لقد كان الإمام البنا – رحمه الله- قدوة في التعامل مع الناس بشتى توجّهاتهم، حتى إن العدو شهد له بذلك قبل الصديق، ورغم أنه اجتهد في ميدان الدعوة إلى الله بكل ما أوتي من قوة ووقت ومال، لم يهمل – كذلك- أهل بيته، فكان نعم المربي والقدوة للأبناء، ونعم الزوج لشريكة الحياة، ومن قبل ذلك كان الطفل ثم الشاب البار بوالديه.
بل حرص الإمام، على أن يتعرف إلى كل أهل زوجته وأقاربها، وكل مَن له صلة رحم بها، وكان يزورهم جميعًا، وكثيرًا ما كان يُفاجئ زوجته بأنه قد زار قريبها فلان اليوم، وكان – رحمه الله- يُعامل خادمته كأنها من أهل البيت، حيث كان للخادمة مثل أولاده سرير مستقل ودرج مستقل.
بر الإمام البنا بوالديه وإخوته
لم يكن الإمام البنا الابن الوحيد لوالديه، لكنهما حرصا على حسن تربيته كابنٍ بكرٍ لهما، كما لم يقصروا مع بقية إخوته: عبد الرحمن، فاطمة، محمد، عبد الباسط، زينب، أحمد جمال الدين، فوزية.
يقول جمال البنا: “أراد الوالد- رحمه الله- لبكره حسن أن ينشأ نشأة إسلامية حقيقية، وأصر أولًا على أن يحفظ القرآن، واستكمل له الكثير من جوانب الثقافة الإسلامية في هذه السن المبكرة، ثم عهد به إلى الشيخ محمد زهران” ([1]).
لقد نال حسن البنا بحسن خُلُقه وبره بوالديه قلبيهما، حتى إن أمه حينما ضاقت السبل بهما أصرت على إتمامه التعليم وباعت سواريها، وكانت مضفرة ثقيلة من الذهب البندقي كما يقولون، ما دفع البنا الصغير عندما تجاوز مرحلة الطفولة إلى معاونة أبيه في إصلاح الساعات، وقضاء بعض الأعمال نيابة عن الوالد، وحينما انتقلت الأسرة كلها إلى القاهرة- في أثناء فترة الجامعة- كان والد الإمام الشهيد يكلفه بقضاء العديد من المصالح وتسوية بعض المشكلات بالبلد (المحمودية) بعد أن مضى على انتقاله إلى القاهرة ([2]).
وبعدما عُيِّن الإمام في الإسماعيلية شعر بثقل الحمل على والده، فكان يمد أباه بربع أو ثلث مرتبه، فضلًا عن استضافته بعض إخوته، وذلك عندما ضاقت أحوال والده المادية، يقول جمال البنا: “عندما بدأت الضائقة الاقتصادية تطبق عليه (والد الإمام) أعانه ابنه الأكبر – حسن- بمبلغ أربعة أو خمسة جنيهات، فضلاً عن أنه استقدم إليه بعض أشقائه لمدد طويلة”.
ولم تقتصر مساعدة الإمام الشهيد لوالديه على المساعدة المادية، بل ساعد – أيضا- في تربية إخوته من الناحية الخلقية ومن الناحية العلمية، ولم يكتف بالاهتمام بمن يعيش معه من إخوته بل كان يقدم النصيحة للأب للعناية ببقية الأخوة.
فهو يقول في أحد خطاباته لوالده: “أما جمال فهو مسرور كل السرور وقد أدخلته مدرسة أولية فهو يتعلم بها ويحبه أساتذتها ويكرمونه جدًا، أما فاطمة فأنا أوصيها كلما سنحت الفرصة الوصايا التهذيبية وسأشرع معها في القراءة والكتابة بحول الله وقوته؛ وعبد الباسط كذلك أهتم بتهذيبه جدًا، وبالجملة فآمل بعون الله أن أوفق إلى إرشادهم خير الإرشاد إلى ما ينفعهم في المعاش والعبادة، ولهم درسان في الأسبوع بعد العشاء يحفظون فيهما الحديث، وكم يكون سروركم عظيمًا إذ سمعتم جمال الدين وهو يقرأ الأحاديث التي حفظها بتجويد وإتقان مثلًا: “يا معاذ أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، ولتبك على خطيئتك”، وحديث: “صِل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك، وقل الحق ولو على نفسك”…إلخ، وكذلك الجميع، ولنا جدول منظم يشمل الرياضة والمذاكرة والسمر والطعام، فاطمئنوا من هذه الوجهة كل الاطمئنان.
