السؤال
ابني يبلغ من العمر 13 سنة، وهو متفوق دراسياً، لكنه لا يهتم بأغراضه نهائياً؛ هاتفه ضائع، وأدواته المدرسية كذلك، حتى النقود! كل يوم قصة ضياع جديدة، وقد شكّل هذا لديه عقدة حقيقية، فأصبح يبكي كلما فقد شيئاً ويطلب مني ألا أحمّله مسؤولية أي شيء حتى لا يضيع منه. كيف أساعده؟ صعب عليّ هذا الأمر، خصوصاً أنه متفوق دراسياً وأخشى أن تهتز ثقته بنفسه بسبب ضياع الأشياء.
الرد
أهلاً بك في موقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية ومختلف صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي.
كلنا عرضة لضياع الأشياء بشكل أو بآخر، ولكن حين تصبح هذه الصفة ملازمة لشخص، فإن ذلك يدعونا للتوقف والبحث في أسباب المشكلة.
لا يوجد تعارض بين كون ابنك متفوقاً دراسياً وبين فقده المتكرر لأغراضه، فالذكاء لا يعني بالضرورة الترتيب والحفاظ على الأشياء. البداية تكمن في التأكد من خلوه من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وذلك عبر مختص يمكنه إجراء تقييم دقيق، أو حتى من خلال الاطلاع المبدئي على أعراض هذا الاضطراب. سنضع لك في نهاية الاستشارة رابطاً لاستشارة سابقة يمكنك الاطلاع عليها والاستفادة منها.
الأمر يسير علاجياً بإذن الله، فهناك تدريبات معينة تساعد على تحسين السلوك. وقد عاش الكثيرون مع هذه المتلازمة دون معرفتهم بها، بينما اكتشف آخرون إصابتهم بها في سن متأخر، وكان التشخيص بحد ذاته سبباً في تهدئة النفس وفهم سبب الفوضى المتكررة في حياتهم. لذا، لا داعي للقلق مطلقاً إن كانت لديه بعض سمات التشتت؛ فالوعي بالمشكلة هو الخطوة الأولى نحو الحل.
فيما يلي بعض الأسباب التي قد تساهم في فقدانه المتكرر لأغراضه:
1. التأثيرات الاجتماعية والنفسية: قد يكون هناك نموذج قريب يتصرف بطريقة مماثلة كالأب أو أحد أفراد العائلة.
2. الفوضى في المنزل: عموم الفوضى في البيت وعدم التنظيم قد ينعكس على سلوكيات الطفل.
3. غياب القدوة العملية: عدم وجود قدوة عملية في الحفاظ على النظام والترتيب.
4. التوتر المحيط بالطفل: الجو المحيط بالطفل إذا كان مليئاً بالتوتر والقلق، قد يؤثر على صحته النفسية، مما يقلل من قدرته على التركيز والانتباه.
5. الاعتماد على مساعدة الآخرين في المنزل: عدم تحميل الطفل مسؤولية تنظيم أغراضه منذ الصغر.
6. الوفرة: ضع خطاً وألف خط تحت مفهوم “الوفرة”. عندما يمتلك الطفل بدائل عديدة للقلم أو الكراسة، يؤدي ذلك إلى تعلم الفوضى وتسهيل الاستغناء عن الأشياء بسهولة. الوفرة هي أحد داءات هذا العصر التي تساهم في الكثير من الظواهر السلبية.
7. التعرض الدائم للإلكترونيات: كثرة التعرض للإلكترونيات قد تقلل من التركيز، إضافة إلى تأثير الشحنات الكهربائية التي تؤثر على صحة الدماغ. لا شك أن معظمنا لاحظ تدهور الذاكرة والتركيز بسبب الاستخدام المفرط للتقنية.
الحل:
1. عدم الوصم والصراخ:
تجنب نعت الطفل بأنه “مضيع الأشياء”، فهذا قد يرسخ لديه صورة سلبية عن نفسه ويضعف الأمل في التحسن. كذلك، فإن الصراخ يؤثر على قدرة الطفل على استقبال التعليمات، إذ تتعطل مستقبلات المخ عند الصراخ كما تنغلق قبضة اليد، وبالتالي لا يمكن تمرير أي شيء من خلالها. المعلومات أيضًا لا تمر بالصراخ!
