قال عمر رضى الله عنه ذات يوم لإخوانه: “دُلوني على رجل أكل إليه أمراً يهمني؟ قالوا: فلان. قال: لا حاجة لنا فيه، قالوا: فمن تريد؟ قال: أريد رجلاً إذا كان فى القوم وليس أميراً لهم بدا وكأنه أميرهم، وإذا كان فيهم وهو أميرهم بدا وكأنه واحد منهم” (رجال حول الرسول).
إذن؛ للمسئولية مهارات، ولصاحب المسئولية صفات يجب توفرها فيه ليكون جديرا بها ماهرا فيها، وتختلف المهارات المطلوبة باختلاف المسؤوليات وواجباتها، والتي منها: الواجبات الشخصية والواجبات الاجتماعية والواجبات الإدارية والواجبات القيادية.
واجبات المسئولية
أولاً: الواجبات الشخصية:
- تحري صدق النية والتوجه إلى الله وحسن التعبد بالفرائض والنوافل مع اجتناب المحارم والشبهات.
- الاستعانة بالله عز وجل مع التوكل عليه ومراقبته في السر والعلانية.
- تجديد البيعة وواجباتها.
- الاهتمام ببناء شخصيته المتميزة التي تتحرى الحق وتؤثر الجد.
- أن يعطي من نفسه قدوة حسنة على الطريق.
- سعة الاطلاع والتزود بالعلم النافع.
- تقدير حق الإخوان وتقديمهم ورد المظالم إلى أهلها.
ثانياً: واجبات اجتماعية:
- تزكية معاني الحب والأخوة في الله والتكافل بين الأفراد وحسن التعبد إلى الله.
- بعث الأمل وحفز الهمم والعزائم ورفع المعنويات وقت الشدائد وحماية الأفراد من التثبيط والإحباط.
- بث روح التعاون والتعود على الاستشارة وتنمية روح المشاركة.
- توجيه حماس الشباب وضبطه.
- الفطنة للعصبيات والعداوات ومعالجة نوعيات المشاغبة بحكمة وهدوء.
- إشاعة جو الانضباط، والمحاسبة تناسب الخطأ من غير قسوة دون إثارة أخطاء التأم جرحها.
ثالثاً: واجبات قيادية وإدارية:
- التخطيط وتحديد الأهداف والوسائل والإمكانيات وتوزيع الأعمال وتحديد قنوات الاتصال وإبلاغ التعليمات والقرارات مع الارتقاء والتطوير المستمر.
- الاهتمام بقضية التربية وإعداد الرجال والتدريب على مجالات المسئولية واتصال السابق باللاحق للاستفادة برصيد التجربة.
- التفقد والمتابعة والتقويم والتعاون مع الأفراد في تذليل العقبات.
- الاهتمام بأن تكون حركته وتصرفه بناءً على رؤية مستقبلية وصحيحة ولا تكون ردود أفعال.
- حماية الصف والأفراد من الاستدراج أو التسخير أو الاحتواء ومن حملات التشكيك، وكذلك من المدارس الفكرية مع الحفاظ على أصالة الطريق وتجنب صور الانحراف.
- تنظيم الوقت مع التوازن بين الجوانب الإدارية والدعوية والروحية.
- التحرز من إعفاء أحد أو إبعاده إذ لا يملك أحد أن يحول دون قيام فرد بالعمل لدعوة الله إلا إذا ثبت وترجح ضرر بقائه على الفائدة منه.
- استطلاع الآراء لحسن السير والرد على الاستفسارات والحرص على مصلحة العمل من حيث العلن دون إفراط أو تفريط.
ومن الواجبات التي يجب أن يتحلى بها من يتولى المسئولية أن يكون متواضعا مقتديا بالرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم- وحسبك شاهدا على ذلك أن الله خيره أن يكون نبيا ملكا أو يكون عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا، ومن مثله لم يأكل متكئا بعد حتى فارق الدنيا، وقال: “أجلس كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد”، ولم يقل لشيء فعله خادمه أنس أف قط، وما ضرب أحدا من عبيده وإمائه.
قال بعض العارفين: اعلم أن العبد لا يبلغ حقيقة التواضع وهو التذلل والتخشع إلا إذا دام تجلي نور الشهود في قلبه؛ لأنه حينئذ يذيب النفس، ويصفها عن غش الكبر والعجب فتلين، وتطمئن للحق والخلق بمحو آثارها وسكون وهجها، ونسيان حقها، والذهول عن النظر إلى قدرها، ولما كان الحظ الأوفر من ذلك لنبينا -صلى الله عليه وسلم- كان أشد الناس تواضعا.
