للعلم والعلماء مكانة في الدين والدنيا لا تُنكر، فقد جاءت نصوص الشرع تعزز من مكانتهم، وتبين فضلهم، لذا يجب على الوالدين تربية أبنائهم على احترام العلماء وتوقيرهم، وعدم تحقير أحدٍ منهم، أو الانتقاص من شأنه، أو الاستهانة والتقليل من كلامه.
ويُحذّر الإسلام من الانسياق وراء الدعوات التي تنال من العلماء الأولين أو الحاليين، فهم روافد التقدم والتطور والرقي في البلد الذي يكونون فيه، وهم الشجرة المعطاءة التي تنبت الخير أينما حلّت وارتحلت، وبالعلماء تزهو الأمم وتعلو، وحينما يكون للعلماء مجالهم الرحب للإبداع والاختراع والتطوير وخدمة البشرية فهذا يعني أنّ ثمة تقدير واحترام لهم من مجتمعهم.
احترام العلماء في الإسلام
وقد حث الإسلام على احترام العلماء وتوقيرهم وتربية الأبناء على الاستفادة من علمهم والتأسي بهم في كل شيء، لأنهم صنف من الناس تميّز عن غيره بعددٍ من الصفات والسمات البشرية من ذكاء أو إبداع، وكان نتاج هذه السمات والصفات مخرجات فكرية أو أدبية أو علمية أو في أي مجال من مجالات الحياة، وكانت هذه المخرجات نافعة للبشرية وتمثل إضافة على النتاج العلمي أو الأدبي أو الفكري للبشرية.
والعالم المسلم هو مَن يخشى الله تعالى، ويعمل بعلمه، لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، ويقول عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: “ليس العلم عن كثرة الحديث، إِنما العلم خشية الله”.
وكل مَن حمل علمًا نافعًا للناس وجب علينا احترامه وتربية أبنائنا على ذلك، لكننا نقصد بالعلماء هنا، الذين يخشون الله ويعملون له، ويسعون لنشر الحق. والذين هم عُرضة لسهام أعداء الدين؛ لكسر هيبتهم في نفوس المسلمين، كما يحدث اليوم مع الإمام البخاري وغيره.
وكثرت النصوص التي ترفع مقام العالم وتميزه عن غيره، فقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (سورة الزمر:9)، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء} (سورة فاطر:28)، وقال: {يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجادلة:11).
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “.. وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر”، (أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما).
وحذر الإسلام من مهاجمة العلماء والانتقاص من قدرهم، ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قال: “قال الله عز وجل: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب”. قال ابن حجر- رحمه الله- : “المراد بولي الله، العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته”.
وروى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي- رحمهما الله- أنهما قالا: “إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي”. وقال ابن عباس- رضي الله عنهما-: “من آذى فقيهًا فقد آذى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ومن آذى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقد آذى الله عز وجل”.
لماذا يجب احترام العلماء وتقديرهم؟
لقد أوجب الإسلام احترام العلماء وتقديرهم، فهم قدوة المجتمع، وبهم يرتقي وينهض، وهم الذين يبينون له أحكام الشرع ومقاصده، ويقررون له الأحكام الشرعية لما يعتري حياة أفراده من مستجدات ونوازل، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلاْمْرِ مِنْكُمْ} (سورة النساء:59)، وأولي الأمر يقصد بها العلماء عند بعض المفسرين.
والعلماء المسلمين سبقوا بعلمهم واكتشافاتهم الكثير من علماء العصر الحديث، وتركوا للبشرية كثيرًا من سُبل الحق التي حملت السعادة للناس، لأنهم كانوا يخشون الله فيما يعلّمونه للناس وما يتركونه لهم من علم نافع كان فيه خير البشرية كلها على اختلاف ألوانها وأديانها.
وبالنظر إلى المجتمعات التي ينتشر فيها العلم والعلماء، فإنه يلاحظ أنها مجتمعات مرموقة ومتطورة، ويظهر أثر ذلك في تعامل الأفراد فيها بين بعضهم البعض، كما تسود فيها الراحة والطمأنينة.
ويكفيهم شرفًا أن الله تعالى رفع شأنهم، فجعلهم أهلَ خشيته من بين خلقه؛ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وأبى سبحانه التسويةَ بينهم وبين الجهلة بشريعته؛ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزُّمر: 9].
ورفَعَ الله تعالى العلماء درجاتٍ؛ فقال سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]، وأوجب طاعتهم.
وما من شك في أن العلماء الملتزمين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-؛ لهم مكانة كبيرة في الإسلام، حددها الله ورسوله، ومن الآيات التي وردت في بيان فضلهم ومكانتهم: قوله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]، “وقرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته، وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام”.
وعُلماء الشريعة هم ورثة الأنبياء، كما أخبر بذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود والترمذي وأحمد غيرهم، وإجلال العلماء وتوقيرهم هو إجلال لله سبحانه، فقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط” (أخرجه أبو داود، وحسنه الألباني).
وهدّد النبي- صلى الله عليه وسلم- وتوعد مَن لم يعرف للعلماء حقهم فقال: “ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه”، (رواه الحاكم في المستدرك، وحسنه الألباني).
