تعدّ الأسرة المكان الذي يتلقّى فيه الطفل البذرة الأولى في تكوينه ونموه النفسي والفكري والعقلي والاجتماعي، ويعد الأب المثالي هو رمانة الميزان في الأسرة الصالحة التي تخرج للمجتمع النشء السوي، بالإضافة إلى دور الأم المهم، إذ تقع المسؤولية الكبرى في تربية الأولاد على عاتق الزوجين.
لذلك يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: “كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه” (البخاري)، وفي هذا إشارة إلى أن الوالدين هما اللذان يكوّنان الطفل ويزوّدانه بما يحتاج إليه من خبرات ومهارات لمواجهة الحياة.
مفهوم الأب المثالي وأهميته للأبناء
إنّ تصنيف الأب المثالي يُمكن أن يُفسّره كل إنسان حسب قناعاته وما ينشده في الشخص الآخر، وهي فكرة خاطئة، فبعض الأمهات يُردن من الزوج التفاني في المساعدة وتقديم الخدمات ومشاركة الزوجة وأن يعتمدن عليه في كل صغيرة وكبيرة من أمور البيت والأولاد.
ويرى البعض أن هذا الأب هو مَن يبني علاقة ناجحه مع أولاده بمعزل عن علاقته مع الأم، وأنه هو الذي يُسرع أولاده نحوه طلبا للمشورة والنصح، ويُخصص أوقاتًا يقضيها برفقة أولاده، ويعرف هواياتهم ومستواهم الدراسي، كما أنه يجعل جو البيت مليئا بالفرح ويشعر أفراد عائلته بالاطمئنان والحماية في وجوده.
لكن بعض الآباء ينشغلون عن أطفالهم بسبب طبيعة أعمالهم، حيث يذهبون إلى العمل في وقت مبكّر من الصباح والأطفال نيام، ويعودون من العمل في وقت متأخر من الليل وهم نيام، وإن حدث أن اتفق وصول أحدهم إلى البيت قبل نوم الصغار، فإنه مرهق بسبب العمل الشاق الذي كان يمارسه طوال اليوم، فهو بحاجة إلى استراحة.
وقد نرى أطفالًا تُسارع الخطى لترتمي في أحضان أشخاص آخرين في حين يبتعدون عن آبائهم الذين لا يظهرون أي نوع من الحنان تجاههم، وإذا غاب ذاك الرجل الآخر يهرول إليه الطفل يسأله بشوق: “كنت فين يا عمو؟!”.
إلا أن من يقتدي بالنبي- صلى الله عليه وسلم- يكون سلوكه مختلفا عن ذلك تماما، كما ذكر الأقرع بن حابس أنه جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرآه يُقبّل الحسن بن علي، فقال الأقرع: “أتقبّلون صبيانكم؟! فقال رسول الله: “نعم”، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبلت واحدًا منهم قط، فقال له رسول الله: “من لا يرحم لا يرحم” (صحيح البخاري).
الأب المثالي في نظر الأبناء
إن الأبوة الصالحة تعني أن يسعى الأبوان لاتخاذ أفضل القرارات لمصلحة طفلهما، كما أنّ الأبوة الناجحة لا تعني تحقيق الكمال، لكنها العمل بجد لتنشئة طفل جيّد وسليم نفسيًّا وجسديًّا وأخلاقيًّا، ولقد قدمت منجية إبراهيم، روشتة مختصرة لكل من يريد أن يكون الأب المثالي لأبنائه، ومنها:
- أحِبّه وأظهر له ذلك: لا يوجد شيء أكثر قيمة يمكن أن تقدمه لطفلك مثل أن تحبه، الحب لا يجعل الطفل مدللا ولكن ما تفعله باسم الحب فقط هو ما يجعله مدللا مثل: التساهل المادي، الحماية المفرطة… إلخ، عندما يجري تقديم هذه الأشياء بدلًا من الحب الحقيقي، عندها سيكون لديك طفل مدلل، يمكن أن يكون التعبير عن حبنا للطفل بسيطًا، مثل معانقته، وقضاء الوقت معه والاستماع إلى مشكلاته بجدية كل يوم.
- كن مثالا يُحتذى به: لا تخبر طفلك عمّا تريده أن يفعله بل أَرِه ذلك، ما يميز الإنسان أنه يتعلم عن طريق التقليد، نحن مبرمجون على نسخ تصرفات الآخرين ودمجها في أفعالنا، الأطفال على وجه الخصوص يراقبون بعناية فائقة ما يفعله آباؤهم.
