الأبناء هم النعمة التي وهبها الله لكل والدين، حيث يسعيان إلى جعل أبنائهما أفضل الناس وبث جميع الصفات الطيبة والقيادية فيهم منذ الصغر، والاعتماد على النفس وتنظيم شئونهم وبث الثقة بالنفس فيهم.
فالثقة بالنفس تنمو مع الفرد ويتواكب نموها مع نموه العقلي والجسدي ويرتبط ذلك بالبيئة التي ينشأ فيها، فالطفل يكتسب الثقة بالنفس خلال الأعوام الأولى من حياته عن طريق التفاعل الاجتماعي الحاصل بينه وبين الأم، وبينه وبين أفراد الأسرة والآخرين.
ما هو مفهوم الثقة في النفس؟
الثقة في النفس وقوة الشخصية من أهم مقومات النجاح في حياته، وهو ما يدفعنا للتعرف على مفهوم الثقة في النفس، حيث ورد في القاموس معناها: ثقة الإنسان في قدراته وفي صفاته وفي تقييمه للأمور. أو أنها اعتماد الشخص على نفسه والشعور بالثقة في قدراته وصفاته وحُكمه وفي نفسه بصفة عامة.
ويعرفها آخرون بثقة الفرد في قدراته وإمكانياته وقراراته أو الاعتقاد بأنه قادر على مواجهة تحديات ومتطلبات الحياة اليومية بنجاح.
ويعرفها الدكتور أكرم رضا: بأنها إيمان الإنسان بأهدافه وقراراته وبقدراته وإمكاناته، أي الإيمان بذاته.
ويتصف الشخص الواثق بنفسه بالتفاؤل والاطمئنان والقدرة على تحقيق أهدافه وتقييم الأشخاص والعلاقات بصورة صحيحة وفقاً لنظرته لنفسه وتقديره لذاته.
أما الثقة في النفس عند الأطفال فهي ارتفاع معدل تقدير الذات والرضا مع شعور الطفل بهذا الإحساس في نفسه وقلبه وانعكاس ذلك إيجابيًا على تحكمه في سلوكياته مع نفسه ومع الآخرين(1).
ويجدر التنبيه إلى أن في تربيتنا الإسلامية تقع الثقة بالنفس بعد التوكل على الله، ولا ينفصل الاثنان عن بعضها، لأن الإنسان بنفسه ضعيف، وبالله قوي.
أهمية الثقة بالنفس
للثقة بالنفس أهمية قصوى في حياة كل فرد منذ ولادته ومن أهمية ذلك:
- إقامة علاقة إيجابية مع الآخرين فلا يرى وهو متردد أو خائف.
- التخلص من الشعور بعدم الأمان بسبب عدم ثقته بنفسه لإدراكه أن لا شيء يخيفه لثقته بقدراته.
- تعزيز القدرة على تحقيق الأهداف والأحلام والرغبات والتي تعد سبل النجاح في الحياة الشخصية والأسرية والوظيفية.
- تحسين القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة المناسبة للشخص، وأداء الأعمال بشكل متقن.
- تطور الذات والقدرة الإنتاجية والعزيمة والإصرار.
- كما تمنح الشعور بالسعادة والاطمئنان والراحة النفسية والبدنية(2).
أسباب عدم ثقة الطفل بنفسه
من المعروف أن الشخصية هي مجموعة من السمات التي تجعل كل فرد منا فريدًا، والطريقة التي يتصرف بها الطفل، في ظروف مختلفة أو محيط معين هي مرآة تعكس نمط شخصيته، وهو ما يجعلنا نقف على أسباب عدم ثقة الطفل بنفسه ومنها:
- قد يكون هذا السبب وراثيًا بحيث انتقال الجينات من الأب والأم الغير واثقين من أنفسهم لأطفالهم وهو ما يجعل الطفل خجولًا منعزلًا.
- كثرة الانتقاد، وبشكل خاص في أول سبع سنوات في حياة الطفل بحيث لا يترك الوالدين له مساحة لحرية التعبير أو التصرف.
- السخرية من الطفل سواء من الأهل أو الأصدقاء أو المدرسين وحتى الأغراب وهو ما يجعله يشعر بالنقص.
- التعرض للعقاب النفسي أو البدني سواء أخطأ أو لم يخطأ؛ حيث يعزز العقاب الشعور بالذل والانكسار والخجل ويدفعه للخوف من القدوم علي فعل الشيء خوفًا من العقاب.
- الإهمال وعدم عناية الوالدين بطفلها وعدم اكتشاف مقومات شخصيته مبكرًا مما يجعله ينشأ ويكبر على الإهمال في ذاته وعدم الطموح.