وتنطلق أهمية العلماء كمكون من مكونات المجتمع الإسلامي من بيان الله تعالى لمكانتهم ودورهم المتميز في الأمة الإسلامية، وأي مجتمع يقدر قيمة العلم والثقافة، فإنه يجعل للعلماء الصدارة والتقدم والمكانة الرفيعة.
ومن علامات ضعف المجتمع وهزاله وانحرافه أن يتقدمه أهل الباطل، في حين يهان أهل العلم وينتقص من شأنهم ومكانتهم، الأمر الذي سعى إليه المستعمر الغربي منذ سياسة دانلوب الإنجليزي، في إقصاء علماء الأزهر، وتربية المجتمع على احتقارهم من خلال تقليل رواتبهم وإظهارهم بالتحف التاريخية في هيئتهم وملابسهم وأعمالهم.
استهداف العلماء والطعن فيهم!
ورغم تأكيد الإسلام على احترام العلماء وتوقيرهم، فقد انتشر- للأسف- الطعن في هذه الفئة التي تخشى الله، سيما في أوساط الشباب الثائر المتحمس، باتهامهم بالجهالة في فقه الواقع أحيانًا، والعمالة والمداهنة لأعداء الدين أحيانا أخرى، بل وصل ببعض الهالكين إلى رميهم بالكفر والزندقة والعياذ بالله.
ولم يعلم هؤلاء أن الكلام فيهم والتفكه بأعراضهم داء دفين، وإثم واضح مبين. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58].
وظهر مثقفون بلا أخلاق، يهمزون علماء الإسلام ويقدحون فيهم، وربما انتقصوهم أمام العامة، وحاولوا التقليل من شأنهم، ولا ريب أن انتقاص العلماء والدعاة والوقيعة فيهم من أخطر الذنوب على العبد، ويخشى عليه التردي والانتكاس.
قال الحافظ ابن عساكر -رحمه الله-: “إن لحوم العلماء -رحمة الله عليهم- مسمومة، وسنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ فمن أطلق لسانه في العلماء بالانتقاص والثلب، ابتلاه الله عز وجل قبل موته بموت القلب”.
واستهداف العلماء والحكماء -بل الأنبياء من قبل- سياسة اتبعها الطواغيت من قديم الزمان؛ قال تعالى مخاطبًا النبي- صلى الله علي وسلم-، وحاكيًا عن المشركين قولهم الأثيم: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
ويهدف هؤلاء من ذلك إلى تعطيل الانتفاع بعلمهم، وجرح شهود الشرع، فهم الذين فسّروا القرآن والسنة وتوارثوها. كما أنّ مرادُ هؤلاء بهذا الطعن إسقاط العلماء، لئلا يُلزموا باتباع فتاويهم في القضايا الخطيرة التي تتعلق بالأمة، وهذا هو مرادُ أعداء الدين حتى لا يبقى هيبةٌ لعالمٍ. وفي ذلك فساد الدين والدنيا.
كيف نربي أولادنا على احترامهم؟
يجب أن نغرس في أبنائنا احترام العلماء وحبهم؛ فهُم حملة العلم وورثة الأنبياء في تبليغ كلمة الحق، ومن أساليب تربيتهم على ذلك:
- تربيتهم على توقير العلماء أينما حلوا؛ لأنهم أدعى إلى توقير علمهم الذي يحملونه وأقرب إلى أن يحرصوا على بذله للناس.
- تربيتهم على أن العلماء غير معصومين من الخطأ، لكن علينا أن نلتمس لهم الأعذار فيما جانبهم من الصواب، وأنهم ما أرادوا إلا الوصول إلى الحق، وأنهم لهم أجر المجتهد.
- كما يجب أن نعلمهم الدعاء لعلمائهم بالرحمة والمغفرة، ونشر فضائلهم، والدفاع عنهم ضد أصحاب الأفكار المنحرفة والمضللة.
- يجب- أيضًا- أن نربي الأبناء على عدم السماح للمتربصين بشق صفوفهم، وضرب بعضهم ببعض، وعدم القبول بثلب أحد منهم أمام الآخر، وكذلك عدم قبول الغيبة والنميمة ونقل الكلام.
- تربيتهم على أن من حقوق العلماء علينا إجلالهم واحترامهم والإصغاء لمواعظهم وتوجيهاتهم، وكان سلف هذه الأمة على وعي كبير بهذا الأدب العظيم، فكانوا يُجلّون العلماء ويحترمونهم، ويحفظون لهم وزنهم ومقدارهم، روى الحاكم وغيره بسند صحيح: أن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- أخذ بركاب ناقة زيد بن ثابت- رضي الله عنه- وقال: “هكذا أُمرنا أن نفعل لعلمائنا وكبرائنا”.
المصادر والمراجع:
- تعريف العلماء. طلال مشعل. 17 يناير 2016.
- تعريف العلماء. محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله المرحوم. 5 نوفمبر 2016.
- فضل العلماء، 20 أبريل 2017.
- المنظومة الميمية في الآداب والوصايا العلمية. حافظ بن أحمد الحكمي.
- استهداف العلماء: تيار الإصلاح. 27 يونيو 2022.
- وجوب توقير العلماء. د. بدر عبد الحميد حميسه.
- حقوق العلماء. حمزة بن فايع آل فتحي. 13 فبراير 2018.