تُعد الصداقة الناجحة غاية الإنسان التي تُساعده على الاستمتاع بالحياة، وهي علاقة معروفة منذ القدم، ولا تعني مُجرد شخصين يتصاحبان، إذ تقوم على التفاهم والمصالح المشتركة والارتياح المتبادل، وتتأثر بالعوامل المحيطة وبالتغيرات التي تطرأ على تكوين شخصية الفرد خلال مراحله العمرية.
لذا، نجد الإسلام قد أولاها عناية خاصّة لِمَا لها من تأثير كبير بين الناس، فجاءت الشريعة الإسلامية تحث على التآخي، وتُقوي الصّلات والرّوابط بين المسلمين، كما أنها جعلت من مُوجبات هذا الإخاء أو الصحبة التناصح بالخير، والإعانة على التقوى.
الصداقة الناجحة في الإسلام
لقد جعل الإسلام الحنيف الصداقة الناجحة من مقتضيات الحياة وضروريات الإنسان المُسلم، بل هي من أعظم شعب الإيمان، وهو ما جعل القرآن الكريم والسُّنة النبوية يهتمان بوضع معايير الصداقة الحقيقية.
ولخطورة تأثير الصديق في الصديق، أراد الله من الإنسان أن يعرف كيف يختار صديقه، فقال- سبحانه تعالى- :{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف:67].
وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف:28].
وقال جل علا: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}[الفرقان:27-28]
وشدد النبي- صلى الله عليه وسلم- على أهمية حسن اختيار الرفيق والصديق، فقال فيما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه-: “المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ” (أبو داود والترمذي).
بل عبّر عن معدن الصديق كالمسك فقال- صلى الله عليه وسلم-: “مثَلُ الجليسِ الصالحِ ومثلُ جليسِ السوءِ كحاملِ المسكِ ونافخِ الكيرِ، فحاملُ المسكِ إما أن تبتاعَ منه، وإما أن تجدَ منه ريحًا طيبةً، ونافخُ الكيرِ إما أن يُحرِقَ ثيابَك، وإما أن تجدَ منه ريحًا خبيثةً” (البخاري).
وأمر بعدم الصداقة مع غير المؤمنين والأتقياء، فقال- صلى الله عليه وسلم-: “لا تصاحبْ إلا مؤمنًا ، ولا يأكلْ طعامَك إلا تقي” (أبو داود)(1).
كيف نساعد أبناءنا على تكوين الصداقة الناجحة؟
إن تكوين الصداقة الناجحة مهمة ليست بالهينة، لذا فإنه يجب على الآباء والأمهات مساعدة أبنائهم في اختيار الصديق الحقيقي، ويُمكن الاستعانة بهذه النصائح:
- على الوالدين أولا أن يكونا صديقين لأولادهما، ويتعرفا إلى أخبارهم، وأن يكونا قدوة لهم.
- وعلى الوالدين مساعدة أبنائهم على اكتشاف نقاط قوتهم؛ لأن ذلك يعطيهم ثقة بأنفسهم، ما يسمح لهم بتكوين صداقات وبالانخراط مع الأطفال الآخرين.
- أن تكون الصداقة قائمة على الحب في الله والبغض فيه، وعلى حسن طاعته وإلا فلا.
- الالتزام بالأخلاق الحميدة، فينبغي أن يكون الصديق ملتزمًا ومعروفًا بأخلاقه الحميدة.
- العقلانية، فيجب أن يكون الصديق على قدر معقول من العقلانية، والرزانة في التفكير، وأن يكون لبيبًا في تصرفاته، ويرى الأمور من جوانبها الصحيحة.
- تحديد الهدف من الصداقة لتكون حقيقية، وإن لم تحقق الصداقة هذا الهدف فلا داعي لها.
- البحث عن الاهتمامات المشتركة بين الأصدقاء، فلربما لا تتوافق فيختلفوا وتصبح الصداقة قائمة على المصالح.
- مساعدتهم على تنمية حس الدعابة والمرح لديهم في سن مبكرة، وتعليمهم الفرق بين المزاح والاستهزاء بالآخرين حتى يألفهم الآخرون.
- العفوية من الأمور المهمة في تكوين الصداقة كونها تأتي دون مقدمات، وعلى الإنسان الوقوف على الهدف منها ثم يسعى لتطويرها وتعميقها.
- تربيتهم على كيفية تكوين الصديق الجيد من خلال تصرفاتهم معهم في المنزل، التي يرون من خلالها طريقة المعاملة مع الآخرين بطيبة وتفهم لاحتياجاتهم.
- لا بُد من الثقة فيمن اخترت وهو ما يجعلك تقف على حقيقته وطبيعة خُلُقه وحقيقة الصداقة بينكما حتى تنزل بعد ذلك على مشورته.