- الخلافات والمشاكل الأسرية والتي تجعل الأطفال يعيشون في محنة ولا يجدون من يقوّمهم ويغرس فيهم السلوك الطيب الحسن.
- كثرة المقارنة بالغير وهو من الأمور التي تهزم النفس وتجعلها ضعيفة لأن كل شخص وله ما يميزها عن الآخر مع اختلاف قدرات كل فرد عن الآخر.
- الفشل والتعثر في بعض مراحل التعليمية مما يعرضه للانتقاد من والديه أو المدرسين ولا يجد من يحفزه على التغلب على عثراته(3).
مظاهر انعدام أو ضعف الثقة عند الطفل
تتجلى كثيرًا من المظاهر أمام الوالدين ليستطيعا اكتشاف ضعف الثقة عند أطفالهم، ومنها:
- العزلة وتجنب المشاركة في الأنشطة والتحديات مما يدل على خوف الطفل من الفشل أو لشعوره بالعجز.
- الاستسلام السريع والشعور بالإحباط مع بدأ النشاط كونه فشل أو لم يحقق ما يتمناه، بل وتقليله من قيمة النشاط وأنه يفعله بسهوله.
- الغش والكذب لدى الطفل عند شعوره بالخسارة أو ضعف الأداء.
- تقليده للأطفال الآخرين في بعض التصرفات الغير مستقيمة أو الانصياع لأوامرهم في عمل تصرفات غير قويمة وهو ما جاء في الإسلام بمعنى (الإمعة).
- تحول الطفل إلى شخص متحكم ومتسلط وغير مرن، فتلك طريقة لإخفاء شعوره بالإحباط أو عدم الكفاءة أو العجز.
- إلقاء اللوم على الآخرين في فشله أو عجزه عن تحقيق أو تنفيذ مهمة أو عمل أو نشاط.
- تراجع أداء الطفل التعليمي والاجتماعي وقلة تواصله مع الأصدقاء والابتعاد عن الأنشطة الجماعية.
- شعوره بتغيرات في المزاج، كإظهاره الحزن أو البكاء أو نوبات الغضب أو الإحباط أو حتى الهدوء.
- ذمه نفسه ووصفها بالفشل أو الكسل أو عدم النفع واستصعابه لتقبل النقد وزيادة اهتمامه وحساسيته لآراء الآخرين عنه(4).
منهجية النبي في غرس الثقة في نفوس الأطفال
كان النبي- صلى الله عليه وسلم- أحرص الناس على تربية أمته وغرس معاني الرجولة والثقة بالنفس فيهم بعد اليقين والتوكل على الله، ومن ذلك:
- فنجده يدرك بحكمته أهمية الاسم الحسن في تدعيم الثقة بالنفس، ويكره الاسم القبيح ويغيره، وفي رواية نافع عن بن عمر في صحيح مسلم: أن ابنة لعمر كان يقال لها عاصية فسماها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جميلة.
- كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تحقير الذات فكان يقول: لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي. رواه البخاري. وفي ذلك نهي أن يصف الإنسان نفسه بالخبث -إنْ أصابَها شَيءٌ مِن الضِّيقِ والضَّجَرِ- وأمَرٌ بإبدالِه بوصْفِ اللَّقَسِ، وهو الغَثَيان أو الضَّجرُ، مع أنَّ اللَّقَسَ والخُبثَ بمعنًى واحدٍ، وإنَّما كُرِه «خَبُثَت»؛ هَرَبًا من لفظِ الخُبثِ والخَبِيثِ الذي يُوصَفُ به الشَّياطينُ والكَفَرةُ والفَجَرةُ، وكان مِن سُنَّنِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَغيِيرُ الاسمِ القَبِيح إلى الحَسَنِ.
- كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يوجه الرسائل الإيجابية إلى من حوله من الصحابة ليلفت نظرهم إلى الإيجابيات التي لديهم، والصفات الحسنة التي تميزهم، ورسالة لأصحابه بالسير على نفس المنهج مع أطفالهم. فكان يقول لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إنك غلام معلم”، ويقول لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: “لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود”. ويقول لأشج عبد القيس رضي الله عنه: “إن فيك لخصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة”.
- حسن توظيفه الطاقات فهذا زيد بن ثابت حينما قربه أهله من النبي- صلى الله عليه وسلم- وقالوا: إنه حاذق ويحفظ القرآن، فسُرَّ به النبي وعلمه القرآن حتى أصبح المعلم الأول بل والمؤتمن عليه.
