يعملُ فينا الدهرُ ويمرْ
مخلفًا وراءَه ما يخلِّفْ
وعلى رأسِ كل ساعةٍ تدقْ
تكونُ عَشْرُ أسرٍ قد انهدم كيانُها!
وفق تقريرٍ حكوميٍّ لإحدى دولِنا العربيةْ
فإن أروقةِ المحاكم تَضِجُّ سنويا بمليونِ حالةِ طلاقْ
نتجَ عنها وقوعُ عَشْرِ حالاتِ طلاقٍ تقعُ كُلَّ ساعة!
أي في اليوم الواحد يتفكك مئتان وعشرون بيت!
نسبةٌ ليست بالهينةْ
والحالُ ليس بأفضلَ في بلدانٍ عربيةٍ أخرى
فحينَ تسمعُ بمعدلِ زيادةٍ ستةٍ بالمئةْ
تتمنى أن يعبِّرَ عن أيِّ ارتفاعْ
إلا أن يكونَ ارتفاعًا في حالاتِ الطلاقِ السنوية!
هي زيادةٌ أوصلتْ إجماليِّ نسبِ الطلاقِ ببعضِ الدولِ العربيةْ
إلى ثمانيةٍ وأربعين بالمئةْ من إجماليِّ الزيجات!
والحاصلُ أنَّهُ وإِنْ تفاوتَتْ نِسَبُ الطلاقِ من دولةٍ عربيةٍ لأخرى
فإنَّ القاسِمَ المشتركَ بينها جميعًا أنها في زيادةْ!
مؤسسةُ الأسرةِ التي هي لَبِنَةُ المجتمعِ ووَحدَتَهُ الأوليةْ
ما الذي أوصلَها إلى هذه الحالْ؟!
كيف تتحول أوقاتُ السعادةِ
التي تملؤها الحماسةُ والزغاريدُ لاجتماعِ عروسيْنِ تحتَ سقفٍ واحدْ
إلى آهاتٍ وأناتٍ وشكاوَى وجِلْسَاتِ صُلحٍ ثم طلاقٍ أو اختلاعْ ؟!
تحولٌ دراماتيكيٌّ عجيبٌ يجعلنا نتساءلْ
عن ذلك الشيءِ الذي تفاجَأَ به الشريكانِ بعدَ الزواجِ ولم يتوقعاه قبلَهْ؟
ما الذي حَلَمَا به فلم يجداهْ؟
أم أنَّه لم يسبقْ زواجَهما حُلْمٌ ولا هدفْ؟
بل سارا مع زحامِ الرَّكْبْ
وكأنَّ للخطبةِ والأعراسِ سَكرةً سرعان ما تذهب لَذَّتُها
ليصطدما معًا بعدها بصخرةِ الواقعْ!
**********************
البعضُ يتعاملُ مع الزواجِ وكأنه إحدى الوَجَبَاتِ السريعةِ التي لم تَرُقْ له
فيكون قرارُ الإنهاءِ عنده سريعًا
وكأنَّه خطا الخطوةَ مُجرِّبًا
يحدثُ هذا أكثرْ مع حداثةِ تجربةِ الزواجِ وصِغَرِ السِّنْ
فقد أكدتِ الدراساتُ وقوعَ النسبةِ الأكبرْ للطلاقِ فيمن أعمارُهم بين الخامسةِ والعشرين والخامسة والثلاثين
ولهؤلاءِ نقولْ.. أنَّ الأصلَ في البيوتِ أنها تُبنَى لتدومْ
فهي ليست كحجرةِ تغييرِ الملابسْ في المَحَالِ التجاريةْ
يدخُلُهَا فقط المجربونْ!