2. الحوار:
من خلال الحوار قد نصل إلى أسباب تكرار ضياع الأشياء منه، وقد تجدين الحل في كلامه. الحوار لا يكتفي فقط باكتشاف الأسباب، بل يساهم في الوصول إلى حلول واقعية.
3. التعاطف:
عندما يشعر الطفل بأنك تتفهمين إحساسه تجاه فقدانه لأشيائه وما يرافقه من إحباط، فهذا يقلل من مشاعر الخوف لديه في المرات القادمة ويعزز مسؤوليته نحو تجاوز هذه العقبات. من المفيد أيضًا أن تحكي له عن مواقف شبيهة مررتِ بها وكيف تجاوزتها، لئلا يشعر بخيبة أمل أو أنه الوحيد الذي يواجه هذه الصعوبات.
4. تقليل وقت الإلكترونيات:
بات من المهم للجميع، كبارًا وصغارًا، إدراك خطورة التعرض المفرط للإلكترونيات وتأثير الشحنات الكهربائية على الدماغ. تقليل وقت استخدام الهاتف وشغل الطفل بما هو مفيد أمر مؤكد.
5. حفظ وفهم وتدبر القرآن:
القرآن يبعث الطمأنينة ويشغل وقت الطفل بما هو مفيد، مما يقلل من تعرضه للإلكترونيات ويعزز نشاط المخ من خلال التركيز على المتشابهات وحفظ الآيات بالتدبر. هذه المهارات تدعم تنظيم الطفل لأغراضه، إذ يستخدم طرقًا جديدة للتذكر تعينه على الحفاظ على أغراضه.
6. التدريب على تنظيم أغراضه:
• تقديم خطوات واضحة بدلاً من تعليمات عامة.
• ترتيب أغراضه في منظمات مثل المقالم والأدراج، وتخصيص كل درج لغرض معين.
• كتابة اسمه على أغراضه، خصوصًا الأدوات المدرسية.
• عدم إحضار البدائل السريعة مهما فقد، حتى يعتاد البحث عن المفقود.
• تحميله مسؤولية تنظيم حجرته مهما تبعثرت أغراضه، فهذا يعد جزءًا من مسؤوليته الشخصية.
7. تحمل المسؤولية:
رغم تكرار فقدانه لأشيائه وبكائه، لا يعني هذا عدم تحميله المسؤولية مجددًا. بدلاً من ذلك، نسهل له المهمة ونذكره بما لديه من نقود ونساعده في وضعها في جيب محدد، ونكتب له الطلبات في ورقة ليتعلم تتبع ما أحضره وحساب المشتريات.
8. تشجيع أي تقدم ولو كان بسيطًا:
معرفة الأسلوب الأكثر نفعًا وتحسين أدائه وتطبيقه، مع تجريب وسائل متعددة مثل عد أغراضه، استخدام حقيبة بجيوب، وعدم إعطاء البدائل، وغيرها من الأفكار.
9. التركيز على الألعاب التي تعتمد على الذاكرة والتأمل:
الألعاب التي تتطلب التذكر والتدبير، إلى جانب التأمل في خلق الله، يمكنها تعزيز ذاكرة الطفل وتركيزه؛ فالكون الواسع من حولنا هو وسيلة رائعة تساعدنا على تجاوز الكثير من الصعاب إن أحسنّا استثمارها.
السائلة الكريمة،
نقدّر فيك حرصك على البناء والتعاطف مع طفلك بدلاً من وصمه أو نقده، ونشجعك على الاستمرار في هذه الحكمة في التعامل معه، حتى لا تتحول هذه المسألة إلى عقدة حقيقية وفقد للثقة بالنفس كما أشرتِ.
بارك الله لك في ابنك، ومنحه التفوق في الحياة كما حباه التفوق الدراسي، فالله -سبحانه- هو من يربي لنا أبناءنا ويصنعهم على عينه.
إليك رابط استشارة فرط الحركة وتشتت الانتباه، لعلّك تجدين فيها النفع: رابط الاستشارة