الأسرة هي العامل الأساسي في تكوين شخصية الأفراد وبناء المجتمعات، ورابطة اجتماعية تتكون من الأب والأم والأبناء، وفي ظلالها يتربى الفرد الصالح وتنمو مشاعر الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة، ويتعلم الناس التعاون على الخير والبر، لذا فهي أقوى عماد في البناء المجتمعي، بل هي المهد الحقيقي للطبيعة الإنسانية.
وسنة الله – عز وجل – في الخلق اقتضت أن يكون قائمًا على الزوجية، فخلق الله سبحانه وتعالى من كل شيء زوجين قال تعالى: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} [الذاريات ٤٩]. كما أودع عز وجل ميلاً فطريًّا بين زوجي كل جنس، لذا فالصلة القلبية والتعلق الروحي عند الإنسان مستمر مدى الحياة. ولما كان الإنسان مكرما مفضلا عند الخالق عز وجل على كثير ممن خلق، فقد جعل تحقيق هذا الميل عن طريق الزواج الشرعي فقط.
إلا أن بعض مقومات الأسر تتعرض لضربات وهزات عنيفة سواء من الأب أو الأم أو الأبناء، أو من بعض العوامل الخارجية التي تكون سببا في انهيار الأسر وتفككها.
الأسرة سكن ومودة
وَضَعَ الله – سبحانه وتعالى – أسسًا لإقامة الأسرة على السكن والمودة والرحمة، وليس على الصراع والحروب، قال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم21]
يقول الشيخ ابن عاشور رحمه الله: “فإن المودّة وحدها آصرة عظيمة وهي آصرة الصداقة والأخوة وتفاريعهما: والرحمة وحدها آصرة منها الأبوّة والبنوّة، فما ظنّكم بآصرة جمعت الأمرين، وكانت بجعل الله تعالى، وما هو بجعل الله فهو في أقصى درجات الإتقان”، [التحرير والتنوير (1/ 626)].
والبيت متى خلا من السكن واعتلاه الخوف، تتقوض أركانه مع مرور الزمن، وللأسف بعض بيوتنا تهدمت بفقد السكن، وبعضها وإن استمرت فاستمرارها على مضض. ولكي يتحقق السكن من قبل الزوج إلى الزوجة لا بُد من أن يود الزوج الزوجة ويرحمها ومن ثمّ ترتقي تلك المودة والرحمة لتحقق السكن.
وحياة الزوجين في ظلال الجفاء والعنف تصبح عذاباً وألماً وكابوساً يتمنى المظلوم منهما أن يفيق منه، أو تنتهي حياته تلك بأي صورة كانت.
كيف تنعم الأسرة بالمودة والرحمة؟
ورغم ارتفاع نسبة الطلاق إلى مستوى خطير ينذر بانهيار المجتمع، فإن هناك رغبة صادقة للعيش في الأسرة التي تغمرها المودة الخالصة، والرحمة الظليلة الحنون، بعيدًا عن القلق والضيق، وأشباح الكراهية والسآمة والخلاف والفراق، ولتحقيق ذلك يذكر يوسف إسماعيل سليمان أنه يجب:
- استشعار الزوج أن القوامة مسؤولية لا استعباد: فالزواج سفينة والزوج رُبَّانها، المسؤول عن توفير الراحة والأمان، وحل مشاكلها، والصبر على ما يلقاه في الطريق من مشقة، أو عناء، أو رياح عاتية، أو أمواج عالية حتى يصل بها إلى بر الأمان، لكن ذلك يكون بمشاركة زوجته.
- كن أفضل الأزواج: فالزوج المسلم الذي يسير على هداية من تعاليم الإسلام السامية الراقية في معاملاته وسلوكياته مع زوجته، حتمًا سيكون أروع الأزواج، حيث حض الإسلام على تكريمها والإحسان إليها، ففي الحديث: “استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوجَ، فاستوصوا بالنساء” (متفق عليه).
- خياركم خياركم لنسائهم: فالزوج آتاه الله القوة للبطش أو غيره لكن الإحسان أولى وحسن العشرة وإن كرهها، قال صلى الله عليه وسلم: “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم” (رواه الترمذي).
- الابتسامة والمساعدة: يعود الزوج من العمل متعبا فيجب على الزوجة أن تعمل على توفير الراحة وتهيئة البيت، واستقباله بابتسامة، كما أنه يجب على الزوج الابتسامة لا النكد، بل ويعمل على معاونة الزوجة بقدر استطاعته لأنها أيضا تتحمل كثير من المهام، ويواسيها باللطيف من القول إن آنس فيها شكوى من تعب أو سأم أو ضيق، ويشعرها أنها أغلى الناس عنده، وأكرمهم على نفسه، ولهذا فهو يهتم بها، ويألم لألمها، ويبذل وسعه لراحتها.
- على الزوج والزوجة استحضار وتطبيق شرائع الدين وأخلاقه وأن يكون الحكم بينهما فيما اختلفوا فيه كتاب الله وسنة نبيه حتى يصلوا إلى شاطئ يملؤه الاستقرار.
- لا تكن عبوسا متجهما: فكثير من الأزواج أو الزوجات يحولون حياتهم لشكل عبوس وضجر يظهر على وجههم وتصرفاتهم فيصير بيتهم جحيما، فيجب أن تُنثر جوانب العيش والمعاشرة الدائمة بينهما بالمداعبة اللطيفة الممتعة، والنكتة المُرفِّهة السارة، يطلقها بين الحين والحين، متأسيًا بنبيه الكريم.