وزارنا بعض الإخوان المدرسين والموظفين، فكان لتلك الزيارات أثر في نفس عبد الباسط جعله يتعلم كيف يتأدب ويقابل الناس وهكذا، وقد فصلت لكل منهما جلابيتين من الياباني وضمنت عليهما النظافة وعدم السير بالحفاء، ودوام الصلاة والنظام والغسل ونحو ذلك، فأصبحا يسران الناظرين وأسأل الله التوفيق والإعانة، والذي أرجوه أن تؤدبوا محمدا وفوزية كما أؤدب أنا عبد الباسط وجمال”([3]).
بل كتب الإمام لوالده يعاونه في طرق التربية الصحيحة والحديثة، لتحبيب الأولاد للنظام والاعتماد على الذات – وهو ما مارسه أيضًا مع أبنائه- فيقول لوالده في خطاب: “سيدي الوالد.. الآن عرفت أن الأولاد إذا شعروا بالنظام في المنزل نظموا كل أعمالهم، ولذلك أرجو أن تنظموا المنزل نظامًا حسنًا، فمثلًا تجعلون الصالة لسفرة الأكل، وحجرة للجلوس والمذاكرة، وحجرة لنومكم، وحجرة لنوم محمد وعبد الرحمن، وتضبطوا مواعيد الطعام والنوم بقدر الإمكان” ([4]).
يقول الأستاذ جمعة أمين: “ولم يفعل البنا ذلك على سبيل التفضل على والديه، بل يرى أن ذلك حقهم ويرى أن من حقهم متابعة كل تصرفاته المادية، حتى أنه في خطاب من خطاباته يشرح له مصروفاته خلال ثلاثة أشهر ما تم صرفه وما تم استدانته من الأصدقاء، ويتوقع منهم ألا يتقبلوا بعض التصرفات فيقدم لهم عذره عن هذه التصرفات ومبرراته لفعلها، ويطلب من والده بعد شرح ظروفه أن يسكن غضب والدته عليه ويرضيها عنه بحكمته”.
وقد كان البنا مثالًا لما يجب أن يكون الابن لوالديه، فقد كان أسعد أيامه- كما يقول- يوم يرضى عنه والداه، فهو يقول في أحد خطاباته: “فقد ورد خطابكم الكريم، وإن اليوم الذي أستطيع فيه إرضاءكم هو أسعد أيامي حقًا، وعقيدتي أنني ما خُلقت إلا لأرضيكم، وليس لي من الحق في كل ما يقدره الله لي بعض ما لكم، ذلك ما أعتقده وأقوله بإخلاص ويقين؛ والذي أريده فقط أن تغتبطوا بذلك وتعلموه وأن تخفف سيدتي الوالدة من ألمها لعدم التوفير، فإن هذه ضرورة لا بد منها ستنفرج عما قليل، والله إنني لأقضي ساعات طوال في ألم لتألم والدتي وفي تفكير كيف أرضيها وكيف أسعدها وكيف أجعلها هانئة مغتبطة، فهل يوفقني الله إلى هذه الأمنية” ([5]).
الإمام البنا زوجًا
وعندما حان الوقت طلب الإمام البنا الزواج، لكن مَن هي تلك الفتاة التي تقترن برجل مثله؟ رجل شغف بدعوته حبًّا فهام بها، وطرق أبواب الغافلين ليعرفهم بدعوته، رجل حياته كلها أسفار ومحن وابتلاءات.. فمن هي تلك العروس التي تناسبه؟
فالفتاة التي يطلبها حسن البنا لا بُد من أن تعرف كيف تُضحي وتُجاهد وتبذل في سبيل الدعوة، ليس من أجل زينة الدنيا لكن من أجل وجه الله ذي الجلال والإكرام.
كان الإمام بارًّا بأبويه، ويستبشر خيرًا بكل ما يأتيه عن طريقهما، فهو المحب لهما، الواثق في صلاحهما.. حدث أن كانت أمه في زيارة بالإسماعيلية، وكان من عادتها زيارة بيوت الإخوان هناك، وفي إحدى زيارتها لبيت الحاج حسين الصولي، سمعت صوتًا نديًّا يقرأ القرآن في خشوع ترق له القلوب، فانجذبت نفسها إليه، وسألت عن صاحب الصوت، فأجابتها حرم الشيخ الصولي: إنها ابنتنا (لطيفة) تُصلي، فأحبتها أم الإمام، وتأثرت بنبتة هذا البيت الطيب، وبعد أن فرغت من الصلاة قدمت ترحب بالضيوف، وكانت أم الإمام تنظر في وجه الفتاة فتجده مشرقًا بالإيمان فداخلها شعور بصلاح الفتاة.