ومن الأمثلة التي تنبه إلى الالتزام بواجبات المسئوليات المذكورة آنفا ما كتبه الأستاذ التلمساني في كتابه (الملهم الموهوب) يقول: “ارتكب رئيس مكتب إدارى خطأ وكان مرد الخطأ اغترار الأخ بقوة إخوانه في منطقته فأوقعهم في ورطة ومسئولية كلفتهم الكثير، وعلم الإمام بالأمر فأنبه بالحكمة الخالدة: “اغتررت بقوتك فوكلك الله إلى قوتك فلم تنفعك في شيء”؟
وكتب أيضا حول البيعة في نفس الكتاب: لقد قال لنا الإمام البنا: إنكم إذ تبايعوننى على السمع والطاعة فى المنشط والمكره، فيما تحبون وفيما تكرهون، فيما يسهل عليكم وفيما يشق عليكم، فإنكم لا تبايعون حسن البنا فإنه مخلوق مثلكم زائل، إن عاش معكم اليوم فإنه لا شك مغادركم غداً. ولما كان المسلمون الأوائل يبايعون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى أى موقف من المواقف ما كانوا في حقيقة الأمر يبايعون شخص محمد -صلى الله عليه وسلم- لأنه ميت كما أنهم ميتون ولكنهم كانوا يبايعون رب الأرباب رب القدرة والعرش العظيم وما محمد -صلى الله عليه وسلم- وما تبعه من الخلفاء الراشدين والأمراء إلا وسائل لعقد البيعة مع صاحب الشأن وحده: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح: 10). فارعوا جانب البيعة لأن صاحبها رقيب شهيد).
سبل تولي المسئولية
1- السبيل الشخصي:
وذلك نتيجة لما يتمتع به الماهر من مؤهلات متعددة ونبوغ شخصي وعمل دؤوب وخلق رفيع يشد إليه أنظار من حوله، ينتزع ثقتهم ويدفعهم إلى الانضواء تحت قيادته كما نرى ذلك في ريادة بعض الأعمال العامة والقيادات الاجتماعية والروحية …الخ.
“رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عمرو بن العاص ذات يوم مقبلاً فابتسم لمشيته وقال: “ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشى على الأرض إلا أميراً ” وكان عمر رضى الله عنه يعرف مواهبه ويقدرها، فحين قيل لأمير المؤمنين إن على رأس جيوش الشام “أرطبوناً” أي: قائداً وأميراً شجاعاً.. كان جوابه: “لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب فلننتظر عما تنفرج الأمور” رجال حول الرسول.
2 – سبيل الانتخاب والشورى:
حيث يختار أعضاء كل مؤسسة اجتماعية من يظنونه ماهرا وصالحا لقيادتهم كما حدث في بيعة العقبة الثانية وجاء في سيرة بن هشام عن كعب بن مالك (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم. فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس)، وكما حدث من أمر سقيفة بني ساعدة ومبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أميراً للمؤمنين.
3 – سبيل التعيين:
باختيار من يتوسم فيهم الصلاح والأهلية لبعض الوظائف والمهن بأن يكون ماهرا فيها، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر أسامة بن زيد بن حارثة وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس واجتمع مع أسامة بن زيد المهاجرون الأولون.
4 – سبيل الحاجة:
وذلك عندما يفتقد القائد الملهم الشجاع المخلص المضحي (الأنسب) فيتم البحث بين الصفوف عن بديل يتصدى للمسئولية كما جاء في سيرة بن هشام بعد استشهاد زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن أبي رواحة، أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان، فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم، فقالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل؛ فاصطلح الناس على خالد بن الوليد.
كيف تكون ماهراً في تنفيذ المسئوليات؟
للمجال المهاري تصنيف شائع من ستة مستويات:
- الملاحظة: أي ملاحظة الأداء النموذجي من خلال المشاهدة كي يتم تقليده.
- التقليد : أي محاولة تقليد النموذج الملاحظ.
- التجريب: في هذا المستوى يقل الإشراف المباشر وتخفف التوجيهات وربما يكون فى هذا المستوى شيء من الأخطاء لكنها أقل من المستوى السابق.
- الممارسة: في هذا المستوى يرفع الإشراف المباشر وتتم مزاولة المهارة بأخطاء قليلة وسريعة ومعقولة.
- الإتقان: في هذا المستوى تؤدى المهارة آليا دون عناء وتكاد الأخطاء أن تختفي.
- الإبداع: وهو تعبير عن القدرة على الإتيان بشيء جديد طريف غير مألوف.
ولتنفيذ المسئوليات عموماً تلزم بعض المهارات الخاصة نذكر منها على سبيل المثال:
- الإعداد: لتحديد الأهداف ووضع خطة عمل وبرنامج زمني إجرائي.
- التقديم: يقصد بها التهيئة العقلية والنفسية والبدنية لمعايشة العمل وتحقيق الأهداف، وترجع أهميتها إلى إثارة الدافعية وربط العمل بالأهداف.
- الشرح: وتعني عرض المعلومات وتبسيط المفاهيم وتحليل النتائج ورصد النقاط الأساسية وتوضح التعميمات والاستنتاجات وتطبيقها.
- المناقشة والأسئلة: ويتم فيها التفاعل وتحليل الأفكار وتوضيح الآراء والتعبير عنها والاقتناع بها وممارسة الشورى في إطارها السليم وصولاً إلى قرار رشيد، وتقوم على توفير جو من الحرية والثقة والتقبل مع عدم فرض رأي سابق أو اتجاه أو ميل معين مع السماح بتفاعل الآراء من غير صراعات وخلافات شخصية ومع إضفاء روح المرح والجدية وإعطاء فرصة للخجول والمنطوي، ويراعى فيها استخلاص النتائج وتوجيه الأنظار إلى ترتيب الأفكار.
