بصدد حل المشكلة لا تضخيمها فانتقِ أطايب الكلم كما أمرنا أن نقول للناس حسنى.
- إذا كان هذا قدرك في تحمل أعباء ليست عليك بالأساس، فلا تملي من تحميله معك المسئولية، فإن رأى الزوج منك قدرة على تحمل المسئولية، لن يترك راحته مختارًا، فاتفقي معه على بعض المهام التي تقع في مسئوليته، كأن يتابع احتياجات والديه الكبار، ويساعدك في تربية صغارك، فلا تحملي نفسك ما لا طاقة لك به.
- إذا وجدت من زوجك تحسنًا- ولو طفيفًا- فاشكريه على ذلك، نعرف أن هذا ليس بالأمر اليسير، لكن لعله بابٌ لدخولك الجنة (صبرك على زوجك ومحاولة إصلاحه).
- خططي للعمل حتى وإن تحسن حال زوجك، فلا تعلمين ما بالغد، نأمل في الله ونكون على يقين أنه الخير بإذن الله، ولكن لا تكوني دائما رد فعل، اسبقي ظروفك بخطوة، وكوني على يقين أن الله سبحانه وتعالى إذا كلف أعان، فكم تيسرت في هذه الآونة بعض الأعمال التي لا تحتاج لخروج المرأة من المنزل، فابحثي عما يناسبك واستعيني بالله، يرزقك الله خيرًا.
- استشيري من تثقين فيهم من أهل التقوى أن يرشح لك محاميًا يؤسس لك منهجية في إدارة حقوقك المالية إذا لم ينصلح حال زوجك لا قدر الله.
- أكرمي والديه ما استطعت إلى ذلك سبيلًا لعل أن تصيبك دعوة رضا منهم فينصلح حال زوجك فهما اجتهدا على قدر ما تيسر لهم، وطالبيهم بمزيد من المحاولات الحقيقية لحل المشكلة من جذورها، حتى إذا ما يئسوا من الإصلاح، كانوا بأنفسهم عونًا لك في أية قرارات قادمة، فلا تخسري ودهم تحت وطأة ضيقك من زوجك، اجعليهم يقفوا في صفك.
- إلزمي الدعاء بما يفتح الله به عليك، فلا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.
ولو كان بإمكاننا أن نتحدث مع كل من يهمل مسئولياته، فإنا نذكره بقول الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول.
كما نذكر الرجال بحقوق زوجاتهن عليهم، فعَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : (أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ)، فإن ملكك الله زوجة فاتق الله فيها وأحسن رعايتها، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
أصلح الله لك حالك ابنتنا الكريمة، وأقر عينك بصلاح زوجك، وبارك لك في رزقك وفي ولدك.