وعادت ونقلت إلى ابنها أنّ هذه الفتاة جديرة بأن تكون زوجة له، ولم تكن الآنسة لطيفة تدرك أن صوتها الخاشع سيكون رسولها إلى قلب الإمام أيضًا، بعد أن فهمت أمه ماذا يريد ابنها من مواصفات في رفيقة الدرب والحياة.
وما إن سمع مشورة والدته في الزواج حتى توجه على الفور إلى بيت الحاج حسين الصولي يطلب يد الفتاة، وكان حادثًا سعيدًا تلقاه الجميع بالقبول مبتهجين مستبشرين ([6]).
كان الإمام حريصًا على حسن معاملة زوجته، فكان مثالًا طيبًا للزوج مع أهله – على الرغم من مشاغله الكثيرة وكثرة أسفاره- فإنه استطاع أن يُوازن بين حقوق بيته وحقوق دعوته، مما ترك أثرًا طيبًا عليها، حتى أنه حينما جهز الإمام البنا أول مركز عام طلبت منه أن يأخذ كثيرًا من أثاث البيت ليجهز به المركز العام.
وكان يعمل على توفير احتياجات أهله، والذي وصفه ابنه سيف الإسلام بقوله: “كان يكتب بنفسه الطلبات التي يحتاج إليها المنزل شهريًّا، ويدفعها في أول كل شهر إلى أحد (الإخوان)؛ وهو الحاج (سيد شهاب الدين) صاحب محل البقالة الشهير ليوفر هذه الطلبات في كل شهر”.
حسن البنا مع أولاده
ولم يُهمل الإمام البنا تربية أبناءه أو انشغل عنهم من أجل دعوته، لكنه وازن بين كل هذه الأمور؛ فأحسن التربية.
فكان لكل ابن من أبنائه ملفًا (دوسيه) خاص يكتب فيه الإمام بخطه تاريخ ميلاده ورقم قيده وتواريخ تطعيمه، ويحتفظ فيه بجميع الشهادات الطبية التي تمت معالجته على أساسها، وهل أكمل العلاج وكم استغرق المرض إلى آخر هذه التفاصيل، وكذلك الشهادات، الدراسية ويدون عليها البنا ملاحظاته، يقول سيف الإسلام: “لا أزيد أو أبالغ في أمر من الأمور حينما أذكر أن الإمام حسن البنا كان رب أسرة مثاليًّا.. منذ أن وعيت لم أشعر يومًا- سواء في طفولتي أو صباي- بأنه قصَّر في العناية بنا أو الاهتمام بأمورنا، بل لعلنا نعجب حينما نشعر أننا لم نصل إلى درجة في مثل هذه العناية.
كان لكل ابن منا من أبنائه حينما يولد (دوسيه) خاص، يكتب فيه الإمام بخطه على وجه الدقة تاريخ ميلاده- ورقم قيده- وتواريخ تطعيمه.
ويحتفظ بجميع الشهادات (الروشتات) الطبية التي تمت معالجته بها، بحيث إذا أصيب أي منا بمرض استطاع أن يقدم للطبيب المعالج هذه الشهادات مسلسلة بتواريخها، ويرفق مع كل شهادة ملحوظة عامة، ثم ما أخذه من دواء ولمدة كم يوم؟ وكم استغرق هذا المرض؟ وهل أكمل الدواء أم لم يكمل؟
وكذلك شهادات الدراسة، كان والدي- رحمه الله- يضعها أولاً بأول في هذا الدوسيه مسجلاً عليها بعض الملاحظات، مثل: (سيف) يحتاج إلى التقوية في كذا، وضعيف في كذا.. (وفاء) تحتاج إلى المساعدة في مادة كذا.. وهكذا، وبالجملة كان ما يختص بأحد أبنائه”([7]).
وتروي ابنته سناء قولها: “وكان عند عودته ليلاً إذا وجدنا نائمين يطوف علينا ويطمئن على غطائنا، ويقبلنا، بل يصل الأمر أنه كان يوقظ أحدنا ويصطحبه إلى الحمام”.