- الصمت: اللجوء إلى السكوت عن الكلام أو الكف عن الحركة أو كليهما معاً لجذب الانتباه وتحقيق هدف معين، وكذلك عند التفكير العميق.
- إعطاء التعليمات: وضوح التعليمات الصادرة وتوفير المناخ الملائم والإمكانات والإرشادات لتحقيق أهداف هذه التعليمات بأفضل ما يمكن وباستخدام لغة بسيطة ودقيقة.
- الحيوية: النشاط والتحرك والتركيز والتفاعل والتفاؤل والأمل.
- التوجيه والتلميح: إرشاد لتصحيح سلوك أو اتخاذ موقف ما.
- التعزيز: الاستفادة لتوظيف (التغذية الراجعة) بقصد الترغيب في تجويد العمل وبلورة الأفكار والاستفادة بالآراء والنصائح.
- الإنهاء: ما يتعلق بإنهاء المواقف (آخر ما يعلق بالذهن) التلخيص والتركيز على النقاط الأساسية والتحفيز للجديد.
- التعامل مع المشاعر: من حيث التوصل إليها أو ترقبها أو فهمها أو الاستجابة لها أو تجزئتها أو نقلها أو احتوائها.
- التقويم: للتأكد من تحقق الأهداف والحكم عليها وعلى صحتها ودقتها وترتيبها ومدى ارتباطها بالمحتوى والأنشطة والوسائل والأساليب وكذلك الحكم على فعالية الوسائل المستخدمة والوسائل التي اتبعت وبيان أوجه الخلل والمعوقات والصعوبات وبيان وسائل العلاج وطرقه واكتشاف القدرات والميول والاستعدادات، ولبيان أوجه النجاح ومدى تحقق الأهداف يلزم طرح ثلاثة أسئلة:
من أين بدأنا ؟ أين نحن؟ ماذا بعد؟
- المتابعة: ما هي المعايير التي تستخدم لقياس النتائج الفعلية وأثرها الممتد وكيف يستفاد من التقويم ويوظف لتطوير المستقبل؟ وما هي المسارات التي تسير فيها نتائج التقويم.
شروط عامة لتعيين الفرد على القيام بتنفيذ المسئوليات
- الاستعداد الفطري: ويشمل النواحي الخَلْقِية من ذكاء وقدرات خاصة وسرعة الاستجابة والتفكير والتعبير الواضح وأن يكون ماهرا في الانخراط فى العمل وبذل الجهد.
- الرغبة والدافعية: حالة داخلية تزيد من الطاقة وتنظم السلوك وتوجهه نحو هدف معين، وهذه الدوافع تختلف وتتنوع فمنها: دافع الإنجاز، دافع الانتماء، دافع معرفي، دافع تنافس …إلخ.
- الخبرات السابقة: قدرات وصفات خاصة تتوفر عند المسئولين، فمثلاً إدارة فرع صغير تسبق إدارة قسم أكبر، ومهارة الإعداد والتنفيذ تسبق مهارة المتابعة.
- التكرار: إعادة المحاولة.
- الممارسة الموزعة: تجزيء العمل إلى جزيئاته وممارسة جزيء جزيء حتى يتم استيعابه كاملاً.
- اتزان الانفعالات: الانفعال حالة نفسية ذات صفة وجدانية قوية مصحوبة بتغيرات سريعة وبحركات تعبيرية كثيراً ما تكون واضحة أو عنيفة مثل: الغضب، فينبغي معرفة علاجه والتحكم فيه بحيث لا يتسبب فى تفسيرات خاطئة. أو الخوف، وهو إحجام الفرد عن المواجهة ويورث الجبن بينما الطاقات تنطلق فى الأمن والأمان. وكذلك القلق، حيث أي المستوى المنخفض منه يسبب الحرص على الاكتساب وفى مستواه العالي يتدهور الأداء.
تطبيقات من سيرة الرسول على مهارات المسؤولية
1- الملاحظة والتقليد:
- توجيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- “صلوا كما رأيتموني أصلى”.
- موقف الحسن والحسين والوضوء أمام الأعرابى.
- عن أبي سعيد الخدري أنه -صلى الله عليه وسلم- “كان يصلي فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا”.
2- التجريب:
توجيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمسيء في صلاته: “ارجع فصلِّ فإنك لم تصل” رواه أحمد والبخارى ومسلم.
3- الممارسة:
توجيه الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب” رواه البخارى.
4- الإتقان:
عن أنس رضى الله قال: “ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا الغلام يعني عمر بن عبد العزيز” رواه أحمد وأبو داوود والنسائي.
5- الإبداع:
لما رفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه من الركعة وقال: سمع الله لمن حمده؛ قال رجل وراءه: “ربنا لك الحمد حمداً كثيراً مباركاً فيه”، فلما انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من المتكلم آنفاً ؟ قال الرجل: أنا يا رسول الله؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لقد رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً” رواه أحمد و البخارى وأبو داوود.