بل هي أعشاشٌ يَأوي إليها المضطربونْ
هي واحاتٌ للسكنِ والسكونْ
هي بناءٌ لا يناسب من للهربِ يُحسنونْ
وللصبرِ لا يُطيقونْ
**************************
البعضُ الآخرُ سبقَ زواجَه حُلُمٌ بحياةٍ زوجيةٍ طويلةٍ سعيدةْ
لكنه جَهِل ما يقيم حدودَها وحقوقَها
ولم يهيِّئْ نفسَه لمسئولياتِها
اختلطَ الفضلُ عندَه بالعدلْ
فصارَ ما هو فضلٌ فيها عدلْ
وما هو عدلٌ فيها فضلْ
فكثُرَ بسببِ هذا بين الزوجين المَنّ
وشاعَ بينهما الشُّحُّ والعنادْ
ومِن ثَمَّ ضاعتِ الحقوقْ.. وعصفتْ معها بِكُلِّ وُدٍّ وَوِدَادْ
ولو تجهزَ الزوجانِ قبلَ ارتباطِهما
فقرءَا وتعلما وتناقشا واتفقا
على ما يجعلُ مسئولياتِ كُلِّ طرفٍ واضحةً أمامَهْ
وحقوقَ الآخرِ معلومةً تمامًا
لانصلحَ الحال وتجنبنا طلاقًا كثيرًا يقعُ بسبب التقصيرِ في أداءِ الحقوقْ
************************
أو أنَّ البعضَ قد علا بسقفِ التوقعاتْ
وشكلتْ خيالاتِه عن الزواجِ المسلسلاتْ!
تلك التي قلَّما تقدمُ نموذجًا واقعيًا للزواجِ وما به من تحدياتْ
وربما لأجلِ هذا تَغَنَّوْا في التراثِ للبناتْ
(متحسبوش يا بنات إن الجواز راحة)
فالواقعْ أن الزواجَ لا يسيرُ على وتيرةٍ واحدةْ
بل هو مزيجٌ بين أفراحٍ وأتراحْ
وأوقاتُ تعرجاتِه ومنحنياتِه الشديدةِ تلكْ
هي خيرُ كاشفٍ لأصالةِ ومتانةِ العلاقة بين الزوجينْ
فقد تكونُ فرصةً لتقويتِها أكثرْ
حين يتحلى الصاحبان بالحكمةِ والصبرِ الكافِيَيْنْ
وإما تُبَيِّنُ ضعفَ علاقتِهما وهشاشتِها فتُنْهِيها
*******************************
كثيرًا ما انهدمتْ بيوتٌ وكان المِعْوَلُ المالَ تارةْ
أو الخيانةَ الزوجيةَ تارةً أخرى
أما المالُ فلكثرتِه أو لقلتِه قد تنهدمْ
وأما الخيانةُ فأسبابُها عديدةْ
لكن كلا السببيْن دليلٌ على سوءِ التواصلِ بين الزوجينْ
وضياعِ فهمِهما للغايةِ من الزواجْ
وانشغالِهما بدلًا عن ذلك بتحصيلِ ما يزولُ من الدنيا
فلو اتفقَ كُلُّ طرفٍ أن يكون عونًا للآخرِ على أمرِ دينِه ودنياهْ
وأن يسيرا معًا في السراءِ والضراءْ
فتحليا بالصبرِ على نوائبِ الدهرْ
وتعلمَ كلُّ طرفٍ أدبَ الحوارِ وحَلَّ الخلافْ
وملأَ عينَهُ وقلبَهُ بالرضا عن الآخرِ على عِلَّاتِهْ
وعَلِمَ أنَّ كُلَّ نقصٍ في زوجِه يُزَيِّنُ له الشيطانُ به أخرى
وأنَّ كُلَّ أخرى لن تخلو كذلك من عيبٍ ونقصْ
لو حدثَ كُلُّ هذا.. لصمدتْ بيوتٌ كثيرةٌ ودامتْ زِيجاتٌ سعيدةْ
******************************
بعضُ الأزواجِ يسيرُ خلفَ مشاعرِه مترنحًا
يقولُ جاءَ الحُبُّ وذهبَ الحُبُّ
يسير خلفَ قلبِه بتَقَلُّبِه، ويا ليتَه ثابتٌ يُصلِحْ!
تنبه الفاروقُ عمرُ لمضارِّ هذا فقالْ
(إِنَّ أقلَّ البيوتِ الذي يُبنى على الحُبّ
ولكنَّ الناسَ يتعاشرون بالإسلامِ والإحسانْ)
فلو صارَ الإسلامُ وما به من إحسانٍ أرضًا تُبنى عليها بيوتُنا
لكفى وسترَ وأقامَ وأدامْ
ولو كانتْ عربةُ الحُبِّ متأخرةْ!
****************************
يتساءلُ شخصٌ حريصْ: وكيفَ نتعاشرُ بالإسلامِ كي تدومَ بيوتُنَا؟!