وكان البنا كريمًا مع أولاده، فكان يعطي كل واحد منهم مصروفًا يوميًّا ثلاثة قروش، وكان يعطي ابنه سيف الإسلام مصروفا شهريًا إضافيًا قدره نصف جنيه؛ لشراء الكتب وتكوين مكتبة خاصة به، وكان الإمام يتابع كل ما يقرؤه أبناؤه رغم مشاغله الدعوية، وكان أسلوبه في تربية أبنائه هو التوجيه غير المباشر، فقد عرض لابنه سيف الإسلام بأن دخول السينما أمر لا يليق بالمسلم فلم يدخلها سيف قط، وكان يتابع تصرفاتهم، فعندما اشترى سيف بعض الروايات الأجنبية عن المغامرات لم ينهه عن قراءتها، ولكنه أبدله خيرًا منها، مثل: قصة الأميرة ذات الهمة، وسيرة عنترة بن شداد، وسيف بن ذي يزن، وبعض روايات البطولة الإسلامية، وسيرة عمر بن عبد العزيز؛ وكان في رمضان يجلس مع سيف الإسلام وابنته الكبرى وفاء قبل الإفطار لكي يقرءا عليه القرآن، وكان ذلك بغرض تعليمهم، ولكن ذلك تم في بعض الأحيان في غير رمضان. وتطبيقا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب المؤمن المحترف”، فقد دفع بابنه الوحيد سيف الإسلام إلى مدير مطبعة الإخوان ليعلمه فن الطباعة.
وتروي ابنته ثناء عن رعاية الإمام له فتقول: “وفي شهور الإجازة الصيفية والتي كان يقضيها مع الإخوان في محافظات الصعيد والوجه البحري، كان لا ينسانا أو يتركنا بلا رعاية، بل كان يصطحبنا إلى بيت جدي وأخوالي بالإسماعيلية لنقضي إجازتنا هناك، ونستمتع ونمرح حيث المزارع الخضراء والحدائق الغناء، وكان أخي سيف يمارس رياضة ركوب الخيل” ([8]).
ويقول سيف الإسلام: “كان- رحمه الله- عطوفًا إلى أقصى درجة، راعى مشاعر الطفولة في أبنائه بشكل كبير، كان لديه القدرة على جعلنا نطيعه دونما حاجة إلى أمر، وكنا نعتبره- بلا شيء- له هيبة دون رغبة في مخالفته.
وأذكر أنه عرض لي بأن دخول السينما أمر لا يليق بالمسلم، فلم أحاول أن أدخل السينما قط، بل ظللت حتى اليوم لم أدخلها، وهذا من قوة تأثيره وجاذبيته.
كان أقصى ما يعاقب به الواحد منا هو قرص الأذن، وفي ذات مرة قرص أذني، وهذا أكبر عقاب وقعه عليَّ- رحمه الله- قرص أذني في الصباح لخطأ ارتكبته، ولكنه اتصل بي تليفونيًّا في الساعة الحادية عشرة صباحًا ليطمئن علي، وصالحني، وكان لهذا أثر كبير في نفسي.
ويضيف: أذكر أنه في إحدى السنوات نقل جزءًا من مكتبة البيت إلى مقر مجلة الشهاب، واشترى عدة مكتبات جديدة للمنزل، وكان نصيبي من هذا التغيير أن فزت بمكتبة صغيرة أهداها إليَّ الوالد، ومنحني مصروفًا زيادة قدره خمسون قرشًا كل شهر لشراء الكتب بمعرفتي وتكوين مكتبة خاصة بي.
وكان من عادته- رحمه الله- أن يعتمد في تربيتنا على الأسلوب غير المباشر؛ أسلوب التعريض دون الطلب.. وكان في كثير من الأوقات، وخصوصًا في رمضان، إذا حضر المنزل واستراح قليلاً يستيقظ قبل المغرب بساعة تقريبًا، ويدعوني أنا والأخت الكبرى (وفاء) بدعوى أن نُسمِّع له القرآن الكريم.. فكنا نمسك المصحف، وننظر فيه، ووالدي يُسمعنا.. وكان قد يسهو علينا أن نتابعه، فكان يشير إلى الصفحة التي يقرأ فيها ويقول: أنا أقرأ هنا. وقد أدركت لما كبرت أن غرضه- رحمه الله- من هذا العمل هو تعليمنا من حيث لا ندري ولا نشعر كيف نتلو القرآن! ([9]).