- عدم الاستعجال في تقييم العلاقة مع الأصدقاء فيجب ألا تُقيّم الصديق من موقف لربما يكون تحت ظروف خارجة عنه (2).
ثمار الصداقة الحقيقية
الصديق مرآة صديقه، ولا يُنكر أحد آثار الصداقة الناجحة على حياة الإنسان، التي يُمكن إيجازها في النقاط التالية:
- تسهم في تدعيم أواصر العلاقات الاجتماعية، والتعاون والتكافل بين الأفراد.
- تُعين على العمل الصالح ومن المعروف للكثير أنّ الصديق يتأثر بصديقه في الكثير من أفعاله.
- وتُحد من شعور الإنسان بالوحدة، حيث يتشارك الأصدقاء تجاربهم سويًّا.
- تساعد على تعزيز الثقة بالنفس والاستماع لِمَا بداخلنا، ومشاركة الأسرار وتخفيف الهموم.
- تنمي الحوار السليم بين الأشخاص وتُعين الفرد على إيجاد حلول للمشكلات التي تعترضه في حياته.
- تعزز الصحة العاطفية والجسدية والحد من التوتر الذي قد يصيب الإنسان وهو وحيد.
- التفاعل مع الآخرين، إذ تسهم في تعلم طُرُق التفاعل مع الناس، وجعل الإنسان اجتماعيًّا، حتى مع أولئك الذين يمتلكون وجهات نظر مختلفة.
- تحقيق السعادة ومحاربة الحزن، لأنّ الصديق لن يترك صديقه لحزنه بل سيعمل على إخراجه من دائرة الحزن التي قد يقع فيها.
- تثمر في كثير من الأحيان عن إيجاد أفكار جيدة سواء لمشروعات لزيادة الدخل، ورفع مستوى المعيشة أو للمشاركة في العمل التطوعي، وتقديم خدمات للمحتاجين(3).
أسباب النفور من الأصدقاء
ما بين شخص ينفر منه الناس ولا يستطيع تكوين صداقات، وبين من له أصدقاء ينفرون منه، توجد العديد من الأسباب.
أولًا: شخص ليس له أصدقاء؛ فبعض الأفراد ينفر منه الناس ولا يستطيع تكوين صداقات، ولها أسباب منها:
- الشخص السلبي ودائم الشكوى دائما ما ينفر منه الناس ولا يرغب أحد في مصاحبته.
- العديد من الأشخاص يعانون من درجة معينة من القلق عند مقابلة أشخاص جدد مما يجعلهم خائفين من تكوين صداقات حتى لا تفشل.
- تجنب الصعوبات التي تأتي مع تكوين صداقات.
- رغبة البعض في تكوين صدقات كثيرة مما يأتي على حساب بعضها البعض فينفر الكل منها (4).
ثانيًا: شخص لديه أصدقاء ينفرون منه:
- المسلم الواعي ينفر من الصديق السوء ويبتعد عنه قدر استطاعه بل يقطع صلته به.
- الشخص الأناني، لأن الصداقة تتطلب العطاء عندما يحتاج الموقف ذلك.
- شخص يثير المتاعب والمشاكل، فالناس تتجنب الدراما، أو الشخص الذي يلقي اللوم على الآخرين باستمرار، وهذا يثير غضب الناس منه.
- الشخص الغيور الحاقد على نجاح رفاقه أو تقدمهم أو ثرائهم أو تميزهم.
- والشخص النمام والمغتاب دائما ما ينفر منه الأصدقاء ويتجنبون شره.
- الشخص المتكبر والمتعالي والكاذب وهي صفات يحرص الجميع على عدم الارتباط بأشخاص فيهم مثل هذه الصفات.
- الشخص الذي لا يكترث لمشاكل أو أحزان أو ظروف صديقه مما يجعله ينفر منه.
- يفضل مصلحته عليك ولو كان فيه مضرة لك، بل ويقدم عبارات هادمة بحجة المزاح سواء على انفراد أو أمام مجموعة من الأشخاص(5).
إن الصداقة الناجحة لا تكمن بمدى عدد الأصدقاء، ولا فارق العمر بالضرورة، أو الفارق في المستوى الاجتماعي والمعيشي، بل هناك متطلبات لنجاح العلاقة بين الأصدقاء مثل: الاحترام، والصدق، والالتزام بالمواعيد، وتقديم المساعدة، وكتم الأسرار، وغيرها من الصفات الطيبة التي تجمع بين الصديقين.
المصادر والمراجع:
- الصداقة في الإسلام
- كيف أكون صداقات ناجحة؟: 9 أغسطس 2018
- ما هي أهمية الصداقة؟: 26 فبراير 2017
- هدير عبد الحميد: 11 سببا وراء نفور الأشخاص منك، 9 ديسمبر 2015
- أسباب تبعد عنك الأصدقاء: 9 فبراير 2014