والجوابُ سهلٌ يسيرْ
كفاكَ أن تتأملَ قولَ اللهِ تعالى مخاطِبًا الزوجينْ
(هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)
ثم تحيا بعدها مع زوجِك مقدمًا ما يقدِّمُهُ الثوبُ لصاحبهْ
فلا يجبُ أن يُفارقَ ثوبُ المرءِ جسدَهْ
وهكذا هو التداخلُ والاتحادُ بين المرءِ وزوجِهْ
وما كان لقطعةٍ من الثوبِ ساترةٍ أفضليةٌ على أخرى
بل يُكمّل بعضُها بعضًا
ويؤدي أحدُهُمَا دورًا لا يؤديه الآخرْ
وهكذا الزوجُ لزوجتِه سندًا ودعمًا
والزوجةُ لزوجِها سِترًا وحِفظًا
وقتَها تستقيمُ الحياةُ، وتستقرُّ البيوتْ
وينصرفُ عنها داءُ التنافسيةِ والنديةْ
لو أصبحَ كُلُّ زوجٍ على قناعةٍ تامةٍ بحاجته لشريكهْ
كحاجةِ المرءِ منا لرداءٍ يكسيهْ
لحسُنَتِ العشرةْ، ولانت العريكةْ
وليس أقربُ للمرءِ من ثوبِه
وهكذا الزوجان لا أحدَ أقربُ إليهما من بعضهما
رُوحًا وعقلًا وجسدًا
يعرفان حاجةَ بعضهما
يفرحُ أحدُهما لفرحَ الآخرْ، ويغتمُّ لغَمِّهْ
فيحققَ هذا القربُ دِفئًا كالذي يسدُلُه الثوبُ على صاحبِه
وكما يسترُ الثوبُ عورةَ صاحبهْ
فكلُّ زوجٍ لصاحبه سِترٌ وحجابْ
يستر عيبَه عن عيونِ الخلقِ ويحفظُ غيبَتَهْ
وكما يرتاحُ الإنسانُ في ثوبٍ نظيفٍ عَطِرْ
على الزوجينِ أن يتخليا عن كُلِّ قبيحٍ في طبعِهما
وأن يتحليا بكلِّ خُلقٍ طيبٍ يُعطِّرُ حياتَهما
لا يسكنُ المرءُ إذا انكشفَ ثوبُه، بل يتوترُ ويتبعثرْ
وبالزواجِ كذلك يحصلُ السكنْ
فهو العلاقةُ الوحيدةُ التي تٌحققُ السكنَ بين رجلٍ وامرأةٍ راشدينْ
يَحِلُّ لأحدِهما الزواجُ بالآخرْ
فمتى تحولتْ بيوتُنا بدلًا من السكنِ والسكينةْ
إلى ساحاتِ معاركَ مشينةْ
لا يتصورُ عاقلٌ
أن يتمكن المرءُ
من تحقيقِ وظيفةِ الاستخلافِ التي هي من أكبرِ أسبابِ خلقِنَا!
فلتنورْ طريقَكَ كلماتُ الشاعرْ:
المالُ يَفنى والجَمَالُ وَدِيعَةٌ * * * والجَاهُ يَبلَى كُلُ ذاك غُرُورُ
البَاقِياتُ الصالحاتُ ذَخيرةٌ * * * مَذخُورَةٌ وَنعِيمُها مَوفورُ
لَيسَ الزَواجُ لِشهوَةٍ وَغَريزَةٍ * * * إنَّ الزَّواجَ تَعَفُفٌ وَطَهُورُ
لَيسَ الزواجُ سِتارُ أطماعٍ ومَا * * * تُغني عن اللُّبِ الشَّهيُّ قُشُورُ
لَيسَ الزَّوَاجُ لِنَزوَةٍ جَيَّاشَةٍ * * * ذلك انفِعَالٌ فِتنَةٌ تَغرِيرُ
إنَّ الزَّواجَ وَظِيفَةٌ وَمُهِمَّةٌ * * * وَرِعايَةٌ وَتَحَمُلٌ وَصَغِيرُ
إنَّ الزواجَ تَصَبُرٌ وتَجَلُدٌ * * * وَعِنايةٌ ما حَقَهَا التَقصيرُ