وتقول ثناء: كان أبًا حانيًا جدًّا؛ فكان من المعروف في منزلنا أن أمي هي الشديدة التي تعاقب، أما أبي فكنت أستجير به حتى لا أتعرض للضرب، فأهرب وأختبئ بجانبه تحت مكتبه عندما أخطئ وتحاول أمي معاقبتي، فكنا نريد إرضاءه ولا نريده أن يتضايق من أحدنا، ليس خوفًا؛ بل حبًّا واحترامًا له، ولا نذكر يومًا أنه تعامل مع أحدنا بقسوة ([10]).
البنا وأهل زوجته
عندما تزوج الإمام البنا حرص على أن يتعرف إلى كل أهل زوجته وأقاربها، وكل من له صلة رحم بها، وكان يزورهم جميعًا وكثيرًا ما كان يفاجئ زوجته بأنه قد زار قريبها فلان اليوم.
يقول سيف الإسلام: “لقد كان والدي- رحمه الله- يحرص على تطبيق السنة تطبيقًا متناهيًا، وحينما تزوج حرص على أن يعرف أقارب زوجته فردًا فردًا، وكل من يربطه بزوجه صلة رحم، وأحصاهم عدًّا، وزارهم جميعًا، ووصلهم جميعًا رغم بُعدِ أماكنهم، أو بُعدهم بعضهم عن البعض بسبب الظروف العائلية المتوارثة كأن يكونوا ليسوا أشقاء مثلاً.. ولكن الوالد- رحمه الله- كان يفاجئ والدتي بأنه اليوم قد زار (فلانًا)، وهذا يمت لها بصلة القرابة عن طريق (فلان) لأنه ابن فلان، وهذا يرجع إلى دقته المتناهية في الالتزام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم” ([11]).
البنا وحسن معاملة الخادمة
وعن معاملة الإمام البنا للخادمة في البيت، قال سيف الإسلام: كان يتواجد في المنزل خادمة صغيرة تساعد الوالدة في شؤون المنزل، وكان لكل منا سرير مستقل ودرج مستقل في دولاب واحد، وكان للخادمة – أيضًا- سرير مستقل ودرج في الدولاب نفسه، وكان أبي يكلف الشقيقة الكبرى الأخت (وفاء) بأن تعلم هذه الخادمة في المساء القراءة والكتابة، وأن تعلمها الصلاة.
وأذكر أنّ أبي في إحدى المرات قد ذكر لنا – عندما عاد إلى المنزل- أنه قد زار (فلانة) إحدى الخادمات بمنزلها بعد زواجها، وكانت قد خدمت بمنزلنا فترة من الزمن، وذلك حينما كان يزور بلدتها في المنوفية ([12]).
وتقول ابنته ثناء أذكر أنني ذات مرة عاملت الشغالة معاملة غير لائقة، فأفهمني أن ما فعلته معها خطأ لأنها أختي في الإسلام، وكان عقابه لي أن أمسك بقلم رصاص وضربني به على يدي، وكان هذا كافيًا جدًا ليشعرني بأنه غاضب عليّ، وكان درسًا لي لم أنسه طوال حياتي ([13]).
المصادر:
([1]) خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه: جمال البنا، دار الفكر الإسلامي، القاهرة، ص87.
([2]) خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه: جمال البنا، دار الفكر الإسلامي، القاهرة، ص96.
([3]) خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه: جمال البنا، مرجع سابق، صـ112.
([4]) المرجع السابق.
([5]) جمعة أمين عبدالعزيز: من أوراق تاريخ الإخوان، جـ1، نقلا عن خطابات الإمام البنا صـ 122- 124.
([6]) مريم السيد، عبده دسوقي: عمالقة في زمن النسيان، منارات للنشر والتوزيع 2009م، جـ1، صـ51.
([7]) حوار مع أحمد سيف الإسلام البنا: إخوان أون لاين، 2003م
([8]) جمعة أمين عبدالعزيز: من أوراق تاريخ الإخوان، جـ1، مرجع سابق، صـ113.
([9]) حوار مع أحمد سيف الإسلام البنا: إخوان أون لاين، 2003م
([10]) حوار مع سناء البنا: يارا نجاتي، إخوان أون لاين، فبراير 2012م.
([11]) المرجع السابق.
([12]) مجلة لواء الإسلام : 16/2/1988الموافق 11 رجب 1408هـ، حوار مع سيف الإسلام أجراه صلاح عبد المقصود، صـ40- 42.
([13]) مجلة لواء الإسلام : جمادى الأولى 1419، مرجع سابق، صـ51.