- كن ملاذًا آمنا لطفلك: أخبر طفلك أنك ستكون دائمًا حاضرا لأجله من خلال التفهم والاستجابة لاحتياجاته، ادعم طفلك وتقبله كفرد، كن ملاذًا دافئًا وآمنًا له. إن الأطفال الذين يحظون بتربية آباءٍ متفهمين باستمرار، يميلون أكثر إلى تحسين التطور العاطفي والتنمية الاجتماعية، والصحة العقلية أكثر من غيرهم.
- تذكّر هدفك الأبوي: ما هو هدفك من تربية طفل؟ إذا كنت مثل معظم الآباء، فأنت تريد أن يكون طفلك جيدًا في المدرسة، وأن يكون منتجًا، وأن يكون مسؤولًا ومستقلًا، ومحترمًا، ويستمتع بعلاقات ذات مغزى معك ومع الآخرين، وأن يكون عطوفًا ومتعاطفًا، وأن يكون لديه حياة سعيدة وصحية ومُرضية. ولكن كم من الوقت تقضيه في العمل لتحقيق هذه الأهداف؟ إذا كنت مثل بقية الآباء فمن المحتمل أنك تقضي بقية يومك في النضال بين هنا وهناك، وبدلًا من مساعدة طفلك على الازدهار، تقضي معظم الوقت في محاولة أن تنجو من ضغوط الحياة.
- مارس الأبوّة الإيجابية: امنح طفلك تجارب إيجابية، سيكون لديه القدرة على خوض التجارب الإيجابية بنفسه، تحدث مع طفلك، اضحك والعب معه، حلّ مشاكله بمواقف إيجابية، لا تؤدِّ هذه التجارب الإيجابية فقط إلى إنشاء روابط جيدة في دماغ طفلك، ولكنها تشكل أيضًا الذكريات التي يحملها طفلك معه مدى الحياة.
- تحدّث مع طفلك: معظمنا يعرف بالفعل أهمية التواصل، تحدثّ إلى طفلك واستمع إليه بعناية، من خلال الحفاظ على خط اتصال مفتوح، ستكون لديك علاقة أفضل بطفلك وسيأتي إليك عندما تكون هناك مشكلة.
- لن أعيش في جلباب أبي: كثير منا يرغب في تربية أطفاله بطريقة تختلف عن تربية والديه له، حتى وإن كان قد حظي بتربية جيّدة وسعيدة، ولكنه قد يرغب في تغيير بعض الجوانب من تنشئته، لكننا في كثير من الأحيان نقلّد والدينا بالفعل، ومع ذلك فإن التفكّر في الطريقة التي تربينا عليها ستجعلنا نكتشف لماذا نتصرف على هذا النحو أو ذاك. دوّن الأشياء التي ترغب في تغييرها وفكر في كيفية القيام بذلك بشكل مختلف، حاول أن تكون متيقظًا وغيّر سلوكك في المرة القادمة التي تظهر فيها هذه المشاكل، لا تستسلم إذا لم تنجح في البداية.
- لا تستخدم العنف مهما كان السبب: إن ضرب الطفل، أو صفعه قد يكون في كثير من الأحيان حلّا للآباء لإجبار الطفل على الامتثال للأوامر، ومع ذلك، فإن هذه الطريقة لا تُعلّم الطفل الصواب من الخطأ، إنها تُعلّم الطفل فقط أن يخاف من العواقب الخارجية.
- اعتنِ بنفسك وبعلاقتك مع الزوج: في كثير من الأحيان تنهمك في شؤون الحياة والتربية والعمل، وتنسى الاعتناء بصحتك، أو بعلاقتك مع زوجك، ولكن ذلك قد يصبح مشكلة أكبر من شأنها أن تؤثر على مهارات الأبوة لديك، امضِ بعض الوقت في العناية بصحتك، وعلاقتك بزوجك، لأن الحصول على بعض الوقت الخاص للعناية الذاتية أمر مهم لتجديد العقل.
- القراءة والتعلم: عليك بمطالعة بعض الكتب التربوية أو الموضوعات التربوية التي تنمي قدرتك على احتواء طفلك أو معرفة طبيعة المرحلة التي يمر بها.
إن صفات الأب المثالي لا تنطبق على كل الأزواج، إذ لا بُد من أن يكون رب الأسرة على دراية بما يُحبه أو يَكرهه الابن، وأن يقضي وقتًا معه لتزداد المحبة بينهما، فيشعر الابن باهتمام الأب، وتنشأ بينهما روح التعاون والمشاركة.
وحتى يكون الزوج أبًا مثاليًّا، عليه الانسجام العائلي والتقرب من أطفاله وزوجته أكثر، والاستماع إليهم في جميع الأمور والتصرف معهم بحكمة كي لا يخافون من مناقشته في مشاكلهم وأفراحهم، وعلاقة الأب مع الجد لها تأثير كبير على علاقة الابن مع أبيه، فكلما كانت إيجابية انعكست على الأبناء.