- كان صلى الله عليه وسلم يسلم على الأطفال إذا مر بهم وهم يلعبون، وكان يكنيهم ويلاطفهم ويعيش اهتماماتهم فيسأل الطفل الصغير عن طائره قائلا: (يا أبا عمير ما فعل النغير).
وهذا عبد الله بن الزبير بن العوام حينما كان عمر أمير المؤمنين يمر بطرقات المدينة فهرب جميع الأطفال إلا هو فسأله: لماذا لم تهرب مع بقية الأطفال؟ فأجابه: لم أخطئ، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسعها لك(5).
المبالغة في الخوف وأثره على الثقة بالنفس عند الطفل
كثير من الأباء والأمهات يتعاملون مع أطفالهم من منطلق الحماية الزائدة، مع التدقيق في كل شؤونهم وأمورهم فينمو الطفل وهو غير قادر على فعل شيء أو اتخاذ قرار، وينتج عن ذلك:
- نقص المهارات المعرفية وعدم القدرة على أخذ قرار أو فعل شيء والخوف من الفشل.
- تعرضه لكثير من المشاكل النفسية بسبب عدم قدرته على إقامة علاقة مع الآخرين أو إبداء رأى إيجابي وسطهم أو الخوف من الكلام حتى لا يخطأ.
- اعتقاد الأطفال بأنهم غير أكفاء حينما يرون والديهم يأخذون لهم القرارات ويقومون بمهامهم، ومن ثم لن يتعلم الطفل كيف يتغلب على الخوف وسيكون القلق والخوف من ردود أفعالهم السلبية تجاه أغلب المواقف.
- العدوانية والابتعاد عن الآخرين لكونهم يشعرون أن والديهم نقلوا لهم أن العالم من حولهم خطير فيظل الطفل أسير خوفه، ويصير معاديًا للمجتمع وغير قادر على التفاعل مع الآخرين(6).
طرق تنمية الثقة بالنفس في الأبناء
- كثرة الدعاء لهم بالخير والتوفيق والسداد كون الدعاء بابًا عظيمًا يعود بالنفع على الداعي والمدعو له.
- الاهتمام بتدريسهم سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأبطال الصحابة والسلف مع تبسيط معاني السيرة، والتركيز على سيرة أنس وأسامة بن زيد وابن عباس وغيرهم من أصحاب الهمم العالية الذين تربوا في صحبة النبي- صلى الله عليه وسلم-.
- حسن الاستماع إلى أسئلتهم والتفاعل الإيجابي مع كلامهم، وعدم مصادرة حريتهم في اللعب والحركة.
- تحديد نقاط الضعف وتحسينها، وتطوير الذات، مع معاونتهم على البحث عن نقاط القوة واستغلالها وإبرازها، وتنميتها.
- غرس فيهم الاهتمام بالمظهر الخارجي وارتداء الملابس الأنيقة، وعدم إهمال النظافة الشخصية.
- معاونتهم على الابتعاد عن الأصدقاء السلبيين المنتقدين، والبحث عن أصدقاء إيجابيين في الدعم والثناء.
- تقبل الذات وعدم الانتقاص منها أو كرهها، وعدم التفكير في الماضي والأحداث المزعجة.
- تجنب التوبيخ والإهانة لهم خاصة أمام الناس، وعدم اللجوء إلى عقوبة الضرب إلا كحل أخير ووفق الضوابط الشرعية.
- العدل بينهم في كل أمر حتى في اللمسة والقبلة والبسمة والنظرة، وتوفير الأمن النفسي لهم وعدم تهديدهم.
- تعويدهم الاعتماد على أنفسهم من صغرهم بأن يأكلوا بأنفسهم وعدم الخوف على الثياب، وعدم حل الواجبات المدرسية عنهم، ومشاورتهم في أمورهم، وتكليفهم ببعض المهام البسيطة، ومدحهم أمام الآخرين.
- مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال، وعدم تتجاهل أن لكل طفل شخصيته وقدراته(7).
المصادر والمراجع:
- نور الدين قلالة: الثقة في النفس..كيف نعززها ونفصلها عن الغرور؟،
- لارا عبيات: تعريف الثقة بالنفس، 29 مايو 2022،
- أسباب ضعف الثقة بالنفس لدى الأطفال: 22 ديسمبر 2019،
- نورا شيشاني: أسباب عدم الثقة بالنفس عند الأطفال، 25 نوفمبر 2018،
- الدكتور محمد سيد رمضان: المنهج النبوي في تدعيم الثقة بالنفس،
- فاطمة خليل: 5 آثار سلبية للمبالغة فى الخوف على أطفالك، 25 يناير 2022،
- الدكتور أحمد الفرجاني: تنمية الثقة في نفوس الأطفال، 24 يناير 2006.