- الاحترام سيد الأمور: فالرجل يحب أن تحترمه زوجته وتقدره، ويفقد كل معاني الهدوء إذا انتقصت الزوجة من كرامته واحترامه، والمرأة كذلك، ومن ثم وجب عليه/ عليها ألا يتفوه بكلمة نابية جارحة لأحد من ذويها؛ مراعاة لشعورها، كما أنه لا يفشي لها سرًّا ائتمنته عليه، ولا يذيع خبرًا أفضت به إليه.
الأم مدرسة تربوية
وإذا كانت الأسرة هي عماد المجتمع، فإن الأم وتده وأهم أركانه، ومنبع الحب والعطاء والحنان والتضحية التي لا تنتهي ولا تنتظر المقابل، لذلك وصّى الله سبحانه وتعالى بها كما وصى النبي العدنان، بقوله حينما سأله أحد أصحابه – رضى الله عنهم: “يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ] (رواه البخاري عن أبي هريرة).
وأجمع على طاعتها وحسن رعايتها السلف والخلف، كما عبر عن دورها الشاعر حافظ إبراهيم قائلا:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
والأم مدرسة حينما حوصرت المساجد، والأم مدرسة حينما غلقت المدارس، والأم مدرسة حينما غاب الدعاة، والأم مدرسة حينما تنعدم السبل.
إن عاطفة الأم وحنانها إذا التحمت بالعلم والمعرفة والتربية الإسلامية، كانت ثمارها محمودة الصفات والأخلاق، لكن الكثير يريدون أنوثتها فقط ويعملون جاهدين من أجل ذلك، ومن ثم انهيار الأسر ودمار المجتمعات، يهجون عقلها وفكرها ووعيها بل ويخافونه! ويرون قيمتها في “اللا قيمة” لها، يفرغونها من كينونتها.
لذا فإن عملية التربية ليست بالأمر السهل أو الهين، ويجب على الأم أن تكون مستعدة وتتحلى بسلوك الأمومة القويم وتحرص على التعرف على التجارب الصالحة لتربية الأبناء وجعل بيتها لزوجها وأبنائها واحة من راحة البال.
الأبناء وحب السيرة
وتعيش الأسرة في سلام إذا سلكا الوالدان الطريق القويم في تعريف معالم السيرة النبوية لدى أبنائهم بالوسائل المختلفة، سواء عن طريق المجالسة أو القصص أو الفيديو أو الألعاب، ولا بُد من:
- القدوة الصالحة: ففاقد الشيء لا يعطيه، فإذا كان الوالدان لا يعرفان سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – لن يستطيعا غرس حبها في نفوس الأبناء.
- الحديث الدائم عن النبي وسيرته بما يتناسب مع أعمارهم المختلفة؛ حتى يتعرفوا على الرسول صلى الله عليه وسلم.
- يمكن تحفيظهم كل أسبوع أحد الأحاديث الشريفة القصيرة، مع توضيح معناها ببساطة.
- نُربيهم على السلوكيات التي كان يتمثل بها صلى الله عليه وسلم، مثل طَلاقَة الوجه والسماحة والتبسم، وتعويدهم إلقاء السلام عند الدخول.
- تعليمهم كيف كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواقفه بطريقة محببة لنفوسهم.
- كثرة ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، والصلاة عليه أمام الأبناء.
- تخصيص الأب جلسة أسبوعية يحدث فيها أبناءه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
- تحبيب الأبناء في القراءة المفيدة في الكتب التي تتحدث عن سيرة المصطفى وسنته صلى الله عليه وسلم.
- مشاهدة كرتون إسلامي عن الرسول وسيرته وأخلاقه وصفاته.
التربية بالعقاب
ويتوقف استقرار الأسرة على نوع العقاب وكيفيته مع الأبناء، فلا بد من التدرج حتى لا يكون تأثيره سلبيَّا أو يصل بهم إلى درجة اللامبالاة:
– اعرف طفلك وخصائص مرحلته العمرية حتى تقرر آلية عقاب على خطئه.
– حاول أن تعطي إنذارًا وتذكيرًا للطفل قبل العقاب.
– اجلس مع طفلك واسمع منه ما يجول في خاطره وأجب عن تساؤلاته وافتح له أفق المعرفة.
– عدم الضرب أثناء الغضب الشديد وعدم الانفعال أثناء الضرب.
– نسيان الذنب بعد الضرب وعدم تذكير الطفل به، ولا تأمر الطفل بعدم البكاء أثناء الضرب.
– لا تعاقب طفلك على سلوكيات هي جزء من نموه الطبيعي مثل: التبول الليلي، أو مص الأصبع.
– لا تعاقب طفلك على أخطاء عفوية أو غير مقصودة كأن يسكب الشاي على السجاد.
– اطرح أسئلة أكثر من إصدار الأوامر واجعله يختار الحل والعقاب إذا ارتكب الخطأ، وافتح أمامه الاختيارات.
– امدح ما أعجبك في سلوك الطفل وشجعه على الاستمرار فيه.
– لا تحاصره دائما وتجاهل بعض السلوكيات الخاطئة، وعلّمه التعبير عن مشاعره.
– حافظ على كرامة الطفل وتعامل معه بهدوء ولا تجرح مشاعره أمام أقرانه خاصة.
المصادر
- الأسرة وخطر الضياع
- بيوتنا سكن ومودة لا حرب وصراع
- الأم مدرسة تربوية
- كيف نربي أبناءنا على التعلق بالسيرة النبوية؟ https://montdatarbawy.com/show/124435
- كيف تنمي مهارة العقاب في تربية الأبناء؟